الهجوم المضاد الأوكراني الجديد في الربيع القادم سوف يكون أمريكي بامتياز
بعد معركة كييف في بداية الحرب، التي أزلت اسطورة القوة الروسية، على الأقل على المستوى الإعلامي، والتي تفاجأت بحجم الدعم والتدخلات الغربية، ومن ثم معركة خاركييف التي انسحب فيها الروس من هذه المقاطعة تحت ضغط الهجوم الأوكراني الضخم بعشرين لواء هجومي أوكراني معزز بالعتاد الغربي الثقيل وسيل من الذخائر الغربية، وأستخدم بها الغرب أسلحة مباعدة Stand off فائقة التطور أطلقتها راجمات هيمارس كأسلحة قاهرة تمهيدية انتقائية صاروخية فوق صوتية ومجنحة كروز ألمانية تسكعية، حيث بدأت بعدها أمواج الخطط الغربية وخاصة الأمريكية تتكسر على شطآن المكر والتخطيطات المضادة الروسية، مع زيادة ملحوظة بحجم القوات الروسية وخاصة المحترفة منها وظهور تطوير وتحديث غير مسبوق بالترسانة الروسية، فكان لا بد من تغيير المعادلات التخطيطية العسكرية الأمريكية بعد أن فشلت بعدها الخطط الأوربية!
وأمريكا تعي أنه لن تتمكن بقواتها المرفهة ذات القوة الدعائية، من قهر أو هزيمة أو حتى الصمود أمام سطوة وقوة وعناد وردود أفعال القوات المسلحة الروسية المضادة الهجومية، هذا إذا ما أغفلنا خطورة التطورات الميدانية إلى مستويات غير تقليدية، إنما سبيلها إلى ذلك بالاعتماد على قوات محترفة خبيرة حاقدة وكارهة لروسيا مع حس عدائي وإجرامي ظاهر وبدوافع وطنية ضد القوات الروسية، وأهم هذه القوى هي ما تبقى من النخبة القومية الأوكرانية بالدرجة الأولى، ثم المتطوعين من القوات البولندية الذين يقاسمون الأوكران العداوة التاريخية ضد الروس، كمرحلة ثاني في الأطوار الهجومية تكون مسلحة بالكامل بالأسلحة الأمريكية، وبأساليب قتالها بطريقة احترافية أيضاً أمريكية، مع سيل من المرتزقة الغربية.
لذلك كأول خطوة حضور مفرد كتخطيط وإدارة وقيادة مباشرة أمريكية، في يوم السبت التاسع من الشهر التاسع أيلول من عام 2023 أطلقت أوكرانيا بقيادة وتخطيط أميركي كما أسلفنا ذكره، العنان لكافة تشكيلاتها المنتخبة بالمهاجمة الأوكرانية بالطاقة القصوى على كافة الجبهات الروسية في أوكرانيا بشكل غير مسبوق حيث أستمر الهجوم الشامل ليومين تقريباً، ودون هوادة أو راحة قتالية، أي نعم لم تحقق الهجمات نتائج المرجوة منها كما جرت العادة! رغم هذا الزخم الهجومي الغير اعتيادي، إلا أنها حققت فيها أمريكا أهدافها الخفية!
وهي الانتشار السريع المنتظم المرن للخطوط الدفاعية الخفية خلف خطوط الهجمات الأوكرانية، بشكل مماثل للمخططات الدفاعية الروسية من قبل الهجوم المضاد الأوكراني، ولكن بطريقة هذه المرة هادئة وآمنة وعكسية!
لأن الأوكران بهجومهم المضاد الشامل الأخير، لم يحققوا اختراقات عملية أو ظاهرة بالجبهة الروسية، ولكن بالنهاية شغلوا وأرهقوا الدفاعات الروسية بالكامل واوقعوا خسائر روسية ولكن دون خسائرهم الاعتيادية، ونجحوا بتأسيس أول دفاعاتهم الخلفية التي باعتقاد وتقدير أمريكا سوف تؤخر المد الروسي حتى الربيع القادم، إن لم تنجح جهود أمريكا الخفية بتحقيق هدنتها العسكرية مع الجبهة الروسية، حيث تنتهي تجهيزات أمريكا الهجومية الجديدة الأوكرانية ذات التجهيزات الخاصة المفصلية التي تحدد نتائج الحرب النهائية.
