خلال العقد الأخير من القرن العشرين ظهر مصطلح جديد على الأسماع تداولته الألسنة والأقلام من خلال وسائل الإعلام المختلفة هذا المصطلح الجديد الذي ظهر في أدبيات السياسة والاقتصاد والاجتماع هو مصطلح "العولمة" Globalization. وقد اكتنف هذا المصطلح كثير من الغموض حيث أدلى كل بدلوه في تنظير هذا المصطلح وبيان ماهيته وأهدافه وهذا الغموض يطرح بعض الأسئلة مثل هل العولمة ظاهرة حياتية جديدة جاءت بها التطورات التقنية المتلاحقة في أواخر القرن العشرين؟.
إن كلمة العولمة عندما تثار يتبادر إلى الأذهان أنها شيئاً يتعلق بالكونية فهل هي حرية انتقال السلع والخدمات والأفكار عبر الدول بلا حدود ودون حواجز أو قيود جمركية أو قرارات سيادية، وهل العولمة هي تحول العالم أجمع إلى قرية كونية بسبب التطور الهائل في وسائل الاتصال بحيث أصبح الإنسان الذي يقطن شمال الكرة الأرضية يرى جنوبها وشرقها وغربها عبر الأثير ويتابع الأحداث فور وقوعها، بل ويعيش الحدث حال وقوعه بحيث يصبح سكان العالم على معرفة وإحاطة فورية بما يحدث على ظهر الأرض التي يسكنونها، فيحدث بذلك التأثير والتأثر في الآخرين وبالآخرين وتدريجياً تصبح هناك ثقافة عالمية واحدة مشتركة بحيث تتلاشى معها الذاتية والخصوصية التي تميز كل شعب عن الشعوب الأخرى، أم العولمة هي ظهور شركات عملاقة متعددة الجنسيات ذات نفوذ وسيطرة ليس لها ولاء أو إنتماء لدولة بعينها.
إن العولمة هي تيار جارف يقوم بتقليص حدود الزمان والمكان وتبدأ به مرحلة جديدة من مراحل تاريخ الإنسانية لم يتحدد بعد شكل هذه المرحلة وأبعادها فالعولمة إذا اخذنا في الاعتبار كل الطروحات السالفة يمكن القول إن العولمة هي عبور الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسلوك عبر الحدود دون اعتبار للحدود السياسية والجغرافية للدول. بحيث تكون هناك أفكار ومؤسسات عالمية لا تنتمي إلى دولة محددة تمارس نشاطها دون أي عوائق عبر العالم سواء كانت هذه الأفكار والمؤسسات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، اننا سوف نناقش في هذا المقال العلاقة بين العولمة والسلاح وهل هناك عولمة في سوق السلاح وهل هناك عصر جديد يصبح فيه السلاح أي سلاح في متناول أي دولة أو مجموعة من الدول باعتباره سلعة من السلع أو منتج من المنتجات.
لقد كان السلاح طيلة عقود طويلة حكراً على دول معينة بحيث أن كل دولة تنتج نوعاً معيناً من السلاح بجميع مكوناته، وكان السلاح لا ينتقل من دولة إلى أخرى إلا بشروط معينة وهذه الشروط تخضع لاعتبارات سياسية وعسكرية بشكل رئيسي، ولكن بعد انتهاء عصر الحرب الباردة وبعد أن تحولت الحرب الباردة إلى حرب اقتصادية بالدرجة الأولى، وأصبح الاقتصاد هو مجال الحرب الرئيسي أواخر القرن العشرين لم يعد التعامل في سوق السلاح يخضع للاعتبارات السياسية والأيدولوجية والعسكرية بالدرجة الأولى بل أصبح سوق السلاح هو جزء من سوق الاقتصاد الدولية، فبينما كانت الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي السابق تخفي جميع المعلومات عن منتجاتها من الأسلحة التقليدية أصبحت الآن تتعمد نشر المعلومات عن أسلحتها التقليدية وتشترك في المعارض العالمية الدولية للسلاح وتقوم بترويج منتجاتها من السلاح، فمثلاً كانت روسيا في السابق لا تعطي ولا تبيع الجيل الأحدث وكانت تحتفظ لنفسها بجيل يسبق الأجيال التي تبيعها بجيلين أصبحت الآن تطور طائراتها التقليدية من أجل التصدير بل انها تعرض بيع معدات يتزامن عرضها في السوق العالمية مع التجارب الأولية لعرض القدرات لهذه الأسلحة، فما الذي حدث يا ترى؟ وما هذا التغير الكبير في استراتيجيات بيع السلاح وإعطاء الرخص لإنتاجه في دول أخرى. إنه يمكن القول هنا إنها رياح العولمة رياح لا بد أن يتقبلها العالم ويتعامل معها، وبما أن السلاح أصبح الآن هو جزء من السوق الاقتصادية العالمية سوف نتكلم هنا عن العولمة من المنظور الاقتصادي بصفة مبدئية أي عولمة الاقتصاد ومن ثم نعرج على عولمة السلاح وهل هي ممكنة أم لا ؟.
