الأبعاد الاستراتيجية لتطور الهجمات المحدودة الروسية ونجم الصدمة الروسية
مقدمة:
الحرب الروسية الأوكرانية هي الحرب التي لها الصدارة من الناحية العملية والعالمية، رغم أنه يطغى على الإعلام وخاصة في الشرق الأوسط حرب غزة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني الغاصب، وحرب الحوثين (أنصار الله) باليمن وحزب الله السوري والعراقي مع الأمريكان أيضاً بالتبعية مع الأزمة الفلسطينية، إلا أن هذين الحربين الأخيرين هما في الحقيقة حروب استعراضية! سواء من الجانب الشيعي أنصار إيران أو حتى بردود الفعل الأمريكية! بضربات المتعددة ضد الحوثيين في اليمن، أو بالضربة الجوية الشاملة الأخيرة بالقاذفات الاستراتيجية لانسر (ب-1بي) B-1B Lancer الفوق صوتية، والتي شملت 85 موقع لأنصار إيران في سوريا والعراق، بواسطة 125 قنبلة عالية الدقة ثنائية التوجيه بالقصور الذاتي والأقمار الملاحية الصناعية، من نوع جيدام (ذخيرة الهجوم المباشر المشتركة) GBU-31JDAM تم إلقائها من أربعة إلى ستة قاذفات بعد أن استباحت الأجواء السورية والعراقية من ارتفاع 40 ألف قدم ومسافة 24 كم من الأهداف، وتم ذلك خلال 25 دقيقة استهدافية، من الممكن أن يكون ذلك تحت تأثير تشويش تعطيلي عالي الطاقة، أو اعمائي كثيف لكافة الرادارات الراصدة والكشفية، أو من خلال ادخالات قيروسية إلكترونية، أو باستخدام تقنية التبريد والتمرير الراداري وفق ما قرأته سابقاً في مجلة استراتيجيا العسكرية، كتطوير لهذه القاذفة في بدء العمل به منذ التسعينات! أو تم ذلك بالاتفاق مع حكومات تلك الدول وروسيا وإيران! وذلك كرد شامل على 165 هجوم شيعي على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، نتج عن آخرها مقتل وإصابة جنود أمريكان، ونتج عن العملية الانتقامية مقتل أكثر من 23 وعشرات الإصابات، دون أن يكون فيهم إيراني واحد! وفق التصريحات المسؤولة الإيرانية! وبتقديري هذه القاذفات الأمريكية هي نفس القاذفات الستة المتواجدة بالقواعد البريطانية والتي نفذت العملية التمهيدية الأولى التي سبقت أول عملية اقتحام بري مشترك مع الأمريكان في شمال غزة والتي ألقت قنابل المطرقة العمياء مارك 84 التي تزن 2000 رطل ضد أهداف مدنية! وفق تصريحات محللين مؤيدين لحماس ومطلعين على حقيقة الساحة الحربية، ولا استبعد أن تكون القنبلتين التان فخختهما المقاومة ودمرت بها أربعة دبابات ميركافا فور صهيونيةّ! من هذه القنابل؛ ومع ذلك حرب أوكرانيا أهم لأنها قد تفضي باي لحظة إلى حدوث حرب عالمية بين تحالفين هما الأقوى بالعالم، تنتهي بحرب فناء نووية، خاصة مع اكتمال التجهيزات والتحديثات النووية الروسية! وقرب نفاذ الصبر الروسي كدولة متفوقة على العالم بهذا المجال!