ويبدو أن الروس وعوا هذه الاستراتيجية بالتحول الاوكراني المتدرج إلى الحالة الدفاعية، لذلك بدأت فرقنين من فرق الأسلحة المشتركة الهجومية الروسية، في وسط مقاطعة زابورجيا ببدء مناورة تطويق من الشرق والغرب لقرية رابوتينو وقرية فيربوف وحتى شمال رابوتينو حيث فتحة تدفق القوات الداعمة الأوكرانية والامدادات اللوجستية، وهي اليوم وأعني روسيا، تقوم بالقصف الجوي المتتابع والمدفعي المستمر العنيف لأربع قرى شمالية فيها قوات الدعم الهجومي الأوكرانية، والهدف الروسي من هذه المناورة الواسعة الهجومية، هو التطويق وإيقاع أكبر خسائر ممكنة بالقوات الأوكرانية المهاجمة، قبل تحولها إلى الحالة الدفاعية الأمريكية المتدرجة الغير اعتيادية.
وتجدد هذا التكتيك الروسي في أفيديفكا ثم باخموت أيضاً، إلا أن هذه التحركات الضخمة الأوكرانية في رابوتينو وقرية أورايخيف وباقي القرى شمال رابوتينو والتي بمجملها تشكل 12 لواء محارب أوكراني، لم تكن مناورة قتالية تسهل التحول إلى الأوضاع الدفاعية، وإلا كان الأفضل أن يكون تواقتها مع الهجمات الشاملة الاشغالية، إنما كانت هي تنفيذ لخطة أمريكية سرية، قدرت أمريكا ألا تتوقعها روسيا! وأن يكون لها أبعاد عسكرية وسياسية ووسيلة إقناع للكونغرس بفتح اعتمادات تمويلية جديدة أمريكية كبيرة لأوكرانيا!
لذلك كانت الخطة بالحقيقة عملية هجومية جدية تنتهي بالاستيلاء على توكماك الهدف الاستراتيجي الأمريكي الأول، في مقاطعة زابورجيا فأمريكا أرادت أن ترد على استخدام روسيا للقنابل العنقودية الذكية دريل (المثقاب) التي فتكت بعشرات المدرعات الأوكرانية وجعلتها مقابر جماعية لمئات المحاربين الأوكران، على أن يكون الرد الأمريكي بقنابل سنسور المطورة من قنابل CBU-97 لتصبح انزلاقية ذكية استشعارية تحمل بداخلها 10 حواضن أفكوسيكت الناشرة لأسطوانات سكيت الباحثة الذكية بدل 8 حواصن، أي أن قنبلة CBU-105 تنشر 40 أسطوانة سكيت بالمرحلة النهائية بمعنى أنها تدمر من الناحية النظرية 40 مدرعة روسية.
وكانت الطائرات المعدة لذلك 30 نفاثة من نوع ميغ-29 المعدلة الأمريكية المزودة بحواضن تشويش متطورة جداً جربت بنجاح إن لم يكن ذلك خدعة روسية! وتحمل كل طائرة ما بين قنبلتين إلى أربع قنابل سنسور لتستهدف تجمعات مدرعات وآليات قوات الأسلحة المشتركة الروسية الهجومية، على أن تقلع على شكل دفعات منتظمة بمجموعات خماسية من ستة قواعد جوية سرية ومع ذلك يتم كل 24 ساعة نقل هذه الطائرات إلى قواعد أخرى معدة سرية أيضاً، وتعود بعد إنهاء مهمتها إلى قواعد سرية فردية الاستيعاب، أي كل طائرة في مكان جديد ذي هيئة غير عسكرية! على أن تكون هذه العملية أول تجربة تمثيلية لأداء أحد مهام نفاثات ف 16 الأمريكية المستقبلية في أوكرانيا.
وامريكا تحسبت بهذه العملية السرية الهجينة الاستخباراتية العسكرية، لكل شيء، إلا للضربة الجوية الوقائية الاستباقية الروسية المفاجئة الغير مرئية! التي استهدفت أول نشاط لأول قاعدة جوية ودمرت مجموعتها الخماسية مع جملة من التجهيزات اللوجستية، ولا يوجد أي معلومات مؤكدة عن الوسائط والذخائر الجوية الروسية المستخدمة، ولكن بتقديري تم الأمر بواسطة النفاثات الروسية الشبحية العالية الخفاء والصمت الالكتروني، سوخوي 57 الملقبة بالمجرم الجبار وغالباً تم ذلك من مسافة آمنة نحو 300 كم، بصواريخ كروز الخفية X-69 التي أيضاً لا تستطيع رصدها وسائل الرصد الغربية، وبذلك توقفت وفشلت العملية السرية الأمريكية.
