العالم اليهودي الذي لولاه ما وجدت إسرائيل

Badr28

عضو جديد
إنضم
9 أكتوبر 2023
المشاركات
237
التفاعل
675 4 0
الدولة
Algeria
Flickr_-_Government_Press_Office_(GPO)_-_President_Chaim_Weizmann.jpg


جميعنا يعرف وعد بلفور ويعلم في أي سنة وماهو محتواه لكن هل تسألت يوما عن المتسبب في صدوره؟

-على مر السنين تباكت الآلاف المؤلفة من العرب والمسلمين على منح بلفور ما لا يملك لمن لا يستحق، ذلك الوعد الذي نعلق عليه مأساة ضياع فلسطين، لتتخبط أفكارنا كمواقفنا بين من يعتبره كرما غير مبرر من بلفور تعاطفا مع اليهود، ومن يعتبره مؤامرة ضد المسلمين، ليغيب عن أذهاننا أولى بدهيات وقواعد عالم السياسة وهي أن لا قلب لها ولا ضمير: هي لعبة المصالح ليس إلا. فعلينا أن نسأل ماذا كانت مصلحة بريطانيا في إعطاء اليهود وعد بلفور، بعد أن كان اليهود مضطهدين ومكروهين فيها لدرجة أن كان يكتب على أبواب الحانات والمطاعم في لندن (ممنوع دخول الكلاب واليهود)؟ حتى أن آرثر بلفور بنفسه كان معاديا للسامية ودعا وكان قد دعا لوضع قانون صارم لهجرة اليهود إلى بريطانيا سنة 1905، هذا يجعلنا نتساءل عن السر الذي حول آرثر بلفور من شخص معادي لليهود إلى مدافع شرس عنهم وعن قضيتهم؟

تدقيق بسيط في التاريخ يفضي لأن نعرف أن وعد بلفور، أحد أعظم إنجازات الحركة الصهيونية، تحقق بفضل الاكتشاف العلمي الهام لعالم كيميائي واحد، الذي أصبح أول رئيس لإسرائيل فيما بعد وثاني أهم شخصية في التاريخ اليهودي الحديث بعد هرتزل.
هو حاييم ويزمان الذي ولد عام 1874 في روسيا، كان مهتما بالكيمياء والعلوم منذ صغره حتى حصل على الدكتوراه في الكيمياء من ألمانيا لأبحاثه في مجال تصنيع الطلاء. لينتقل بعدها إلى التدريس في جامعة مانشستر في بريطانيا قبل أن يحصل على الجنسية البريطانية.
لاحظ وايزمان تزايدا في الطلب على المطاط في العالم بسبب التطور السريع لهذه الصناعة. ومع نقص المطاط الطبيعي، أدرك العديد من العلماء أن تطوير المطاط الصناعي سيكون منجم الذهب الاقتصادي. فقام وايزمان بإنتاج مادة أساسية لتصنيع المطاط. وقد احتاج لإنتاجها أن يطور نوعا جديدا من البكتيريا المعزولة من الذرة تنتج كميات كبيرة جدا من البيوتانول (اللازم لإنتاج المطاط) والأسيتون. ثم بعد انخفاض أسعار المطاط الطبيعي وتطوير المطاط الصناعي لم تعد الفكرة كلها مجدية اقتصاديا، حتى وضعها وايزمان جانبا. لكن لم يذهب جهده سدى.

فقد جاءت نقطة التحول الكبرى في عام 1914، في الحرب العالمية الأولى، لتتوج جهود وايزمان العلمية، فقد ظهرت الحاجة إلى تطوير التكنولوجيا اللازمة لإنتاج أسلحة هجومية جديدة منها الغازات السامة وتطوير تقنيات الذخيرة للتغلب على صعوبات حرب الخنادق.

وبدأ تزايد الطلب على الأسيتون (ذات المادة التي استطاع وايزمان إنتاجها بكميات كبيرة سابقا) في المملكة المتحدة وبلدان أخرى، لاستخدامه لصنع cordite، وهو خليط البارود الذي حل محل أنواع أخرى من الذخيرة، لأنه عمل على تقليل الحرارة الناتجة عن إطلاق البنادق، وبالتالي سمح لزيادة كثافة إطلاق النار، وفائدته الأخرى الأهم أن احتراقه لا يؤدي إلى إنتاج الدخان، وبالتالي لم يكشف عن موقع البنادق والجنود. وكان الأسيتون أساسيا لإنتاج cordite، وقد كان يتم إنتاجه من تكرير المعادن التي كان يتم إحضارها من ألمانيا وأوروبا الوسطى. فلمّا أصبحت ألمانيا دولة معادية، كان على بريطانيا أن تجد مصدرا آخر لكميات كبيرة من الأسيتون، وبسرعة.

Acetone-CRC-MW-ED-dimensions-2D.png
400px-Sample_of_Acetone.jpg

وهنا لمع نجم وايزمان والبكتيريا التي جهزها سابقا. فاستجاب لدعوة مكتب الحرب البريطاني وقدم البكتيريا وعملية إنتاج الأسيتون. كما أعطى الحكومة الحق في تطويرها. وبعد وقت قصير من تعيين وايزمان مديرا لمختبرات البحرية الملكية، غزا إنتاج الأسيتون الصناعي، وتم إنقاذ أزمة القذائف البريطانية في الحرب المبكرة، فكان إسهاما كبيرا في انتصار الحلفاء. وقد تم تسمية البكتيريا المسؤولة عن إنتاج الأسيتون ب "وايزمان".

ولقد تعدت إضافة وايزمان الحرب العالمية الأولى وخدمة بريطانيا إلى الحرب العالمية الثانية وخدمة الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تم استخدام cordite في نظام تفجير القنبلة الذرية التي سقطت على هيروشيما في أغسطس 1945. فلا عجب من أن ارتباط المصالح العليا للدول في حروبها هو الأساس في علاقاتها مع الدول الأخرى ومن بينهم إسرائيل.

وحين كان حاييم وايزمان يخلق أطنانا من الأسيتون لقذائف بريطانيا، ومع تدهور الإمبراطورية العثمانية، أصبح مصير أرض فلسطين بعد الحرب موضوعا ساخنا. وقد بات الأثر الهائل الذي حققه وايزمان في الحرب مفيدا جدا في التأثير على كبار المسؤولين الإداريين في لندن. وبفضل منصبه في الصناعة العسكرية، وقربه من ونستون تشرشل وديفيد لويد جورج، الذي كان وزيرا للذخائر ثم رئيسا للوزراء، تكللت جهود وايزمان بالنجاح بإطلاق وعد بلفور في ٢ نوفمبر 1917، ليشكل حجر الأساس في تاريخ الصهيونية ودولة إسرائيل.

ذلك الانتصار التاريخي الذي زرع بذرته وقطف ثماره عالم كيميائي صهيوني، بدءا من محاولاته الفاشلة لإنتاج المطاط، مرورا باكتشافه للبكتيريا بدون فائدة، وانتهاء برضوخ بريطانيا لمطلبه بأرض فلسطين مقابل اكتشافه العلمي الفذ.

فلتكن ذكرى وعد بلفور فرصة لنتعلم أن فلسطين لم تضع منا بسبب حب بريطانيا لإسرائيل، بل بسبب البحث العلمي الذي غذى المصالح السياسية، ولن تعود إلينا إلا إذا عرفنا قواعد اللعبة، لأن لغة العلم تصنع المصالح، والمصالح هي التي تتحكم في السياسة ولديها القدرة المطلقة على توجيهها.
 
عودة
أعلى