والجديد بالحرب الأوكرانية، ورغم أنني تناولت بمقالات تحليلية متتابعة عن هجوم الشتاء الروسي 2024 على أن يتم بطريقة شاملة اجتياحيه خاطفة، تشمل على الأقل نصف أوكرانيا، أو لنقل أوكرانيا الشرقية، ورغم أني وصلت إلى درجة الجزم بحتمية هذا الهجوم وفقاً لكثرة المعطيات والإيحاءات الإيجابية، التي تؤيد حتمية هذا الهجوم، والتي في مقدمتها كثرة التصريحات المبطنة السياسية الروسية، وحجم الاستعدادات المتصاعدة العسكرية؛ إلا أنه في حقيقة الأمر تبين لي وللمرة الثانية، أنه يصعب التنبؤ بحقيقة النوايا الروسية! فإن كان البريطانيين والأمريكان ثعالب السياسة الخارجية، فالروس ثعالب خدع الحرب الداخلية والخارجية، فقد قالها من قبل الزعيم البريطاني الشهير وثعلب الحرب العالمية الثانية، وينستون شيرشل: "الروس لغز داخل لغز داخل لغز! وقد حذر من ذلك أكثر من مرة ثعلب ومهندس السياسة الخارجية الأمريكية هنري كسنجر قبل أن توافيه المنية.
وفي نهاية الأمر صدرت أوامر صريحة من راس الهرم الروسي بوتين بضرورة التقدم بالعمق الأوكراني حفظاً لأمن الأراضي الروسية الحدودية من أخطار القذائف الصاروخية والمدفعية التي يصعب التعامل معها بردود الفعل الدفاعية المناسبة، وكذلك ضد الأخطار الدفاعية الجوية الصاروخية والتي هي كانت المحور الرئيسي للاعتماد هذا القرار الرئاسي الروسي بعد اسقاط صاروخ باتريوت أمريكي من فئة "باك تو" لطائرة النقل اليوشن 76 التي كانت تقل الأسرى التبادل الأوكران مع نظرائهم الروس الذين بالأيادي الأوكرانية، وتم الاسقاط فوق الأرضي الروسية!
وهذه الأوامر الرئاسية تعني أن يستمر الهجوم المضاد الروسي اليوم على وتيرته الحالية الجبيهة ولكن بطريقة تصاعدية.
ولو عدنا بالزمن قليلاً لبدايات هذه الحرب لوجدنا بالحقيقة أنه لم يكن عند الروس إخفاق في الحرب الأوكرانية إلا عندما تلكؤوا بتنفيذ هجوم كبير وسريع لإسقاط كييف بطريقة عسكرية ببداية الحرب! عندما فشلت مخططهم الهجين العسكري الاستخباراتي الأمني، نتيجة وجود مخططات موازية مضادة غربية أقوى استخباراتيا، وأكثر حرفية وسرية، وكان أكبر عامل لحالة الفشل حينئذ تعارض الأوامر السياسية مع السياسة القتالية الناجحة العسكرية. والثقة التامة بعقيدة غراسيموف الهجينة التي ابتدعها رئيس أركان الحرب الروسية، وإخفاق المخابرات الفيدرالية الروسية (مكتب الأمن الفيدرالي)FSB بجمع المعلومات الكافية الاستخباراتية والتأمينية، عن النوايا المضادة الغربية مع نجاح الغرب بتضليل هذا الجهاز الاستخباراتي الروسي العريق، عن طبيعة وحقيقة التكتيكات والنوايا المضادة العسكرية، وذلك ربما بسبب تظافر الجهود الاستخباراتية الغربية بقيادة أمريكية، أو بسبب تمكن استخبارات الغرب من اختراق جهاز المخابرات الفيدرالية الروسية بواسطة تجنيد العملاء أو بطريقة إلكترونية سبرانيه أو ربما تهكيرية.
وعندما تم تغليب التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية على الأوامر السياسية، بدراية واطلاع ودعم معلوماتي من المخابرات العسكرية الروسية GRU، كما حدث بالانسحابات التكتيكية المدروسة في إقليم خاركييف رغم وجود أخطاء تكتيكية بشرية فردية، وإقليم خيرسون بنجاح تكتيكي منسق ومطلق النجاح، لمعت النجاحات المبيته العسكرية، وتبين مدى الدهاء العسكري الروسي، واعترف بذلك العدو قبل الصديق فيما بعد!
