حكاية الفتاة المصرية مع الطيران تستحق أن تروى بكل تفاصيلها لأنها تلخيص مدهش لكفاح المرأة المصرية لتحقيق المساواة مع الرجل.
فى البدء كانت "لطيفة النادى" تتعلم الطيران سرا بعيدا عن أعين أسرتها، حتى سجلت اسمها كأول فتاة مصرية وعربية وأفريقية تحصل على شهادة فى الطيران، وبعد سنوات قليلة استطاعت الفتاة المصرية أن تحصل على درجة معلم طيران ليتخرج على يديها أجيال كاملة من الطيارين المصريين.
والظاهرة اللافتة للنظر هى الإقبال المتزايد للفتاة المصرية على تعلم الطيران فى معهد الطيران المدنى بامبابة، رغم مصروفاته الباهظة.
وإذا عدنا إلى الماضى سيدهشنا أن نعرف أن أول فتاة مصرية أقبلت على تعلم الطيران واسمها "عصمت فؤاد" لم يكن عمرها يتجاوز 16 عاما.
وهذه الفتاة سبقت "لطيفة النادى" فى تعلم الطيران،ولكنها قبل أن تؤدى امتحان الحصول على إجازة الطيران الخاص (أى التى تسمح لها بقيادة طائرة بمفردها) بيوم واحد فقط أصيبت أثناء نزولها من الطائرة وكسرت ساقها، ووضعت فى الجبس، وعندما شفيت منعتها أسرتها من دخول الامتحان رغم أن إصابتها حدثت على الأرض وليس فى الجو.
حكاية لطيفة
أما قصة رائدة تعلم الطيران "لطيفة النادى" فهى أكثر غرابة وطرافة.. هى - أولا - فتاة من أسرة طيبة ووالدها من أصل شركسى.. التحقت فى البداية بالكلية الأمريكية بغمرة.. وبعد انتهاء دراستها قررت تعلم الطيران فى المعهد الذى أنشأه طلعت حرب عام 1932 لتخريج كوادر من المعلمين والطيارين لشركة الخطوط الجوية الوطنية.
ووجدت لطيفة الجرأة لديها لكى تستعين بالكاتب الصحفى الراحل أحمد الصاوى محمد صاحب العمود الصحفي الشهير وقتها "ما قل ودل"، والذى كان ينشر فى جريدة الأهرام، حاملا دفاع صاحبه عن المرأة وحريتها.
وعندما قابلته لطيفة.. طلبت منه أن يساعدها فى تعلم الطيران ولم يكن عمرها يتجاوز الرابعة والعشرين، وكانت مشكلتها هى كيفية توفير مصروفات الدراسة، وكيفية التعلم دون إخبار أسرتها وتحمس أحمد الصاوى لهذه الفتاة التى بهرته بإجادتها لِلإنجليزية والفرنسية فاتصل بـ كمال علوى أول مدير لشركة مصر للطيران الذى تحمس بدوره وأصدر قرارا بتعيين لطيفة النادى سكرتيرة بمعهد الطيران، حيث كانت تقوم بالرد على التليفونات وترتيب مواعيد الطيران وإدارة الحاسبات، وذلك فى مقابل أن يتحمل المعهد مصروفات دراستها، وهى مصروفات لم تكن تتجاوز- فى ذلك الوقت- الخمسين جنيها فقط.
واستطاعت لطيفة بحماسها اختصار مدة الدراسة وحصلت على إجازة الطيران الخاص عام 1933 ،وفوجئ والدها ذات يوم بصورة ابنته تتصدر صفحات الجرائد المصرية بوصفها أول طيارة مصرية.
والغريب أنه تقبل الأمر الواقع بل ووافق أن يركب معها الطائرة لأول مرة فى حياته إعلانا عن ثقته فى قدرتها.
ولم تكتف لطيفة بهذا الإنجاز ولكنها فكرت فى القيام برحلة جوية من انجلترا إلى مصر.
كما اقترح عليها البعض ان تذهب بطائرتها إلى اليابان، وتحمس محمد طاهر باشا رئيس نادى الطيران المصرى للفكرة، واقترح أن تسافر لطيفة إلى انجلترا لمزيد من التدريب لرحلتها التى سرعان ما توقفت فجأة بسبب عدم توافر المال.
