الألغام البحرية
توجه نحو الإجراءات المضادة للألغام التباعدية
استخدمت الألغام البحرية لإحداث تأثيرات مدمّرة من قِبَل دولة أو جهات فاعلة غير حكومية، ولكن اصطياد هذه الألغام يستغرق وقتاً طويلاً ويتطلب أعمالاً مضنية. اليوم، يُعدّ مفهوم الإجراءات المضادة للألغام التباعدية MCM الجديد، والذي يتضمن نظاماً من الروبوطات، من شأنه أن يغير طريقة صيد الألغام إلى الأبد. وأوضح كلود بولتوت، مدير «قدرة استبدال MCM» للبحرية البلجيكية والملكية الهولندية، ما الذي تعنيه مجموعة MCM Toolbox التباعدية الجديدة لمستقبل الإجراءات المضادة للألغام.
لقرون مضت، قدّمت الألغام البحرية للدول والجهات الفاعلة الأخرى وسيلة رخيصة وفعالة للغاية للدفاع عن المناطق الساحلية والموانئ ضد الهجمات، وإيقاف السفن التجارية أو السفن الحربية في مساراتها. ويمكن لهذه الألغام أن تبقى مخفية لفترات طويلة فوق أو تحت سطح الماء، في انتظار البصمة المغناطيسية أو الصوتية للسفينة لإحداث الانفجار.
تم استخدام الألغام البحرية بشكل كبير من قِبَل أطراف في الحربين العالميتين الأولى والثانية لإغراق السفن التجارية والسفن الحربية ولحماية السواحل من الغواصات الألمانية. في الحرب العالمية الأولى، ابتكرت البحرية الأميركية مضيق برقة في بحر الشمال، الذي يمتد على طول الطريق من جزر Orkney حتى النروج، لمنع غواصات البحرية الألمانية من مهاجمة الشِّحَن عبر المحيط الأطلسي.
وفي يومنا هذا، لا تزال القوات البحرية تزيل مئات الآلاف من الألغام البحرية التي تم زرعها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. كذلك لا تزال صائدات الألغام البحرية التابعة للبحرية الملكية البريطانية المتمركزة بشكل دائم في الخليج العربي، تواصل البحث عن الألغام التي خلّفتها الحرب العراقية/ الإيرانية.
وبحسب مركز روبرت شتراوس للأمن الدولي والقانون في جامعة تكساس في أوستن، تسببت الألغام البحرية في غرق %77 من ضحايا السفن الأميركية منذ العام 1950، ويمكن استخدام هذه الألغام أيضاً لإحداث تأثير نفسي كبير، لأن مجرد التهديد بها يمكن أن يؤدي إلى توقف الملاحة البحرية. وأثناء عملية «الحامي الموحد» United Protector في ليبيا، على سبيل المثال، اكتشفت قوات حلف شمال الأطلسي أن ألغاماً مزروعة في المساعدات الإنسانية المقدَّمة للبلاد. ولا تزال الألغام البحرية التي زرعها الحوثيين في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب تهدد حركة الملاحة البحرية في هذه المنطقة.
يعتمد مفهوم الإجراءات المضادة للألغام التباعدية MCM الجديد على نظام من الروبوطات، بما في ذلك العربات التحتمائية الذاتية القيادة أو AUV، والسفن السطحية غير الآهلة USV، والعربات الجوية غير الآهلة UAV، لرصد، وتحديد، وتصنيف ومعالجة الألغام البحرية.
بالنسبة للقوات البحرية التي تصطاد الألغام البحرية المنتشرة عبر محيطات العالم، فهي مهمة شاقة، تشمل مشاركة السونارات للكشف عن الألغام البحرية والعربات التي يتم تشغيلها عن بُعد ROV أو الغواصين لتحديد مواقع الألغام والتخلص منها. أحد أكبر التحديات التي تواجه القوات البحرية هي العمل بسرعة وعلى نطاق واسع. يمكن لصائدات الألغام التراثية أو التقليدية التعامل مع لغم واحد في كل مرة، ما يعني أنه في المناطق التي يوجد بها أعداد كبيرة من الألغام قد يستغرق إزالتها شهوراً إنْ لم يكن سنوات.