وبرأي بعد هذه المقدمة، ارى أن عدم حدوث هجوم شامل روسي في أوكرانيا إلى الآن، سببه هو الوعي الروسي أن قواتها المسلحة بما فيها قوات التدخل السريع الخارجية الهجومية، رغم أنها ذات هيئة وطابع بالظاهر هجومي التنظيم، إلا أنها في الواقع لا زالت ذات صبغة دفاعية! فلو تمعنا جيداً لوجدنا مثلاً أن أكثر مدافعها الميدانية مثلاً مقطورة وليست ذاتية الحركة تملك مرونة وسرعة مناورة الأسلحة الهجومية، وكلها من الحقبة السوفيتية! ونجدها ذات أمدية قصيرة بالمقارنة مع نظيرتها الغربية!
وهذا يعني أن ساعدها قصير دفاعي الطابع والطبيعة، وليس هجومي، وقواتها البرية المدرعة والمؤللة النقل والراجلة من المشاة بارعة بالهجمات القصيرة الارتدادية، بسبب صعوبة تأمين إمداداتها اللوجستية! نتيجة الاستهلاك الكبير للذخائر القتالية، أو صعوبة تأمين دفاعي متكامل ميداني ضد الأخطار الجوية والذخائر الذكية التي تطلق من مصادر أرضية، مع وجود كثافة هجومية عددية، إضافة لعدم وجود آلية ناجحة لمنع علمية التطويق والعزل المعادية، وعدم وجود نظم متطورة لتمييز الصديق من العدو في حالة المعارك التلاحميه أو التداخلية.
والأهم من ذلك نجدها على ما يبدو تريد ألا تكشف تكتيكاتها القتالية الهجومية الشاملة الاستراتيجية الخاطفة المحدثة، في ظل المراقبة الدقيقة والمستمرة الغربية، وتوفير ذلك وتأجيله لحالة حدوث مواجهة مباشرة جدية مع القوى الغربية، مع اكتمال تجهيزاتها لذلك التطوير الثوري الروسي الجديد للطابع الهجومي.
لذلك نجدها بدأت تطور قواتها وفق مبدأ حرب البرق الألمانية النازية، بزيادة الاعتماد على القوات المحمولة جواً الاقتحامية والمظلية، لما لها في هذا المجال من خبرات تراكمية، على أن يتم ذلك ن يتم ذلكبعد تنفيذ ضربات تمهيدية مدروسة ودقيقة وجراحية بالعمق يسبقها عملية مراقبة واستطلاع واستكشاف كثيفة ومستمرة جوية وفضائية، مع تأمين أكثر اللوجستيات بطريقة جوية، وتركيز الاعتماد على الدعم الجوي بالطائرات النفاثة والمروحيةـ، والتركيز على عملية التسليح الفردية، لما في ذلك من مرونة وتخفيف من الاستهلاكات اللوجستية.
كما بدأت روسيا بإنتاج مدافع هاوتزر ذاتية الحركة هجومية، بعيدة المدى يصل مداها إلى 70 كم لقذائفها ذات الاستهداف السمتي، والموجهة الذكية، بعد أن كان أقصى مدى لمدافها الحركية لا يتحاوز 30 كم!
وبدأوا بنشر راجمات معادلة لراجمات هيمارس الأمريكية الهجومية! وبمدى أكبر بالنيبة للأعيرة المماثلة أو المتقاربة، يصل حتى 120 كم وربما حتى 200 كم، وقاموا بتعديل صواريخ فورت اس 300 المضادة للجو السوفيتية، إلى صواريخ بالستية أرضية، يصل مداها حتى 250 كم وربما 300، وبدأوا يستخدمون صواريخ تكتيكية كورية بالسنية أرضية، من نوع "كيم إسكندر" يزيد مداها عن 300 كم، وهذا يعني أنها بدأت جيوش روسيا بالفعل تتحول إلى جيوش هجومية، وخاصة مع تزايد اعتمادها بشكل ملفت على القوة الضاربة الجوية الهجومية!