وأصبح بذلك 60 ألف محارب أوكراني أو أكثر في حالة حساب عناصر الأفواج المدفعية الداعمة تحت رحمة الحصار والنيران الروسية، وخسارتهم إن حدث ذلك، تعادل أو تقارب مجمل خسائر الأوكران منذ بدء عملية الهجوم المضاد الأوكراني والذي تجاوز 71 ألف قتيل وفق آخر تصريحات مسؤولة روسية.
لذلك صرح زيلينسكي بطريقة استباقية تمهيدية، في مقابلة تلفزيونية مع قناة المخابرات المركزية الأمريكية الإعلامية CNN بأنه قد لا يكون للهجوم المضاد نهاية سعيدة، تمهيداً لهذا الواقع المر اليائس.
لذلك ورغم كل هذه الإحباطات تدعم أمريكا جبهة رابوتينو بمفارز كبيرة من مدافعها هاوتزر عيار 155 ملم، بقذائفها العنقودية الأحدث التي يبلغ مداها 30 كم وتنشر 88 قنيبلة أو دانة من نوع M-42 الارتطامية الاختراقية أو الدانات الأحدث M-48 التقاربية التفجير الانشطارية بطريقة مخروطية من الأعلى أو بساطيه سطحية.
بالإضافة إلى القذائف التي تنشر أسطوانتيBonus الباحثة المدمرة للمدرعات من الأعلى بحشوات مقذوفة انقضاضيه وبقطر بحث يفوق أسطوانة شكيت بعشرة أضعاف.
ويطبق الأوكران اليوم هجوم المطارق المتتابعة وتطبيق استراتيجية القضم والتثبيت في المنطقة الرمادية في رابوتينو تحت نيران مدفعية هاوتزر 155 ملم ومدفعية هيمارس الأبعد الصاروخية عيار 227 ملم الناشرة لستة حواضن أفكوسيكت ليتفرع منها 24 أسطوانة سكيت الباحثة الذكية، وهو ما يجعل الخسائر مرتفعة من الطرفين المتصارعين ليجعل خسائر الدفاعية الروسية والارتدادية تصل إلى 1 إلى 3 قتلى من الأوكران، بدل 1 إلى 6 كحالة وسطية، وهذا بسبب أول بصمة أمريكية بنيران دعمها الإغراقية المدفعية خاصة وأن هذه القذائف العنقودية الجديدة تعادل بتأثيرها أكثر من عشرة قنابل رديفة تقليدية شديدة القوة الانفجارية.
واضطرت روسيا نتيجة النيران الأمريكية الداعم المباعدة الإغراقية لإرجاع الكتائب التكتيكية المدرعة والميكانيكية التابعة لقوات الأسلحة المشتركة الهجومية، ليبرز دور جديد للقوات الروسية المظلية التي اندفعت لخطوط التماس بسرعة البرق بمدرعات تايفون التي اسقطت من طائرات النقل بالمظلات على ارتفاعات منخفضة، وكانت من فئة العجلات الرباعية والسداسية والثمانية المعززة في الداخل بالسيراميك المقوى، والمزودة بالأسلحة الداعمة العلوية المتعددة الأدوار القتالية التي أخطرها صواريخ كورنيت الترادفيه التي يصل مداها حتى 12 كم، لتصنع مقتلة أو مجزرة كبيرة بالقوات الأوكرانية المتقدمة بجيب الموت بالمنطقة الرمادية من باقي القسم الجنوبي في رابوتينو.
وعلى ما يبدو وبناءاً على هذا الفشل الذريع للمهام السرية للنفاثات المعدلة الأوكرانية أعادت أمريكا فكرة تفعيل صفقة صواريخ أتاكمس التكتيكية الهجومية، وصرحت أمريكا بشكل صارخ أنها سوف تجهزها برؤوس عنقودية!
