(( ســرّي للغايـــة ))
( وثيقـــة أمريكيــة ) يعود تاريخها الى 9-9-1969م رُفعت عنها صفة السرية مؤخرا، تكشف ما كانت تعرفه الحكومة الأمريكية عن ( سقـوط الملكيــة في ليبيــا ).
( وتعطينا حقائق ) عن أوضاع بلادنا الاقتصادية السيئة في البداية، والاجتماعية البسيطة، والسياسية والعسكرية النامية. كما تبيّن ضعف شخصية الملك الراحل، وولي عهده، إقالة الرئيس التنويري المقتدر: عبد الحميد البكوش سنة 68.
لهّو وزير الدفاع، وسلبية رئيس الأركان حالة الفساد المالي للحاشية والمقربين. تدمر الجيش، صعود
النعرة القومية العربية
وهوية قائد الانقلاب الحقيقي، الأعلى رتبة، وهو المقدم: سعد الدين بوشويرب. من ضباط طرابلس. وما حصل أن الملازم أول: معمر القذافي، استولى على السلطة وانفرد بمجلس قيادة الثورة بعد تصفية زملائه.
( الوثيقة السرية من 11 صفحة ) رأينا إدراجها كاملة، وعدم
اختصارها لأنها مفيدة بكاملها للجميع طلاب وباحثين ومتخصيين في تاريخ ليبيا السياسي/المعاصر. وقد قمت بتصويب الترجمة العربية منها نحوياً ولغوياً، مع إضافة الأسماء الانجليزية للشخصيات المذكورة .
وهي عبارة عن مذكرة سرية أعدتها وزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة المخابرات المركزية، بناء على طلب مستشار الأمن القومي الشهير: Henry Kissinger هنري كيسنجر، لتقديمها الى الرئيس الأمريكي Richard Milhous Nixon ريتشارد نيكسون، حول سقوط الملكية المباغت في ليبيا.
إجراء سري Confidential procedure
29 سبتمبر 1969
مذكرة الى: الدكتور كيسنجر [مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس نيكسون]
من: هارولد اتش سادرز Harold H. Saders [أحد موظفي مجلس الأمن القومي الأمريكي]
الموضوع: ( ملخص تقرير عن انقلاب ليبيا )
طلب مني الكسندر هيج Alexander Haig [كبير موظفي البيت الأبيض في إدارة نيكسون] تجهيز ملخص قصير للورقة التي أعدتها وزارة الخارجية عن انقلاب ليبيا، المرفق (أ).
التوصية: ان تقوم بإحالة الملخص في المرفق (أ) الى الرئيس إذا استحسنتم ذلك.
اتش اتش سادرز: RN:9/29/69
معلومات سرية
1 أكتوبر 1969
مذكرة مرفوعة للرئيس
من هنري كيسنجر
الموضوع: تقرير عن الانقلاب الليبي
بناء على طلبي قامت وزارة الخارجية بإعداد مذكرة (مرفقة) تفسر أسباب الانقلاب الذي وقع في ليبيا مؤخرا، و توضح لماذا بدى كمفاجأة لحكومة الولايات المتحدة، وفيما يلي الاستنتاجات الرئيسية لوزارة الخارجية وهي في اتفاق مع استنتاجات وكالة الاستخبارات المركزية [الأمريكية]:-
(1) الانقلاب العسكري الذي قامت به مجموعة من الضباط الشباب ذوي الرتب الدنيا في الأول من سبتمبر 1969م
لم يكن مفاجئا إلا من ناحية التوقيت وهوية قياداته! !!!
اذ انه ومنذ فترة كانت هناك مؤشرات واضحة على وجود أخطار جدية توشك أن تحيق بالحكم الملكي المطلق للملك إدريس الطاعن في السن، كان اكترها خطورة:-
1- تطرف الرأي العام العربي، خصوصا بعد الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967م
2- الفساد واسع النطاق الناجم عن الإنفاق التنموي الكبير الممول من عائدات النفط المتزايدة
3- عجز العرش عن القيادة.
هذه العوامل و غيرها خلقت مناخا ملائما للتغيير، استغلته عناصر شابة مقتدرة متذمرة من عناصر الجيش الليبي.
(2) عدة عوامل ساهمت في عنصر المباغتة في الانقلاب:
- صعوبة التغلغل في المجتمع الليبي، فحتى الإنجليز المسئولين الرئيسيين على تدريب الجيش الليبي منذ الحرب العالمية الثانية، لم يكونوا على علم به، و لا الاتحاد السوفيتي على ما يبدو، ولا مصر ولا الدول العربية الأخرى.
- اتصالاتنا مع الجيش الليبي كانت مقيدة.
- الانقلاب قام به ضباط صغار كانت اتصالاتهم بالأجانب مقيدة بشدة وحركتهم كانت منعزلة عن جيل القيادات الذين كنا نتوقع أن يأتي منهم الانقلاب.
تعليق:-
بالرغم من أن النظام الجديد قد ينخرط بفعالية أكبر في القضية الإسرائيلية، الا انه من السابق لأوانه الجزم بصلة الانقلاب المباشرة بالنزاع العربي الإسرائيلي، لكن يبدو من المنطقي القول
بأن حرب 1967 اطلقت العنان لقوى أطاحت بالملكية في موعد أقرب مما لو كانت الحرب لم تقع.