والحقيقة الغائبة اليوم عن الكثير، هي انتهاء حرب أوكرانيا لصالح الروس من الناحية العملية!
نعم فالمسألة مسألة وقت فقط لإعلان أوكرانيا استسلامها أمام هجمات القوات المسلحة الروسية، رغم تظافر أوربا لإطالة الحرب بمباركة أمريكية، فالروس تحولوا كما أسلفنا أعلاه ويشكل متدرج للهجوم من جديد بعد إحباط محاولات الهجمات المرتدة المضادة الأوكرانية، مع إعادة الأوكران للأوضاع الدفاعية! بعد أن بدء يتهاوى خط القلاع الحصينة الأوكرانية، أمام القوة الغاشمة والضاربة الدقيقة الروسية.
وعادت للتباين المخططات الهادفة الروسية الأولية، فانهيار خط القلاع الحصينة هو بمثابة انهيار أحجار الدومينو أو كانهيار أسوار القسطنطينية أمام هجمات قوة القوات الإنكشارية العثمانية!
والمناورات الكبيرة الأوربية أكبر دليل على استعداد محتمل لمواجهة المد الروسي الهجومي نحو أوربا! مع محاولة جادة لإطالة الحرب الأوكرانية فالغرب خصص 50 مليار يورو والكونغرس على وشك إقرار ميزانية عسكرية جديدة لأوكرانيا تقدر بنحو 61 مليار دولار أمريكي، مع احتمال فشل ذلك نتيجة الضغوط من الأعضاء الجمهورية المعارضة، والغاية من كل ذلك تأخير الروس وربما إضعافهم قبل المواجهة المحتملة الأوربية أو مع الناتو عموماً.
لذلك نجدهم يحاولون حشد 800 ألف جندي أوكراني ومرتزق لتنفيذ هجوم جديد في الربيع القادم إن صمدت الجبهة الدفاعية الأوكرانية في المرحلة الحالية، لإعادة الروس إلى الأوضاع الدفاعية قبل أن تشتد أكثر وتتطور عمليات الروس الهجومية!
والأكران اليوم يحاولون جاهدين بمساعدة غربية، إعادة الكرة على الروس في إفشال هجومهم المتصاعد، باستنساخ خطوط سروفيكن الروسية الدفاعية، التي تسببت عندما اعتمدها الروس، بمقتل أكثر من 90 ألف محارب مهاجم من النخبة الأوكرانية والمرتزقة الغربية!
ولكن لا مجال للمقارنة مع الروس! لأن الروس لم يعتمدوا على هيكلية هذه الخطوط ولكن على حسن الهيئة الاستثمارية والتخطيطية، والتي سوف نتكلم عن شيء عنها بعون الله بالأسطر القادمة، ونبين سبب إخفاق الأوكران في تقليد الروس بهذا المجال.
مع العلم أن الروس يقاومون انشاء هذه التحصينات المستنسخة بالمرتفعات وأحزمة الغابات لأنها خطرة في البيئات المعقدة.
إلا أنه الآن علينا أن نبين ما هو سر النجاح الروسي بشكل متدرج بعملياته الهجومية الجديدة المطورة الشتوية.
إن سر النجاح يعتمد بالدرجة الأولى على نجاح الروس مع الاعتماد المنسق والمدروس على طريقة المطارق الهجومية الصاعقة بالموجات الصغيرة من القوات المشتركة الأرضية الاختراقية والمجوقلة الاقتحامية، بالاعتماد على أسلحتها الحيوية، وأعني سلاح الطيران النفاث الفوق صوتي الضارب الجبهي بالذخائر الذكية، بعد ان كان الاعتماد محصور بنفاثات الدعم القريب التكتيكية التحت صوتية بذخائر مقذوفة صاروخية، أكثرها عمياء غبية تؤتي أكلها بالآثار المساحية، وليس الضربات الجراحية كما هو الحال بالمرحلة الحالية.