ويستطيع الصاروخ الواحد منها نشر 24 حاضن أفكوسيكت BLU-108B أي 96 أسطوانة سكيت الإطباقية الانقضاضية Top Attack أي حمولة أكثر من قنبلتين سينسور Sensor الذكية العنقودية، وسوف يتم إطلاقها بشكل فردي من راجمات هيمارس العالية السرعة والمناورة الحركية، الأفضل حظاً على ما يبدو من نفاثات القواعد الجوية.
وامريكا اليوم تسعى بطريقة دبلوماسية داعمة لمفاوضات أوكرانية روسية، حول الاتفاق على حدوث هدنة عسكرية، وذلك لتكمل أمريكا استعداداتها الجديدة، دون التعرض لمخاطر الضربات الروسية الاستباقية، ولتعزيز وإبقاء الحالة الدفاعية أمنة مع التمكين لها من الإجراءات المضادة الروسية، لجعلها مراكز للهجمات المضادة الأميركية الربيعية.
ويبدو أن مساعي الهدنة قد فشلت، فقامت أمريكا بالمبادرة بالانتقام لإحباط الروس للعاصفة الجوية الأمريكية السرية، بذخائر قاهرات الاختراق وأعني أسطوانات سكيت الباحثة الانقضاضية الأمريكية، وتم الانتقام بتنفيذ خمسة قاذفات معدلة من نوع سوخوي 24 ام من أصل عشرة قاذفات هي المتبقية، بإطلاق عشرة صواريخ ستورم شادو الكروز الشبحية البريطانية مزودة هذه المرة برؤوس اختراقية، تلقف منها الدفاعات الجوية الصاروخية الروسية سبعة بطريقة تدميرية، ووصول ثلاثة منها إلى حوض إصلاح السفن الروسية الحربية، مسببة أضرار مادية دون الكارثية لسفينة وغواصة روسية.
واستبدلت وسيلة انقاذ الألوية الأوكرانية المنتخبة في قرية رابوتينو وقرية أورايخيف ببدء حشد عشرة ألوية مكونة من لواء مدرع وخمسة ألوية ميكانيكية وأربعة ألوية مشاة وعدد من الأفواج الداعمة المدفعية الإضافية، التي كان أكثرها أمريكية، والتي دمر الروس أكثرها وخاصة الأمريكية بالقنابل الجوية الانزلاقية زنة 500 كغ العنقودية دريل ذات الذخائر الأسطوانية الفائقة الذكاء الصناعي، الباحثة الانقضاضية التدمير، ويبدو أن الأمريكان كانوا قد قرروا أن يدعموا هجومهم المدفعي المعزز، بدرونات بيرقدار الضاربة الاستطلاعية التي يبدو أنه كان مقرر أن تدير وتوجه بالليزر القذائف المدفعية إضافتاً لذخائرها الذاتية، لذلك وحتى لا تدمر كما دمرت أكثر المدافع الأمريكية من نوع بلادين المجنزرة الحركية M-109 ومدافع ترابيل سفن M-777 المقطورة الانتقالية، قام الأمريكان بإخلاء قاعدة بيرقدار وإخفاء دروناتها، وزيادة الاعتماد على الدونات الكميكازية الأمريكية الانقضاضية التسكعية المعروفة بشبح العنقاء "فيونكس غوست" Phoenix Ghost المصنوعة خصيصاً للحرب الأوكرانية، والتي اسقاط أكثرها نوع محدث من منظومة "كارسوكا فور" الروسية الخاصة بالحرب الإلكترونية.
لذلك أتوقع بعد الآن أن تأخذ هذه الألوية الداعمة الأوضاع الدفاعية الانتشارية وفق الأساليب الأمريكية، وعملية الإنقاذ بالوقت الحالي لأثنى عشر لواء أوكراني قد يعتمد به الأمريكان على ضربات مدروسة جراحية دقيقة وذكية بقذائف جملرس وأخرى ذات ذخائر فرعية عنقودية ذكية، وصواريخ أتاكمس التكتيكية إن وصلت إلى أوكرانيا، والتي تطلقها جميعاً من أمدية مختلفة، راجمات هيمارس العالية المناورة وقوة التخفي.