سري
وزارة الخارجية
واشنطن دي سي 20520
9 سبتمبر 1969م
سقوط الملكية الليبية
ملخص:
الانقلاب العسكري الذي أطاح بالملك إدريس البالغ من العمر 79 سنة، كنا مدركين حياله ومن مدة أن الأخطار على تقاليد الحكم الدستوري الممتد لـ 18 عاماً آخذة في التنامي، لقد ذهبنا إلى أقصى الحدود غير المعتادة من سفارة أجنبية في لفت نظر الحكومة الليبية إلى نقاط ضعفها!.
وفي السنوات الأخيرة يبدو أن تصدعاً قد أصاب القوى السياسية التي وُضعت في توازن دقيق منذ ان حصلت ليبيا على استقلالها سنة 1951م. نقاط الضعف تلك
بالإضافة إلى تزايد قدرات الجيش، وتزايد السخط فيه، تفاقمت إلى مستويات خطيرة خلال الأشهر الستة الأخيرة، وبالتحديد نتج ذلك إلى حد بعيد بسبب الانتقادات للسياسة الخارجية الليبية الدفاعية السلبية، والقرف من استشراء الفساد ومن الضعف المتزايد والمزاجية للنظام الذي يحكم ليبيا، و لقد سلطت الضوء على ذلك وزارة عبدالحميد البكوش المتنورة، الذي عزله الملك من حوالي سنة مضت، ولم يكن قد مضى على توليه الوزارة إلا فترة قصيرة!.
( ليبيـــا التقليديـــة )
طيلة الـ 15 سنة التي أعقبت الاستقلال الليبي؛ عاشت البلد في فقر متقوقعة على حافة الشرق العربي. فقد حكم الملك إدريس البلد بالأوامر الشخصية، ولم تكن المؤسسات الحكومية سوى أوعية جوفاء تعكس قبضته على الحكم!. و كل مصادر السلطة الأخرى كانت إما هزيلة أو تم استخدامها ضد بعضها، ولم يكن هناك أي رمز وطني سوى الملك، فلم تكن هناك أي أحزاب سياسية، وكانت اتحادات العمال تحت السيطرة الحكومية، وتم مراراً و تكراراً التدخل لإجهاض محاولات طلاب ليبيا لتكوين اتحاد، أما الجيش فقد تم إضعافه، وتم تغليب القوة المتحركة الأكثر عدداً عليه.
(منتصف الستينات – نقطة تحول)
شهد منتصف الستينات بداية تغيرات جذرية أدت في المحصلة إلى خلق ظروف مواتية للمتآمرين، وجعلت في النهاية نجاحهم ممكنا، وفيما يلي ثلاثة نقاط جديرة بالاعتبار.
( تأجيج الرأي العام العربي )
لم يُثر العدوان الثلاثي سنة 1956 أي مشاكل داخلية خطيرة للحكومة الليبية الموالية للإنجليز. لكن على العكس من ذلك، عندما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967م
فقد انشق عدد من الوحدات العسكرية وانضمت إلى الجمهورية العربية المتحدة، وأخذت الحكومة على حين غرة بعنف الغوغاء المعادي للنظام وللأمريكان، واكتسحت الفوضى البلاد طيلة أسبوع تقريبا، وبشكل رئيسي لم ينقذ البلد في ذلك الحين إلا الانهيار السريع والإذلال الذي تعرضت له الجيوش العربية.
في أعقاب ذلك بقليل علّق وليّ العهد قائلا "اذا كُتب للحرب ان تتواصل لمدة 10 او 15 يوماً أخرى، فإن ليبيا تكون قد انتهت!".
في أعقاب حرب 1967م تأجج الرأي العام في ليبيا إلى مستويات غير مسبوقة، و أصبح صعباً على الأمريكيين التواصل مع معظم المستويات في المجتمع الليبي، بالإضافة إلى ذلك فان التطرف الذي ساد المنطقة عموماً، قد وضع النظام الليبي
المعتدل الموالي للغرب
تحت ضغوط داخلية و خارجية شديدة. ويجدر بالملاحظة هنا دعوات النظام الجديد إلى "مشاركة أكثر فعالية في التعاطي مع القضايا العربية في العالم العربي والقضاء على سلبية الماضي العقيمة فيما يتعلق بمشاركتنا في شئون العالم ككل".
< عائـدات النفــط، ومشـكلة الفسـاد >
صادرات النفط الليبي وعائداته التي بدأت بمستويات صغيرة سنة 1961م، ارتفعت بشكل مذهل بعد إغلاق قناة السويس سنة 1967م. ففي حين لم تتعدى عائدات الحكومة من النفط 6 ملايين دولار سنة 1961م، فإن ليبيا سجلت سنة 1968م أول ميزانية مليارية لها. وقد نتج عن انفاق تلك المبالغ -70% منها أنفقت على التنمية، نتج عنه بالطبيعة تخلخلات اجتماعية، لكن الأكثر إثارة للقلق، هو أن الفساد الذي يصاحب حتمياً انفاق تلك المبالغ الطائلة، كان سبباً مباشراً في التوتر الاجتماعي –
وهو فساد كانت بعض الشركات الأمريكية والأجنبية ضالعة فيه
لقد كانت أول جملة قالها أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة للقائم بالأعمال في سفارتنا، هي أن الانقلاب كان: " ردة فعل ضد الفساد وضد الفروقات الصارخة الموجودة بين الشعب الليبي، وضد أولئك الذين في الأعلى! ".
