الحرب الأمريكية الطرابلسية
الحرب المنسية في الأمة الامريكية
هل تعلمون أن النشيد الذي يتلوه مشاة البحرية الأمريكية يذكر مدينة طرابلس في إشارة للحرب البحرية التي خاضتها ليبيا ضد أمريكا في الفترة من عام 1801-1805م والتي أدت بخسارة الأمريكان لأكبر سفن أسطولهم وهي السفينة (فيلادلفيا)، وجاء في النشيد :
من سهول مونتيزوما
إلى شواطئ طرابلس
نخوض حروب بلادنا
في الجو والبر والبحر
نقاتل من أجل الحق والحرية
لوحة تصور قصف طرابلس في 3 أغسطس 1804
إلى شواطئ طرابلس
نخوض حروب بلادنا
في الجو والبر والبحر
نقاتل من أجل الحق والحرية
لوحة تصور قصف طرابلس في 3 أغسطس 1804
قد يندهش القارئ إذا عرف أن أول حرب خاضتها أمريكا خارج قارتها، جرت بعد ثلاث سنوات، فقط، من إعلان استقلالها. ودامت أحداثها ما بين 1799 و1805، ضد دولة عربية إسلامية ؛ وهي ليبيا التي كانت وقتها ولاية عثمانية تابعة لسلطان إسطنبول، بدأت الحرب حملة بحرية، ثم تطورت إلى حملة عسكرية برية لغزو الأراضي الليبية من جهة الحدود المصرية. وكان هدفها تغيير نظام الحكم القائم، في ليبيا، باسم "محاربة القرصنة"؛ وهو ما يماثل، في معناه، اليوم، شعار "محاربة الإرهاب"!
كانت الدولة العثمانية عام 1776م تتشكل من عدد كبير من "الولايات" التي تتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي وتنتشر في القارات الثلاثة القديمة، وتضم معظم أوروبا الشرقية حالياً، بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عدا المغرب، وهذا يعني بأن 80% من سواحل البحر الأبيض المتوسط كانت خاضعة لسيطرة المسلمين، لدرجة أن الدول الإسلامية الإقليمية (الولايات) التابعة للدولة العثمانية، وبخاصة دول شمال إفريقيا، كانت تتعامل مع البحر المتوسط باعتباره بحيرة إسلامية، وتفرض جزية على الإبحار فيه، وهي ممارسة كان معترفاً بها كواقع عام 1776م لدرجة أن بريطانيا ومعظم دول شمال أوروبا كانت تدفع الجزية لدول شمال إفريقيا. فهولندا كانت تدفع 600 جنيه، ومملكة صقلية 4 آلاف جنيه، ومملكة سردينيا 6 آلاف جنيه، والولايات المتحدة الأمريكية تقدم آلات ومهمات حربية قيمتها 4 آلاف جنيه و10 آلاف جنيه أخرى نقداً مصحوبة بهدايا قيمة، وتبعث فرنسا بهدايا ثمينة عند تغيير قناصلها، وتقدم البرتغال هدايا من أحسن الأصناف، وتورد السويد والنرويج كل سنة آلات وذخائر بحرية بمبالغ كبيرة، وتدفع مدينتا هانوفر وبرن بألمانيا 600 جنيه إنجليزي، وتقدم أسبانيا أنفس الهدايا سنوياً. لم يكن نظام الجزية يستثني أحداً بما فيها السفن الأمريكية التي كانت تدخل المتوسط. قبل عام 1776 عندما كانت المستعمرات الأمريكية جزءاً من بريطانيا، كانت الجزية تدفع من قبل الأخيرة وتغير الأمر بعد الانفصال وإعلان الأمريكيين الاستقلال عن بريطانيا، حيث تَوجّب على السفن الأمريكية دفع الجزية للمسلمين.