والأسلوب الدفاعي الأمريكي مختلف تماماً عن الأسلوب الغربي، وخاصة البريطاني أو الأسلوب الروسي، وحتى أن النجاح النموذجي للدفاعات الروسية كان لأنه كان يتبع بالحقيقة الأسلوب الأمريكي! وهو الدفاع النشط أو المرن، الذي يعتمد على نخبة محترفة مختارة عالية المناورة والحركية، وقادرة على التحول المفاجئ إلى العملية الهجومية! وتتوضع في حالة الثبات في خنادق مؤقتة ليست مجهزة بتجهيزات وتحصينات كرونكيتية وربما كحد أقصى مدعمة بأكياس الرمل المكدسة القوية، وتحوي مجموعات قتالية صغيرة معززة بأسلحة فردية فعالة مضادة للأفراد والدروع مع كثرة وجود مدفعية الهاون المتوسطة والخفيفة الفردية، ولكن هذه الخنادق أو المخابئ يجب أن تكون عالية التمويه والخفاء في حالة الكمون عن أنظمة الرؤيا البصرية والكهروبصرية والحرارية الحركية، كما هو حال القوات المجوقلة والخاصة الروسية في خطوط روسيا الدفاعية، كما أن أماكنها المفضلة لتنفيذ هذه التكتيكات هي الغابات والأماكن الحضرية، ولو كانت مدمرة أو صغيرة على مستوى القرى الريفية.
والأمريكيين أيضاً يعتمدون على قوة خط الدفاع الأول بعد الخطوط التمويهية الزائفة أو المؤقتة الرمادية، وخط الدفاع الثاني يعتبر أساسي أيضاً! لأنه يمثل خط الدعم الهجومي بالمدرعات الثقيلة والثالث هو الداعم بنيران المدفعية العالية المناورة والتخفي بعد كل صولة بنيران المدفعية، أي مبدئ اضرب واهرب.
وتعتمد أيضاً على تأمين نقاط لوجستية متقدمة إضافة إلى الامدادات الأساسية التي تكون مؤمنة خلف خطوط الدعم المدفعية.
وللتوضيح الحالة الهجومية الأمريكية يكون الخط الدفاعي الثاني هو الأول بدبابات أبرامز ومدرعات برادلي المجنزرة والخط الأول الدفاعي هو الثاني في الحالة الهجومية، وتكون مشاته محملة بمدرعات ميرف وسترايكر ذواتي العجلات القوية العسكرية المطاطية المعززة بشبكة من الأسلاك الفولاذية، إضافة إلى آليات خفيفة التدريع أو لنقل مصفحة مثل هامفي (هامر) وأخيراً الشاحنات الناقلة للمشاة الراجلة الحامية للمدرعات الأمامية في الحالة الاشتباكية.
وهذا يوضح لنا أن سر قوة ومرونة ونجاح الروس دفاعياً ضد كافة أنواع الهجمات المضادة الأوكرانية، كان منوط باقتباس وتطبيق وتطوير الأساليب الدفاعية الأمريكية، وهذا لا يعيب الروس لأنهم حققوا أهدافهم الدفاعية وفاجئوا حتى الأمريكان الذين كانوا يتوقعون أن الروس بخطوطهم الدفاعية فقط طوروا الأساليب السوفيتية مع الحفاظ على أسسها وقواعدها الأصلية.
ولأن أمريكا بدأت ترى جدية وخطورة تصاعد القوة الروسية، وترى تسارع خطوتها للاستحواذ على القطبية، وترى بذلك تحدي حقيقي ومنافس خطير يهدد بالمستقبل وجودها كدولة تسود العالم بأحادية القطبية، لذلك قررت أن تغير معطيات المعركة وكأنها تقاتل بقواتها وبتكتيكاتها الخاصة العسكرية.
لذلك فاستقالة وزير الدفاع البريطاني ليحل مكانه وزير الطاقة البريطاني! واقالة وزير الدفاع الأوكراني ليحل مكانه دبلوماسي علاقات سياسية خارجية من تتار القرم! لم يكن محض صدفة، إنما كان ذلك بتدبير وإملاء أمريكي وثقه الوجود المفاجئ لوزير الدفاع الخارجية الأمريكي في كييف الذي تناول الطعام في كييف في أحد مطاعم كيناكي الأمريكية! مع نظيره الأوكراني.
فأمريكا تريد أن تحييد الجهود العسكرية والاستخباراتية البريطانية والأوكرانية، وتستلم هي هذا الملف بالكامل، مع التركيز على تجيش القوات الأوكرانية بأسلحة أمريكية بدل الأسلحة الغربية، لتعيد السيادة الاعتبارية كقوة مهيمنة على العالم كقطب واحد دون منازع أو رديف.
