الحلقة الأولى تفاصيل "المحادثات السرية" مع عبدالناصر لتسوية الصراع مع
وثائق بريطانية أفرج عنها تكشف تفاصيل "المحادثات السرية" بين عبدالناصر وإسرائيل لتسوية الصراع
تفاصيل "المحادثات السرية" مع عبدالناصر لتسوية الصراع مع إسرائيل
لم يعترض الرئيس المصري الراحل على المشروع الأميركي للتسوية لكنه اشترط أن تبقى العملية سرية لإعداد الرأي العام المصري والعربي
الأميركيين كانوا يتعاملون مع الأمر بسرية تامة ( اندبندنت عربية)
ملخص
لم يعترض جمال عبد الناصر على المشروع الأميركي الذي عُرف بـ"ألفا" لتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي، لكنه اشترط أن تبقى المحادثات سرية لإعداد الرأي العام المصري والعربي... فماذا دار بين الرئيس المصري الراحل وواشنطن؟
في الـ19 من يناير (كانون الثاني) الماضي رفعت الخارجية البريطانية الحجب عن بعض وثائق ملف يتضمن محادثات سرية بدأتها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية مطلع عام 1956 مع الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر من جهة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون من جهة أخرى. وكانت هذه المحادثات السرية تشكل جزءاً من مشروع "ألفا" الهادف إلى فرض طوق من الحلفاء على حدود الاتحاد السوفياتي ومنع نفوذه في تلك الحقبة.
وتحت عنوان "محادثات مع رئيس جمهورية مصر العربية جمال عبدالناصر حول إسرائيل وفلسطين" نشرت بعض الوثائق المتعلقة بهذا المشروع في وقت مبكر من هذا العام، وعادة ما تحافظ الخارجية البريطانية على سرية مراسلاتها 30 عاماً، لكن وثائق هذا الملف حجبت قرابة 70 عاماً.
تشير أولى الوثائق السرية في هذا الملف إلى أن الأميركيين كانوا يتعاملون مع الأمر بسرية تامة، لدرجة أنهم لا يخبرون حتى سفيرهم لدى القاهرة، ولذلك استدعى وزير الخارجية الأميركي حينها جون فوستر دالاس سفيره لدى القاهرة، حتى لا يكون حاضراً في مصر عند بدء المحادثات السرية.
ناصر وبن غوريون يتفقان على الوسيط
وجاء في البرقية المرسلة في الـ12 من يناير 1956 من السفارة البريطانية في واشنطن إلى مرجعيتها في لندن ما نصه: "وصلت في وقت الغداء اليوم، ورأيت بالفعل فرانسيس راسل وجورج ألين. تبدأ المحادثات بصورة دقيقة غداً. أعطاني راسل المعلومات التالية على أساس أقصى درجات السرية حول (ألفا). وقد طلب منه السيد دالاس أن يستفسر مني بالضبط عمن سأنقل إليه هذه المعلومات. الأميركيون يتعاملون مع الأمر على أنه سري، لدرجة أنهم لا يخبرون حتى سفيرهم لدى القاهرة. لقد أحضروا السفير إلى واشنطن، للتشاور على وجه التحديد حتى لا يكون حاضراً في القاهرة في الوقت المناسب، بالتالي لا داعي لإخباره".
واشنطن تستدعي سفيرها من القاهرة كي لا يعرف بالمحادثات السرية مع الرئيس جمال عبدالناصر (الأرشيف البريطاني)
وتوضح البرقية أن عبدالناصر وبن غوريون "اتفقا أخيراً على استقبال وسيط. وقد عينت حكومة الولايات المتحدة الآن السيد روبرت أندرسون، وزير البحرية السابق ونائب وزير الدفاع. يغادر إلى القاهرة في غضون أيام قليلة وسيتم إدخاله بصورة خفية إلى البلاد. وافق عبدالناصر على تخصيص يومين أو ثلاثة أيام للمناقشات معه حول تسوية محتملة مع إسرائيل. ثم سيذهب أندرسون إلى إسرائيل، وسيكرس شهراً للذهاب بين الطرفين".
