دوافع التحول الأوكراني للحالة الدفاعية وأسرار نجاح الهجمات الروسية
مقدمة هامة:
إن عملية التحول الأوكراني للأوضاع الدفاعية، في حقيقة الأمر هي رغبة أمريكية ساندها على حدوث ذلك باقي دول حلف الناتو الأوربية!
والغاية من ذلك رغم أن هذا أعاد تحرك المد الهجومي الروسي في الأراضي الأوكرانية، هو تأخير النصر الروسي أو إفشاله، حتى تكتمل الإعدادات والاستعدادات الغربية، لتشكيل القوة الهجومية البديلة الأوكرانية بطريقة شبه سرية، والتي مهمتها الأساسية إعادة رسم حدود السيطرة الروسية في أوكرانيا بالقوة، بالشكل الذي يخدم المصالح الاستراتيجية الغربية، وتطلعاتها المستقبلية، ولتحقيق ذلك بشكل يرغم الأوكران على فعل ذلك، قنن الناتو الامدادات اللوجستية على الجبهة الدفاعية الأمامية، وركزها بطريقة سرية على الجبهة المتأخرة العميقة الهجومية الأوكرانية.
وفي السطور التالية سوف نلخص باقي الدوافع للتحول القوات الأوكرانية إلى الأوضاع الدفاعية.
الدافع الأول الأوكراني للتحول للحالة أو الأوضاع الدفاعية، هو فصري كما أشرنا بالمقدمة وليس اختياري، والسبب أن الأوكران أثناء هجومهم المضاد الفاشل فقدوا أكثر مقومات كتلتهم الهجومية النوعية بالأفراد والعتاد وخاصة الأعتدة الغربية، وختي الذخائر، وذلك لأنهم تناسوا الاحترافية الدفاعية الروسية وخبرات الروس التراكمية في هذا المجال، من الناحية العملية، ولأنهم أقدموا على هذا الفشل بضغوط غربية!
أما الدافع الثاني فهو الانتقام لخسائرهم الكارثية في هجومهم المضاد الفاشل، من خلال دفع الروس للحالة الهجومية التي ترفع خسائر الروس بالأفراد والعتاد وترهقهم من الناحية المعنوية والتذخيرية التخزينية واللوجستية.
والدافع الثالث هو تأخير نتائج العمليات الهجومية الروسية، من خلال زيادة المقاومة الدفاعية من خلال استمرار عمليات التعزيزات المتولية القتالية بطريقة تصاعدية حتى ولو كانت مقننة مقارنة بعملية دعم الجبهة العميقة الهجومية، وتزايد عمليات الدعم اللوجستي، إلا أن هذه الأخيرة هي سر التحول الاستراتيجي عند الأوكران للحالة الدفاعية فأمريكا جعلت الأولوية بالدعم اللوجستي لدولة الكيان الصهيوني في فلسطين، ودول أوربا التابعة لحلف الناتو، جعلت الأولية لتظافر الجهود الذاتية لمواجه مباشرة محتملة قد تحصل مع قوات الدولة الروسية الاتحادية.
وأكبر دليل على ذلك تسارع انهيار الدفاعات الأوكرانية القوية في خط الحصون أو القلاع الدفاعية الأوكرانية.
الدافع الأخير، هو أن أكثر الأسلحة والذخائر التي تصل أوكرانيا تصل لأيدي مافيات السلاح الأوكرانية، بواسطة التشكيلات القومية المتشددة النازية! لأنها بالأصل تشكلت من رجال الأوليغارشيات الأوكرانية، لذلك تقنين السلاح إلى عمق الجبهة الدفاعية، يفرض على الأوكران النازيين، إيصال أكثرها للجبهة المتقدمة الأمامية، لأن عدم حدوث ذلك يؤدي إلى الانهيار السريع لعموم الجبهة الدفاعية، ونهاية وجود الحركة القومية النارية.
والإدارة النازية الأوكرانية، تعي ذلك تماما، ولكن تعويلها الأول اليوم في الاستمرار الدفاعي في خط القلاع الدفاعية هو السعي لإحداث أكبر خسائر ممكنة بالقوات المهاجمة الروسية المنتخبة، بغية كسر شوكة روسيا الهجومية بطريقة استنزافية، فهل نجحوا بالفعل بهذه الاستراتيجية؟! ً
والحقيقة أن الهجوم بكافة هيئاته ينجم عنه خسائر أكبر مما ينتج عن الهيئات القتالية الدفاعية، فاستراتيجية التعويل الأوكران على تكبيد الروس خسائر كبيرة أمر ناجح من الناحية التكتيكية العملية، إلا أن الروس أصبح لهم رأي أخر من أثناء التحول إلى الاستراتيجية الهجومية!