العولمة الاقتصادية
تعني العولمة في المفهوم الاقتصادي فتح الأسواق وانفتاح دول العالم على بعضها البعض وقد تصاعد هذا التيار خلال العقود الثلاثة الأخيرة بهدف تحديث وتطوير بنية الإنتاج في اقتصاديات الدول المتقدمة وفشل نظم الإنتاج في اقتصاديات دول التخطيط المركزي وتحولها إلى اقتصاد السوق مما نتج عنه تفكك البنى الاقتصادية في الدول الشيوعية وحدوث انكشاف خارجي لها، وخلال الثلاثة عقود الأخيرة بدأ العالم يتجه نحو التكتل والاندماج الاقتصادي بين عدد من الدول ذات المصالح المتشابكة وزاد تعاظم هذه التكتلات لتمثل أهم سمات النظام الاقتصادي العالمي في بداية القرن الحادي والعشرين، وأصبحت هذه التكتلات أهم مظهر من مظاهر العولمة الاقتصادية، وفي بداية هذا القرن ظهرت أوروبا كقوة اقتصادية كبرى موحدة تتجه نحو تكوين سوق مصرفية موحدة وسوق تجارية موحدة وإنشاء نظام نقدي موحد وإيجاد سياسة أوروبية مشتركة خاصة بالتطورات العلمية والتقنية وأهم أهداف هذا التجمع الأوروبي الضخم هو إلغاء الحواجز الاقتصادية والجمركية والفنية والمالية بين أعضاء دول الاتحاد الأوروبي بل لقد ذهبت أوروبا إلى أبعد من ذلك وهي اتخاذ موقف سياسي موحد من العديد من القضايا السياسية والعسكرية وتكوين قوة أوروبية موحدة لا تعتمد في المستقبل البعيد على القوة الأمريكية، وذلك في محاولة أوروبية جماعية للاستقلال عن القرار الأمريكي وتأكيد الهوية الأوروبية بالاعتماد على الذات إلى حد كبير في إنشاء القوة العسكرية التقليدية بما يسمح بحرية القرار الأوروبي وتخفيف القبضة الأمريكية التي لا تستطيع أوروبا حتى الآن من الإفلات منها بسبب إمكانيات الولايات المتحدة العسكرية الهائلة التي كانت تمثل الغطاء العسكري لأوروبا الغربية خلال عصر الحرب الباردة، وعلى الجانب الأمريكي كان تكتل (النافتا) وهو اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية والتي تشمل الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وذلك بهدف إنعاش الاقتصاد الأمريكي وزيادة فرص الاستثمار، وهناك عدة تكتلات اقتصادية أخرى مثل (الآسيان) وهي تضم كل من أندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي وآخر دولة انضمت لهذا التجمع الآسيوي هي فيتنام عام 1995م. وهكذا أصبحت التكتلات الاقتصادية واقعاً ملموساً ومتغيراً هاماً من متغيرات النظام العالمي الجديد، وبعد تطبيق اتفاقيات التجارة الحرة الخاصة (بالجات) ومنظمة التجارة العالمية خلال العشرين عاماً القادمة يمكن استشراف المستقبل الذي قد يحمل في طياته توحيد الأسواق لتصبح سوقاً واحدة تشمل العالم أجمع. ولكن هل هذا يمكن أن ينطبق على التجارة الدولية للسلاح؟. للإجابة على هذا السؤال لابد أولاً من أن نستعرض دور الشركات متعددة الجنسية في تكريس العولمة وجعلها حقيقة واقعة في سوق السلاح.
الشركات متعددة الجنسيات
لقد ظهرت الشراكة الاستراتيجية بين العديد من الشركات وخاصة شركات إنتاج السلاح الغربية في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تقوم شركتين أو أكثر بالاندماج أو تكوين شركات دولية تشترك فيها عدة شركات من عدة دول بنسب مختلفة في رأس المال وذلك في محاولة لقيادة السوق الدولية في سلعة معينة أو إنتاج متميز بحيث تتخصص كل شركة من الشركات في إحدى دول الشراكة في إنتاج مكون معين من مكونات أحد الأسلحة. وتعتبر هذه الشراكة ذات طابع تعاوني حيث تقدم كل شركة أفضل ما لديها سواء من تصنيع أو مجهودات وتأخذ هذه الشركات طابعاً عالمياً يشمل مجموعة من الدول أو تكتل من التكتلات ويظهر ذلك في الشراكة العالمية الأوروبية التي تتكون من شركة (يوروكوبتر) الفرنسية الألمانية وشركة (أجوستا) الإيطالية والشركة الهولندية لبناء الطائرات (فوكر) من أجل تطوير الحوامة (NH-90) التي صنعت بكاملها من المواد المركبة واستخدمت فيها أرقى التقنيات في الدول المذكورة وسوف تستخدم حوالي 700 مروحية في جيوش الدول المذكورة وتسويق بيع 500 حوامة أخرى في السوق الدولية. ومثال ذلك الشراكة الأوروبية الأمريكية في إنتاج سلسلة محركات الطائرات المقاتلة من طراز (F- 404) والتي تستخدم لدفع طائرات التورنيدو الأوروبية وطائرات (F-18) الأمريكية وطائرات (Jas339) السويدية وكذلك اشتراك عدة دول أوروبية في إنتاج طائرة أوروبا القتالية للقرن الحادي والعشرين (يوروفايتر) التي تشترك في تطويرها شركة (الينا) الإيطالية (BAE) البريطانية و (CASA) الأسبانية (وداسا) الألمانية ويظهر التعاون الأوروبي في مجال الأقمار الصناعية، حيث تدل دراسات الاتحاد الأوروبي على أن الملاحة بالأقمار الاصطناعية ستمثل سوقاً عالمية تقدر بحوالي 40 مليار (يورو) بحلول عام (2005م) وكشفت الدراسة أن أوروبا تستطيع ببناء نظامها الخاص أن تحصل على 270 مليار (يورو) في مبيعات معدات محلية وتصدير بحلول عام (2005م) وأن توجد أكثر من (000،100) فرصة عمل جديدة.
وقد تتحد شركتان أو أكثر للدخول في منافسة للحصول على عقود التسليح مثل اتحاد شركة (ليتون) وشركة (راكال) للحصول على عقد برنامج حوامة الجيش البريطاني الجديدة، ويوفر مثل هذا الاتحاد زيادة ملحوظة في القدرة الدفاعية للمعدات مع تقديم السلاح بسعر معقول حيث تنتج كل شركة في الشراكة (الكونسيرتيوم) الجزء الذي تتخصص في إنتاجه بشكل أفضل مما يوفر التكاليف ويزيد من كفاءة المنتج المشترك.