لقد كان القلق يعترينا إزاء التهديد الذي أخذ الفساد يشكله على الحكومة الليبية، فالسفير (نيوسوم Newsom) حذر الزعماء الليبيين في أكثر من مناسبة من الخطورة التي تشكلها هذه المشكلة. فخلال زيارته للملك والملكة، عبر عن قلقه من ان التربّح من النفوذ يمكن أن يخلق أثار سياسية خطيرة، و قال:
"على ليبيا ان تمنع الأفراد من كسب مبالغ طائلة من خلال استغلال النفوذ، لأن ذلك على الأرجح سيؤدي إلى تنفير الرأي العام " أما مع وليّ العهد فان السفير قد قال " ان الفساد التجاري له أثار سياسية وخيمة جدا لأنه يستعدي الرأي العام، وفي الحقيقة، فان تذمر الشعب من الفساد كان سببا رئيسيا في الثورات ضد العديد من الأنظمة المحافظة في العراق والسودان ونيجيريا".
وأخيرا وفي لقاء له مع أحد محاسيب الملك، واحد كبار المستفيدين من نظام الغنائم، قال السفير أنه ربما يكون من الطبيعي وجود بعض التربّح من النفوذ، إلا انه قلق لأن " تفاقم هذا النوع من الممارسات، يمكن أن يؤدي إلى عواقب سياسية خطيرة ".
( تفاقم أزمة الزعامة )
منذ منتصف الستينيات، أخذت قبضة الملك إدريس على زمام الأمور في التراخي عمليا.
فقد اضمحلت قدرته على التركيز إلى حد انه استغرق في النوم أثناء احد لقاءته مع السفير الأمريكي. تلك لعلها هنات طبيعية من شخص يقارب الثمانين من العمر، لكنها أضعفت الملكية باعتبارها حجر الأساس في النظام السياسي الليبي. لقد كان تأثيرها اكثر جلاءً لأن الملك لم يسمح بنشوء أية مؤسسة سياسية تكون متنفساً للرأي السياسي. لقد بذل سفراء أمريكا وبريطانيا جهودا متكررة لإقناعه بتقوية القاعدة المؤسساتية للدولة، لكن دون جدوى. لقد أصبح في السنوات الأخيرة اكثر اعتباطية ومزاجية. ففي سنة 1964م هدد بالاستقالة لمجرد تحدي مشكوك فيه لسلطاته الملكية!.
وفي سنة 1966 اقترح تحويل ليبيا إلى جمهورية بأمر ملكي، وقد تم إقناعه بالعدول عن ذلك الإجراء المتطرف
لكن ذيوع نيته أدى إلى خضة في المشهد السياسي الليبي، وخلال الفترة ما بين 1966 إلى 1968م حظي 4 رؤساء وزارات برضاه ثم حل بهم غضبه فعزلوا!!. وفي السنة السابقة للانقلاب اعترت الشباب خيبة أمل عميقة إزاء قيام الملك بالطرد الفجائي لرئيس الوزراء الإصلاحي اللامع عبدالحميد البكوش! بعكس النصائح الأمريكية والإنجليزية.
وذكرت سفارتنا ما يلي: " إن ليبيا يحكمها ملك مطلق، لا علاقة لممارساته الاعتباطية للسلطة، بالاحتياجات الحقيقية للبلاد ". وأخيرا في عشية الانقلاب خيم الذعر على المشهد السياسي الليبي على اثر الأنباء التي قالت ان الملك يفكر مرة أخرى في التنازل عن العرش بسبب منشور سري ينتقد فساد محاسيب قصره.
( اختــلال التــوازن )
الضغوط التي تعرضت لها البنية السياسية الليبية نتيجة للثروة وتأجج المنطقة وتطرف الشعب، وأسلوب حاكم البلاد الذي يتزايد في اعتباطيته خلق مناخاً مواتياً للتغيير.
لكن التغيير أتى من حيث لم يُحتسب! ففي منتصف الستينات أخذ الميزان في الاختلال بين القوة المتحركة والجيش، بسبب تردي كفاءة البوليس، و ضعف روحه المعنوية وتدريبه.
ويقول تقرير بتاريخ يناير 1969م أنه بينما " كانت القوة المتحركة خلال الخمسينات منظمة كفؤة ذات قوة ضاربة، فإن المستوى العام للمعنويات والانضباط والتدريب فيها منخفض الأن! ". ان محاولات الولايات المتحدة لتحسين الوضعية – تدهورت نتيجة للسياسة وضعف القيادة،
اقترحت واشنطن على المملكة توفير مستشار من أرفع مستويات البوليس، ولم تلق الفكرة أية استجابة، كما أن عرضاً بقيمة بضعة ملايين من الدولارات، تم تقديمه للحكومة الليبية لتدريب البوليس، قد تم تجاهله.