إضافة إلى زيادة الاعتماد بشكل مفرط وغير مسبوق على الدرونات الاستطلاعية التي تكشف بشكل مبكر النشاطات والمراكز الدفاعية المعادية وتحضيراته وتحركاته الهجومية الارتدادية المحتملة، رداً على الهجمات الروسية، ثم تنقل الإحداثيات بطريقة آنية ومستمرة لسلاح المدفعية الروسية، بشكل عاجل وفق حاجة الموقف القتالي، ثم للمدفعية الجوية النفاثة والمروحية، ليأتي بعد ذلك دور القاذفات النفاثة الفوق صوتية لتنفيذ الضربات الحاسمة والدقيقة الجراحية، كما زاد اعتماد الدرونات الضاربة الاستطلاعية التي تشارك القاذفات الضاربة، بالضربات الجراحية بالذخائر الذكية المقذوفة والانزلاقية الذاتية التوجيه أو بإضاءة الأهداف بطريقة ليزرية، كما أن هذه الدرونات توجه الذخائر الذكية المدفعية وذلك لضرورات الضربات الجراحية الهامة الفورية، كما نشط بشكل غير مسبوق الاعتماد على الدرونات الكميكازية الصغيرة المروحية الفردية والمتوسطة الدفعية، بشكل كبير لدا القوات المحمولة جواً الروسية VDV لدعم المجهود الضارب الجوي بالضربات الجراحية وضد الأهداف المتبدلة المواضع والحركية.
وقد أصبحت الألوية المستقلة المجوقلة الاقتحامية بالحوامات القتالية التابعة لقوات العاصفة التعاقدية هي رأس حربة هجوم الصدمة الهجومية الصاعقة يليها موجات من مجموعات الكتائب التكتيكية، وأخيراً موجات المشاة الراجلة والمؤللة النقل، تحت غطاء ناري دقيق ومدروس تديره أصناف متنوعة من الدرونات الروسية.
وتغيير الأسلوب الروسي بشكل كبير، من الأسلوب السوفيتي المساحي التدمير الغاشم الأعمى إلى الأسلوب الجراحي الذكي الدقيق الغربي، الذي بدء يأتي ثماره بشكل ملحوظ رغم عناد القوى المدافعة الأوكرانية، حتى أنه زاد اعتماده بطائرات الدعم القريب النفاثة من فئة الخفاش الروسي سوخوي 25 والمروحية من فئة التمساح الروسي بصواريخ فياخر ام حتى مدى 10 كم وصواريخ لامور حتى مدى 15 كم وصاروخ اسدلي 305 الابتروني التوجيه بالمرحلة النهائية حتى مدى 40 كم، كما زاد دور طائرات دعم تكتيكي فوق صوتية من نوع ميغ 35 العالية التقنية.
وتم تخصيص مصانع الذخائر الروسية لإنتاج الذخائر الذكية وتعديل الذخائر الغبية الجوية لتصبح ذكية انزلاقية مجنحة، حتى مدى 70 كم بدون محركات دفع نبضيه إضافية، وما بين 120 كم إلى 200 كم بوجود محركات الدفع الاضافية، وذلك نتيجة نقل الأوكران لأكثر منظومات الدفاع الجوي الصاروخية إلى ما وراء الجبهة الدفاعية الأمامية، بغيه الحد من سطوة الضربات الجوية الروسية.