كانت الدولة العثمانية عام 1776م تتشكل من عدد كبير من "الولايات" التي تتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي وتنتشر في القارات الثلاثة القديمة، وتضم معظم أوروبا الشرقية حالياً، بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عدا المغرب، وهذا يعني بأن 80% من سواحل البحر الأبيض المتوسط كانت خاضعة لسيطرة المسلمين، لدرجة أن الدول الإسلامية الإقليمية (الولايات) التابعة للدولة العثمانية، وبخاصة دول شمال إفريقيا، كانت تتعامل مع البحر المتوسط باعتباره بحيرة إسلامية، وتفرض جزية على الإبحار فيه، وهي ممارسة كان معترفاً بها كواقع عام 1776م لدرجة أن بريطانيا ومعظم دول شمال أوروبا كانت تدفع الجزية لدول شمال إفريقيا. فهولندا كانت تدفع 600 جنيه، ومملكة صقلية 4 آلاف جنيه، ومملكة سردينيا 6 آلاف جنيه، والولايات المتحدة الأمريكية تقدم آلات ومهمات حربية قيمتها 4 آلاف جنيه و10 آلاف جنيه أخرى نقداً مصحوبة بهدايا قيمة، وتبعث فرنسا بهدايا ثمينة عند تغيير قناصلها، وتقدم البرتغال هدايا من أحسن الأصناف، وتورد السويد والنرويج كل سنة آلات وذخائر بحرية بمبالغ كبيرة، وتدفع مدينتا هانوفر وبرن بألمانيا 600 جنيه إنجليزي، وتقدم أسبانيا أنفس الهدايا سنوياً. لم يكن نظام الجزية يستثني أحداً بما فيها السفن الأمريكية التي كانت تدخل المتوسط. قبل عام 1776 عندما كانت المستعمرات الأمريكية جزءاً من بريطانيا، كانت الجزية تدفع من قبل الأخيرة وتغير الأمر بعد الانفصال وإعلان الأمريكيين الاستقلال عن بريطانيا، حيث تَوجّب على السفن الأمريكية دفع الجزية للمسلمين.
السلطان الغازي أورخان الأول.
حاولت الولايات المتحدة المستقلة حديثاً الامتناع عن دفع الجزية. ولأن الأمريكيين لم يكونوا قد امتلكوا قوة بحرية رسمية بعد، فقد انبرى المواطنون الأمريكيون وبخاصة التجار منهم لهذه المهمة، وقاموا بتجميع أسطول خاص (خلال الفترة من 1776-1783) وتشكيل قوة بحرية غير رسمية لمواجهة البحرية الجزائرية وحماية مصالحهم التجارية في المتوسط. غير أن الأسطول الأمريكي خسر معركته في المتوسط ومعها سائر سفنه التي تعرضت للغرق في المواجهة مع البحرية الجزائرية. وفي العام 1784 تكررت عمليات الاستيلاء على السفن الأمريكية، فدفعت الحوادث هذه الكونجرس الأمريكي للمسارعة في تمرير قانون خاص بإنشاء الأسطول الأمريكي الرسمي عام 1784 بهدف معلن هو حماية التجارة في المتوسط. غير أن الكونجرس أصدر أوامره في ذات الوقت للدخول في مفاوضات مع ولايات الشمال الأفريقي حول مسألة دفع الجزية.
سفينة “الشباك” فخر الصناعة الحربية الجزائرية إبان العهد العثماني
ولما كانت الولايات المتحدة عاجزة عن استرداد سفنها بالقوة العسكرية، وكانت تحتاج إلى سنوات طويلة لبناء أسطول بحري يستطيع أن يواجه الأسطول العثماني اضطرت إلى الصلح وتوقيع معاهدة مع الجزائر في 5 سبتمبر 1795م، وقد تضمنت هذه المعاهدة 22 مادة مكتوبة باللغة التركية، وهذه الوثيقة هي المعاهدة الوحيدة التي كتبت بلغة غير الإنجليزية ووقعت عليها الولايات المتحدة الأمريكية خلال تاريخها الذي يتجاوز قرنين من الزمان، وفي الوقت نفسه هي المعاهدة الوحيدة التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بدفع ضريبة سنوية لدولة أجنبية، وبمقتضاها استردت الولايات المتحدة أسراها، وضمنت عدم تعرض البحارة الجزائريين لسفنها. وقع جورج واشنطون أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية معاهدة صلح مع بكلر حسن والي الجزائر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، بمقتضاها تدفع إلى الجزائر على الفور 642 ألف دولار ذهبي، و1200 ليرة عثمانية، وذلك مقابل أن تطلق الجزائر سراح الأسرى الأمريكيين الموجودين لديها، وألا تتعرض لأي سفينة أمريكية تبحر في البحر المتوسط أو في المحيط الأطلسي.