فأمريكا في الهجمات المضادة الأخيرة مثلاً كانت ترى أن الاستخدام الأمثل لقوة الدعم والاسناد المدفعي هو وفق تكتيك أضرب واهرب، أي أن المدفعية بما فيها المدفعية الصاروخية هيمارس يجب أن تطلق قذائفها ثم تلوز بالفرار إلى مكان آمن تأوي إليه أو تختفي فيه وينطبق ذلك على مدفع هاوتزر الذاتي الحركة بلادين الأمريكي عيار 155 ملم بعد دقيقة من الاطلاق المبرمج الأهداف بطريقة استباقية ويتكرر الأمر أيضاً مع مدفع ترابيل سفن المقطور والذي يكون له مخابئ قريبة لأنه لا يملك قدرة على المناورة كنظائره الذاتية الحركة، ولتوفير المطلوب من النيران بهذا الأسلوب التكتيكي يتم الاعتماد على الذخائر الذكية الذاتية التوجيه والموجهة بالليزر بالمراحل الأخيرة، والقذائف العنقودية المساحية المتعددة الأغراض والاختصاصية الذكية مثل قذائف بونص ذات الذخائر الأسطوانية الباحث الذكية بعد إعادة تشفير وتقوية موجات الزنين المغناطيسية GPS الخاصة بالأقمار الصناعية الملاحية،، بالإضافة إلى الطريقة التبادلية أي بالوقت الذي يبدئ تخبئه أو إخفاء بطارية المدفعية، يتم تفعيل أخرى في مكان آخر غير مرصود من قبل الروس، وهذا يحتم لنجاحه مضاعفة عدد القطع المدفعية.
إلا أن وزيري الدفاع البريطاني والأوكراني تبنوا التكتيك البريطاني الذي يعتمد على تكثيف وتركز النيران المدفعية الداعمة والمساندة بالطاقة القصوى لكافة البطاريات مع الحفاظ على الاستمرارية قدر الحاجة لذلك.
وهذا التكتيك القتالي مشهور على أنه سوفيتية، إلا أنه بالأصل استراتيجية بريطانية، علموها للروس السوفييت بالحرب العالمية الثانية، وتفرد التكتيك السوفيتي بانه أكثر عشوائية وانتشارية، بينما البريطاني أكثر دقة وتركيز ناري مكثف، فقد تركزت النيران الأوكرانية فيها على الخنادق الدفاعية الروسية المرصودة بالوسائل الجوية، إلا ان هذا التكتيك البريطاني رغم قوته، كان له مساوئ جمة منها سرعة استهلاك الذخائر فيها رغم أن البريطانيين وفروا كمية كبيرة من الذخائر السوفيتية من دول أوربا الشرقية، ومن مساوئها أيضاً كثرة إخضاع المدافع للصيانة التي توقف نشاطاتها الميدانية.
إضافة لتعرضها بشكل أكبر للوسائل المضادة الروسية، لطول ظهورها لوسائل الكشف والرصد الروسية، إلا انه رغم إخفاق هذا التكتيك إلا أنه على ما يبدو أن الروس سوف يتبنوه!، وهو باعتقادي المطلب الأكبر عند الروس من دولة كوريا الشمالية بعد أن ينفذ مخزونهم الضخم من الذخائر السوفيتية، لأن الروس توقفوا عن انتاج الذخائر المدفعية السوفيتية، مع الاحتفاظ بإرث كبير جداً أكثره مفعل من المدفعية السوفيتية، رغم أنهم يركزون اليوم على إنتاج الأعيرة والذخائر الروسية فقط.
وكعادة أمريكا تدخل الحروب عندما تنهك جميع القوى المتصارعة لتحصد بمفردها النتائج الإيجابية بأقل التكاليف، تماماً كما فعلت في نهاية الحرب العالمية الثانية، ولأن التاريخ يعيد نفسه فقد آن أوان تدخل أمريكا الداعم المفرد ضد روسيا ولكن بالوكالة عنها بقوات تعبئة جديدة أوكرانية سوف يتم استجلابها من شباب اللاجئين الأوكران في ألمانيا ودول أوربا الشرقية بالإضافة لقوات متطوعة بولندية مناهضة ومعادية للتوسع وعودة القوة الروسية كسالفتها السوفيتية، ومرتزقة غربية وأسلحة واعتدة بالكامل أمريكية، بعد برنامج تدريب مكثف احترافي خارج أوكرانيا يستمر حتى يأتي الربيع القادم الأوكراني.