وبحسب تقرير ابريل 1969م فان الجيش الليبي كان في تلك الأثناء آخذ في التحول عبر " نمو سريع في عدد الأفراد ونوعيتهم، بالإضافة إلى ظهور أعداد من الضباط الشباب الأكثر اقتداراً، إلى قوة يحسب لها حساب في السياسة الليبية ".
(وزير الدفاع السكّير ورئيس الأركان المعروف بالمحسوبية/الجهوية، وانعدام الكفاءة، لم يكونا قادرين على توفير الأمن للنظام) [وزير الدفاع هو حامد علي العبيدي و رئيس الأركان هو اللواء السنوسي شمس الدين .. المترجم]. كميات هائلة من المعدات العسكرية كان من المزمع توفيرها للقوات المسلحة الليبية، وبحسب نفس التقرير فإن " قيادة الجيش بدأت في الانتقال من مخضرمي الحرب العالمية الثانية، إلى جيل من النشطاء الشباب ".
وكانت المؤشرات السرية تفيد بأن السخط آخذ في التزايد. في إبريل 1969م انتشرت إشاعات مفادها أن مجموعة منشقة تعرف باسم (البلاك بوتس) تقوم بتنظيم نفسها وتتكون من ضباط سريون [ما بين نقيب إلى رائد] و يقال
انها غير راضية على حالة الفساد في الحكومة الليبية وتعتقد أن الوقت يقترب بسرعة من اللحظة التي يتوجب على الجيش فيها أن يأخذ بزمام الأمور في ليبيا. وجاء في تقرير سفارتنا لشهر يوليو:
" الغضب يعتري عناصر الجيش الشابة، بسبب غياب الرسالة، وبسبب القيادات القديمة ".
وهكذا فانه بحلول صيف 1969م، كان جليا أن الحكومة الليبية كانت تعاني مشاكل، وكانت نقاط ضعفها بادية للعيان، وكذلك كان واضحاً المصدر الذي يحتمل أن يأتي منه أي عمل ثوري. وعلى كل حال لم تكن لدينا أية معلومات محددة عن توقيت الانقلاب ولا شخصياته قبل قيامه في الأول من سبتمبر 1969م.
( فرادة الانقلاب والوضعية الليبية )
ربما لا يوجد في العالم العربي شعب اكثر تحفظاً واشد خوفاً من الغرباء مثل شعب ليبيا. فالشعب الليبي، الذي هو احد اكثر الشعوب تقليدية في العالم العربي، تعرض لرجة شديدة في القرن العشرين نتيجة للغزو الإيطالي الوحشي في العشرينيات، وحملة شمال افريقيا العسكرية في الحرب العالمية الثانية، وصدمة الثراء الهائل في الستينيات.
اضف إلى ذلك أن الليبيين كان يعوزهم دائماً الإحساس بالهوية الوطنية، ولديهم عقدة نقص إزاء جيرانهم الأكثر تطوراً: مصر ودول المغرب. وليس أدل على صعوبة التغلغل في المجتمع الليبي من المفاجأة التي شكلها الانقلاب لنا وأيضا للإنجليز – الذين كانوا منذ الحرب العالمية الثانية المسؤولين الرئيسيين عن تدريب الجيش الليبي و تطويره - ومن نافلة القول انه كان مباغتة تامة لكل واحد من افراد الطبقة الحاكمة الكبيرة، و أيضا على ما يبدو للاتحاد السوفياتي ومصر وبقية الدول العربية. ليبيا لا تقبل ملحقين عسكريين، وإلى فترة ليست بالبعيدة لم تكن لدينا تغطية إلا على مستويات ضيقة من وكالة الاستخبارات الفنية الميدانية عبر قاعدة هويلس. وطيلة السنوات كان تواصلنا مع الضباط الليبيين من خلال اتفاقية المساعدة العسكرية، التي لا تتضمن أي وظائف استخباراتية.
استسقاء معلومات عن التخطيط للانقلاب زاد من صعوبته المستوى الذي تم فيه التخطيط، فباستثناء قائد الانقلاب المرموق، الذي هو برتبة مقدم [سعدالدين بوشويرب]، فإن أغلب ممثلي مجلس قيادة الثورة الذين تواصلنا معهم لم تتجاوز رتبهم الملازم الأول أو النقيب، ولا يُعرف سوى القليل عن توجهات الضباط الصغار في الجيش الليبي – فاتصالاتهم مع الأجانب كانت مقيدة بشدة - وحركتهم كانت منفصلة عن كبار الضباط الذين توقعنا أن يكونوا مصدر الخطر على النظام. و على كل حال فنحن نعرف أن أعداداً كبيرة من ضباط الجيش الليبي تلقت طيلة سنوات بعضا من التدريب في الولايات المتحدة. ولقد أُعجب جميعهم تقريباً بما خبروه أثناء وجودهم في أمريكا.
لهذا السبب هناك أساس للاعتقاد بأن ما عبرت عنه الزمرة العسكرية الجديدة في ليبيا من مشاعر صداقة قوية للولايات المتحدة؛ هي مشاعر صادقة، وليست مناورة تكتيكية.
انتهى.