وفي يونيو 1786 طلب الكونغرس من آدمز وجيفرسون وفرانكلين التوصل إلى السلام مع المغرب، وهو ما حصل بالفعل حيث تم توقيع معاهدة سلام مع حاكم المغرب تم بموجبها إطلاق سراح السفينة بيتسي مقابل جزية قدرها 20 ألف دولار، كما أرسل الأمريكيون بعثة دبلوماسية إلى طنجة. كانت جورج واشنطن أولى سفن الأسطول الأمريكي التي تمخر في مياه البحر الأبيض المتوسط وكان ذلك في العام 1800. والمثير هنا أنها لم تكن في مهمة عسكرية بل كانت تحمل جزية للجزائريين قدرها نصف مليون دولار. مع أن الجزائر كانت تتمتع وقتها بقدر واسع من الحكم الذاتي إلا أنها كانت لا تزال جزءاً من الدولة العثمانية المسلمة، وبالتالي تسهم في تمويل ميزانية اسطنبول. بعد تسليم الجزية الجديدة أبلغ "باي" الجزائر قبطان السفينة جورج واشنطن بأن رحلته لم تنته بعد وبأن عليه التوجه إلى اسطنبول حاملاً للخليفة السلطان العثماني هدايا وأموالاً. وخشية التعرض للمصادرة في حالة الرفض، وافق القبطان الأمريكي مجبراً فكان أن أبحر في اليوم التالي بسفينته المحملة بالأغنام والزرافات والببغاوات وبأكثر من مليون دولار من الذهب والمجوهرات والبضائع. ولعل مما ضاعف من ألم ومعاناة القبطان طوال الرحلة إلى اسطنبول مشاهدة مرافقيه الجزائريين وهم يؤدون الصلوات الخمس بانتظام باتجاه مكة التي كان عليه ضبط مسار السفينة باتجاهها في كل مرة.
في تلك الفترة كانت ولاية ليبيا تحت حكم يوسف القرماني (1795 -1832) وهو أشهر شخصية في سلالة القره ماللي التي حكمت ليبيا لأكثر من 120 سنة (1711 -1835). وعرف يوسف باشا باعتباره أول رئيس دولة يعلن الحرب على الولايات المتحدة المستقلة حديثاً في حرب استمرت بين عامي (1801 -1805). وقد أراد أن يحصل بدوره على جزية من الأمريكان والأوروبيين نظير مرور سفنهم أمام السواحل الليبية، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض من الأمريكان.
خريطة الولايات المتحدة 1804
أرسلت الولايات المتحدة أسطولها الحربي إلى البحر المتوسط، وكان يدخل في عداده فرقاطتان جهزت كل منهما بـ 44 مدفعا، وهما (بريزيدينت) و(فيلادلفيا)، وواحدة صغيرة مجهزة بـ 32 مدفعا هي (إيسكس)، وأخرى شراعية مجهزة بـ 12 مدفعا هي (انتربرايز). كان رئيس الجمهورية "توماس جيفرسون"، الذي باشر للتو أعماله الرئاسية كثالث رئيس للولايات المتحدة، يأمل بإرسال أفضل قواته إلى البحر المتوسط؛ كي تعزز هذه القوة من هيبة الولايات المتحدة في المنطقة، وقد قال لمساعديه: "سوف نلقن هذا الأبله -يقصد حاكم طرابلس- درساً لن ينساه في فنون القتال، وسنجعله نصراً مدوياً ندشن به حقبة جديدة لأسطولنا وتواجدنا العسكري في أكثر مناطق العالم حيوية، وبهذا أيها السادة نكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو بناء الإمبراطورية الأمريكية". صدر إلى الأميرال "ريتشارد ديل" بقيادة هذه الحملة، والتوجه إلى البحر المتوسط؛ لإلقاء الرعب في قلوب حكام الشمال الأفريقي، وإيجاد موطئ قدم للإمبراطورية الجديدة. لقد كان انتقاءً مدروساً بعناية، ذاك القرار الذي تم بموجبه تسمية هذا الأميرال؛ أحد أبطال حرب الاستقلال، والذي يتمتع بخبرة واسعة في مجال البحرية العسكرية. ناهيك عن علاقته الحميمة بالرئيس جيفرسون، إذ ينحدر كلاهما من بلدة "فيرجينيا".