والمقصد الأمريكي من قيادة والتمويل الفردي الأمريكي للعملية المضادة الجديدة، ليس هزيمة روسيا! ولكن إعادة روسيا لحدود مطالبها الأساسية وهي تحرير إقليم الدونباس وضمه لأراضي روسيا الاتحادية، واستعادة أوكرانيا لموانئها البحرية.
ولكن لهذا التأجيل مخاطر واستعدادات مضادة خطيرة روسية!
الروس وعوا لهذا المخطط الأمريكي الجديد، من كل بد، وبدأوا يعدون له من الآن قوة هائلة من المتعاقدين من الروس المحترفين المتقاعدين ومن المحكومين كما فعلت فاغنر، ومن غير الروس ولكن من الدول الصديقة لروسيا من صربيا وكوبا وأفريقيا وربما حتى كوريا الشمالية، ولكن كقوة معارة من نخبة القوات المسلحة الكورية الشمالية، وجميعهم سوف يسلحون بأسلحة روسية، وقد يبلغ عددها 350 ألف محارب مرتزق، ليقاتلوا بالوكالة عن المواطنين الروس، وكل ذلك لتجنب ارتفاع الخسائر البشرية، فخسائر الروس اليوم وهم في الأوضاع الدفاعية تقدر بواحد مقابل سبعة من الأكران، وفي الحالة الهجومية تجاه خاركييف هي واحد إلى خمسة، وقد جندت روسيا اليوم أكثر من 270 ألف من المتعاقدين لامتصاص خسائر مجابهة مضار التحول الأوكراني إلى أسلوب الدفاع الأمريكي أو حتى الهجوم.
والخطر الثاني هو تسريع مخطط اجتياح مقاطعة خاركوف أو خاركييف، وإسقاط كييف عاصمة أوكرانيا، قبل أن تكتمل الاستعدادات والتجهيزات الأمريكية، فقد خطى الروس خطوة قوية تجاه مدينة كوبيانسك الاستراتيجية في مقاطعة خاركوف، من خلال خدعة استراتيجية، حيث حشدوا حشودهم الهجومية التي رصدها القمر الصناعي الراداري الأمريكي لاكروس، وأعطى إحداثياتها انتشارها للقوات المقابلة المدافعة الأوكرانية لتحشد حشودها الدفاعية، إلا أن الروس كان لديهم خطة سرية تكمن بها الهجمات الرئيسية!
حيث جهز الروس مدرعاتهم بالطلاء العالي الامتصاص لموجات الكشف الرادارية إضافة لغطاء أو فروة ناكيدكا Nakidka التمويهية التي[A1] تخفض البصمة الرادارية الضعيفة الردية المتبقية ستة أضعاف إضافية، مع عزل النشاطات الإلكترومغناطيسية والحراري إضافة إلى الاخفاء التمويهي البصري والابتروني مع التقارب الاندماجي البيئي بنسبة 30% وللنجاح المضمون تحركت هذه التشكيلات والتي رأس حربتها لواء الحرس الروسي المدرع 136 بهدوء وفي أجواء ليلية مظلمة وأقامت الجسور العائمة على نهر أوسكال لتتقدمهم دبابات الاختراق (بروريف) المتطورة من جهة لا يقابلها دفاعات أوكرانية لتطوق المدافعين الأوكران المحتشدين قبالة مدينة كوبيانسك الاستراتيجية ثم بدأت تخترق المدينة بعد أن بدأت الحشود الروسية الأساسية المقابلة للجبهة الدفاعية الأوكرانية بعد تطويقها واشغالها بنيران الاشتباك للقوات المدرعة الهجومية التسللية، مع تمهيد ناري كبير.
لذلك أمريكا غالباً سوف توقف عن قريب الهجوم المضاد الأوكراني، وتحويل القوات الأوكرانية المنتخبة الحالية إلى قوات دفاعية قادرة على تنفيذ هجمات معاكسة ارتدادية.