وكان كما أسلفنا وبينا في عدة مقالات سابقة تحليليه، نجم معارك الهجوم الروسية، القاذفة الفوق صوتية التي تدعى بطة الجحيم سوخوي 34 التي تم ترقيتها للمستوى MP لتصبح تامة المهام، حيث تم تزويدها كما أسلفنا سابقاً بطلاء خاص لتخفيف بصمتها الرادارية وتأخير كشفها من قبل المنظومات الكاشفة الرادارية المعادية، لذلك كانت حتى وقت قريب، بمنأى عن الاسقاط بمساعدة مستودعات التضليل الإلكترونية الذاتية، وإلقاء ذخائرها الانزلاقية من مسافات آمنه مع عامل الارتداد الفوري بعد ألقاء هذه القنابل المعدلة الذكية الانزلاقية، وهو ما جعلها نجمة المقاتلات الروسية مع ملكة المقاتلات سوخوي 35 اس، الأكثر أمن ونجاة بتقنيتها الشبحية الإلكترومغناطيسية المبعثرة والمشتتة لكافة الموجات الرادارية بنسبة تصل إلى 75% التي تزيد مع عامل التراكيب الخاصة الهيكلية، المقللة للآثار العاكسة الفلزية، وهذه التقنية الإلكترومغناطيسية المقللة للبصمة الرادارية أضيفت في الفترة الأخيرة إلى نظم حماية بطة الجحيم الروسية بعد حادثة إسقاط قاذفتين منها جنوب إقليم خيرسون، بكمين منصات الباتريوت المقادة من طائرة الأواكس الأمريكية، وهي من أنقذتها اليوم من براثن كمين أكثر إحكام شرق أوكرانيا.
وكانت أقوى وأعني التقنية الإلكترومغناطيسية، في قاتلة الرادارات المعروفة بالمجرم الجبار في الأوساط الغربية، وأعني المقاتلة الشبحية سوخوي 57 طائرة الجيل الخامس المستقبلية الخفية، وهذه التقنية الإلكترونية جعلت هذه المقاتلة الشبحية تتخطى وسائل الكشف الرادارية الغربية عندما وصلت قاعدة حميمين السورية عام 2015 وعام 2018، واثناء قيامها بعد ذلك بمراقبة ثلاثة قواعد أمريكية في الأراضي العراقية! إضافة لتنفيذ مهامها القتالية بخفاء وسرية، فوق أوكرانيا مع وجود غابة من الرادارات الغربية والشرقية السوفيتية.
وكانت لهذه التقنية الخاصة الإلكترومغناطيسية المبددة لإمكانية ارتداد أكثر من 90% من الموجات المنعكسة الرادارية، خاصية جعلت مستوى الشبحية الروسية بمصاف بصمة المقاتلة الأمريكية رابتور اف 22 العالية الشبحية التي تعتمد الطريقة الصامتة السلبية.
إلا أن برنامج تطوير المقاتلة رابتور إلى المقاتلة سوبر رابتور الأكثر تطور تقني وأكثر خفاء وشبحية ومهام قتالية، الذي شمل إلى الآن أكثر من 100 مقاتلة رابتور أمريكية، ووصلت به ميزانية التطوير إلى سبعة مليارات دولار، جعل هذه المقاتلة الجديدة العالية الخفاء والتقنية، قادرة بطريقة استشعارية سلبية على رصد أي نشاط الكترومغناطيسي، وهو ما يجعلها صائدة فيلون (المجرم الجبار) الروسية!
لذلك عمد الروس مع بدء الحرب الأوكرانية، إلى تطوير تقنية الخفاء السلبية لهذه المقاتلة المستقبلية، بالطريقة السلبية الأمريكية، ولكن ليس بأسلوب تصغير البصمة الرادارية، وإنما تبديد البصمة بالكلية!
وهي تقنية بالحقيقة ثورية، تعتمد بالبداية على الطبقات الماصة من الألياف الزجاجية التي تليها مجموعة من طبقات الألياف الكربونية، مع مراعاة عامل الحفاظ على هذه الحساسية الماصة للموجات الرادارية بطريقة خاصة تبريديه، وطريقة خاصة فيزيائية تقوم بتوزيع الموجات على كامل بدن المقاتلة وتمرير الباقي إلى خارج بدن المقاتلة الخلفي بطريقة غير ارتدادية! أو تشتيتيه تصنع لها هالة أو لطخة رادارية.
