رابوتينو معركة بداية النصر أم نهاية خيرة القوات الأوكرانية
وكما أسلفنا في بعض مقالتنا السابقة فإن الهجوم المضاد الأوكراني لم يكن الغاية منه تحويل الروس إلى قوات مدافعة، وهذا الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الأوكران في هجومهم المضاد، فالروس هم أسيد الدفاع منذ الحرب العالمية ضد قوى ألمانيا النازية، إنما مقصد الهجوم المضاد الغربي، هو وقف الهجوم الروسي الهادئ الذي يعتمد على مبدأ القضم والهضم مع تعزيز الدفاعات الأرضية، والذي عاود الروس انتهاجه من جديد وعطل الهجوم المضاد الأوكراني به، في مقاطعة خاركييف.
ورابوتينو الأوكران يحشدون فيها اليوم أكثر من سبعة ألوية من خيرة النخبة القتالية، والروس بالمقابل ينشرون بشكل أساسي ثلاثة فرق دفاعية من قوات التعبئة الجزئية، بالإضافة إلى فرقتان من أفضل الفرق المحترفة المظلية، مع لواءين اقتحام جوي بالحوامات، وفوجين من القوات الخاصة سبتسناز نخبة النخبة الروسية إضافة لفوحين من قوات أخمات الخاصة الشيشانية، يمثلون مجتمعين القوات النشطة الحيوية، وروسيا تعد أيضاً فرقتان من فرق الأسلحة المشتركة الهجومية كقوة احتياطية في حالة تدهورت الأوضاع الميدانية، فلماذا هذا التعزيز المميز ضد حشود أوكرانية مطوقة ضمن قرية رابوتينو، ونجد جنرال روسي كبير يقول هذه هي الفرصة الأمثل لتجربة القنبلة النووية التكتيكية المحدودة المعيارية!
ولو دققنا قليلا حول حشود الروس المضادة لوجدناها إما محترفة متطوعة وطنية روسية، أو مكونة من مواطنين روس مجندين تجنيد تعبئة دفاعية، أي روس فقط! إضافة لموالين موثوقين من روسيا الاتحادية وأعني القوات الخاصة الشيشانية، ولهذا سبب قد نتعرض لشرحه في السطور القادمة.
قبل المضي بالمقال أود أن أطرح تساءل هام، وهو لما اختارت أمريكا تركيز الهجوم في وسط زابورجيا وتركت الجبهة أو المقاطعة الأخطر خاركييف على السيادة الأوكرانية، والتي بسقوطها تطوق العاصمة كييف بالقوات الروسية من الشرق والشمال من الأراضي البيلاروسية!
مع العلم أن جبهة زابورجيا جبهة روسية دفاعية لا خطر داهم فيها بينما الروس تجاه خاركييف يطورون عملية ناجحة هجومية!
والأهم من ذلك أن أكير وأول هجوم أوكراني ناجح في هذه الحرب شارك به 20 لواء منتخب مدرع وميكانيكي وراجل كان اتجاه مقاطعة خاركييف!
وللجواب على ذلك نقول إن الاستراتيجية الأمريكية تعتمد على تقديم مصلحتها الذاتية! على الصالح الوطني الأوكراني.
فهي تريد أن تستعيد الموانئ الأوكرانية، من أجل ادخال مستقبلاً لأسطولها في البحر الأسود، كي يكون موطئ قدم سيادي في البحر الأسود، ويصبح لديها أيضاً موانئ بحرية، ولأن هذه الموانئ أفضل لأوكرانيا من الناحية الاقتصادية، وذلك لرد الديون الأمريكية.
ونعود الأن إلى صلب المقال، ونقول إن حقيقة الأمر أن قرية أورايخيف أو أوريخوف في المنطقة الرمادية في جبهة روسيا الأمامية الوسطى في زابورجيا كانت هي مفتاح الولوج إلى رابوتينو المقابلة لخط التماس الدفاعي الروسي الأول، فلما تغاضت روسيا عن حسم الموقف من البداية بطريقة وقائية؟!، مع أن ردة فعلها الدفاعية في بداية الأمر، كانت عنيفة وحاسمة وقوية!