وتضيف البرقية أن "المؤشرات التي حصل عليها الأميركيون من عبدالناصر هي أنه من المحتمل الآن أن يكون أقل صرامة مما كنا نعتقد سابقاً حول الارتباط البري في النقب. يبدو أنه يعتقد أن عبدالناصر قد يكتفي بشيء يشبه إلى حد كبير مثلثات ’ألفا‘ الأصلية، أو بعض ترتيبات الممرات، بشرط أن نساعده في تعزيز أهدافه للوحدة العربية. ليس واضحاً على الإطلاق ما يعنيه هذا، وسأقوم بالتحقيق فيه أكثر. لقد أوضحت لراسل أن أحد الأشياء التي قد يعدها عبدالناصر عقبة أمام أهدافه هو الموقف البريطاني من الجيش العربي، وأن هذا قد يخلق صعوبات. سأخبرك بأي شيء آخر يمكنني اكتشافه".
ناصر يطلب تعزيز أهدافه للوحدة العربية
برقية أخرى سرية مرسلة من قبل السفارة البريطانية لدى واشنطن في الـ14 من يناير 1956، يخبر فيها السفير البريطاني مرجعيته في لندن بأن المبعوث الأميركي أجرى "محادثات سرية" مثيرة للاهتمام مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر في الـ12 من يناير 1956 ذاكراً بعض النقاط عن نيات عبدالناصر.
الرئيس جمال عبد الناصر غير مهتم بالربط البري مع الأردن (الأرشيف البريطاني)
تنص البرقية على أن "الانطباع الذي استخلصه الأميركيون من المحادثات الأخيرة مع عبدالناصر (وهو ليس أكثر من انطباع) هو أنه غير مهتم بصورة جدية أو عميقة بالربط البري مع الأردن كمسألة استراتيجية. لقد رغب في ذلك أكثر لقيمته الرمزية، مساهمة في وحدة العالم العربي، ويمثل تراجعاً من قبل إسرائيل عن مسيرتها التوسعية. بالتالي، يعتقد أنه إذا تمكن عبدالناصر من الحصول على بعض الوعود بدعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للوحدة العربية (بالمعنى الحقيقي)، فستكون هناك حاجة أقل إلى رمز جغرافي للوحدة".
نشرة التصويت التي استخدمها الناخبون السوريون والمصريون للموافقة على اتحاد بلادهم في جمهورية عربية واحدة (أ ف ب)
وعليه تتساءل وزارة الخارجية، وفق البرقية المرسلة، "عما إذا كان بإمكاننا التوصل إلى تفاهم ما مع عبدالناصر حول مسألة الوحدة العربية. هل يمكننا على سبيل المثال أن نقول لعبدالناصر لم نعارض أبداً الوحدة العربية أو الجامعة العربية من حيث المبدأ. لا نرى أي خطأ في ميثاق الجامعة العربية. على العكس من ذلك، السبب الوحيد لعدم تمكننا من دعمها هو أنها كانت رمزاً للصراع مع إسرائيل، لكن في سياق التسوية الفلسطينية، سنكون سعداء جداً برؤية حياة جديدة في جامعة الدول العربية، مع أو من دون مراجعة ميثاقها".
دور شكلي لجامعة الدول العربية
ويضيف السفير البريطاني في برقيته، "أخبرت راسل أنني كنت منزعجاً قليلاً بالأمس من الطريقة التي تحدث بها جورج ألين عن الموقف البريطاني في الأردن على أنه شيء قد يكون مستهلكاً. كنت آمل ألا يكون هناك شك في أن أندرسون يلقي بهذا الأمر في نقاش مع المصريين أو الإسرائيليين من وراء ظهورنا. أكد لي لا. في الواقع قال إنه في رأي الحكومة الأميركية لا يمكن أن يكون هناك شك في حث بريطانيا على تغيير موقفها في الأردن بأي حال من الأحوال ما لم يتم إجراء ترتيب بديل لمكانة الأردن في المجتمع الغربي. كانوا يدركون جيداً خطر خلق فراغات (راسل لديه حس أكثر من ألين). كما أنه لم يعتقد أن عبدالناصر سيطلب ذلك، لكن ما قد يتوقعه وقد يتعين علينا النظر فيه في سياق تسوية فلسطينية هو: تعهد معارضة انضمام أي دول عربية جديدة إلى حلف بغداد، وتأييدنا لتجمع جديد لجميع الدول العربية، لا يستند إلى دوافع معادية للغرب ولا لإسرائيل، يمكن من خلاله استعادة الوحدة العربية دون ممارسة العنف ضد تحيزات (عدم التدخل) لمصر وغيرها".