رقم الوثيقة في أرشيف وكالة المخابرات المركزية الامريكية:
LOC-HAK-287-1-4-8
رابط الوثيقة في موقع الوكالة:
( وثيقـــة أمريكيــة ) يعود تاريخها الى 9-9-1969م رُفعت عنها صفة السرية مؤخرا، تكشف ما كانت تعرفه الحكومة الأمريكية عن ( سقـوط الملكيــة في ليبيــا ).
( وتعطينا حقائق ) عن أوضاع بلادنا الاقتصادية السيئة في البداية، والاجتماعية البسيطة، والسياسية والعسكرية النامية. كما تبيّن ضعف شخصية الملك الراحل، وولي عهده، إقالة الرئيس التنويري المقتدر: عبد الحميد البكوش سنة 68.
لهّو وزير الدفاع، وسلبية رئيس الأركان حالة الفساد المالي للحاشية والمقربين. تدمر الجيش، صعود
النعرة القومية العربية
وهوية قائد الانقلاب الحقيقي، الأعلى رتبة، وهو المقدم: سعد الدين بوشويرب. من ضباط طرابلس. وما حصل أن الملازم أول: معمر القذافي، استولى على السلطة وانفرد بمجلس قيادة الثورة بعد تصفية زملائه.
( الوثيقة السرية من 11 صفحة ) رأينا إدراجها كاملة، وعدم
اختصارها لأنها مفيدة بكاملها للجميع طلاب وباحثين ومتخصيين في تاريخ ليبيا السياسي/المعاصر. وقد قمت بتصويب الترجمة العربية منها نحوياً ولغوياً، مع إضافة الأسماء الانجليزية للشخصيات المذكورة .
وهي عبارة عن مذكرة سرية أعدتها وزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة المخابرات المركزية، بناء على طلب مستشار الأمن القومي الشهير: Henry Kissinger هنري كيسنجر، لتقديمها الى الرئيس الأمريكي Richard Milhous Nixon ريتشارد نيكسون، حول سقوط الملكية المباغت في ليبيا.
إجراء سري Confidential procedure
29 سبتمبر 1969
مذكرة الى: الدكتور كيسنجر [مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس نيكسون]
من: هارولد اتش سادرز Harold H. Saders [أحد موظفي مجلس الأمن القومي الأمريكي]
الموضوع: ( ملخص تقرير عن انقلاب ليبيا )
طلب مني الكسندر هيج Alexander Haig [كبير موظفي البيت الأبيض في إدارة نيكسون] تجهيز ملخص قصير للورقة التي أعدتها وزارة الخارجية عن انقلاب ليبيا، المرفق (أ).
التوصية: ان تقوم بإحالة الملخص في المرفق (أ) الى الرئيس إذا استحسنتم ذلك.
اتش اتش سادرز: RN:9/29/69
معلومات سرية
1 أكتوبر 1969
مذكرة مرفوعة للرئيس
من هنري كيسنجر
الموضوع: تقرير عن الانقلاب الليبي
بناء على طلبي قامت وزارة الخارجية بإعداد مذكرة (مرفقة) تفسر أسباب الانقلاب الذي وقع في ليبيا مؤخرا، و توضح لماذا بدى كمفاجأة لحكومة الولايات المتحدة، وفيما يلي الاستنتاجات الرئيسية لوزارة الخارجية وهي في اتفاق مع استنتاجات وكالة الاستخبارات المركزية [الأمريكية]:-
(1) الانقلاب العسكري الذي قامت به مجموعة من الضباط الشباب ذوي الرتب الدنيا في الأول من سبتمبر 1969م
لم يكن مفاجئا إلا من ناحية التوقيت وهوية قياداته! !!!
اذ انه ومنذ فترة كانت هناك مؤشرات واضحة على وجود أخطار جدية توشك أن تحيق بالحكم الملكي المطلق للملك إدريس الطاعن في السن، كان اكترها خطورة:-
1- تطرف الرأي العام العربي، خصوصا بعد الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967م
2- الفساد واسع النطاق الناجم عن الإنفاق التنموي الكبير الممول من عائدات النفط المتزايدة
3- عجز العرش عن القيادة.
هذه العوامل و غيرها خلقت مناخا ملائما للتغيير، استغلته عناصر شابة مقتدرة متذمرة من عناصر الجيش الليبي.
(2) عدة عوامل ساهمت في عنصر المباغتة في الانقلاب:
- صعوبة التغلغل في المجتمع الليبي، فحتى الإنجليز المسئولين الرئيسيين على تدريب الجيش الليبي منذ الحرب العالمية الثانية، لم يكونوا على علم به، و لا الاتحاد السوفيتي على ما يبدو، ولا مصر ولا الدول العربية الأخرى.
- اتصالاتنا مع الجيش الليبي كانت مقيدة.
- الانقلاب قام به ضباط صغار كانت اتصالاتهم بالأجانب مقيدة بشدة وحركتهم كانت منعزلة عن جيل القيادات الذين كنا نتوقع أن يأتي منهم الانقلاب.
تعليق:-
بالرغم من أن النظام الجديد قد ينخرط بفعالية أكبر في القضية الإسرائيلية، الا انه من السابق لأوانه الجزم بصلة الانقلاب المباشرة بالنزاع العربي الإسرائيلي، لكن يبدو من المنطقي القول
بأن حرب 1967 اطلقت العنان لقوى أطاحت بالملكية في موعد أقرب مما لو كانت الحرب لم تقع.