حريق يو إس إس "فيلادلفيا" في معركة ميناء طرابلس خلال حرب البربر الأولى عام 1804
كان والي طرابلس القوي، قد شعر بأن الأمريكيين يماطلون في دفع الجزية المفروضة على مرور السفن الأمريكية التجارية بالبحر المتوسط، فعمد إلى إهانتهم في رمز شرفهم الوطني، عندما أمر في 14 مايو 1801 جنوده بأن يحطموا سارية العلم الأمريكي القائمة أمام القنصلية الأمريكية في طرابلس، إشارة إلى إعلان الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية. انطلقت بعدها الطرادات الليبية التابعة للبحرية الليبية التي كان قائدها الريس مراد تجوب البحر بحثاً عن السفن الأمريكية للاستيلاء على غنائمها وإجبار حكومة واشنطن على دفع جزية سنوية.
أعلن يوسف باشا الحرب على أمريكا، وطفق المنادون يجوبون الشوارع، قارعين طبول الحرب، فيما شرعت المآذن تلهب حماس الناس بآيات من الذكر الحكيم، تحرضهم على قتال الصليبيين. وهكذا يكون الباشا قد دق بالفعل أجراس الحرب، التي لم يسمع قائد الأسطول الأمريكي "ديل" بأصدائها إلا في الـ 30 من يونيو، وذلك عندما دخل جبل طارق للتزود بالمؤن. وهلع ديل مما سمع، إذ لم يكن يتوقع أن تجري الأمور بكل هذه السرعة. وصدرت الأوامر منه على الفور بإغراق وحرق وتدمير أكبر عدد من المراكب الطرابلسية، التي من المحتمل أن تواجههم في عرض المتوسط.
أسر فيلادلفيا
أرسلت الولايات المتحدة وحدة بحرية مكونة من أربع سفن كبيرة هي: إيسيكس، بريزدنت، فيلادلفيا، وإنتربرايز بهدف فرض حصار على ميناء طرابلس وقصف المدينة وصولاً إلى إجبار يوسف باشا على الاستسلام. بدأت المهمة عملياتها بخدعة برفع السفينة إنتربرايز العلم البريطاني، الأمر الذي مكنها من الاقتراب من السفينة طرابلس لمسافة قريبة جداً قبل أن ترفع العلم الأمريكي وتقوم بمهاجمة السفينة وتوقع 30 إصابة بين بحارتها الـ:80. وفوق ذلك تم أسر قبطانها الريس محمد سوسة، وجلده أمام أنظار الجميع. بعدها أرسلت القوة البحرية الأمريكية وحدة إنزال على الشاطئ وقامت بحرق 11 فلوكة محملة بالحبوب. ما إن استفاقت بحرية يوسف باشا من صدمة الهجوم الأمريكي المفاجئ، حتى تحركت القوارب في محاولة ناجحة لاختراق الحصار، ونجحت بدورها في فرض حصار على السفن الأمريكية. أما قوة المارينز التي نفذت الإنزال على الشاطئ فقتلت جميعها؛ لتسجل بذلك أولى ضحايا تتكبدها المارينز في الشرق الأوسط. انتهت الحملة الأمريكية المذكورة بمشهد قائد القوة البحرية وهو يرفع العلم الأبيض مستسلماً لحاكم طرابلس.
في أغسطس 1803 قادت السفينة الحربية يو.إس.إس فيلادلفيا قوة بحرية أميركية جديدة باتجاه الشرق الأوسط. وما إن دخلت مياه المتوسط حتى التقت بالسفينة التجارية المغربية "المركوبة" فهاجمتها واحتجزت ركابها. وفي الطريق إلى طرابلس هاجمت القوة الأمريكية عدداً من القوارب قبالة سواحل طرابلس، فما كان من هذه القوارب إلى أن انسحبت أمامها في حركة تكتيكية على ما يبدو مقتربة من الشواطئ ما أمكن. ومع ذلك لاحقتها السفينة فيلادلفيا. كان ذلك عصر يوم 31 أكتوبر1803، فأطبقت تسع قوارب طرابلسية على السفينة واعتقلت القبطان و307 من المارينز وجردتهم جميعاً من ملابسهم واقتادتهم أسرى إلى الشاطئ، ثم قامت القوارب بسحب السفينة إلى الشاطئ حيث قرر الوالي يوسف باشا إعادة تسميتها بـ: "هبة الله "، وكانت هذه أكبر كارثة بحرية تحل بأمريكا حتى حادثة بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية.