ومن إنجازات لطيفة التى لا تنسى اشتراكها عام 1935 فى سباق نظمه نادى الطيران المصرى بين الإسكندرية والقاهرة ثم العودة، وكانت الفتاة الوحيدة بين جميع المتسابقين المصريين والأجانب، واستطاعت لطيفة بالفعل ان تسبق الجميع، ولكن الحكام الأجانب عز عليهم أن تفوز فتاة مصرية بالسباق فادعوا أنها لم تلف بطائرتها حول خيمتين نصبهما الحكام وطلبوا من المتسابقين الدوران حولهما حتى يشاهدوهم.
وانتهى الأمر بسحب الجائزة من لطيفة ومنحها جائزة خاصة بدلا منها، والطريف أن لطيفة بعد تقاعدها عن الطيران عينت سكرتير عام لنادى الطيران المصرى وأدارته بكفاءة تامة، ثم هاجرت إلى سويسرا.
كابتن ليندا
وبعد لطيفة فتح الباب تماما أمام الفتاة المصرية وظهر جيل جديد من الطيارات المصريات تمثله نفيسة الغمراوى (العميد السابق لكلية التربية الرياضية) وزهرة رجب ،ثم جاءت القفزة الكبرى عام 1945 عندما حصلت ليندا أمين مسعود على إجازة معلم طيران وهى درجة متقدمة يتم الحصول عليها بعد الحصول على إجازة الطيران الخاص ثم الطيران التجارى (التى تؤهل لقيادة طائرات الركاب).
وتحكى كابتن ليندا قصتها مع الطيران فتقول: "كانت بداية حبى للطيران من خلال عمل والدى فى السودان بالقرب من أحد المطارات التى كان لا يتوقف صوتها، وفى سن الثامنة ركبت الطائرة أول مرة فى حياتى وأحببتها جدا، وعندما وصلت إلى سن السابعة عشر فكرت فى تعلم الطيران، ولم أجد أى اعتراض من الأسرة رغم ضخامة المصروفات المطلوبة، واستطعت أن أوفق بين دراستى الثانوية
فى مدرسة الأميرة (فوقية) ودراستى فى معهد الطيران.
ومن الطريف أن السيدة التى كانت تفتش علينا فى الطيارة نفيسة الغمراوى.
واستطاعت ليندا الحصول على إجازة الطيران الخاص فى 10 ساعات فقط، ثم حصلت على درجة الطيران التجارى بعد 200 ساعة طيران، وبسبب معارضة أسرتها لاحتراف العمل على الخطوط الجوية والاضطرار - بالتالى - للمبيت خارج المنزل، قررت ليندا استكمال دراستها للحصول على لقب معلم طيران حيث اصبحت الأولى فى الشرق الأوسط التى تحصل عليه، كما كانت أول معلمة على جهاز (السيميليتور) الذى يشبه الطائرة تماما ويستخدم لتدريب الطلاب على ظروف الطيران المختلفة.
وتقول ليندا مسعود ضاحكة: "عندما حصلت على لقب معلم طيران لم يكن عمرى يتجاوز الثامنة عشرة، ووصفتنى الصحف الفرنسية بأننى أصغر طيارة فى العالم، ومن المفارقات أننى لم أكن أجيد وقتها قيادة السيارات حيث كان القانون يشترط ألا يحصل على رخصة السيارة من هم أقل من سن 18 سنة".
وتابعت: "وفى بداية عملى كمعلمة طيران قوبلت بسخرية من الطلاب وعدم تصديق منهم، مما جعلنى أكثر حزما فى معاملتهم ولا أنسى أننى كنت أعلم الطيران لمهندسين يكبروننى بعدة سنوات، وقد عنفت أحدهم بشدة لأنه لم يلتزم بما طلبته منه، ورغم ذلك فقد كان يؤلمنى كثيرا ألا يتمكن تلميذ لى من إكمال دراسته بسبب عدم كفاءته لدرجة أن أحدهم كاد أن يحطم الطائرة، ومع ذلك شعرت بحرج وألم لا حدود له وأنا أواجه والده بأن ابنه الذى دفع له مصروفات باهظة لا يصلح أن يكون طيارا على الإطلاق".
وقد ساهمت ليندا مسعود فى تخريج جيل جديد من الطيارات المصريات يضم عائشة عبد المقصود وعزيزة محرم التى أصبحت أيضا معلمة طيران والسورية زينب القوتلى وثريا جودت وعايدة تكلا، وكرمت بسبب دورها فى تخريج جيل كامل من الطيارين حيث منحها الرئيس مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
وتبتسم كابتن ليندا وهى تؤكد أن تعليم الفتيات الطيران أسهل كثيرا من تعليم الأولاد، لأنهن أكثر التزاما وانضباطا وهى تقدم دعوة مفتوحة لكل فتاة لتعلم الطيران مجانا فى معهد الطيران (الشراعى) بامبابة إذا لم تتوافر لديها المادة لدراسة الطيران على الطائرات العادية.