وهو ما يجعل هذه المقاتلة الجبارة قاتلة مقاتلة رابتور الأمريكية! بتقنية الكشف السلبي الابترونية الحرارية البعيدة المدى ذات السعة الكشفية، ويجعلها نجم الحرب الأوكرانية بمراحلها النهائية، فقد أصبح سلاح الجو الروسي اليوم يمتلك منها 80 مقاتلة مع النسخة الأساسية التجريبية، مع عدد مضاعف من جناحها المخلص درون أوخوتنيك (الصياد) الذي يمتلك نفس الخصائص الشبحية، ويمكن لمجموع هذه الطائرات الشبحية مجتمعه نقل ما وزنه يقارب 1300 طن من الذخائر الذكية الأرضية الاستهداف مع 160 طن من الذخائر المضادة لمجمل الأخطار الجوية، وذلك بطلعة واحدة جماعية.، وغالباً أرجح أن مقاتلة واحدة فيلون ودرونين من فئة الصياد هم من دمروا منظومة "سكاي نكس" الألمانية الثورية التي تم إيجادها في شرق أوكرانيا قبل أن تدخل الخدمة لدا القوات المسلحة الألمانية! وذلك لصيد بطة الجحيم الروسية لأنها تملك أربعة وسائل كشف والتي هي إما رادارية ثلاثية الأبعاد أو ابترونية (كهروبصرية) ليفية وحرارية ومتتبعة للبصمة الصوتية، ولديها أربع طبقات دفاعية الأعلى صاروخية بصواريخ أمرام أو المعادل الإماراتي حتى مدى 40 كم ثم صاروخ سيايدويندر حتى مدى 25 كم ثم مدفع أحادي السبطانة غيبارد مطور بالمدى ومعدل الرماية وأخيراً مدفع ليزر عالي الطاقة التدميرية بالطبقة النهائية.
وبتقديري تم تدمير هذه المنظومة بقنابل KAB-250M الصامتة الشبحية من ارتفاع شاهق بعيداً عن كافة وسائل الرصد والكشف الغير رادارية في تلك المنظومة المتطورة الألمانية.
والآن نعود لنبين لما تغاضت روسيا عن بناء الخطوط الدفاعية الأوكرانية الجديدة خلف خط القلاع الأوكرانية دون أي ضربات إحباطيه أو وقائية، رغم أنها ضمن مدى النيران الروسية الأرضية منها والجوية!
وكما أسلفنا وقلنا في السطور أعلاه أن أحد الأسباب التي جعلت مستنسخ خطوط سورفيكين الأوكرانية، ليست كفؤ لخطوط سورفيكين الدفاعية الروسية، رغم أنها تشبهها من الناحية الهيكلية!
وذلك لأنه وكما بينا سابقاً أنها تعتمد على طريقة الاستخدام الاستراتيجية والتكتيكية القتالية.
فالروس ركزوا على المناطق الرمادية في هذه الخطوط من خلال نشر الألغام الذكية، بشكل استباقي أو لاحق بواسطة الراجمات التخصصية، واعتمدوا على المجموعات القتالية الحرة العالية الاحترافية والخفاء والحركية الصائدة للدروع ثم الأفراد الراجلة، وعلى اضاءة وتوحيه الذخائر الذكية، أما باقي الخطوط فكانت أدوارها احتياطية واستكماليه وبالدرجة الأولى اسنادية.
