وُلد محمد بوضياف سنة 1919، في ولاية المسيلة الجزائرية التي كانت واقعة تحت الاحتلال الفرنسي، مثل باقي تراب البلاد. وخلال طفولته تابع تعليمه الابتدائي في مدينة بوسعادة، وفي شبابه عمل محصلاً للضرائب في مدينة جيجل، قبل يحمل السلاح ضد النازية وحلفائها خلال الحرب العالمية الثانية.
سنة 1992، أصبح بوضياف رابع رؤساء البلاد الذي قادها في ظرف كان الأكثر دمويَّة في تاريخها، إثر أزمة تعطيل المسار الانتخابي التي أغرقتها في دوامة حرب أهلية دمويَّة، امتدت طوال عشريَّة التسعينيات السوداء.
كان الرئيس المذكور يلقي خطاباً لعموم الشعب بقاعة المركب الثقافي بمدينة عنابة (شرقي البلاد)، خطاب كان يبث ساعتها مباشرة على شاشة القناة الوطنيَّة الجزائريَّة. وبعيدَ دقائق قليلة من بداية الرئيس حديثه، وكانت كلماته الأولى كما توثق ذلك مقاطع مصوَّرة، حول موضوع الإسلام والديمقراطيَّة. دوى انفجار قنبلة صوتية، فتدافع الحضور هلعاً للاختباء تحت مقاعدهم، تلاه رشق رصاص متتابع، قبل أن يقطع البث تحت هول الصدمة.
أصيب الرئيس في مقتل، وقضى نحبه متأثراً بجراحه، أما القاتل فنجح في الهروب خارج القاعة، قبل أن يسلِّم نفسه عند أقرب مركز شرطة.
في خطابه التاريخي الأخير حث بوضياف مواطنيه على التسلح بالعلم، إن هم أرادوا الانخراط في سباق العصر، وإن هم أرادوا دخول غمار المنافسة مع شعوب ودول العالم، التي لم تتقدم إلا بسلاح العلم. (باشْ فاتونا؟ فاتونا بالعلم... والإسلام...). ولم يكمل جملته، وكان بوضياف بصدد تأكيد ما قاله في خطب له ومداخلات سابقة أدلى بها مرات: "إن الإسلام يحث على العلم والعمل وليس على التطرف وكره الغير".
يومها عم الحزن كل أرجاء الجزائر والبلاد العربية، وفي مقدمتها المغرب، الذي استقبل بوضياف سنوات طويلة، فأحبه كل من عرفه من المغاربة، وكان بوضياف إنسانا جديرا بالاحترام، مثالا للطيبة والنبل. كان جيرانه ومعارفه من أهل المغرب يفضلون مناداته باسم "الطيب الوطني"، وهو الاسم الحركي الذي حمله بوضياف معه منذ زمن الثورة الجزائرية، ورافقه طيلة حياته. وقد اعتذر بوضياف بكل عفة عن تلقي أي منحة أو راتب عرض عليه من قبل الملك الحسن الثاني، مكتفيا بالعيش الكريم من كده في معمل صغير لصناعة الآجور.
ولم تغب الحقائق المتصلة بمقتل بوضياف، منها محاربته للطغمة الفاسدة، كما لم تلغ فكرة موقفه من قضية الصحراء الغربية، حيث أن مواقفه "حول مغربية الصحراء كانت السبب الرئيسي لمقتله"، حسب ما جاء في مذكرات (نشرت سنة 2020) لوزير الدفاع السابق في ذلك الوقت، الجنرال خالد نزار، أحد كبار المتهمين شعبيا في الجريمة، الذي أكد بعد عقدين من الحادثة: "بالنسبة لبوضياف، المشكلة المصطنعة التي نشأت حول مشكلة الصحراء لم يكن لها مكان على الأرض".
هو الموقف ذاته الذي عبر عنه الكاتب المغربي الطاهر بنجلون، في مقال نشره بعد سنتين على اغتيال بوضياف، عندما كتب أن "بوضياف، الرئيس الجزائري الوحيد الذي كان يعتقد أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق مع جيرانه، بما في ذلك اتفاق حول مستقبل الصحراء. وسواء كانت وفاة بوضياف نتيجة مؤامرة دبرت داخل جبهة التحرير الوطني، للحفاظ على سياسة المواجهة مع المغرب، فإن ذكرى تلك الحلقة البعيدة توضح إلى أي مدى، أن تسميم نزاع الصحراء هو ثابت تاريخي، بطريقة مماثلة لكيفية خيبة الأمل بمستقبل ميؤوس منه، وغير مؤكد لعقود"
سنة 1992، أصبح بوضياف رابع رؤساء البلاد الذي قادها في ظرف كان الأكثر دمويَّة في تاريخها، إثر أزمة تعطيل المسار الانتخابي التي أغرقتها في دوامة حرب أهلية دمويَّة، امتدت طوال عشريَّة التسعينيات السوداء.