فقد بينا في مقالنا السابق "الأبعاد الاستراتيجية لتطور الهجمات المحدودة الروسية" بشيء من التفصيل عن طبيعة الهجوم الروسي الأخير ضد الدفاعات الأوكرانية، واليوم سوف نبين جوانب جديدة واسرار توثق أسباب نجاح هذا الهجوم مع كافة ردود الفعل المتاحة المضادة الأوكرانية.
والسر الأكبر في نجاح الهجمات الروسية مع مراعاة انخفاض الخسائر الهجومية، هو زيادة اعتماد الروس كما نوهنا من قبل في أكثر من مقالة تحليلية، بشكل مفرط على الدرونات المعدة للأعمال القتالية والاستطلاعية.
ولكن الجديد هو الاستخدام الهستيري للدرونات الفردية المروحية الرباعية FPV حتى أنهم خصصوا كما فعل من قبلهم الأوكران تشكيلات خاصة قتالية من مجاميع الجنود الروسية وجعلوا رؤساء المجموعات القتالية الهجومية التسللية من مشاة البنادق الألية يمتلكون هذه الدرونات من فئة "ميني" للأعمال الاستطلاعية والأكبر للأعمال القتالية بإسقاط دانات الهاون والرومانات المضادة للأفراد بطريقة شاقوليه، والدرونات الانقضاضية الكميكازية.
وهو ما سهل عمليات اقتحام المشاة الراجلة المتسللة لنقاط الهجوم الصاعق والمباغت بطريقة آمنة ونوعاً ما سرية تحت عطاء جوي مأهول ومدفعي دقيق وجراحي وذلك بالاستعانة أيضاً بالدرونات الاستطلاعية والهجومية الفردية والاعتيادية.
أما السر الثاني هو زيادة اعتماد الروس على القوات المنتخبة المتمرسة والخبيرة بالعمليات الهجومية المتطوعة والتعاقدية، بشكل يخفف بقدر كبير من وجود خسائر بالقوات الروسية الاعتيادية والاحتياطية.
والسر الثالث بنجاح الروس بعمليتهم الهجومية، يكمن بالطريقة الهجومية، التي تعتمد على تحرك المشاة الراجلة المحترفة بطريقة تسللية ليلية مع وجود مراقبة متقدمة دائمة بالدرونات الفردية المروحية ليلية أو حتى نهارية، أما المشاة المؤللة فتتقدم كمرحلة ثانية بعد تعزيز هجمات المشاة الراجلة ويعزز التشكيلين ويدعمهم بشكل صاعق وأكثر سرعة وحيوية قوات الاقتحام المجوقلة بالحومات الهجومية، ويكون ذلك كله على شكل دفاعات وموجات قتالية عمادها المجموعات القتالية الثمانية الأفراد والرباعية المستقلة من الناحية القتالية، تماماً كما هو خال انتشار الشظايا الناتجة عن الانفجارات المركزية، والتي يجمعها عملية الاستطلاع المتقدمة بالدرونات ويغطي تقدم واقتحام هذه المجموعات الصاعقة، نيران الدرونات الضاربة الهجومية والنفاثات الهجومية الفوق صوتية والداعمة التكتيكية التحت صوتية جنباً إلى جنب مع المروحيات الهجومية، بالإضافة لسلاح المدفعية، بشكل استهدافي دقيق وجراحي بالذخائر السمتية التهديف والموجهة الذكية.
ويقل زخم هذه النيران الداعمة الخارجية مع تصاعد عدد الموجات الهجومية التي تعتمد بشكل كبير حينها على نيرانها الذاتية وتعود وتتصاعد النيران الداعمة مع وجود انسحاب أو أخذ أوضاع تمركز دفاعية، وتحصن تلك التمركزات السلبية، وفق استراتيجية القضم والهضم الروسية.