جعلت التطورات في تكنولوجيات السونار والأنظمة غير الآهلة من السهل صيد الألغام بسرعة وتغطية مناطق تهديد أوسع. وتم أيضاً تحسين الكشف عن الألغام وتصنيفها من خلال تحسينات في ضغط الفيديو ووصلات الاتصالات، ما يعني أنه يمكن نقل البيانات التي تم جمعها بواسطة أجهزة الاستشعار التحتمائية أو السونارات بسهولة أكبر إلى أولئك الذين يحتاجون إلى تحليلها. لكن الشيء الذي من المرجح أن يحدث ثورة في تقاليد الصيد القديمة منذ قرون، هو مفهوم إجراءات مكافحة الألغام التباعدي الذي يستخدم نظاماً من الروبوتات.
يعتمد هذا المفهوم على نظام من الروبوتات، بما في ذلك العربات التحتمائية الذاتية القيادة أو AUV، والسفن السطحية غير الآهلة USV، والعربات الجوية غير الآهلة UAV، لاكتشاف، وتحديد، وتصنيف ومعالجة الألغام البحرية. ويتم استخدام العربات الجوية غير الآهلة لكشف الألغام العائمة، وتبادل الاتصالات أو الاستطلاع، بينما تستخدم السفن السطحية غير الآهلة لنقل الروبوطات المختلفة داخل وخارج حقل الألغام، إضافة إلى توفير ترحيل الاتصالات وكذلك السونارات المقطورة، فيما تستخدم العربات التحتمائية المتوسطة الحجم لفحص ومعالجة العربات. وصرّح أنطوني بن، مدير التجارة وتطوير الأعمال في ECA Group خلال عرض افتراضي في معرض Euronaval: «يمكن أن تكون العديد من العربات الجوية غير الآهلة أو المسيّرات في الماء في الإطار ذاته وسنعمل معاً في مراحل مختلفة من المهمة».
تستخدم السفن السطحية غير الآهلة لنقل الروبوطات المختلفة داخل وخارج حقل الألغام
تعمل ECA Group على تطوير نظام الروبوطات الذي ستستخدمه القوات البحرية البلجيكية والملكية الهولندية في مجموعة الإجراءات المضادة التباعدية MCM Tool Box. وستقوم شركة Naval Group الفرنسية بتجهيز البحريتين بِـ 12 سفينة MCM من الجيل التالي (ست لكل منهما). ويتضمن العقد أيضاً حاوية قيادة وسيطرة C2 قابلة للنشر، إضافة إلى جهاز محاكاة تدريب MCM متقدم.
واعتباراً من العام 2022، ستتسلم البحريتان الفرنسية والبريطانية ما تصفه Thales أول نظام غير آهل للإجراءات المضادة للألغام مدمجاً كلياً، والذي يشمل عربات USV، و AUV وأحدث السونارات، ومركز عمليات محمول POC، والذي يمكنه التحكم بما يصل إلى ثلاثة أنظمة غير آهلة في الماء في أي وقت.
وسيتم في المستقبل، إجراء معظم عمليات الإجراءات المضادة للألغام MCM بشكل مستقل – باستثناء تلك العمليات القريبة من البنية التحتمائية الحرجة التي ستتطلب المزيد من الغواصين. لكن الوصول إلى هذه النقطة كان بمثابة رحلة. بالنسبة للبحريتين البلجيكية والهولندية فقد استغرق الأمر العديد من المناورات الحربية والتجارب البحرية في بحر الشمال، ما أدى إلى تأليب أنظمة صيد الألغام القديمة ضد أنظمة تحتمائية وسطحية مستقلة من مجموعة من المزودين التجاريين الجاهزين بما في ذلك Thales، و Elbit systems، و Teledine Marine، و ATLAS Elektronik، قبل أن يستقروا على مفهوم MCM التباعدي.