الحقيقة كما أن مطلب الناتو الأول من هذه الحرب، هو اضعاف القوات المسلحة الروسية، فإن مطلب روسيا الأول أيضاً، هو انهاء قوات النخبة الأوكرانية، وخاصة القومية منها المتشددة النازية، ولكن بطريقة ميدانية ومنعها ما أمكن من التحول إلى قوى مقاومة تخريبية تسلط على الجبهة الداخلية الروسية، مع إيجاد قوى حرب عصابات بمهمات استخباراتية ضد الوجود الروسي في أوكرانية، لأن حرب العصابات تفعل ملا تفعله حتى القنابل النووية التكتيكية، لأنها تصبح حرب أشباح ضد قوى مستهدفة مرئية.
كما أن هدف روسيا الثاني من محاولة استقطاب خيرة النخبة الأوكرانية تجاه مقاطعة زابورجيا هو فتح المجال الآمن أكثر للهجمات الروسية في مقاطعة خاركييف، من خلال تخفيف الضغط الدفاعي الأوكراني هناك، وجعله معزول عن التعزيزات المضافة القوية.
لذلك كان لا بد من احداث مفرمة لحم جديدة مثل باخموت ولكن هذه المرة من طرف واحد فلا قوى ارتزاقية من شركات خاصة مثل قوات فاغنر أو قوات إسبانيول، وإنما قوى متطوعة احترافية وطنية الحفاظ عليها مطلب روسي أساسي، ووجودها في الجبهة مطلب أهم لأنها سوف تصمد وتتماسك أكثر من القوى المتعاقدة الارتزاقية، كونها قوى وطنية وذلك ضد التطورات الميدانية المداهمة، ريثما تتدخل التشكيلات الهجومية الاحتياطية، وكذلك مع المخاطر الأكبر المتمثلة بالمخططات السرية المعادية الاستخباراتية المنعكسة على الأوضاع الميدانية.
وذلك من خلال مع الدوافع الوطنية وهي الأهم بالصمود، يوجد حرفية هذه النخبة على إدارة النيران المباعدة الأرضية أو الجوية، وامتلاكها أسلحة فردية شبه مباشرة ذكية وغير مباشرة مدفعية الخفيفة والمتوسطة من فئة الهاون ذات الدانات الذكية الموجهة بالليزر من فئة غراند حتى مدى 9 كم، وأخرى أحدث ذاتية التوجيه لأمدية أكبر، بالإضافة لدرونات كميكازية، مع استخدام أسلوب التخفي من أجل عنصر المباغتة الصاعقة وعدم الظهور لأنظمة الكشف الجوية الأوكرانية، والتأمين ضد المخاطر الهجومية العدائية، لذلك أصبحت القوات المدافعة الأساسية من قوات التعبئة الروسية قوات أكثرها شكلية وإشغاليه، والقوات المدافعة الأساسية هي القوات الخاصة الروسية النشطة والحيوية المجوقلة (المحمولة جواً) VDV وخاصة القوات المظلية، بالإضافة لقوات العمليات الخاصة الروسية سبتسناز وقوات أخمات الخاصة الشيشانية.
لذلك إذا عدنا للخلف قليلاً، نجد أن أول ردة فعل روسية مع بداية دخول القوات الأوكرانية لقرية أورايخيف أو أوريخوف، كانت شديدة وقوية، ولكن ليس لردع القوات الأوكرانية بالدرجة الأولى، وإنما لإنقاذ القوات المدافعة الروسية، وتكرر الأمر في رابوتينو عندما بدأت تتقهقر القوات المدافعة الروسية.
فقرية رابوتينو هي مصيدة أو مفرمة لحم للقوات الأوكرانية ولكن تحت السيطرة الروسية، والدليل على ذلك تركيز الروس على قتال الحواف الجنوبية والشرقية والغربية مع ترك منطقة رمادية، دون تشديد الضغط على الوسط لتسهيل زيادة الحشد الأوكراني، مع ترك شمال رابوتينو مفتوح لتسهيل تدفق القوات الداعمة المعادية وإمداداتها اللوجستية!
وفيما تقدم بينا به الاستراتيجية الروسية، فما هي الاستراتيجية الأوكرانية؟
الاستراتيجية الأوكرانية الحالية بسيطة، وهي السعي للحفاظ على الدعم الغربي من ناحية الاستمرارية والزيادة، وذلك غالباً لإرضاء مافيات السلاح الأوكرانية المتعششة مع رؤوس السلطة وضباط الجيش بالدرجة الأولى، ومن ثم الاستمرار بقتال الروس ومقاومتهم بالدرجة الثانية.
أما الاستراتيجية الخطيرة فهي الاستراتيجية الأمريكية الجديدة والتي هدفها السياسي الأكبر الجلوس بقوة على طاولة المفاوضات مع الروس.