لذلك في مرينكا قامت كتائب مستقلة تكتيكية روسية، باختراق منطقة مفتوحة صورت لها وسائل الرصد أنها خالية من القوات الأوكرانية الدفاعية، فكان نتاج ذلك تعرضها لكمين محكم بالألغام الذكية المغناطيسية الاستشعار المطورة عن أصول سوفيتية بتقنيات غربية، تم نشرها بالدرونات الفردية المروحية الرباعية الأوكرانية، وتم تعزيز استخدام الدرونات الفردية الكميكازية المطورة لمقامة وسائل التشويش الميدانية لروسية، من خلال أنظمة التوجيه البديلة المتغيرة نطاقات التردد بطاقة إلكترومغناطيسية منخفضة الطاقة يبدأ عملها بالمرحلة الأخيرة الانقضاضية، وهو ما أوقع في تلك الكتائب المهاجمة المدرعة خسائر كبيرة ونوعية، وجعل الروس يعولون بالتقدم الهادئ الحذر على مشاة البنادق الألية المعززة بغابة من الدرونات المروحية الفردية الرباعية الخاصة بالمراقبة العامة والأعمال الكميكازية، وكمية بنادق تشويش فردية تظافريه ضد الدرونات الأوكرانية، مع التمهيد الكبير بقذائف راجمات توس الفراغية الحرارية المساحية، لتدمير وتعطيل الألغام الأوكرانية الذكية، وتحول التكتيك الروسي البديل والمضاد لتقدم ملحوظ بمساندة أفواج تمثل لواء مشاة الحرس الروسي الخامس التابع لجيش حرس موسكو المدرع الأول!
وكان هذا التكتيك الناجح الشبحي الأوكراني هو فكرة الجنرال زيلوجني الخبير المخضرم، كفكرة بديلة عن مطالبته بملايين القذائف المدفعية الغربية، وعن مدفعية الجو المدرعة الأمريكية صائدة الدبابات ايه 10 ثاندربولت، وقد صرح عن هذا التكتيك الجديد وعن اعتماده ببضع ساعات قبل أن يغزله زيلينسكي على خلفية تهمته أنه على اتصال سري بالروس! أو بسبب فشل استمرار نجاح هذا التكتيك مع ظهور الإجراءات المضادة الروسية. ومع ذلك ومع وجود الحشود الروسية الجديدة الهجومية من القوات المدرعة الروسية تجاه خاركييف المزودة بنحو 500 دبابة اختراق وأكثر من 50 ألف محارب مدعومة بخمسة أفواج مدفعية تعد أوكرانيا من باب سد فارق القوة النارية 20 ألف درون فردي كميكازي وفي محور أفيديفكا حشدت أوكرانيا عدد غير معروف من دبابة أبرامز M-1A1 EEP بأوضاع دفاعي لتامين الإمدادات اللوجستية وقوى الدعم المساندة، وربما تكون مزودة بقذائف مدفعية تسكعية ذاتية التوجيه غالباً ألمانية.
لذلك يتم اليوم انتاج الدرونات العسكرية الفردية بطريقة هيسترية في أوكرانيا في المعامل والورش والمنازل المدنية! والأمر ذاته في روسيا! دون المنازل المدنية، في محاولة لخفض تزايد خسائرها نتيجة تحولها للحالة الهجوميةـ فالحرب اليوم أصبحت حرب الدرونات.
والتصعيد الهجومي بطريقة الموجات الهجومية المتتابعة الروسية بمجموعات صغيرة احترافية، ـوالذي يربك الدفاعات الأوكرانية، ويخفض الخسائر الميدانية الروسية، هو التمهيد لهجوم المد الكبير بعد انهيار خط القلاع الدفاعية وفق أخر تصريحات الروسية، والتي بدأ يتباين بنتائجه وبدء حصن أو قلعة أفيديفكا الأقوى يتداعى أمام الاختراقات الصاعقة والاقتحامات المجوقلة الروسية العاصفة أمام وخلف الخطوط القتالية الأوكرانية، وكذلك الأمر كما أشرنا أعلاه في مرينكا.