كان الرئيس المذكور يلقي خطاباً لعموم الشعب بقاعة المركب الثقافي بمدينة عنابة (شرقي البلاد)، خطاب كان يبث ساعتها مباشرة على شاشة القناة الوطنيَّة الجزائريَّة. وبعيدَ دقائق قليلة من بداية الرئيس حديثه، وكانت كلماته الأولى كما توثق ذلك مقاطع مصوَّرة، حول موضوع الإسلام والديمقراطيَّة. دوى انفجار قنبلة صوتية، فتدافع الحضور هلعاً للاختباء تحت مقاعدهم، تلاه رشق رصاص متتابع، قبل أن يقطع البث تحت هول الصدمة.
أصيب الرئيس في مقتل، وقضى نحبه متأثراً بجراحه، أما القاتل فنجح في الهروب خارج القاعة، قبل أن يسلِّم نفسه عند أقرب مركز شرطة.
في خطابه التاريخي الأخير حث بوضياف مواطنيه على التسلح بالعلم، إن هم أرادوا الانخراط في سباق العصر، وإن هم أرادوا دخول غمار المنافسة مع شعوب ودول العالم، التي لم تتقدم إلا بسلاح العلم. (باشْ فاتونا؟ فاتونا بالعلم... والإسلام...). ولم يكمل جملته، وكان بوضياف بصدد تأكيد ما قاله في خطب له ومداخلات سابقة أدلى بها مرات: "إن الإسلام يحث على العلم والعمل وليس على التطرف وكره الغير".
يومها عم الحزن كل أرجاء الجزائر والبلاد العربية، وفي مقدمتها المغرب، الذي استقبل بوضياف سنوات طويلة، فأحبه كل من عرفه من المغاربة، وكان بوضياف إنسانا جديرا بالاحترام، مثالا للطيبة والنبل. كان جيرانه ومعارفه من أهل المغرب يفضلون مناداته باسم "الطيب الوطني"، وهو الاسم الحركي الذي حمله بوضياف معه منذ زمن الثورة الجزائرية، ورافقه طيلة حياته. وقد اعتذر بوضياف بكل عفة عن تلقي أي منحة أو راتب عرض عليه من قبل الملك الحسن الثاني، مكتفيا بالعيش الكريم من كده في معمل صغير لصناعة الآجور.
ولم تغب الحقائق المتصلة بمقتل بوضياف، منها محاربته للطغمة الفاسدة، كما لم تلغ فكرة موقفه من قضية الصحراء الغربية، حيث أن مواقفه "حول مغربية الصحراء كانت السبب الرئيسي لمقتله"، حسب ما جاء في مذكرات (نشرت سنة 2020) لوزير الدفاع السابق في ذلك الوقت، الجنرال خالد نزار، أحد كبار المتهمين شعبيا في الجريمة، الذي أكد بعد عقدين من الحادثة: "بالنسبة لبوضياف، المشكلة المصطنعة التي نشأت حول مشكلة الصحراء لم يكن لها مكان على الأرض".
هو الموقف ذاته الذي عبر عنه الكاتب المغربي الطاهر بنجلون، في مقال نشره بعد سنتين على اغتيال بوضياف، عندما كتب أن "بوضياف، الرئيس الجزائري الوحيد الذي كان يعتقد أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق مع جيرانه، بما في ذلك اتفاق حول مستقبل الصحراء. وسواء كانت وفاة بوضياف نتيجة مؤامرة دبرت داخل جبهة التحرير الوطني، للحفاظ على سياسة المواجهة مع المغرب، فإن ذكرى تلك الحلقة البعيدة توضح إلى أي مدى، أن تسميم نزاع الصحراء هو ثابت تاريخي، بطريقة مماثلة لكيفية خيبة الأمل بمستقبل ميؤوس منه، وغير مؤكد لعقود"
هل قتل بوضياف لموقفه من قضية الصحراء الغربية؟
يوم الأربعاء المقبل 29 يونيو 2022، ستكتمل ثلاثون سنة على حادث اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف (1919-
www.alhurra.com