في ظل عالم مضطرب يشهد تزايداً في المنافسة الجيوسياسية، تبرز بريطانيا كقوة عسكرية بحرية رائدة، حيث تشكل استراتيجية الردع النووي حجر الزاوية في منظومتها الدفاعية. وتعتمد هذه الاستراتيجية بشكل خاص على أسطول الغواصات الاستراتيجي المتطور التابع للبحرية الملكية البريطانية.
غواصات فانجارد: العملاق الخفي المسلح بأسلحة الدمار
تمثل غواصات فانجارد، المصنفة من نوع الـSSBN. (Ship, Submersible, Ballistic, Nuclear)، القوة الضاربة لترسانة الردع النووي في المملكة المتحدة. وتتمتع هذه الغواصات بقدرة مُطلقة على البقاء مخفية تحت سطح الماء لفترات طويلة بفضل نظام الدفع النووي (مفاعل Rolls-Royce PWR2) الذي يوفر قدرات تشغيلية لفتراتٍ تتجاوز 25 عاماً دون الحاجة للتزود بالوقود.
وتختص غواصات فانجارد بحمل وإطلاق صواريخ ترايدنت 2 دي5 العابرة للقارات القادرة على الوصول لأهداف تبعد حنى 12,000 كم. وتخدم حالياً أربع غواصات ضمن أسطول الردع: إتش إم إس فانجارد (S28)، إتش إم إس فيكتوريوس (S29)، إتش إم إس فيجالنت (S30)، وإتش إم إس فنجنس (S31).
وتعتمد هذه الغواصات بالدرجة الأولى على التخفي لتجنب قوات العدو. ومن أهم تقنياتها أنظمة سونار عالية الحساسية لرصد الغواصات الأخرى والتهديدات البحرية. ويمنحها شكلها الانسيابي القدرة على خفض بصمتها الصوتية مما يصعب كشفها.
غواصات أستوت: الذراع الرادعة الخفية
تكمل غواصات أستوت من فئة الغواصات النووية الهجومية (SSN) قوة غواصات فانجارد الاستراتيجية. ومع تصميمها متعدد المهام، تقوم بدوريات مكثفة لجمع المعلومات الاستخباراتية وتدمير الأهداف البحرية والبرية وإجراء عمليات سرية. وتستخدم هذه الغواصات نفس أنظمة الدفع النووي مثل غواصات فانجارد لضمان انتشار عملياتي واسع.
وتتمتع غواصات أستوت بمزيج من التقنيات والقدرات التدميرية:
- أنظمة سونار متطورة: تكشف الغواصات المعادية بدقة عالية مما يعزز مبدأ تفوق غواصات أستوت على الصعيد العملياتي والتكتيكي.
- تسليح متنوع: يشمل طوربيدات سبيرفيش الثقارقة القادرة على مواجهة الأهداف البحرية، بالإضافة لصواريخ توماهوك الهجومية بعيدة المدى التي تمنحها القدرة على تدمير الأهداف البرية.
تشكل هذه الغواصات الخمس في الخدمة ضمن أسطول البحرية الملكية: إتش إم إس أستوت (S119)، وإتش إم إس أمبوش (S120)، وإتش إم إس آرتفل (S121)، و إتش إم إس أوداشس (S122)، وإتش إم إس أنسون (S123). وتخضع غواصتان إضافيتان للتطوير للانضمام للأسطول في المستقبل القريب.
غواصات دريدنوت: الجيل المستقبلي لأسطول SSBN
تمُثل غواصات دريدنوت المستقبل لبرنامج الردع النووي البريطاني مع خطط لبناء أربع منها لتدخلل الخدمة تدريجياً بدءاً من أوائل 2030 لتحل محل غواصات فانجارد الحالية. وتتمتاز دريدنوت بحجم أكبر (بطول يبلغ 153 متر، ووزن أثناء الغوص يزيد عن 17,2000 طن) مما يوفر مساحة إضافية لأنظمة أكثر تطوراً.
ومن أهم مميزات غواصات دريدنوت:
- مفاعلات الجيل القادم: ستزود غواصات دريدنوت بمفاعلات PWR3 النووية الأحدث والأكفأ مما يزيد من قدرتها على البقاء في البحر دون الحاجة للتزود بالوقود ويطيل عمرها الإفتراضي.
- زيادة القدرة الإستراتيجية: سيتم تجهيزها بنظام إطلاق صواريخ يتضمن 12 قاذفة ترايدنت، إضافة إلى 4 أنابيب طوربيد للهجوم والدفاع الذاتي.
مستقبل مشرق للغواصات النووية في بريطانيا
لا تقتصر خطط بريطانيا على الاستثمار على تطوير SSBN فحسب، بل تمتد لتشمل الغواصات الهجومية. فمن خلال برنامج أوكوس بالتعاون مع الولايات المتحدة وأستراليا، يتم العمل على تصميم وتصنيع غواصات (SSN-AUKUS) ستمثل نقلة نوعية في القدرات العملياتية للبحرية الملكية.
ستتسم هذه الغواصات الجديدة بعدة أبعاد تكنولوجية متطورة:
- الانفتاح على التشغيل الآلي: سيتم تصميم SSN-AUKUS بتركيز خاص لتمكينها من تشغيل أنظمة الروبوتات البحرية المختلفة:الجوية، السطحية، وتحت الماء.
- توسيع نطاق العمليات: ستهيأ هذه الغواصات للعمل ضمن نطاق عالمي موسّع مما يعزز الحضور البريطاني في البحار والمحيطاطات.
- ربط الاتصالاتات وإمكانيات الحرب الإلكترونية: يُتوقعع بأن تعتمد هذه الغواصات المستقبلية على أنظمة الذكاء الاصطناعي وأنظمة اتصالات متطورة لرفعص مستوى التنسيق بين الغواصات التقليدية وأسراب الروبوتات البحرية.
خلاصة تسير مسيرة التحديثيث المستمر لأسطول الغواصات النووية البريطاني بخطى متسارعة، إذ تمثل التكنولوجيا المتطورة والقدرات العملياتية الموسفية ركائز جوهرية لاستراتيجية الردع القومي. ومن خلال الاستثمار المركّز في الأصول، وتطوير القدرات التقنية، وتركيز هام على العنصر البشري، ستواصل بريطانيا امتلاكها لقوة ردع عسكرية تتمتّع بمصداقية تضمن الحفاظ على المصالح البريطانية وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.