عرضت واشنطن على يوسف باشا فدية تصل إلى 100 ألف دولار لإطلاق سراح القبطان ورجاله الأسرى فرفض، مطالباً بمليون ونصف دولار، الأمر الذي دفع الأمريكيين لعمل عسكري جديد ضد طرابلس. وفي جنح الظلام قامت السفينة انتربيد بإنزال وحدة من المارينز على شواطئ طرابلس، في وقت كانت السفينة نفسها تحمل 15 ألف رطل من المتفجرات. كانت الأوامر تقضي بتدمير أسطول طرابلس في عتمة الليل. وقبل أن تستطيع وحدة المارينز الإتيان بأي شيء تعرضت للنيران من قبل القوارب الطرابلسية التي كشفت أمرها، وكانت النتيجة مصرع جميع أفراد المارينز وتفجير السفينة انتربيد بما تحمل من أطنان المتفجرات. وعندما طلب قائد الوحدة الأمريكية من والي طرابلس السماح بدفن جثث جنوده القتلى أصرّ يوسف باشا على ترك الجثث للكلاب.
الغيظ الأمريكي من يوسف باشا قد بلغ مداه، فحاولوا التخطيط للإحاطة به عن طريق المكر والخداع والمؤامرات، بعد أن فشلوا في مواجهته عسكرياً، وبدأت الخطة الخبيثة عن طريق قنصل أمريكا في تونس "جون إيلتون"، وذلك بالتآمر مع أحمد شقيق يوسف القرماني، الذي كان قد تم نفيه إلى مصر بعد تولي شقيقه يوسف الحكم. قام إيتون تشكيل قوة غزو تضم عددا قليلاً من الأمريكيين وعدداً كبيراً من المرتزقة. في مقابل تعهد أحمد لإيتون بإطلاق سراح الرهائن المارينز بمجرد الوصول للسلطة مكان أخيه. قبل حامد القرماني أن بلعب دور العميل، ومع ذلك لازمه الخوف، طوال فترة انخراطه في المؤامرة. الخوف من فشل المغامرة الذي كان يتوقعه في كل لحظة، إلى جانب إحساسه بعار موالاة الكفرة، التي تعد من كبائر المعاصي، وتكاد تماثل الكفر بالله في عقيدة المسلمين، خصوصاً في ذلك العصر الذي كان الصراع بين الدولة العثمانية المسلمة وأوروبا الصليبية. إلا إن إغراء الأمريكان كان أكبر من هذه المخاوف، فواصل أحمد عمالته للأمريكان.
النصب التذكاري المسمي "طرابلس" في الأكاديمية البحرية الأميركية في أنابوليس بولاية ماريلاند.
وكان إيتون قد أعد ترتيباته مع قيادة الأسطول لإرسال سفينة حربية محملة بالمؤن والأسلحة لانتظاره في خليج بومبا، على بعد 30 ميلاً غرب طبرق. وهو ما حصل بالفعل حيث وصلت السفينة محملة بالمؤن والطعام التي تم تزويد الجيش بها قبل أن يواصل تقدمه باتجاه "درنة" ثاني أكبر موانئ المنطقة، والذي سيكون نقطة انطلاق الهجوم على طرابلس. وصل جيش إيتون الميناء المذكور بتاريخ 15 أبريل حيث طالب إيتون حاكم درنة الاستسلام فجاءه رد الأخير: "إما رأسي أو رأسك". وعندما أخذت السفن الحربية الأمريكية التي كانت وقتها ترابط مقابل شواطئ الميناء المذكور استهداف دفاعات المدينة بالقصف، بدأ إيتون هجومه الذي انتهى بهزيمة منكرة، حيث أصيب هو شخصياً بينما قتل وجرح معظم جنوده، فما إن بدأت المواجهة حتى وصل جيش من ثلاثة آلاف مقاتل أرسله يوسف باشا من طرابلس وقام بتطويق جيش إيتون ووجدت الولايات المتحدة نفسها مجبرة على التوصل لاتفاق مع يوسف باشا الذي ألزم الأمريكان بغرامات مالية تقدر بثلاثة ملايين دولار ذهبا، وضريبة سنوية قدرها 20 ألف دولار سنويا، وظلت الولايات المتحدة تدفع هذه الضريبة حماية لسفنها حتى سنة 1812م ، لتؤول بذلك أول محاولة أميركية لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط إلى الفشل الذريع.
انتهى