سري
وزارة الخارجية
واشنطن دي سي 20520
9 سبتمبر 1969م
سقوط الملكية الليبية
ملخص:
الانقلاب العسكري الذي أطاح بالملك إدريس البالغ من العمر 79 سنة، كنا مدركين حياله ومن مدة أن الأخطار على تقاليد الحكم الدستوري الممتد لـ 18 عاماً آخذة في التنامي، لقد ذهبنا إلى أقصى الحدود غير المعتادة من سفارة أجنبية في لفت نظر الحكومة الليبية إلى نقاط ضعفها!.
وفي السنوات الأخيرة يبدو أن تصدعاً قد أصاب القوى السياسية التي وُضعت في توازن دقيق منذ ان حصلت ليبيا على استقلالها سنة 1951م. نقاط الضعف تلك
بالإضافة إلى تزايد قدرات الجيش، وتزايد السخط فيه، تفاقمت إلى مستويات خطيرة خلال الأشهر الستة الأخيرة، وبالتحديد نتج ذلك إلى حد بعيد بسبب الانتقادات للسياسة الخارجية الليبية الدفاعية السلبية، والقرف من استشراء الفساد ومن الضعف المتزايد والمزاجية للنظام الذي يحكم ليبيا، و لقد سلطت الضوء على ذلك وزارة عبدالحميد البكوش المتنورة، الذي عزله الملك من حوالي سنة مضت، ولم يكن قد مضى على توليه الوزارة إلا فترة قصيرة!.
( ليبيـــا التقليديـــة )
طيلة الـ 15 سنة التي أعقبت الاستقلال الليبي؛ عاشت البلد في فقر متقوقعة على حافة الشرق العربي. فقد حكم الملك إدريس البلد بالأوامر الشخصية، ولم تكن المؤسسات الحكومية سوى أوعية جوفاء تعكس قبضته على الحكم!. و كل مصادر السلطة الأخرى كانت إما هزيلة أو تم استخدامها ضد بعضها، ولم يكن هناك أي رمز وطني سوى الملك، فلم تكن هناك أي أحزاب سياسية، وكانت اتحادات العمال تحت السيطرة الحكومية، وتم مراراً و تكراراً التدخل لإجهاض محاولات طلاب ليبيا لتكوين اتحاد، أما الجيش فقد تم إضعافه، وتم تغليب القوة المتحركة الأكثر عدداً عليه.
(منتصف الستينات – نقطة تحول)
شهد منتصف الستينات بداية تغيرات جذرية أدت في المحصلة إلى خلق ظروف مواتية للمتآمرين، وجعلت في النهاية نجاحهم ممكنا، وفيما يلي ثلاثة نقاط جديرة بالاعتبار.
( تأجيج الرأي العام العربي )
لم يُثر العدوان الثلاثي سنة 1956 أي مشاكل داخلية خطيرة للحكومة الليبية الموالية للإنجليز. لكن على العكس من ذلك، عندما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967م
فقد انشق عدد من الوحدات العسكرية وانضمت إلى الجمهورية العربية المتحدة، وأخذت الحكومة على حين غرة بعنف الغوغاء المعادي للنظام وللأمريكان، واكتسحت الفوضى البلاد طيلة أسبوع تقريبا، وبشكل رئيسي لم ينقذ البلد في ذلك الحين إلا الانهيار السريع والإذلال الذي تعرضت له الجيوش العربية.
في أعقاب ذلك بقليل علّق وليّ العهد قائلا "اذا كُتب للحرب ان تتواصل لمدة 10 او 15 يوماً أخرى، فإن ليبيا تكون قد انتهت!".
في أعقاب حرب 1967م تأجج الرأي العام في ليبيا إلى مستويات غير مسبوقة، و أصبح صعباً على الأمريكيين التواصل مع معظم المستويات في المجتمع الليبي، بالإضافة إلى ذلك فان التطرف الذي ساد المنطقة عموماً، قد وضع النظام الليبي
المعتدل الموالي للغرب
تحت ضغوط داخلية و خارجية شديدة. ويجدر بالملاحظة هنا دعوات النظام الجديد إلى "مشاركة أكثر فعالية في التعاطي مع القضايا العربية في العالم العربي والقضاء على سلبية الماضي العقيمة فيما يتعلق بمشاركتنا في شئون العالم ككل".
< عائـدات النفــط، ومشـكلة الفسـاد >
صادرات النفط الليبي وعائداته التي بدأت بمستويات صغيرة سنة 1961م، ارتفعت بشكل مذهل بعد إغلاق قناة السويس سنة 1967م. ففي حين لم تتعدى عائدات الحكومة من النفط 6 ملايين دولار سنة 1961م، فإن ليبيا سجلت سنة 1968م أول ميزانية مليارية لها. وقد نتج عن انفاق تلك المبالغ -70% منها أنفقت على التنمية، نتج عنه بالطبيعة تخلخلات اجتماعية، لكن الأكثر إثارة للقلق، هو أن الفساد الذي يصاحب حتمياً انفاق تلك المبالغ الطائلة، كان سبباً مباشراً في التوتر الاجتماعي –
وهو فساد كانت بعض الشركات الأمريكية والأجنبية ضالعة فيه
لقد كانت أول جملة قالها أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة للقائم بالأعمال في سفارتنا، هي أن الانقلاب كان: " ردة فعل ضد الفساد وضد الفروقات الصارخة الموجودة بين الشعب الليبي، وضد أولئك الذين في الأعلى! ".