وكان أهم حدث في السنوات الأخيرة هو قرار شركتي بوينج وماكدونالد دوجلاس الأمريكيتين الاندماج ويبلغ حجم رأس المال بعد الاندماج (15) مليار دولار، وقد اعترضت المفوضية الأوروبية على هذا الاندماج مخافة احتكار الشركات الأمريكية لسوق الطائرات في العالم.
وأمثلة اندماج الشركات وتكوين الاتحادات كثيرة نكتفي بالأمثلة التي أوردناها، هذا على الجانب الغربي. أما بالنسبة لسوق السلاح الشرقي فنجد أن روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي السابق تحاول تسويق منتجاتها في بعض دول الشرق الأوسط وفي آسيا وتعتبر الصين والهند والباكستان أهم مستوردي السلاح الروسي الذي يتميز برخص ثمنه مقارنة بالسلاح الغربي، وفي مجال الشراكة المتعددة الجنسيات أصبحت روسيا على خلاف السياسة التقليدية التي اتبعتها في عصر الحرب الباردة وما قبله تسعى لعمل صفقات لنقل تقنية السلاح التقليدي وتصنيعه في دول أخرى تضمن من خلال هذه الصفقات استمرار عمل مصانعها المنتجة لمكونات الأسلحة وقطع الغيار وأصبح من سمات العولمة في تطوير السلاح الروسي هو اشتراك شركات أوروبية في تحديث المقاتلات الروسية بمقاييس حلف الناتو لكي يمكن استخدامها ضمن منظومة الناتو خصوصاً في دول أوروبا الشرقية التي تسعى للانضمام والاندماج في حلف الناتو بعد سقوط الجدار الشيوعي ولا زالت هذه الدول لديها أسلحة روسية ولا تتحمل ميزانياتها المرهقة شراء أسلحة غربية حديثة مما أدى إلى ظهور نوعية جديدة من الأسلحة الروسية الصنع المحدثة باستخدام التقنية الغربية ومثال ذلك الفريق الذي يتولى تحديث (الميج - 29) الروسية بمواصفات حلف الناتو وذلك باستبدال نظم الملاحة الجوية وإضافة كمبيوترات رقمية غربية متطورة ونظم اتصالات غربية وإضافة نظام تحديد الموقع العالمي والقصور الذاتي الغربي لهذه الطائرة (Lins/GPS) مما يؤهل الطائرة (ميج 29) للعمل بمقاييس الناتو بتحسين أجهزة الملاحة والاتصالات ودمج رادار جديد ونظام تحكم بالنيران وأنظمة الحرب الإلكترونية بحيث يمكن للطائرة الميج الروسية التزود بالأسلحة الغربية، وهذا الفريق الذي يقوم بأعمال التحديث يتكون من شركات رومانية وشركة (داسا) الألمانية وشركة (اليت) الإسرائيلية. إذا مما يكرس اتجاه عولمة السلاح هو هذه الشركات المتعددة الجنسيات وفي نفس الإطار تقوم شركة جاليلو الإيطالية بتكوين شراكة مع شركة (فوب) التشيكية لتحديث الدبابة (T-72) التشيكية وذلك بدمج نظام التحكم بالنيران المستخدم في الدبابات الإيطالية في هذه الدبابة الشرقية الصنع.
أما الخطوة الأبعد من ذلك فهو قيام الشركات الأوروبية الغربية بإنتاج السلاح الروسي فقد أصبحت شركة (يوروكوبتر) الفرنسية الألمانية أول مصنع غربي للحوامات يوقع اتفاقاً مع شركات روسية لطيران فقد تم توقيع عقد إنتاج الحوامة الروسية (مي 38) بشراكةروسية فرنسية ألمانية بهدف تصديرها إلى الأسواق العالمية بحيث تستخدم التقنية الغربية في نظم الملاحة الجوية مدمجة مع الطائرة الروسية إنتاج مشترك.
أما بالنسبة للشراكة الروسية الصينية فهي شراكة ذات أبعاد اقتصادية بالنسبة لروسيا من الدرجة الأولى فروسيا تحتاج إلى تنشيط اقتصادياتها وإيجاد فرص عمل وضمان استمرار الصناعات الروسية الحربية في حالة نشاط مستمر كما أن روسيا تعتبر من أكبر دول العالم المصدرة للأسلحة الرخيصة. أما بالنسبة للصين فهي دولة ذات جيش ضخم يحتاج إلى التطور التقني ومن ثم فإن (97%) من الأسلحة التي تشتريها الصين هي أسلحة روسية، أي أن الصين هي أكبر سوق لتصدير المعدات الروسية في ظل الحظر الأمريكي الذي تفرضه الولايات المتحدة على تصدير التقنية العسكرية المتطورة، لدرجة أن روسيا تلقت تحذيراً أمريكياً بوقف المعونة الأمريكية لروسيا إذا أصرت على بيع صواريخ (SS-20) إلى الصين الشعبية.