والسر الرابع يكمن بالاستراتيجية الهجومية العازلة للمناطق الدفاعية الأوكرانية، حيث يبدأ بتشكيل قلب هجوم ثم تشكل فوات الأجنحة الهجومية، ثم تنفيذ اقتحام جوي بالحوامات القتالية خلف المناطق الدفاعية، بعد تحييد المضادات الأرضية، وبذلك يتم عزل وتطويق الجزر الدفاعية الأوكرانية، وضد تحصينات أو حصون أفيديفكا عززوا هجومهم بإنزالات مرافقة مظلية!
وافصل ردود الأفعال الدفاعية الأوكرانية الناجحة حتى الأن ضد الهجمات الروسية المتتالية التصاعدية، مع وجود النقص الكبير بالذخائر المدفعية الأوكرانية، وانعدام القدرة على تنفيذ الهجمات الجوية، هو زيادة الاعتماد على الدرونات الفردية المروحية الرباعية الهجومية والكميكازية.
وفي نهاية المقال نلحص الأبعاد الاستراتيجية للهجمات الروسية بشكل أكثر توضيح مع إضافات جديدة عما أوردناه في المقال التحليلي الموسع الذي كان بعنوان "الأبعاد الاستراتيجية لتطور الهجمات المحدودة الروسية" ونبدأ بالبعد الأول والأهم هو سرعة السيطرة على خط القلاع الأوكراني، الذي بانهياره تتوالى عملية الانهيار السريع لكافة باقي الخطوط الدفاعية الأوكرانية، التي تعتبر بالمقارنة مع خط القلاع خطوط ثانوية، مع وجود الضربات الاستباقية والوقائية بالعمق القريب بالقنابل المعدلة فاب الجوية الانزلاقية العالية الدقة، لوفرتها بالمخازن الروسية كقنابل عمياء غبية، ولانخفاض كلفة تطويرها لتصبح ذكية، كما فعل الأمريكان من قبل بذخائرهم الغبية من فئة مارك.
وكذلك الأمر بالمقذوفات المدفعية الدقيقة الذكية والقذائف الصاروخية الذكية والمساحية البعيدة المدى. والتركيز على افشال إتمام أو انشاء الخطوط المستنسخة من الخطوط الروسية المعروفة بخطوط سورفيكين الدفاعية، في المرتفعات وأحزمة الغابات والإبقاء بالوقت الحالي على الخطوط التي يتم انشائها في الأماكن الاعتيادية، لأنها تحت الرقابة الدائمة والمستمرة الروسية!
أما البعد الثاني فهو السيطرة على مساحة متقدمة آمنة ضد الهجمات القريبة المدفعية الميدانية والمدفعية الصاروخية، ضد الأماكن السكنية في المقاطعات الأوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية، والضربات البعيدة في الأراضي الروسية الحدودية.
أما البعد الثالث هو إيجاد مناطق دفاعية عميقة مع منطقة رمادية متقدمة واسعة لتثبيط الهجمات المضادة الأوكرانية المستقبلية إذا ما حدثت بطريقة وقائية.
أما البعد الرابع فهو انهاء خطر الدفاعات الجوية المتقدمة الأرضية الأوكرانية على الضربات العميقة الجوية والصاروخية الروسية، التي تشكل عائق كبير على تزايد الضربات الروسية التمهيدية والوقائية.
أما البعد الخامس، فهو إيجاد موطئ قدم آمن للهجمات المعاكسة الروسية ضد الهجمات المضادة الأوكرانية التي بتقديري تبدأ بإنزالات هائلة واقتحامات جوية صاعقة ومفاجئة، تكون ضمن مناطق السيطرة الجديدة الروسية تمهد وتؤمن للهجمات الاختراقية المدرعة الروسية، والتي تكون محمية ومؤمنة ضمن مناطق السيطرة الدفاعية الروسية.
والبعد السادس، وهو إعادة فكرة تحرير كييف، بإطلاق الهجوم المجوقل الهائل شمال كييف الذي سوف يتبع بهجوم مدرع كبير للقوات السيبيرية.
وأخيراً البعد السابع والأخير، وهو إتمام عملية تقسيم أوكرانيا إلى شرقية روسية وغربية أوربية، ينهي فكرة توسع الناتو بشكل يهدد أمن ووحدة الأراضي الروسية الاتحادية، على أن يتم ذلك بالقوة، لإثبات أن روسيا دولة عظمى قوية، ثم تجلس هذه الأطراف القوية على طاولة المفاوضات، لأن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، والناتو لن يسعى اليوم وفي هذه الظروف الحالية للوصول لمواجهة عسكرية مع روسيا الاتحادية.