حياة عادية جدا
وتمثل دينا الصاوى الحلقة الثالثة المهمة فى قصة تعلم الفتاة المصرية للطيران، حيث أصبحت عام 1986 أول فتاة مصرية تعمل من الجيل الجديد من الطيارات المصريات.. جيل يحلم بالمستقبل ولا يعرف المستحيل.
البداية كانت كـ (مساعد كابتن) على الخطوط الجوية الوطنية، حيث تطوف العالم من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه وبين يديها أمانة ضخمة هى أرواح مئات الركاب، وتعتبر دينا ثانية فتاة عربية تحقق هذا الإنجاز بعد الأردنية تغريد عكاشة.
وتشرح دينا طبيعة عملها الخاص جدا فتقول: "فى بعض الطائرات العملاقة مثل (الجامبو) و(الإيرباص) من الطراز القديم يحتم تصميم الطائرة وجود ثلاثة أشخاص داخل كابنية القيادة هم الكابتن ومساعد الكابتن والمهندس، وأمام مساعد الكابتن الذى يجلس على يمين الكابتن نفس الأجهزة والمعدات والأزرار التى توجد أمام الكابتن، وهو يقوم بدوره تماما فى حالة حدوث أى شىء وبالنسبة لى فإننى أقوم بقيادة الطائرة بمفردى فى طريق العودة، أو فى أوقات راحة الكابتن، والحمد لله كانت جميع رحلاتى - حتى الآن - بدون مشاكل أو متاعب".
وتؤكد دينا الصاوى أن ارتباك مواعيدها تماما قد يبدو مزعجا للوهلة الأولى ولكنها تشعر براحة خاصة لأن هذا الارتباط والانتظار المستمر للمفاجآت يكسر الروتين الذى تكرهه تماما، بالإضافة إلى أنها تحصل على راحة كافية فى يومى الاثنين والثلاثاء من كل أسبوع وترى كابتن دينا أن مواصفات الطيارة الناجحة لا تختلف إطلاقا عن مواصفات الطيار الناجح من حيث الاستعداد البدنى والنفسى الكامل للطيران، كما تخضع الطيارة للكشف الطبى الذى يخضع له جميع الطيارين كل 6 شهور.
فى البدء كانت "لطيفة النادى" تتعلم الطيران سرا بعيدا عن أعين أسرتها، حتى سجلت اسمها كأول فتاة مصرية وعربية وأفريقية تحصل على شهادة فى الطيران، وبعد سنوات قليلة استطاعت الفتاة المصرية أن تحصل على درجة معلم طيران ليتخرج على يديها أجيال كاملة من الطيارين المصريين.
والظاهرة اللافتة للنظر هى الإقبال المتزايد للفتاة المصرية على تعلم الطيران فى معهد الطيران المدنى بامبابة، رغم مصروفاته الباهظة.
وإذا عدنا إلى الماضى سيدهشنا أن نعرف أن أول فتاة مصرية أقبلت على تعلم الطيران واسمها "عصمت فؤاد" لم يكن عمرها يتجاوز 16 عاما.
وهذه الفتاة سبقت "لطيفة النادى" فى تعلم الطيران،ولكنها قبل أن تؤدى امتحان الحصول على إجازة الطيران الخاص (أى التى تسمح لها بقيادة طائرة بمفردها) بيوم واحد فقط أصيبت أثناء نزولها من الطائرة وكسرت ساقها، ووضعت فى الجبس، وعندما شفيت منعتها أسرتها من دخول الامتحان رغم أن إصابتها حدثت على الأرض وليس فى الجو.
حكاية لطيفة
أما قصة رائدة تعلم الطيران "لطيفة النادى" فهى أكثر غرابة وطرافة.. هى - أولا - فتاة من أسرة طيبة ووالدها من أصل شركسى.. التحقت فى البداية بالكلية الأمريكية بغمرة.. وبعد انتهاء دراستها قررت تعلم الطيران فى المعهد الذى أنشأه طلعت حرب عام 1932 لتخريج كوادر من المعلمين والطيارين لشركة الخطوط الجوية الوطنية.
ووجدت لطيفة الجرأة لديها لكى تستعين بالكاتب الصحفى الراحل أحمد الصاوى محمد صاحب العمود الصحفي الشهير وقتها "ما قل ودل"، والذى كان ينشر فى جريدة الأهرام، حاملا دفاع صاحبه عن المرأة وحريتها.