وهكذا نجد أن تكوين الشركات العالمية بالنسبة لإنتاج الأسلحة التقليدية على المستوى الأوروبي قد حققت قدراً كبيراً من عولمة السلاح على المستوى الغربي والشرقي إلى حد ما. فهل يصل التعاون الروسي مع شركات من أوروبا الغربية إلى العولمة بحيث يمكن أن تنتج روسيا السلاح الغربي وتبيعه والعكس بالعكس، إن هذا يتوقف على عدة عوامل. أهمها أن الولايات المتحدة التي تدخل كثير من تقنياتها في مكونات الأنظمة الأوروبية وخاصة في مجال الحرب الإلكترونية تمنع تداول تقنياتها مع عدة دول إلا في حدود بالنسبة لروسيا وتمنع منعاً باتاً انتقال تقنياتها العسكرية للصين باعتبارها الحصن الباقي من الشيوعية ولاعتبارات استراتيجية أخرى مثل المحافظة على التوازن العسكري في قارة آسيا، ومع ذلك تقوم إسرائيل بخيانة حليفتها الكبرى الولايات المتحدة وتنقل التقنية الأمريكية سراً إلى الصين. وقد تقوم الولايات المتحدة بحظر تداول تقنياتها مع بعض الدول مثل جنوب أفريقيا بحجة أنها تبيع السلاح لدول تتبنى الإرهاب حيث رفضت أن تدمج صواريخ (هل فاير) التي اشترتها إنجلترا من الولايات المتحدة مع حوامة (روي فولك) الجنوب أفريقية لأن جنوب أفريقيا تخضع لحظر التعامل مع التقنية الدفاعية الأمريكية واضطرت إنجلترا إلى استبدال الحوامة الجنوب أفريقية (روى فولك) بالحوامة الأمريكية (أباتشي) حتى تتمكن من استخدام الصواريخ الأمريكية (هل فاير) من على متنها. وهذا السبب على الرغم من كونه في الظاهر سبباً سياسياً إلا أنه في الحقيقة له أبعاد اقتصادية وهي ربط شراء الصواريخ هل فاير بشراء الحوامة (أباتشي) الأمريكية. ونفس هذا الدور لعبته النرويج المنتجة للصواريخ (بنجوين) المضادة للسفن حيث ربطت شراءها لعربات المشاة (برادلي) الأمريكية باستمرار الولايات المتحدة في شراء الصواريخ (بنجوين) النرويجية.
وهكذا نجد أن تبادل الصفقات يلعب دوراً هاماً في السوق العالمية للسلاح. ونرى أن التحولات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية في العالم امتدت إلى سوق السلاح في الربع الأخير من القرن الحالي، فالشركات مالكة التقنية القتالية أصبحت في حاجة إلى التعاون مع الشركات الأخرى لإجراء التجارب والاشتراك في تكاليف البحوث والتطوير وعرض القدرات، كما أصبحت هذه الشراكات التي تحدث بين الشركات متعددة الجنسيات توحد جهودها لتصريف منتجاتها من الأسلحة التقليدية في الأسواق العالمية، كما احتلت الشراكات في مشروعات الفضاء والإلكترونيات التي تعتمد عليها الأسلحة الحربية والحواسب الآلية والاتصالات والصواريخ وأنظمة توجيهها إلى غير ذلك من صنوف التقنيات العسكرية مكان الصدارة في السوق العالمي للتقنيات الدفاعية. ولكن هناك عدة حقائق تتحكم في عولمة السلاح تتمثل في:
1 تأكيد السيطرة الأمريكية في مجال التقنية العسكرية وتوجيه الأسلحة ومحاولتها التطويرية المستمرة لتحقيق السيطرة في تقنيات الحرب الإلكترونية، وهي التي سوف تعتمد عليها أي حرب مستقبلية فهي تضع شروطاً صارمة للذين يتعاملون في التقنية العسكرية الأمريكية والذين يرغبون في استخدامها لضمان عدم انتقالها إلى عدة دول تحظر عليها أمريكا استخدام التقنية الأمريكية.
2 العمل الدائم من قبل المعسكر الغربي على استبعاد دول الاتحاد السوفييي السابق من المشاركة في تصدر السوق العالمي للسلاح وعرقلة بيع الأسلحة الروسية للدول الصديقة لأمريكا أو التي تعتبر زبائن دائمين للسلاح الأمريكي. مع إمكان عرض صيغ للمشاركة على مستوى أدنى للتعاون في تصنيع بعض الأسلحة التقليدية مع دول أوروبا الغربية واليابان وإسرائيل.
3 التعاون مع بعض الدول على مستوى أدنى في نقل التقنية القتالية للأسلحة التقليدية ويشمل ذلك بعض الدول الآسيوية مثل كوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج وسنغافورة.
4 استبعاد باقي دول العالم الثالث من حلبة التطور في مجال التقنيات الدفاعية وخاصة الدول العربية والإسلامية.
الخلاصة:
إن عولمة السلاح هي جزء من عولمة الاقتصاد فقد أصبح سوق السلاح هو أحد الأسواق الاقتصادية التي يغلب عليها الربح قبل الايدلوجيات وأن الشركات متعددة الجنسيات هي أهم ملامح عولمة السلاح ويحظر التقنية الغربية التي تفرضه الولايات المتحدة على العديد من دول العالم لن يجعل من الممكن عولمة السلاح بالشكل الذي تتم فيه العولمة الاقتصادية لبقية السلع المدنية وحرية تكوين الشركات متعددة الجنسيات وحرية انتقال رؤوس الأموال التي تستمر في إنتاج الأسلحة عبر الحدود. ولكن يمكن القول بأن هناك شكلاً من أشكال حرية التجارة في السلاح لم تكن موجودة من قبل، ويمكن في المستقبل أن يتعاظم هذا الدور وخاصة بين أوروبا الغربية وروسيا، ويمكن أن يكون هناك سوقان للسلاح سوق شرقية وسوق غربية، طالما أن الولايات المتحدة تنجح في سياسة تحجيم الدور الروسي في السوق العالمية للسلاح. ولكن كثرة القيود التي تفرضها الولايات المتحدة سوف تؤدي تلقائياً بالدول الحليفة والصديقة لها إلى تنويع مصادر سلاحها، بحث تفقد الشركات الأمريكية المنتجة للسلاح التقليدي زبائنها تدريجياً وفي هذه الحالة سوف تضغط الشركات الأمريكية على الإدارة الأمريكية لتخفيف القيود المفروضة على تداول التقنية الدفاعية الأمريكية للخروج من مأزق فقد الأسواق التقليدية وعندئذ تتحول التقنية الأمريكية الدفاعية المحظورة إلى سلع متداولة كباقي السلع الاقتصادية المدنية ولا نستبعد أن يأتي اليوم الذي تنتج فيه الصين أسلحة أمريكية تقليدية بهدف البيع في السوق العالمي بترخيص من الإدارة الأمريكية، ولكن هذا الاحتمال يتوقف على مدى قدرة السلاح الروسي من النفاذ إلى أسواق يعتبرها الغرب حكراً عليه
إن كلمة العولمة عندما تثار يتبادر إلى الأذهان أنها شيئاً يتعلق بالكونية فهل هي حرية انتقال السلع والخدمات والأفكار عبر الدول بلا حدود ودون حواجز أو قيود جمركية أو قرارات سيادية، وهل العولمة هي تحول العالم أجمع إلى قرية كونية بسبب التطور الهائل في وسائل الاتصال بحيث أصبح الإنسان الذي يقطن شمال الكرة الأرضية يرى جنوبها وشرقها وغربها عبر الأثير ويتابع الأحداث فور وقوعها، بل ويعيش الحدث حال وقوعه بحيث يصبح سكان العالم على معرفة وإحاطة فورية بما يحدث على ظهر الأرض التي يسكنونها، فيحدث بذلك التأثير والتأثر في الآخرين وبالآخرين وتدريجياً تصبح هناك ثقافة عالمية واحدة مشتركة بحيث تتلاشى معها الذاتية والخصوصية التي تميز كل شعب عن الشعوب الأخرى، أم العولمة هي ظهور شركات عملاقة متعددة الجنسيات ذات نفوذ وسيطرة ليس لها ولاء أو إنتماء لدولة بعينها.