فالأوامر الأمريكية هي التركيز على جبهة وسط مقاطعة زابورجيا تجاه مدينة مليتابول الاستراتيجية مركز القيادة والسيطرة والامدادات اللوجستية؛ التي بانهيارها تنهار كافة الخطوط الدفاعية الروسية في زابورجيا.
ولكن السؤال كيف السبيل لذلك في ظل وجود ثلاثة خطوط دفاعية روسية أساسية.
السر يكمن في معرفة الاستخبارات الأمريكية للأسرار ونقاط ضعف الخطوط الدفاعية الروسية، فهي خطوط تساندية تكمن قوتها في الخط الأول الرئيسي الذي تدعم صموده وقوته باقي الخطوط الدفاعية الخلفية! التي تعاني من ضعف خطوط المواجهة الأساسية فيها! وذلك لأن أكثر مكونات هذا الخط وأعني الخط الثاني من أفواج سلاح المدفعية والدفاعات الجوية المتوسطة ومنظومات الحرب الإلكترونية، إضافة لمراكز ومخازن الإمدادات اللوجستية المتقدمة الثانوية، فالوصول إليه يهدد سلامة وقوة هذه النقاط الداعمة الأساسية، كما أنه ليس فيه بناءاً على ما تقدم مساحات مناسبة لنشاط القوات الحيوية الخاصة والمجوقلة المحترفة القتالية، كما هو الحال في الخط الأول، وخاصة المساحات الرمادية،، ولا للكتائب المستقلة التكتيكية، المتواجدة في الخط الدفاعي الثالث، التي قوتها تكمن بالاندفاع الهجومي في الخط الدفاعي الأول كقوات تدخل سريع احتياطية، وليست كقوات دفاعية.
وبناءاً عليه فانهيار الخط الدفاعي الأول، هو كارثة حقيقية، كما تقدر المخابرات الأنجلو أمريكية.
لذلك لم تكتفي روسيا بالقوات المدافعة الأساسية المحيطة بقرية رابوتينو والمكونة من تشكيلات الفرقة 42 من ناحية الشرق ونصف الوسط الشرقي والفرقة التاسعة من ناحية الغرب والوسط الغربي، فزجت بقوات دفاع نشط منتخبة احترافية من القوات المجوقلة VDV كانت بالبداية مكونة من الفرقة المظلية السابعة ولواءين من الوية الاقتحام بالحوامات القتالية، وزعوا بالجنوب الشرقي لقرية رابوتينو على شكل الفوجين 1 و11 وفي الجنوب الغربي على شكل فوجين أيضاً، وانتشر من خلف فوجين الاقتحام الجوي الشرقيين الفوج 22 من القوات الخاصة الروسية سبتسناز، والفوج 45 المماثل خلف الأفواج المجوقلة الشرقية لتقاتل جنباً إلى جنب واعني قوات سبتسناز، مع فوجين جهة الغرب من قوات العمليات الخاصة الشيشانية أخمات، أما الوسط جنوب رابوتينو انتشرت فيه قوات النخبة المظلية المتمثلة بفرقة الثيران الحمراء السابعة، التي كانت بالأصل في مقاطعة لوهانسك ثم نقلت إلى مقاطعة خيرسون، وأخيراً إلى أماكنها الحالية واليوم ينقل الروس إلى هذه النقطة الساخنة أيضاً الفرقة المظلية 76، وهي أيضاً من أقوى فرق التدخل السريع المظلية.
وما تقدم بالفعل يدل على صدق النظرية الأمريكية حول أهمية صمود الخط الدفاع الأول الروسي، أمام براثن الهجمات المتصاعدة للنخبة الأوكرانية.
فالقوات المحتشدة الأوكرانية اليوم وصل عدد ألويتها لسبعة ألوية مختارة قتالية مع وجود لواءين إضافيات كقوة احتياطية شمال رابوتينو.
كما أن الأوكران أزعنوا للأوامر الأمريكية وبدأوا بحشد ثمانية ألوية مختارة تمثل باقي قوات الاحتياط الاستراتيجي.
فعلما يقامر الأمريكيون بالنصر؟
وللجواب نقول على ضخامة القوات المهاجمة الأوكرانية التي أصبحت تفوق القوات المدافعة الروسية، أم قوة نيران المدفعية الداعمة التصاعدية المدارة والمنارة بدرونات المراقبة والسطع المتعددة المصادر التصنيعية، أو على زيادة عدد الدرنات الضاربة التركية والألمانية، أم على سرعة توفير وتدخل نفاثات ف 16 الأمريكية بقوة كافية بالعدد والتجهيز لخلق توازن قتالي مع الروس، أو على العوامل التي ذكرناها مجتمعة، وهذا المرجح بتقديري لتنفيذ المخطط الأمريكي بنجاح.