«كانت هناك حاجة لهذه الأحداث لفهم مخاطر المفهوم والتحقق من صحة افتراضاتنا»، بحسب قول كلود بولتوت، الذي أضاف: «علاوة على ذلك، اعتمدنا على تجربتنا الثنائية القومية في هذا المجال، وأخيراً قمنا بتطوير رؤية BEL-NLD (بلجيكا – هولندا) حول عمليات MCM المستقبلية. وكان الاستنتاج هو بناء مستقبل عمليات MCM على مفهوم تباعدي، والذي كان مدعوماً بقوة من قِبَل كلتا البحريتين.
أثبتت المناورات والتجارب الحربية ما لطالما شككت فيه القوات البحرية، وهو أداء الأنظمة المستقلة الحالية في MCM تجاوزت بكثير أنظمة صيد الألغام القديمة، إضافة إلى إبعاد الطاقم عن منطقة التهديد بالألغام غير الخاضعة للمسح لمسافة آمنة نسبياً. وتتمثل إحدى الفوائد الكبيرة من استخدام أنظمة غير آهلة متعددة بالقدرة على إجراءات عمليات MCM بالتوازي، ما يؤدي إلى تغطية وتطهير أسرع لمنطقة تهديد الألغام.
«مع المفهوم التباعدي، نحن قادرون على نشر العديد من الأدوات بالتزامن»، كما أوضح القائد بولتوت، «على سبيل المثال، عربة سطحية غير آهلة USV واحدة مع سونار مقطور للكشف عن الألغام وعربة USV أخرى مزودة بنظام لكشف الألغام والتخلص منها والتي تم توضيبها في وقت سابق. علاوة على ذلك، نحن قادرون على استخدام عربة جوية غير آهلة UAV مزودة بمستشعر LIDAR لكشف الألغام المنحرفة أو الراسية على سطح الماء أو تحته مباشرة. ويتيح هذا المفهوم تعزيز كفاءة عمليات إزالة الألغام».
ستحل سفن MCM الجديدة التي تقوم ببنائها Naval Group محل سفن صيد الألغام البلجيكية والهولندية القديمة التي تم تطويرها في ثمانينيات القرن الماضي وتحديثها في العام 2005
سيستمر استخدام الغواصين في العمليات القريبة من البنى التحتمائية الحيوية. «سيكون هناك حمولة غواص متخصصة لأجل USV من أجل تمكين عمليات الغوص»، بحسب ما قال بولتوت، الذي أضاف: «بالنسبة للعمليات في المياه الضحلة، سنستمر في استخدام القدرة الحالية للمياه الضحلة للغاية. لذا، فإن مهارات صيد الألغام الحالية سنبقى بحاجة إليها في المفهوم التباعدي».
في حين تم إثبات المفهوم التباعدي في عمليات MCM، لم يتم اختبار جميع الأنظمة غير الآهلة في مفهوم MCM ToolBox التباعدي التي ستشغلها البحريتان البلجيكية والهولندية في المستقبل بالتزامن. وأوضح بولتوت: «لا توجد حالياً أية منصة (السفينة الأم) تدمج جميع الأنظمة غير الآهلة. ومع ذلك، فقد أثبت كل نظام على حدة أنه موثوق وفعال من خلال التجارب البحرية التي تم إجراؤها. علاوة على ذلك، سيتم تسليم المنصة الأولى في أيلول/ سبتمبر 2024. وحتى ذلك الحين، سيتم إجراء العديد من الاختبارات من قِبَل المقاول للتحقق من صحة أنظمته. وأخيراً، تم التخطيط لعدة اختبارات قبول في الموانئ والبحر لضمان أن الأنظمة المسلحة ستفي بجميع متطلبات العقد».