لقد كان القلق يعترينا إزاء التهديد الذي أخذ الفساد يشكله على الحكومة الليبية، فالسفير (نيوسوم Newsom) حذر الزعماء الليبيين في أكثر من مناسبة من الخطورة التي تشكلها هذه المشكلة. فخلال زيارته للملك والملكة، عبر عن قلقه من ان التربّح من النفوذ يمكن أن يخلق أثار سياسية خطيرة، و قال:
"على ليبيا ان تمنع الأفراد من كسب مبالغ طائلة من خلال استغلال النفوذ، لأن ذلك على الأرجح سيؤدي إلى تنفير الرأي العام " أما مع وليّ العهد فان السفير قد قال " ان الفساد التجاري له أثار سياسية وخيمة جدا لأنه يستعدي الرأي العام، وفي الحقيقة، فان تذمر الشعب من الفساد كان سببا رئيسيا في الثورات ضد العديد من الأنظمة المحافظة في العراق والسودان ونيجيريا".
وأخيرا وفي لقاء له مع أحد محاسيب الملك، واحد كبار المستفيدين من نظام الغنائم، قال السفير أنه ربما يكون من الطبيعي وجود بعض التربّح من النفوذ، إلا انه قلق لأن " تفاقم هذا النوع من الممارسات، يمكن أن يؤدي إلى عواقب سياسية خطيرة ".
( تفاقم أزمة الزعامة )
منذ منتصف الستينيات، أخذت قبضة الملك إدريس على زمام الأمور في التراخي عمليا.
فقد اضمحلت قدرته على التركيز إلى حد انه استغرق في النوم أثناء احد لقاءته مع السفير الأمريكي. تلك لعلها هنات طبيعية من شخص يقارب الثمانين من العمر، لكنها أضعفت الملكية باعتبارها حجر الأساس في النظام السياسي الليبي. لقد كان تأثيرها اكثر جلاءً لأن الملك لم يسمح بنشوء أية مؤسسة سياسية تكون متنفساً للرأي السياسي. لقد بذل سفراء أمريكا وبريطانيا جهودا متكررة لإقناعه بتقوية القاعدة المؤسساتية للدولة، لكن دون جدوى. لقد أصبح في السنوات الأخيرة اكثر اعتباطية ومزاجية. ففي سنة 1964م هدد بالاستقالة لمجرد تحدي مشكوك فيه لسلطاته الملكية!.
وفي سنة 1966 اقترح تحويل ليبيا إلى جمهورية بأمر ملكي، وقد تم إقناعه بالعدول عن ذلك الإجراء المتطرف
لكن ذيوع نيته أدى إلى خضة في المشهد السياسي الليبي، وخلال الفترة ما بين 1966 إلى 1968م حظي 4 رؤساء وزارات برضاه ثم حل بهم غضبه فعزلوا!!. وفي السنة السابقة للانقلاب اعترت الشباب خيبة أمل عميقة إزاء قيام الملك بالطرد الفجائي لرئيس الوزراء الإصلاحي اللامع عبدالحميد البكوش! بعكس النصائح الأمريكية والإنجليزية.
وذكرت سفارتنا ما يلي: " إن ليبيا يحكمها ملك مطلق، لا علاقة لممارساته الاعتباطية للسلطة، بالاحتياجات الحقيقية للبلاد ". وأخيرا في عشية الانقلاب خيم الذعر على المشهد السياسي الليبي على اثر الأنباء التي قالت ان الملك يفكر مرة أخرى في التنازل عن العرش بسبب منشور سري ينتقد فساد محاسيب قصره.
( اختــلال التــوازن )
الضغوط التي تعرضت لها البنية السياسية الليبية نتيجة للثروة وتأجج المنطقة وتطرف الشعب، وأسلوب حاكم البلاد الذي يتزايد في اعتباطيته خلق مناخاً مواتياً للتغيير.
لكن التغيير أتى من حيث لم يُحتسب! ففي منتصف الستينات أخذ الميزان في الاختلال بين القوة المتحركة والجيش، بسبب تردي كفاءة البوليس، و ضعف روحه المعنوية وتدريبه.
ويقول تقرير بتاريخ يناير 1969م أنه بينما " كانت القوة المتحركة خلال الخمسينات منظمة كفؤة ذات قوة ضاربة، فإن المستوى العام للمعنويات والانضباط والتدريب فيها منخفض الأن! ". ان محاولات الولايات المتحدة لتحسين الوضعية – تدهورت نتيجة للسياسة وضعف القيادة،
اقترحت واشنطن على المملكة توفير مستشار من أرفع مستويات البوليس، ولم تلق الفكرة أية استجابة، كما أن عرضاً بقيمة بضعة ملايين من الدولارات، تم تقديمه للحكومة الليبية لتدريب البوليس، قد تم تجاهله.