إن العولمة هي تيار جارف يقوم بتقليص حدود الزمان والمكان وتبدأ به مرحلة جديدة من مراحل تاريخ الإنسانية لم يتحدد بعد شكل هذه المرحلة وأبعادها فالعولمة إذا اخذنا في الاعتبار كل الطروحات السالفة يمكن القول إن العولمة هي عبور الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسلوك عبر الحدود دون اعتبار للحدود السياسية والجغرافية للدول. بحيث تكون هناك أفكار ومؤسسات عالمية لا تنتمي إلى دولة محددة تمارس نشاطها دون أي عوائق عبر العالم سواء كانت هذه الأفكار والمؤسسات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، اننا سوف نناقش في هذا المقال العلاقة بين العولمة والسلاح وهل هناك عولمة في سوق السلاح وهل هناك عصر جديد يصبح فيه السلاح أي سلاح في متناول أي دولة أو مجموعة من الدول باعتباره سلعة من السلع أو منتج من المنتجات.
لقد كان السلاح طيلة عقود طويلة حكراً على دول معينة بحيث أن كل دولة تنتج نوعاً معيناً من السلاح بجميع مكوناته، وكان السلاح لا ينتقل من دولة إلى أخرى إلا بشروط معينة وهذه الشروط تخضع لاعتبارات سياسية وعسكرية بشكل رئيسي، ولكن بعد انتهاء عصر الحرب الباردة وبعد أن تحولت الحرب الباردة إلى حرب اقتصادية بالدرجة الأولى، وأصبح الاقتصاد هو مجال الحرب الرئيسي أواخر القرن العشرين لم يعد التعامل في سوق السلاح يخضع للاعتبارات السياسية والأيدولوجية والعسكرية بالدرجة الأولى بل أصبح سوق السلاح هو جزء من سوق الاقتصاد الدولية، فبينما كانت الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي السابق تخفي جميع المعلومات عن منتجاتها من الأسلحة التقليدية أصبحت الآن تتعمد نشر المعلومات عن أسلحتها التقليدية وتشترك في المعارض العالمية الدولية للسلاح وتقوم بترويج منتجاتها من السلاح، فمثلاً كانت روسيا في السابق لا تعطي ولا تبيع الجيل الأحدث وكانت تحتفظ لنفسها بجيل يسبق الأجيال التي تبيعها بجيلين أصبحت الآن تطور طائراتها التقليدية من أجل التصدير بل انها تعرض بيع معدات يتزامن عرضها في السوق العالمية مع التجارب الأولية لعرض القدرات لهذه الأسلحة، فما الذي حدث يا ترى؟ وما هذا التغير الكبير في استراتيجيات بيع السلاح وإعطاء الرخص لإنتاجه في دول أخرى. إنه يمكن القول هنا إنها رياح العولمة رياح لا بد أن يتقبلها العالم ويتعامل معها، وبما أن السلاح أصبح الآن هو جزء من السوق الاقتصادية العالمية سوف نتكلم هنا عن العولمة من المنظور الاقتصادي بصفة مبدئية أي عولمة الاقتصاد ومن ثم نعرج على عولمة السلاح وهل هي ممكنة أم لا ؟.
