تبعات تجاوز المعضلات العسكرية الغربية على تطور الجبهة الروسية
الحقيقة الكبرى أن المعضلة الأهم التي كانت روسيا تعاني منها قبل دخولها الحرب الأوكرانية، هي ضعف الاقتصاد الحربي، المرتبط بالضعف العام للاقتصاد الروسي!
فلا طاقة لدولة ناشئة من أنقاض امبراطورية عظمى، ثم تعرضت لعقوبات دولية، على شن معركة بقوة المعارك السوفيتية، أي بقدرة الجيش الأحمر، الذي كاد يهز أركان الدول الأوربية، وينزلها عن عرش القوة!
لذلك كان المخطط الروسي محصور في هذه الحرب، حول اسقاط حكومة كييف وتحرير المناطق الانفصالية ذات الأغلبية الروسية، بمعركة هجينة غير اعتيادية.
وضعف الاقتصاد الحربي أسفر عنه ضعف التجهيز القتالي أمام أحدث التقنيات القتالية الفردية في بداية الأمر!
فرغم ضخامة أسطول الدبابات والمدرعات الروسية، إلا أن الصالح منه للمعركة المعاصرة أقل من الثُلث!
كما أن جميع دبابات العالم ضعيفة أمام مجابهة المضادات الانقضاضية العلوية سواء بالحماية النشطة أو حتى التدريعية.
والمعضلة الأكبر كانت هو تخلف الروس تقنياً في مجال المعالجات الرقمية الميكرونية، والشرائح الإلكترونية النانونية!
وهو ما جعلها متخلفة في مجال الاستخدامات الموسعة للدرونات المجنحة والصغيرة الفردية المروحية.
وعندما بدء الروس بتطوير ومواكبة هذه التقنيات بوقت قياسي، بمساعدة حليفتهم الأكبر وأعني الصين بطريقة غير مباشرة، بدأت تتغير نتائج ومعطيات المعارك والمجريات العسكرية.
وبدء يتراءى للروس أهمية دور الدرونات في مرحلة حصار كييف!
مع صعوبة التعامل مع درونات بيرقدار الضاربة التركية، وضعف النفاثات الضربة المأهولة الروسية أمام كثافة الدفاعات الأوكرانية.
فظهرت بشكل متواضع درونات أوريون الضاربة الروسية، التي لولا قلة عددها لكان لها أدوار ربما مفصلية، بضرباتها الصامتة الجراحية.
لذلك نجد روسيا سارعت إلى استحواذ المئات من نظيرتها الضاربة الإيرانية وأعني شاهد 129 ريثما تتمكن من بناء أسطولها الخاص.
بل وتتطور الأمر فيما بعد إلى امتلاك وتطوير الدرونات الكميكازية البعيدة المدى الإيرانية شاهد 136، التي أنتجتها روسيا بشكل ذاتي تحت أسم "غيران تو" وطورتها وشاركت إيران بتطويرها!
والحقيقة أن الاستخدام المكثف اليوم للدرونات المجنحة والمروحية ساهم بشكل كبير بزيادة فاعلية وجدوى النيران المباعدة الروسية الأرضية المدفعية والجوية!
فهي توفر لها دقة وتركيز وتوثيق وحسن إدارة، مع وجود الاستطلاع اللحظي والكشف والرصد المستمر.
حتى أن الدرونات المروحية الفردية التي أكثرها تجارية لدا الأوكران هي السبب الأساسي في صعوبة اختراق الجبهة الأوكرانية، رغم نقص التسليح والعتاد ونقص الموارد البشرية.
لذلك نجد الروس في مسعى موازي اليوم يسعون إلى الإفراط في توفير ما يمكن توفيره من مجمل أنواع الدرونات لتسريع أعمالهم القتالية.
وأصبحوا موازين لاستخدام الدرون للمستوى الأوكراني بل تفوقوا عليهم في مجال التشويش على الدرونات وتحديد مجاميع التحكم بها الأوكرانية!
والجديد اليوم في محاولة أخيرة قهرية للتطورات التقنية الروسية، هو عزم أمريكا تزويد أوكرانيا بقنابل جيدام الموسعة المدى JDAM-ER، ولكن بصورة جديدة أكثر مقاومة للإجراءات المضادة الإلكترونية الروسية، وذلك بجعلها ثلاثية التوجيه بدل الثنائية من خلال النظم الأمامية للتوجيه المحسوس، وربما تزويدها بتقنية جيت التي قد تزيد مداها إلى 60 ميل بحري بدل 40، أو مضاعفة هذا المدى! وبتقديري هذا التسليح الجوي الجديد هو ردت فعل غربية على نجاحات قنابل التخطيط أو القنابل الانزلاقية الروسية الجوية المعدلة عن قنابل فاب الغبية الروسية.
وذلك بالإضافة إلى الحزمة التسليحية الخطيرة التي سوف تزود بها مقاتلات فالكون ف 16 الأمريكية، وأعني صواريخ كروز الجوية الشبحية جاسم JASSMوقنبلة هامر الفرنسية؛ لذلك لا استبعد أن تزود هذه المقاتلات الضاربة الأمريكية بتقنية الشبحية الإلكترونية للتقليل خطر سطوة ملكة المقاتلات الروسية سوخوي 35!
إلا أن الروس اعتبروا هذا النوع من النفاثات الضاربة، استقدام لمقاتلة تستطيع حمل القنابل النووية التكتيكية، فأطلقوا مناورتهم بقنابلهم النووية التكتيكية كرسالة شديدة اللهجة مضادة!
والخلاصة أن تبعات تجاوز المعضلات والعراقيل الغربية، من قبل الروس بدء يعيد لروسيا هيبتها القيصرية! وجعلها شيئاً فشيئاً تتحول من دولة قوية إلى إمبراطورية عظمى من جديد، بعكس ما كانت ترمي إليه النوايا والمخططات الغربية! ويبدو واضحاً وجلي اليوم أن روسيا لن تتراجع عن طموحاتها المستقبلية حتى لو استخدمت أسلحتها النووية!