واشنطن تخطط لإعطاء دور شكلي لجامعة الدول العربية (الأرشيف البريطاني)
ويتابع، "من الواضح أن راسل يفضل تنشيط جامعة الدول العربية باعتبارها (التجمع الجديد). ويقترح أن نبدأ بإعطائها شيئاً عملياً للقيام به، على سبيل المثال، دعها تدير الأموال المخصصة لتعويض اللاجئين التي ستنشأ في إطار التسوية الفلسطينية. وسيكون لذلك ميزة إعطاء الجامعة العربية حافزاً لتشجيع التوطين، بدلاً من تعويض اللاجئين، ومن شأنه أن يجعلهم أطرافاً مهتمة بالاتفاق. ثانياً، اقترح أنه قد يكون من الممكن في نهاية المطاف توجيه المساعدات الاقتصادية إلى المنطقة من خلال جامعة الدول العربية. كان هذا أكثر صعوبة باعتراف الجميع. كانت الولايات المتحدة ملتزمة الفعل بصورة ثنائية بعديد من المشاريع في المنطقة (سد أسوان ومشروع مياه الأردن... إلخ) لدرجة أنه من غير المرجح أن يكون هناك أية أموال جديدة قادمة لبعض الوقت، لكن إذا أظهرت العصبة قدرتها على التعامل مع تعويضات اللاجئين، وتمكنت من وضع مشاريع عملية خاصة بها، فقد يكون من الممكن مساعدتها في المستقبل".
عبدالناصر لم يعترض على مشروع "ألفا"
أرسلت هذه الرسالة السرية من قبل السير إيفون كيرك باتريك في الـ26 من يناير 1956 إلى وزارة الخارجية البريطانية، إذ يذكر فيها كيرك باتريك آخر التقارير السرية حول محادثات أندرسون مع الرئيس المصري حول التسوية الفلسطينية.
كان السير كيرك باتريك (1897 - 1964) دبلوماسياً بريطانياً شغل منصب المفوض السامي البريطاني لدى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ونائب وزير الخارجية الدائم للشؤون الخارجية، وهو أعلى موظف مدني في وزارة الخارجية البريطانية.
لم يعترض الرئيس جمال عبد الناصر على التوصل إلى تسوية بين العرب وإسرائيل شرط أن تبقى العملية سرية (الأرشيف البريطاني)
جاء في الوثيقة، "قبل مغادرتي واشنطن مباشرة أعطاني راسل آخر التقارير عن الحديث الذي يجريه أندرسون مع ناصر حول تسوية فلسطينية. بحلول ذلك الوقت كانت هناك محادثتان طويلتان استغرقت كل منهما ثلاث ساعات. كان الجو ودوداً للغاية، وقد أعجبوا بموقف عبدالناصر العام. غير أنه رأى أنه لا يمكن أن تكون هناك تسوية فلسطينية لمدة ستة أشهر في الأقل بالنظر إلى الحالة الراهنة للرأي العام. وعندما أبلغ دالاس بذلك، رد وحث أندرسون على الإشارة إلى أن الوقت لن يسمح بمثل هذا التأخير".
فضّلت واشنطن تنشيط جامعة الدول العربية وإعطائها ملفات للعمل عليها (أ ب)
وتضيف الوثيقة، "وفي المقابلة مع عبدالناصر، كان من الواضح أنه جرى الاتفاق على أنه لن يكون هناك أي اعتراض على محاولة أندرسون التوصل إلى تسوية بين الطرفين على الفور، شريطة أن تظل سرية، ثم يشرع ناصر في إعداد (الرأي العام)".
وبدا أن الأميركيين يعتقدون أن هذا كان مرضياً، لأنه إذا علم كل من بن غوريون وناصر أن التسوية كانت في الأفق، فإن كليهما سيتجنب الإجراءات التي من المحتمل أن تسرع وقوع حادثة خلال الفترة التي كانوا فيها "يعدون الرأي العام".
المصدر :
https://www.independentarabia.com/node/582596/سياسة/تقارير/تفاصيل-المحادثات-السرية-مع-عبدالناصر-لتسوية-الصراع-مع-إسرائيل-1-3
التعديل الأخير: