عربي ودولي
تهريب المخدرات بين سوريا والأردن.. هاتفان يكشفان "كنز أسرار"
ضياء عودة - إسطنبول
11 مارس 2024
Share on Facebook
Share on Twitter
Share on WhatsApp
على الحدود الأردنية-السورية
قبل أسبوع اعترضت إحدى الفصائل المحلية في ريف السويداء السورية سيارة تقل شخصين متهمين بتهريب المخدرات والتجارة بحبوب "الكبتاغون"، وبعدما تطورت الأحداث إلى الاشتباك معهما، أسفرت إصابتهما برصاصات في الفخذ والرأس عن مقتلهما.
الاثنان هما شاكر وعايد الشويعر، وكان الأول قد نجا من قصف نفذته "الطائرات الأردنية" على منزله في قرية أم شامة في منتصف ديسمبر الماضي، ووفق شبكات إخبارية محلية فإن استهدافه قبل مقتله على يد الفصائل كان بحكم "اسمه البارز في عمليات التهريب".
ولم تمض أيام على الحادثة حتى نشرت شبكة "السويداء 24" المحلية مشاهد مصورة، وبيانات حصلت عليها من هاتفي شاكر وعايد، وثقت من خلالها الكثير من التفاصيل عن شبكات تهريب المخدرات العابرة للحدود بين سوريا والأردن.
البيانات، ومن بينها محادثات عبر تطبيق "واتساب"، فضحت تورط جهات أمنية وعسكرية سورية في رعاية التجارة غير المشروعة، كما سلطت الضوء على صورة لم تكن سائدة في السابق عن آلية وشكل عمليات التهريب.
وأكدت الشبكة المحلية أن "الشخصين اللذين قتلا من أخطر متزعمي شبكات التهريب في جنوب سوريا"، وأوضح مدير تحريرها ريان معروف لموقع "الحرة" أنهم بصدد نشر البيانات الخاصة بشبكات التهريب بشكل تدريجي خلال الأيام الماضية.
"مسيّرة ودولارات"
ويظهر أحد التسجيلات، التي نشرتها الشبكة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إقدام المهربين على إطلاق طائرة مسيرة محمّلة بشحنة مخدرات، وتوثق أخرى سيارة من نوع "بيك آب" في صندوقها الخلفي أكياس تحوي حبوب "كبتاغون".لقطة أخرى، ضمن فيديو تزيد مدته عن 3 دقائق، توثق أحد المهربين الاثنين أثناء دخولهما إلى مفرزة "الأمن العسكري" في منطقة صلخد، بريف السويداء.
وفي غضون ذلك أظهرت أخرى رزما من الدولارات، ومجموعة من أكياس الكبتاغون، ومحادثات أجراها المهربون عبر واتساب مع مسؤولين في قوات النظام السوري، أمنيين وعسكريين.
ولم يسبق أن انتشرت مثل هذه البيانات والمعلومات الخاصة بعمليات التهريب بين سوريا والأردن.
ورغم إعلان الجيش الأردني، خلال السنوات الماضية، اعتراضه للشحنات، نادرا ما كان ينشر تسجيلات مصورة وبيانات ومعلومات توثق ما يجري على الطرف المقابل من الحدود.
الصحفي ريان معروف يوضح لموقع "الحرة" أن المعلومات والبيانات التي حصلوا عليها من الفصائل المحلية، التي استحوذت على الهاتفين، تشير إلى أن آخر عملية تهريب قام بها "المهربين الشويعر" كانت في الخامس من مارس الحالي.
ويقول: "كان مصدرها مناطق حزب الله اللبناني، وبعدما دخلت كان شاكر يتواصل مع حرس الحدود السوري لكي يخبره عن تأجيل إدخالها بسبب الظروف الجوية، أو كما أوردها عبر محادثاته بعبارة (لم يحكم الجو)".
معروف يصف ما حصلوا عليها بـ"كنز الأسرار" والمعلومات الخطيرة، ويشرح كيف أن البيانات والمشاهد والتسجيلات غيّرت النظرة السابقة لعمليات التهريب.
"مركزية متكاملة"
وفي السابق، كان معروف وغيره من الصحفيين والمراقبين في السويداء يرون أن التهريب يتم بـ"آلية لا مركزية".لكن، وفي أعقاب الحصول على التفاصيل من مصدرها، يتضح أن "العملية الخاصة بالكبتاغون تدار بمركزية محكمة تشترك فيها كل الأطراف"، وفق الصحفي ومدير الشبكة المحلية.
ويوضح حديثه بالقول: "من خلال ما تظهره البيانات ترتسم صورة منظومة تهريب كاملة ترتبط بالنظام السوري والعشائر على الحدود وحزب الله في لبنان".
كما ترتسم معالم مشهد بأن "التهريب وصل إلى مرحلة الحرفة دون أن يخضع لأي عمليات ردع"، حسب الصحفي السوري.
ويشير إلى أن البيانات التي حصلوا عليها تفضح ضلوع ضباط وعناصر "حرس الحدود" في عمليات التهريب من خلال تسهيل عبورهم، أو حتى إخبارهم بأماكن تواجد نظرائهم على الطرف المقابل من "حرس الحدود" الأردني.
"المهرب يوجه الكلمات في إحدى المحادثات لضباط وعناصر حرس الحدود كأنه قائدهم"، ويوثق فيديو داخل هاتفه عملية دخوله إلى مفرزة الأمن العسكري الموجودة في بلدة صلخد بريف السويداء.
"دولة متورطة"
دائما ما تحمّل عمّان مسؤولية عمليات التهريب لميليشيات "تدعمها قوى إقليمية"، في إشارة مبطنة إلى إيران.وتقول، في المقابل، إن حالة التصاعد ترتبط بضعف السلطة في سوريا، وبغطاء توفره أطراف داخل "الجيش السوري".
وبحسب تقارير أمنية لدول عدة، فإن النظام السوري يعتبر المسؤول الأول عن تهريب وتصنيع شحنات المخدرات وحبوب "الكبتاغون"، التي تحولت شيئا فشيئا إلى "مكسب تجاري كبير"، يعود بالفائدة الاقتصادية عليه من جهة، وعلى "حزب الله" اللبناني الذي ينتشر وكلاؤه في مناطق متفرقة داخل سوريا من جهة أخرى.
وفي ذات الصدد يقول الصحفي معروف إن البيانات التي حصلوا عليها تؤكد أن "تصنيع حبوب الكبتاغون مازال مستمرا في مناطق حزب الله اللبناني"، ويلفت إلى تكرار ذكر اسم "أبو علي حسن شمص" ضمن محادثات المهربين التي حصلوا عليها من هاتفهما.
كما يضيف بالقول: "نحن نتحدث عن منظومة كاملة. دولة متورطة وأناس تم استخدامهم كأدوات وجهة مصنعة وموردة".
"تغيّر مرحلي"
وتشير تقديرات الحكومة البريطانية إلى أن 80 في المئة من إنتاج "الكبتاغون" في العالم يصدر من سوريا، وإن ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري يشرف شخصيا على هذه التجارة في الخارج.وكذلك الأمر بالنسبة لتقديرات الولايات المتحدة الأميركية، مما دفع واشنطن في أواخر مارس 2023 لفرض عقوبات على عدد من الشخصيات السورية واللبنانية، بينهم سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد.
وكانت عمليات التهريب من سوريا إلى الأردن قد أخذت منحى تصاعديا بعد حرب إسرائيل في غزة، ووصلت إلى حد إدخال الأسلحة والذخائر والصواريخ.
وبعدما نفذت الطائرات الأردنية سلسلة ضربات في الداخل السوري، وما تبع ذلك من توتر دبلوماسي بين دمشق وعمّان، شكّل البلدان قبل أسابيع "خلية اتصال" لمراقبة، وتتبع شحنات المخدرات من المنبع إلى المصب.
ويعتقد عامر السبايلة، وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي أردني، أن "هناك معطيات تشير إلى تغيّر أو تخفيف في موضوع المخدرات، وفي هذه المرحلة على الأقل".
وترتبط المتغيرات بالبلدين، وفق السبايلة الذي يوضح أن "الأردن عمل على ضبط شبكات المطلوبين الأبرز خلال الأسبوعين الماضيين"، وكان واضحا من جانبه "العمل المهم على تفكيك الشبكات العابرة للحدود".
في المقابل، يضيف لموقع "الحرة" أن "الجانب السوري أعلن عن مضبوطات، حاول من خلالها إيصال رسائل مختلفة".
وجاء ذلك في ظل "دور لعبه الوسطاء العرب، ولاسيما أن المنطقة باتت مهددة بالكامل وبشكل كبير أمام الاستهداف المباشر"، وفق السبايلة.
المحلل الأردني يرى أن المتغيرات المذكورة "دفعت جماعات التهريب للتراجع إلى الوراء، من أجل درء خطر الاستهداف السريع والمباشر".
وبينما ينظر إلى "خطوات سورية داخل منظومة التهريب"، يؤكد أن "تفكيك بعض الشبكات لا يعني النهاية، خاصة أن الكبتاغون يشكل اقتصادا موازيا".
ويتفق الصحفي معروف بذات الفكرة، ويقول إن البيانات التي حصلوا عليها تكشف عمليات المبازرة (التفاوض المالي) التي يتم خوضها في سبيل إدخال الشحنات عبر الحدود، ويقول إنها لا تقل عن مبلغ 200 ألف دولار.
وقبل شاكر وعايد الشويعر كان مرعي الرمثان المتهم بتجارة المخدرات على نحو كبير في جنوب سوريا قد قتل بقصف نفذته الطائرات الأردنية على منزله في ريف السويداء.
ويضيف معروف: "بعد مقتل الرمثان تم تغيير رئيس مفرزة الأمن العسكري، وجاء آخر جديد سرعان ما انخرط بجو التهريب السائد في المنطقة. الأمن العسكري له نفوذ على حرس الحدود والجيش، ونحن نتحدث عن منظومة كاملة تثبت تورط النظام"