العولمة الاقتصادية
تعني العولمة في المفهوم الاقتصادي فتح الأسواق وانفتاح دول العالم على بعضها البعض وقد تصاعد هذا التيار خلال العقود الثلاثة الأخيرة بهدف تحديث وتطوير بنية الإنتاج في اقتصاديات الدول المتقدمة وفشل نظم الإنتاج في اقتصاديات دول التخطيط المركزي وتحولها إلى اقتصاد السوق مما نتج عنه تفكك البنى الاقتصادية في الدول الشيوعية وحدوث انكشاف خارجي لها، وخلال الثلاثة عقود الأخيرة بدأ العالم يتجه نحو التكتل والاندماج الاقتصادي بين عدد من الدول ذات المصالح المتشابكة وزاد تعاظم هذه التكتلات لتمثل أهم سمات النظام الاقتصادي العالمي في بداية القرن الحادي والعشرين، وأصبحت هذه التكتلات أهم مظهر من مظاهر العولمة الاقتصادية، وفي بداية هذا القرن ظهرت أوروبا كقوة اقتصادية كبرى موحدة تتجه نحو تكوين سوق مصرفية موحدة وسوق تجارية موحدة وإنشاء نظام نقدي موحد وإيجاد سياسة أوروبية مشتركة خاصة بالتطورات العلمية والتقنية وأهم أهداف هذا التجمع الأوروبي الضخم هو إلغاء الحواجز الاقتصادية والجمركية والفنية والمالية بين أعضاء دول الاتحاد الأوروبي بل لقد ذهبت أوروبا إلى أبعد من ذلك وهي اتخاذ موقف سياسي موحد من العديد من القضايا السياسية والعسكرية وتكوين قوة أوروبية موحدة لا تعتمد في المستقبل البعيد على القوة الأمريكية، وذلك في محاولة أوروبية جماعية للاستقلال عن القرار الأمريكي وتأكيد الهوية الأوروبية بالاعتماد على الذات إلى حد كبير في إنشاء القوة العسكرية التقليدية بما يسمح بحرية القرار الأوروبي وتخفيف القبضة الأمريكية التي لا تستطيع أوروبا حتى الآن من الإفلات منها بسبب إمكانيات الولايات المتحدة العسكرية الهائلة التي كانت تمثل الغطاء العسكري لأوروبا الغربية خلال عصر الحرب الباردة، وعلى الجانب الأمريكي كان تكتل (النافتا) وهو اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية والتي تشمل الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وذلك بهدف إنعاش الاقتصاد الأمريكي وزيادة فرص الاستثمار، وهناك عدة تكتلات اقتصادية أخرى مثل (الآسيان) وهي تضم كل من أندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي وآخر دولة انضمت لهذا التجمع الآسيوي هي فيتنام عام 1995م. وهكذا أصبحت التكتلات الاقتصادية واقعاً ملموساً ومتغيراً هاماً من متغيرات النظام العالمي الجديد، وبعد تطبيق اتفاقيات التجارة الحرة الخاصة (بالجات) ومنظمة التجارة العالمية خلال العشرين عاماً القادمة يمكن استشراف المستقبل الذي قد يحمل في طياته توحيد الأسواق لتصبح سوقاً واحدة تشمل العالم أجمع. ولكن هل هذا يمكن أن ينطبق على التجارة الدولية للسلاح؟. للإجابة على هذا السؤال لابد أولاً من أن نستعرض دور الشركات متعددة الجنسية في تكريس العولمة وجعلها حقيقة واقعة في سوق السلاح.
الشركات متعددة الجنسيات
لقد ظهرت الشراكة الاستراتيجية بين العديد من الشركات وخاصة شركات إنتاج السلاح الغربية في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تقوم شركتين أو أكثر بالاندماج أو تكوين شركات دولية تشترك فيها عدة شركات من عدة دول بنسب مختلفة في رأس المال وذلك في محاولة لقيادة السوق الدولية في سلعة معينة أو إنتاج متميز بحيث تتخصص كل شركة من الشركات في إحدى دول الشراكة في إنتاج مكون معين من مكونات أحد الأسلحة. وتعتبر هذه الشراكة ذات طابع تعاوني حيث تقدم كل شركة أفضل ما لديها سواء من تصنيع أو مجهودات وتأخذ هذه الشركات طابعاً عالمياً يشمل مجموعة من الدول أو تكتل من التكتلات ويظهر ذلك في الشراكة العالمية الأوروبية التي تتكون من شركة (يوروكوبتر) الفرنسية الألمانية وشركة (أجوستا) الإيطالية والشركة الهولندية لبناء الطائرات (فوكر) من أجل تطوير الحوامة (NH-90) التي صنعت بكاملها من المواد المركبة واستخدمت فيها أرقى التقنيات في الدول المذكورة وسوف تستخدم حوالي 700 مروحية في جيوش الدول المذكورة وتسويق بيع 500 حوامة أخرى في السوق الدولية. ومثال ذلك الشراكة الأوروبية الأمريكية في إنتاج سلسلة محركات الطائرات المقاتلة من طراز (F- 404) والتي تستخدم لدفع طائرات التورنيدو الأوروبية وطائرات (F-18) الأمريكية وطائرات (Jas339) السويدية وكذلك اشتراك عدة دول أوروبية في إنتاج طائرة أوروبا القتالية للقرن الحادي والعشرين (يوروفايتر) التي تشترك في تطويرها شركة (الينا) الإيطالية (BAE) البريطانية و (CASA) الأسبانية (وداسا) الألمانية ويظهر التعاون الأوروبي في مجال الأقمار الصناعية، حيث تدل دراسات الاتحاد الأوروبي على أن الملاحة بالأقمار الاصطناعية ستمثل سوقاً عالمية تقدر بحوالي 40 مليار (يورو) بحلول عام (2005م) وكشفت الدراسة أن أوروبا تستطيع ببناء نظامها الخاص أن تحصل على 270 مليار (يورو) في مبيعات معدات محلية وتصدير بحلول عام (2005م) وأن توجد أكثر من (000،100) فرصة عمل جديدة.
وقد تتحد شركتان أو أكثر للدخول في منافسة للحصول على عقود التسليح مثل اتحاد شركة (ليتون) وشركة (راكال) للحصول على عقد برنامج حوامة الجيش البريطاني الجديدة، ويوفر مثل هذا الاتحاد زيادة ملحوظة في القدرة الدفاعية للمعدات مع تقديم السلاح بسعر معقول حيث تنتج كل شركة في الشراكة (الكونسيرتيوم) الجزء الذي تتخصص في إنتاجه بشكل أفضل مما يوفر التكاليف ويزيد من كفاءة المنتج المشترك.
وكان أهم حدث في السنوات الأخيرة هو قرار شركتي بوينج وماكدونالد دوجلاس الأمريكيتين الاندماج ويبلغ حجم رأس المال بعد الاندماج (15) مليار دولار، وقد اعترضت المفوضية الأوروبية على هذا الاندماج مخافة احتكار الشركات الأمريكية لسوق الطائرات في العالم.