وبحسب تقرير ابريل 1969م فان الجيش الليبي كان في تلك الأثناء آخذ في التحول عبر " نمو سريع في عدد الأفراد ونوعيتهم، بالإضافة إلى ظهور أعداد من الضباط الشباب الأكثر اقتداراً، إلى قوة يحسب لها حساب في السياسة الليبية ".
(وزير الدفاع السكّير ورئيس الأركان المعروف بالمحسوبية/الجهوية، وانعدام الكفاءة، لم يكونا قادرين على توفير الأمن للنظام) [وزير الدفاع هو حامد علي العبيدي و رئيس الأركان هو اللواء السنوسي شمس الدين .. المترجم]. كميات هائلة من المعدات العسكرية كان من المزمع توفيرها للقوات المسلحة الليبية، وبحسب نفس التقرير فإن " قيادة الجيش بدأت في الانتقال من مخضرمي الحرب العالمية الثانية، إلى جيل من النشطاء الشباب ".
وكانت المؤشرات السرية تفيد بأن السخط آخذ في التزايد. في إبريل 1969م انتشرت إشاعات مفادها أن مجموعة منشقة تعرف باسم (البلاك بوتس) تقوم بتنظيم نفسها وتتكون من ضباط سريون [ما بين نقيب إلى رائد] و يقال
انها غير راضية على حالة الفساد في الحكومة الليبية وتعتقد أن الوقت يقترب بسرعة من اللحظة التي يتوجب على الجيش فيها أن يأخذ بزمام الأمور في ليبيا. وجاء في تقرير سفارتنا لشهر يوليو:
" الغضب يعتري عناصر الجيش الشابة، بسبب غياب الرسالة، وبسبب القيادات القديمة ".
وهكذا فانه بحلول صيف 1969م، كان جليا أن الحكومة الليبية كانت تعاني مشاكل، وكانت نقاط ضعفها بادية للعيان، وكذلك كان واضحاً المصدر الذي يحتمل أن يأتي منه أي عمل ثوري. وعلى كل حال لم تكن لدينا أية معلومات محددة عن توقيت الانقلاب ولا شخصياته قبل قيامه في الأول من سبتمبر 1969م.
( فرادة الانقلاب والوضعية الليبية )
ربما لا يوجد في العالم العربي شعب اكثر تحفظاً واشد خوفاً من الغرباء مثل شعب ليبيا. فالشعب الليبي، الذي هو احد اكثر الشعوب تقليدية في العالم العربي، تعرض لرجة شديدة في القرن العشرين نتيجة للغزو الإيطالي الوحشي في العشرينيات، وحملة شمال افريقيا العسكرية في الحرب العالمية الثانية، وصدمة الثراء الهائل في الستينيات.
اضف إلى ذلك أن الليبيين كان يعوزهم دائماً الإحساس بالهوية الوطنية، ولديهم عقدة نقص إزاء جيرانهم الأكثر تطوراً: مصر ودول المغرب. وليس أدل على صعوبة التغلغل في المجتمع الليبي من المفاجأة التي شكلها الانقلاب لنا وأيضا للإنجليز – الذين كانوا منذ الحرب العالمية الثانية المسؤولين الرئيسيين عن تدريب الجيش الليبي و تطويره - ومن نافلة القول انه كان مباغتة تامة لكل واحد من افراد الطبقة الحاكمة الكبيرة، و أيضا على ما يبدو للاتحاد السوفياتي ومصر وبقية الدول العربية. ليبيا لا تقبل ملحقين عسكريين، وإلى فترة ليست بالبعيدة لم تكن لدينا تغطية إلا على مستويات ضيقة من وكالة الاستخبارات الفنية الميدانية عبر قاعدة هويلس. وطيلة السنوات كان تواصلنا مع الضباط الليبيين من خلال اتفاقية المساعدة العسكرية، التي لا تتضمن أي وظائف استخباراتية.
استسقاء معلومات عن التخطيط للانقلاب زاد من صعوبته المستوى الذي تم فيه التخطيط، فباستثناء قائد الانقلاب المرموق، الذي هو برتبة مقدم [سعدالدين بوشويرب]، فإن أغلب ممثلي مجلس قيادة الثورة الذين تواصلنا معهم لم تتجاوز رتبهم الملازم الأول أو النقيب، ولا يُعرف سوى القليل عن توجهات الضباط الصغار في الجيش الليبي – فاتصالاتهم مع الأجانب كانت مقيدة بشدة - وحركتهم كانت منفصلة عن كبار الضباط الذين توقعنا أن يكونوا مصدر الخطر على النظام. و على كل حال فنحن نعرف أن أعداداً كبيرة من ضباط الجيش الليبي تلقت طيلة سنوات بعضا من التدريب في الولايات المتحدة. ولقد أُعجب جميعهم تقريباً بما خبروه أثناء وجودهم في أمريكا.
لهذا السبب هناك أساس للاعتقاد بأن ما عبرت عنه الزمرة العسكرية الجديدة في ليبيا من مشاعر صداقة قوية للولايات المتحدة؛ هي مشاعر صادقة، وليست مناورة تكتيكية.
انتهى.
رقم الوثيقة في أرشيف وكالة المخابرات المركزية الامريكية:
LOC-HAK-287-1-4-8
رابط الوثيقة في موقع الوكالة: