هل وضعت حرب قطاع غزة نهاية لأسطورة أنظمة الدفاع الجوي باتريوت الأمريكية؟ إنها النتيجة التي يمكن استخلاصها بعد قرار إسرائيل التخلي عنها، والتي أكدت فشلها في مواجهات سابقة مثل الحرب الروسية-الأوكرانية وحرب عاصفة الحزم والآن في قطاع غزة.
وهكذا، أعلنت القيادة العسكرية الإسرائيلية بداية الأسبوع الجاي عن سحب منظومة باتريوت من الخدمة في ظرف شهرين. والمفارقة أن هذا يحدث في وقت تستمر فيه حرب قطاع غزة، وتعرض إسرائيل لهجمات من الحوثيين علاوة على شبح الحرب التي قد تندلع بين إيران وإسرائيل عبر الجو أساسا، أي التراشق عبر الصواريخ والطائرات المسيرة.
ولا يمكن فهم مثل هذا القرار سوى بفشل هذه المنظومة في اعتراض الصواريخ الباليستية والصواريخ ذات مدى مختلف. ويبدو رهان إسرائيل على نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ ذات المدى القصير والقذائف من عيار 155 ملم، ثم الرهان على منظومة آرو 3 وأنظمة غربية أخرى لمواجهة الصواريخ الباليستية.
توجد شكوك كبيرة حول فعالية الباتريوت في مواجهة الجيل الجديد من الصواريخ التي تصنعها دول مثل إيران وروسيا والصين
وتوجد شكوك كبيرة حول فعالية الباتريوت في مواجهة الجيل الجديد من الصواريخ التي تصنعها دول مثل إيران وروسيا والصين. وكان أول اختبار حقيقي هو فشل هذه المنظومة في اعتراض صاروخ باليستي يمني “بركان 2” بداية نوفمبر 2017 عندما قصف اليمنيون مطار الملك خالد إبان حرب عاصفة الحزم. وقتها نشرت جريدة نيويورك تايمز تقريرا مفصلا عن خبراء يبرز الخطر الذي يهدد الأمن القومي الأمريكي جراء فشل الباتريوت في اعتراض الصاروخ اليمني لأن باتريوت ركيزة أساسية في الدفاع الجوي الأمريكي.
ويوم 25 مارس 2018، تعرضت السعودية لهجمات بسبعة صواريخ باليستية، وقالت واشنطن إنه جرى اعتراضها، لتكشف مجلة فورينر بوليسي يوم 28 مارس 2018 في مقال بعنوان “صواريخ باتريوت تصنع في الولايات المتحدة وتشغل في كل مكان”، أن الباتريوت فشل في اعتراض الصواريخ اليمنية لأن تصميم باتريوت غير مناسب لاعتراض صواريخ “بركان 2”. في ذلك المقال، كتب جيفري لويس، مدير برنامج منع انتشار الأسلحة النووية في شرق آسيا في معهد ميدلبري للدراسات الدولية ما يلي “النقطة المهمة هي أنه لا يوجد دليل على أن السعودية اعترضت أي صواريخ حوثية خلال الصراع في اليمن. وهذا يثير فكرة مقلقة: هل هناك أي سبب للاعتقاد بأن نظام باتريوت يعمل أصلاً؟”. واستعان بحرب العراق 1991، حيث أبرز أن الجيش الأمريكي أكد اعتراض 45 صاروخا من نوع السكود التي أطلقها الجيش العراقي، وعاد البنتاغون ليعترف سنوات بعد ذلك باعتراض 25 صاروخا فقط.
وتعرضت السعودية لهجمات كثيرة لاحقا، حيث كانت مردودية منظومة الدفاع الجوي هذه متوسطة الفعالية. وتكرر السيناريو نفسه خلال هجوم الحوثيين على منشآت النفط شرق السعودية منتصف سبتمبر 2019، حيث فشلت هذه المنظومة في إفشال الهجمات.
وجاءت الحرب الروسية-الأوكرانية لتلقي مزيدا من الشكوك على فعالية أنظمة الدفاع الجوي باتيوت، فمن جهة، ادعت القيادة العسكرية الأوكرانية اعتراض صواريخ فرط صوتية روسية من نوع كينجال يوم 4 مايو من سنة 2023 وإسقاط مقاتلات روسية، وعادت لتؤكد منتصف يناير الماضي عدم صحة الاعتراض بواسطة الباتريوت. ولا توجد أدلة على نجاح اعتراض باتريوت صواريخ فرط صوتية أو باليتسية روسية ضربت أوكرانيا أو أسقطت مقاتلة متطورة مثل سوخوي 34. ومن جانب آخر، كشفت هذه الحرب عن خلل كبير ويتجلى في عدم تناسب استعمال الباتريوت الذي يكلف أكثر من مليون دولار لاعتراض طائرات مسيرة من نوع شاهد 136 الإيرانية الصنع والتي لا يتجاوز سعرها 50 ألف دولار.
وتأتي حرب قطاع غزة أو حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، لتبرز هشاشة أنظمة الباتريوت أمام الصواريخ الجديدة. إذ لم تستطع أنظمة الباتريوت اعتراض الكثير من الصواريخ الباليستية اليمينة التي قصفت منطقة إيلات، وفشلت في اعتراض صواريخ حزب الله نظرا لقصر المسافة، ولم تساهم بشكل فعال في اعتراض الصواريخ الباليستية والمجنحة الإيرانية ليلة 14 أبريل الماضي عندما قصفت إيران إسرائيل. وتولت أنظمة الدرع الصاروخي الأمريكية وأنظمة آرو الإسرائيلية-الأمريكية اعتراض غالبية الصواريخ.
وهكذا، تأتي حرب قطاع غزة وتنهي أسطورة أنظمة الدفاع الجوي باتريوت بصفة نهائيا، مما يجعل الكثير من الجيوش في العالم التي كانت تفكر في الباتريوت تبحث عن بديل له. وكانت جريدة هافنغتون بوست في نسختها الإسبانية قد نقلت يوم 9 يناير الماضي عن خبراء في السلاح كيف ستشتري اسبانيا مزيدا من الباتريوت في وقت فشل في الحرب الروسية-الأوكرانية.