وأمثلة اندماج الشركات وتكوين الاتحادات كثيرة نكتفي بالأمثلة التي أوردناها، هذا على الجانب الغربي. أما بالنسبة لسوق السلاح الشرقي فنجد أن روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي السابق تحاول تسويق منتجاتها في بعض دول الشرق الأوسط وفي آسيا وتعتبر الصين والهند والباكستان أهم مستوردي السلاح الروسي الذي يتميز برخص ثمنه مقارنة بالسلاح الغربي، وفي مجال الشراكة المتعددة الجنسيات أصبحت روسيا على خلاف السياسة التقليدية التي اتبعتها في عصر الحرب الباردة وما قبله تسعى لعمل صفقات لنقل تقنية السلاح التقليدي وتصنيعه في دول أخرى تضمن من خلال هذه الصفقات استمرار عمل مصانعها المنتجة لمكونات الأسلحة وقطع الغيار وأصبح من سمات العولمة في تطوير السلاح الروسي هو اشتراك شركات أوروبية في تحديث المقاتلات الروسية بمقاييس حلف الناتو لكي يمكن استخدامها ضمن منظومة الناتو خصوصاً في دول أوروبا الشرقية التي تسعى للانضمام والاندماج في حلف الناتو بعد سقوط الجدار الشيوعي ولا زالت هذه الدول لديها أسلحة روسية ولا تتحمل ميزانياتها المرهقة شراء أسلحة غربية حديثة مما أدى إلى ظهور نوعية جديدة من الأسلحة الروسية الصنع المحدثة باستخدام التقنية الغربية ومثال ذلك الفريق الذي يتولى تحديث (الميج - 29) الروسية بمواصفات حلف الناتو وذلك باستبدال نظم الملاحة الجوية وإضافة كمبيوترات رقمية غربية متطورة ونظم اتصالات غربية وإضافة نظام تحديد الموقع العالمي والقصور الذاتي الغربي لهذه الطائرة (Lins/GPS) مما يؤهل الطائرة (ميج 29) للعمل بمقاييس الناتو بتحسين أجهزة الملاحة والاتصالات ودمج رادار جديد ونظام تحكم بالنيران وأنظمة الحرب الإلكترونية بحيث يمكن للطائرة الميج الروسية التزود بالأسلحة الغربية، وهذا الفريق الذي يقوم بأعمال التحديث يتكون من شركات رومانية وشركة (داسا) الألمانية وشركة (اليت) الإسرائيلية. إذا مما يكرس اتجاه عولمة السلاح هو هذه الشركات المتعددة الجنسيات وفي نفس الإطار تقوم شركة جاليلو الإيطالية بتكوين شراكة مع شركة (فوب) التشيكية لتحديث الدبابة (T-72) التشيكية وذلك بدمج نظام التحكم بالنيران المستخدم في الدبابات الإيطالية في هذه الدبابة الشرقية الصنع.
أما الخطوة الأبعد من ذلك فهو قيام الشركات الأوروبية الغربية بإنتاج السلاح الروسي فقد أصبحت شركة (يوروكوبتر) الفرنسية الألمانية أول مصنع غربي للحوامات يوقع اتفاقاً مع شركات روسية لطيران فقد تم توقيع عقد إنتاج الحوامة الروسية (مي 38) بشراكةروسية فرنسية ألمانية بهدف تصديرها إلى الأسواق العالمية بحيث تستخدم التقنية الغربية في نظم الملاحة الجوية مدمجة مع الطائرة الروسية إنتاج مشترك.
أما بالنسبة للشراكة الروسية الصينية فهي شراكة ذات أبعاد اقتصادية بالنسبة لروسيا من الدرجة الأولى فروسيا تحتاج إلى تنشيط اقتصادياتها وإيجاد فرص عمل وضمان استمرار الصناعات الروسية الحربية في حالة نشاط مستمر كما أن روسيا تعتبر من أكبر دول العالم المصدرة للأسلحة الرخيصة. أما بالنسبة للصين فهي دولة ذات جيش ضخم يحتاج إلى التطور التقني ومن ثم فإن (97%) من الأسلحة التي تشتريها الصين هي أسلحة روسية، أي أن الصين هي أكبر سوق لتصدير المعدات الروسية في ظل الحظر الأمريكي الذي تفرضه الولايات المتحدة على تصدير التقنية العسكرية المتطورة، لدرجة أن روسيا تلقت تحذيراً أمريكياً بوقف المعونة الأمريكية لروسيا إذا أصرت على بيع صواريخ (SS-20) إلى الصين الشعبية.
وهكذا نجد أن تكوين الشركات العالمية بالنسبة لإنتاج الأسلحة التقليدية على المستوى الأوروبي قد حققت قدراً كبيراً من عولمة السلاح على المستوى الغربي والشرقي إلى حد ما. فهل يصل التعاون الروسي مع شركات من أوروبا الغربية إلى العولمة بحيث يمكن أن تنتج روسيا السلاح الغربي وتبيعه والعكس بالعكس، إن هذا يتوقف على عدة عوامل. أهمها أن الولايات المتحدة التي تدخل كثير من تقنياتها في مكونات الأنظمة الأوروبية وخاصة في مجال الحرب الإلكترونية تمنع تداول تقنياتها مع عدة دول إلا في حدود بالنسبة لروسيا وتمنع منعاً باتاً انتقال تقنياتها العسكرية للصين باعتبارها الحصن الباقي من الشيوعية ولاعتبارات استراتيجية أخرى مثل المحافظة على التوازن العسكري في قارة آسيا، ومع ذلك تقوم إسرائيل بخيانة حليفتها الكبرى الولايات المتحدة وتنقل التقنية الأمريكية سراً إلى الصين. وقد تقوم الولايات المتحدة بحظر تداول تقنياتها مع بعض الدول مثل جنوب أفريقيا بحجة أنها تبيع السلاح لدول تتبنى الإرهاب حيث رفضت أن تدمج صواريخ (هل فاير) التي اشترتها إنجلترا من الولايات المتحدة مع حوامة (روي فولك) الجنوب أفريقية لأن جنوب أفريقيا تخضع لحظر التعامل مع التقنية الدفاعية الأمريكية واضطرت إنجلترا إلى استبدال الحوامة الجنوب أفريقية (روى فولك) بالحوامة الأمريكية (أباتشي) حتى تتمكن من استخدام الصواريخ الأمريكية (هل فاير) من على متنها. وهذا السبب على الرغم من كونه في الظاهر سبباً سياسياً إلا أنه في الحقيقة له أبعاد اقتصادية وهي ربط شراء الصواريخ هل فاير بشراء الحوامة (أباتشي) الأمريكية. ونفس هذا الدور لعبته النرويج المنتجة للصواريخ (بنجوين) المضادة للسفن حيث ربطت شراءها لعربات المشاة (برادلي) الأمريكية باستمرار الولايات المتحدة في شراء الصواريخ (بنجوين) النرويجية.