ستحل سفن MCM الجديدة التي تقوم ببنائها Naval Group محل سفن صيد الألغام البلجيكية والهولندية القديمة التي تم تطويرها في ثمانينيات القرن الماضي وتحديثها في العام 2005. وستكون لدى السفن الجديدة بصمة كهرومغناطيسية، ورادارية وصوتية منخفضة وصدمة مقاومة عالية لحماية الطاقم. وستسمح الأتمتة المتقدمة على متن السفينة بتشغيل العديد من المسيّرات بالتزامن وبطريقة مثالية.
صرح إيمريك مولارت تروسي، مدير التسويق العملاني للمسيّرات في Naval Group خلال فعاليات معرض Euronaval 2020: «إن تحفة السفينة هي منطقة المهام حيث يتم تخزين جميع العربات غير الآهلة. إنها مضغوطة للغاية ومحسّنة، ويمكن إعادة تدوير الأجهزة بسهولة وفقاً لما هو مطلوب للمهمة».
ترتبط منطقة مهام السفينة بنظام إدارة القتال. ويمكن مشاركة جميع البيانات التي تم جمعها من العمليات في الوقت الفعلي خارج السفينة. ويمكن أيضاً أن يعمل مركز البيانات الموجود على متن السفينة بشكل مستقل عن الشاطئ إذا تطلب الأمر ذلك.
وقال بولتوت: «ستساعد التقنيات الجديدة في Stand off MCM Tool Box أيضاً في جذب أفراد البحرية ودعم التوظيف في منصات MCM الجديدة. وسيتم التدريب على المعدات الجديدة على مراحل.
ستشمل المرحلة الأولى الاكتشاف العام للسفينة، وخصائصها، وهندستها المعمارية، وصيانتها وطريقة تشغيلها من خلال دورات دراسية نظرية. وفي المرحلة الثانية للتقنيين والمشغّلين، سيتحكم أفراد الطاقم في الأنظمة والمعدات التي سيقومون بتشغيلها: الوظائف، والواجهات، وظروف السلامة، بدء التشغيل، والتوقف، وأنماط التشغيل، والمستوى الأول من الصيانة وإجراءات تحديد مواقع الأعطال. وستتم مرحلة التدريب الثالثة في البحر في عالم حقيقي مع أفراد الطاقم.
سيتم تقديم تدريب خاص بالمهمة باستخدام جهاز محاكاة في EGUERMINS، مركز التميز التابع لحلف الناتو في مدينة Ostend البلجيكية. وسيتم تدريب الفِرَق المعيارية على الأنظمة، ولكن أيضاً بواسطة جهاز محاكاة. ويتكون المحاكي من ثلاث حجرات مكوّنة من مركز معلومات قتالية وبيئة واقع افتراضي. الأولى للتدريب على أنظمة إدارة القتال وكذلك برمجيات حرب الألغام.
وسيتم استخدام الأخيرة لتعريف طواقم العمل من خلال بيئة ثلاثة الأبعاد «استكشاف السفينة» ولتدريب المشغلين ومناولي السطح في الحظيرة الافتراضية للسفينة.
«سوف يكونوا قادرين على إعداد الأدوات ونشرها افتراضياً»، بحسب بولتوت، بعد التدريب الأولي سيواصل طاقم منصة MCM والفِرَق المعيارية التدريب في مركز ABNL Mine Countermeasures Vessels Operational Sea Training (Most) في Zeebrugge.
ستتسلم البحريتين الفرنسية والبريطانية ما تصفه Thales أول نظام غير آهل للإجراءات المضادة للألغام مدمجاً كلياً، والذي يشمل عربات USV، و AUV وأحدث السونارات، ومركز عمليات محمول POC، والذي يمكنه التحكم بما يصل إلى ثلاثة أنظمة غير آهلة في الماء في أي وقت
إنتهى