وعندما قابلته لطيفة.. طلبت منه أن يساعدها فى تعلم الطيران ولم يكن عمرها يتجاوز الرابعة والعشرين، وكانت مشكلتها هى كيفية توفير مصروفات الدراسة، وكيفية التعلم دون إخبار أسرتها وتحمس أحمد الصاوى لهذه الفتاة التى بهرته بإجادتها لِلإنجليزية والفرنسية فاتصل بـ كمال علوى أول مدير لشركة مصر للطيران الذى تحمس بدوره وأصدر قرارا بتعيين لطيفة النادى سكرتيرة بمعهد الطيران، حيث كانت تقوم بالرد على التليفونات وترتيب مواعيد الطيران وإدارة الحاسبات، وذلك فى مقابل أن يتحمل المعهد مصروفات دراستها، وهى مصروفات لم تكن تتجاوز- فى ذلك الوقت- الخمسين جنيها فقط.
واستطاعت لطيفة بحماسها اختصار مدة الدراسة وحصلت على إجازة الطيران الخاص عام 1933 ،وفوجئ والدها ذات يوم بصورة ابنته تتصدر صفحات الجرائد المصرية بوصفها أول طيارة مصرية.
والغريب أنه تقبل الأمر الواقع بل ووافق أن يركب معها الطائرة لأول مرة فى حياته إعلانا عن ثقته فى قدرتها.
ولم تكتف لطيفة بهذا الإنجاز ولكنها فكرت فى القيام برحلة جوية من انجلترا إلى مصر.
كما اقترح عليها البعض ان تذهب بطائرتها إلى اليابان، وتحمس محمد طاهر باشا رئيس نادى الطيران المصرى للفكرة، واقترح أن تسافر لطيفة إلى انجلترا لمزيد من التدريب لرحلتها التى سرعان ما توقفت فجأة بسبب عدم توافر المال.
ومن إنجازات لطيفة التى لا تنسى اشتراكها عام 1935 فى سباق نظمه نادى الطيران المصرى بين الإسكندرية والقاهرة ثم العودة، وكانت الفتاة الوحيدة بين جميع المتسابقين المصريين والأجانب، واستطاعت لطيفة بالفعل ان تسبق الجميع، ولكن الحكام الأجانب عز عليهم أن تفوز فتاة مصرية بالسباق فادعوا أنها لم تلف بطائرتها حول خيمتين نصبهما الحكام وطلبوا من المتسابقين الدوران حولهما حتى يشاهدوهم.
وانتهى الأمر بسحب الجائزة من لطيفة ومنحها جائزة خاصة بدلا منها، والطريف أن لطيفة بعد تقاعدها عن الطيران عينت سكرتير عام لنادى الطيران المصرى وأدارته بكفاءة تامة، ثم هاجرت إلى سويسرا.
كابتن ليندا
وبعد لطيفة فتح الباب تماما أمام الفتاة المصرية وظهر جيل جديد من الطيارات المصريات تمثله نفيسة الغمراوى (العميد السابق لكلية التربية الرياضية) وزهرة رجب ،ثم جاءت القفزة الكبرى عام 1945 عندما حصلت ليندا أمين مسعود على إجازة معلم طيران وهى درجة متقدمة يتم الحصول عليها بعد الحصول على إجازة الطيران الخاص ثم الطيران التجارى (التى تؤهل لقيادة طائرات الركاب).
وتحكى كابتن ليندا قصتها مع الطيران فتقول: "كانت بداية حبى للطيران من خلال عمل والدى فى السودان بالقرب من أحد المطارات التى كان لا يتوقف صوتها، وفى سن الثامنة ركبت الطائرة أول مرة فى حياتى وأحببتها جدا، وعندما وصلت إلى سن السابعة عشر فكرت فى تعلم الطيران، ولم أجد أى اعتراض من الأسرة رغم ضخامة المصروفات المطلوبة، واستطعت أن أوفق بين دراستى الثانوية
فى مدرسة الأميرة (فوقية) ودراستى فى معهد الطيران.
ومن الطريف أن السيدة التى كانت تفتش علينا فى الطيارة نفيسة الغمراوى.
واستطاعت ليندا الحصول على إجازة الطيران الخاص فى 10 ساعات فقط، ثم حصلت على درجة الطيران التجارى بعد 200 ساعة طيران، وبسبب معارضة أسرتها لاحتراف العمل على الخطوط الجوية والاضطرار - بالتالى - للمبيت خارج المنزل، قررت ليندا استكمال دراستها للحصول على لقب معلم طيران حيث اصبحت الأولى فى الشرق الأوسط التى تحصل عليه، كما كانت أول معلمة على جهاز (السيميليتور) الذى يشبه الطائرة تماما ويستخدم لتدريب الطلاب على ظروف الطيران المختلفة.