وهكذا نجد أن تبادل الصفقات يلعب دوراً هاماً في السوق العالمية للسلاح. ونرى أن التحولات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية في العالم امتدت إلى سوق السلاح في الربع الأخير من القرن الحالي، فالشركات مالكة التقنية القتالية أصبحت في حاجة إلى التعاون مع الشركات الأخرى لإجراء التجارب والاشتراك في تكاليف البحوث والتطوير وعرض القدرات، كما أصبحت هذه الشراكات التي تحدث بين الشركات متعددة الجنسيات توحد جهودها لتصريف منتجاتها من الأسلحة التقليدية في الأسواق العالمية، كما احتلت الشراكات في مشروعات الفضاء والإلكترونيات التي تعتمد عليها الأسلحة الحربية والحواسب الآلية والاتصالات والصواريخ وأنظمة توجيهها إلى غير ذلك من صنوف التقنيات العسكرية مكان الصدارة في السوق العالمي للتقنيات الدفاعية. ولكن هناك عدة حقائق تتحكم في عولمة السلاح تتمثل في:
1 تأكيد السيطرة الأمريكية في مجال التقنية العسكرية وتوجيه الأسلحة ومحاولتها التطويرية المستمرة لتحقيق السيطرة في تقنيات الحرب الإلكترونية، وهي التي سوف تعتمد عليها أي حرب مستقبلية فهي تضع شروطاً صارمة للذين يتعاملون في التقنية العسكرية الأمريكية والذين يرغبون في استخدامها لضمان عدم انتقالها إلى عدة دول تحظر عليها أمريكا استخدام التقنية الأمريكية.
2 العمل الدائم من قبل المعسكر الغربي على استبعاد دول الاتحاد السوفييي السابق من المشاركة في تصدر السوق العالمي للسلاح وعرقلة بيع الأسلحة الروسية للدول الصديقة لأمريكا أو التي تعتبر زبائن دائمين للسلاح الأمريكي. مع إمكان عرض صيغ للمشاركة على مستوى أدنى للتعاون في تصنيع بعض الأسلحة التقليدية مع دول أوروبا الغربية واليابان وإسرائيل.
3 التعاون مع بعض الدول على مستوى أدنى في نقل التقنية القتالية للأسلحة التقليدية ويشمل ذلك بعض الدول الآسيوية مثل كوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج وسنغافورة.
4 استبعاد باقي دول العالم الثالث من حلبة التطور في مجال التقنيات الدفاعية وخاصة الدول العربية والإسلامية.
الخلاصة:
إن عولمة السلاح هي جزء من عولمة الاقتصاد فقد أصبح سوق السلاح هو أحد الأسواق الاقتصادية التي يغلب عليها الربح قبل الايدلوجيات وأن الشركات متعددة الجنسيات هي أهم ملامح عولمة السلاح ويحظر التقنية الغربية التي تفرضه الولايات المتحدة على العديد من دول العالم لن يجعل من الممكن عولمة السلاح بالشكل الذي تتم فيه العولمة الاقتصادية لبقية السلع المدنية وحرية تكوين الشركات متعددة الجنسيات وحرية انتقال رؤوس الأموال التي تستمر في إنتاج الأسلحة عبر الحدود. ولكن يمكن القول بأن هناك شكلاً من أشكال حرية التجارة في السلاح لم تكن موجودة من قبل، ويمكن في المستقبل أن يتعاظم هذا الدور وخاصة بين أوروبا الغربية وروسيا، ويمكن أن يكون هناك سوقان للسلاح سوق شرقية وسوق غربية، طالما أن الولايات المتحدة تنجح في سياسة تحجيم الدور الروسي في السوق العالمية للسلاح. ولكن كثرة القيود التي تفرضها الولايات المتحدة سوف تؤدي تلقائياً بالدول الحليفة والصديقة لها إلى تنويع مصادر سلاحها، بحث تفقد الشركات الأمريكية المنتجة للسلاح التقليدي زبائنها تدريجياً وفي هذه الحالة سوف تضغط الشركات الأمريكية على الإدارة الأمريكية لتخفيف القيود المفروضة على تداول التقنية الدفاعية الأمريكية للخروج من مأزق فقد الأسواق التقليدية وعندئذ تتحول التقنية الأمريكية الدفاعية المحظورة إلى سلع متداولة كباقي السلع الاقتصادية المدنية ولا نستبعد أن يأتي اليوم الذي تنتج فيه الصين أسلحة أمريكية تقليدية بهدف البيع في السوق العالمي بترخيص من الإدارة الأمريكية، ولكن هذا الاحتمال يتوقف على مدى قدرة السلاح الروسي من النفاذ إلى أسواق يعتبرها الغرب حكراً عليه