والخطر الثالث الروسي هو تنفيذ الروس لهجوم شتوي شامل، وغالباً لهذا تعد جيش مكون من مئات الألف من المتعاقدين.
أما الخطر الرابع الروسي فهو تكثيف روسيا لضرباتها الوقائية الاستباقية التي قد تستهدف الاستعدادات الجديدة الأمريكية.
ولكن ماذا عن الإجراءات الوقائية الأمريكية ضد المخاطر الروسية؟
الإجراء الأهم الأمريكي بعد التحول الهادئ للقوات المنتخبة والمحترفة الأوكرانية إلى الأوضاع الدفاعية وفق الاستراتيجيات الأمريكية؛ هو تهيئة القواعد السرية الجوية لسلاحها الحيوي ونقطة ارتكاز القوة الأمريكية، وأعني نفاثات الصقور الأمريكية ف 16 الفوق الصوتية المتعددة المهام.
لذلك بتقديري أن عليها أولاً تهيئة ونشر دفاعات جوية أرضية صاروخية طبقية وأخرى مهجنة موضعية مضادة لكل ما يطير من صواريخ كروز بعيدة المدى، وذخائر جوية ذاتية الدفع أو انزلاقية ذكية، والمرشح لذلك مدفعية فلانكس الكثيفة الرماية حتى 4000 طلقة في الدقيقة عالية السرعة 4000 م/ث مبرمجة مع الموجات الرادارية حتى مدى 4 كم، وكذلك صواريخ رام الذاتية التوجيه ضد كافة الأهداف الجوية بسرعة فوق صوتية حتى مدى 8 كم.
أما التجهيزات الهائلة الأرضية بالعتاد الثقيل والأسلحة الفردية وذخائر هذه الأسلحة الهجومية، فلن تجلب أكثرها وخاصة العتاد من أمريكا بل من أوربا الشرقية من باب الإعارة وخاصة من بولندا ورومانيا مقابل وعود بتعويض المفقود والمدمر والذخائر المستهلكة والتكفل بالصيانة الميدانية، وترقيتها لمستوى التقنية الخاصة بالقوات الأمريكية، واستجلاب أيضاً ذخائر مميزة لدبابة أبرامز مثل قذيفة "ستاف تو" الذاتية التوجيه الذكية المطولة المدى حتى 6 كم بدل 4 مع القدرة على التعامل مع الأهداف المتحركة ومهاجمتها أيضاً من الجهة العلوية، إضافة للجيل الثالث من قذائف اليورانيوم المنضب الاختراقية لكافة الدروع المضافة الخارجية والداخلية وحتى الردية التفاعلية، وأتوقع أن تزود الدبابة الأمريكية بكافة أشكال الحماية الخارجية الردية التفاعلية والنشطة الصدية هي وأفضل إصدارات مجنزرات برادلي التي ربما نزود بصواريخ تاو الفراغية التي تدمر المدرعات من الأعلى على بشكل مساري مثل صاروخ إنلو البريطاني ولكن ليس بطريقة الثقب الحراري الرأسي وإنما بالخلخلة الهوائية.
وقبل أن أختم المقال أريد أن أطرح تحليل عن تساءل مضمونه هل سوف تمضي أمريكا بمشروع دعم هجوم الربيع المضاد الأوكراني بطائرات ف 16 المحدثة الأمريكية، بعد الضربة الروسية الجوية الشبحية، أم أنها سوف تزيد الاعتماد على قذائف راجمات هيمارس الذكية وصواريخها التكتيكية؟!
والمرجح عندي هو أنها سوف تمضي بذلك بتزويد أوكرانيا بهذا السلاح الحيوي الذي هو نقطة الارتكاز الداعمة الأساسية في نجاح معاركها التقليدية، ولكن مع زيادة تعزيز بالدفاعات الجوية الطبقية الأرضية الجوية والمركزية وحتى الحيوية الجوية المتمثلة بالطائرات المحمية، أما صواريخ أتاكمس التكتيكية فسوف تستهدف القواعد الجوية والمطارات الحربية الروسية، كوسيلة ردع لمغالاة الروس بضرب قواعدهم الجوية.
ولا استبعد تزويد راجمات هيمارس بقذائف جملرس المضاعفة المدى XM-404 حتى مدى 160 كم الناشر لثمانية حواضن أفكوسيكت لنشر 32 أسطوانة سكيت الباحثة الذكية.