وتقول ليندا مسعود ضاحكة: "عندما حصلت على لقب معلم طيران لم يكن عمرى يتجاوز الثامنة عشرة، ووصفتنى الصحف الفرنسية بأننى أصغر طيارة فى العالم، ومن المفارقات أننى لم أكن أجيد وقتها قيادة السيارات حيث كان القانون يشترط ألا يحصل على رخصة السيارة من هم أقل من سن 18 سنة".
وتابعت: "وفى بداية عملى كمعلمة طيران قوبلت بسخرية من الطلاب وعدم تصديق منهم، مما جعلنى أكثر حزما فى معاملتهم ولا أنسى أننى كنت أعلم الطيران لمهندسين يكبروننى بعدة سنوات، وقد عنفت أحدهم بشدة لأنه لم يلتزم بما طلبته منه، ورغم ذلك فقد كان يؤلمنى كثيرا ألا يتمكن تلميذ لى من إكمال دراسته بسبب عدم كفاءته لدرجة أن أحدهم كاد أن يحطم الطائرة، ومع ذلك شعرت بحرج وألم لا حدود له وأنا أواجه والده بأن ابنه الذى دفع له مصروفات باهظة لا يصلح أن يكون طيارا على الإطلاق".
وقد ساهمت ليندا مسعود فى تخريج جيل جديد من الطيارات المصريات يضم عائشة عبد المقصود وعزيزة محرم التى أصبحت أيضا معلمة طيران والسورية زينب القوتلى وثريا جودت وعايدة تكلا، وكرمت بسبب دورها فى تخريج جيل كامل من الطيارين حيث منحها الرئيس مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
وتبتسم كابتن ليندا وهى تؤكد أن تعليم الفتيات الطيران أسهل كثيرا من تعليم الأولاد، لأنهن أكثر التزاما وانضباطا وهى تقدم دعوة مفتوحة لكل فتاة لتعلم الطيران مجانا فى معهد الطيران (الشراعى) بامبابة إذا لم تتوافر لديها المادة لدراسة الطيران على الطائرات العادية.
حياة عادية جدا
وتمثل دينا الصاوى الحلقة الثالثة المهمة فى قصة تعلم الفتاة المصرية للطيران، حيث أصبحت عام 1986 أول فتاة مصرية تعمل من الجيل الجديد من الطيارات المصريات.. جيل يحلم بالمستقبل ولا يعرف المستحيل.
البداية كانت كـ (مساعد كابتن) على الخطوط الجوية الوطنية، حيث تطوف العالم من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه وبين يديها أمانة ضخمة هى أرواح مئات الركاب، وتعتبر دينا ثانية فتاة عربية تحقق هذا الإنجاز بعد الأردنية تغريد عكاشة.
وتشرح دينا طبيعة عملها الخاص جدا فتقول: "فى بعض الطائرات العملاقة مثل (الجامبو) و(الإيرباص) من الطراز القديم يحتم تصميم الطائرة وجود ثلاثة أشخاص داخل كابنية القيادة هم الكابتن ومساعد الكابتن والمهندس، وأمام مساعد الكابتن الذى يجلس على يمين الكابتن نفس الأجهزة والمعدات والأزرار التى توجد أمام الكابتن، وهو يقوم بدوره تماما فى حالة حدوث أى شىء وبالنسبة لى فإننى أقوم بقيادة الطائرة بمفردى فى طريق العودة، أو فى أوقات راحة الكابتن، والحمد لله كانت جميع رحلاتى - حتى الآن - بدون مشاكل أو متاعب".
وتؤكد دينا الصاوى أن ارتباك مواعيدها تماما قد يبدو مزعجا للوهلة الأولى ولكنها تشعر براحة خاصة لأن هذا الارتباط والانتظار المستمر للمفاجآت يكسر الروتين الذى تكرهه تماما، بالإضافة إلى أنها تحصل على راحة كافية فى يومى الاثنين والثلاثاء من كل أسبوع وترى كابتن دينا أن مواصفات الطيارة الناجحة لا تختلف إطلاقا عن مواصفات الطيار الناجح من حيث الاستعداد البدنى والنفسى الكامل للطيران، كما تخضع الطيارة للكشف الطبى الذى يخضع له جميع الطيارين كل 6 شهور.