إلا أن الروس يبدو أنهم يقامرون على حل ينهي هذه المخاطر مجتمعة!
ففي حالة وجود الدعم المدفعي الأوكراني الموازي، والغطاء الجوي الداعم المثالي مع السيطرة الجوية وتوفر الدفاعات الجوية المناسبة، يبقى هناك نقطة ضعف وحيدة وهي القوات الأرضية الهجومية المجتمعة في مساحات محدودة لتنفيذ الهجوم الكبير المرتقب، ومن هنا جاء مقترح أحد كبار الجنرالات الروسية، بأن الحل الأمثل قبل بدء عملية الاختراق الأوكرانية للخط الأول الروسي الدفاعي، والدخول بمعارك تماس تلاحميه يصعب عمل عمليات الدعم الناري المباعد الأرضية والجوية، هو استعمال قنبلة نووية محدودة تكتيكية، والمرشح الأول هو قذيفة تطلقها مدفعية مالكا الميدانية عيار 203 ملم يقارب وزنها 150 كغ ومداها أكثر من 40 كم، ولكن قوتها التدميرية كقنبلة نووية تكتيكية هي 2 كيلوطن من مادة ثلاثي نيتريت التالوين أو مادة التروتيل ت.ن.ت الشديدة الانفجار وإذا ما كانت من النوع الجديد الذي تطوره روسيا بآلية تفاعل تخامدية للأثار الإشعاعية بطريقة تتحول بها طاقة الأشعة لقدرة زائدة تأثيرية بنسبة 50% لتصبح بقوة 3 كيلوطن حراري، وهو خيار أفضل حول مخاطر ردة فعل الناتو القدرة الزائدة التأثيرية، لأنها بآثار شعاعية لا تكاد تذكر، وقد تستخدم روسيا الرؤوس الحرارية الزئبقية التي كيلوغرام واحد منها يوازي قوة 10 طن من مادة التروتيل أي راس صواريخ "إسكندر ام" الشبه بالستية الفرط صوتي في المرحلة الانقضاضية النهائية، من الزئبق الحراري تعادل قوته التدميرية 4 كيلوطن حراري دون أي آثار إشعاعية.
والخيار الثالث الأكثر أمن من ناحية ردود الأفعال الدولية ولكن الأخطر على قاذفة البجعة البيضاء الروسية، هو استخدام مستودعات أبو القنابل الفراغية الزائدة القدرة التأثيرية.
وقد تستبعد روسيا كل هذه الخيارات التي ذكرناها أعلاه وتستعيض عن ذلك باستخدام كثيف للقنبلة الانزلاقية العنقودية الذكية RBK-500U ذات الذخائر الفائقة الذكاء الباحثة الأسطوانية عن الأهداف المدرعة المتحركة المعدنية والخارقة لها ومدمرة بكفاءة منقطعة النظير بمقذوفات دريل (المثقاب) الفرط صوتية، خاصة وأن لها أيضاً خيار التفجير الذاتي البساطي أو المخروطي لذخائرها على ارتفاع معين إن لم تجد أهدافها الأساسية في حالة الرصد الحراري بطريقة المفاضلة لأكبر تجمعات بشرية ثابتة أو متحركة بشكل له تأثير كبير على المشاة الراجلة، ولذلك نجد وزارة الدفاع الروسية طلبت من الجهة المصنعة لها أن تنتجها بالطاقة القصوى، بعد أن أثبتت نجاحها المبهر ضد الآليات الثابتة الحركة والمتحركة، وكان آخر استخدام ناجح لها في البحر الأسود ضد زوارق سريعة مناورة خاصة بإنزالات القوات الخاصة الأوكرانية، حيث دمرت قنبلة واحدة منها أربعة زوارق سريعة وهي بحالة حركية من أصل سبعة زوارق ليلوز الباقي بالفرار.
وهناك خيار آخر بدء بالفعل وهو الاستخدام المكثف للدرونات الضاربة الروسية التي أبطلت تسعة درونات مجتمعة منها هجوم أوكراني جنوب غرب رابوتينو.
أما الخيار التقليدي الأرضي، فهو تنفيذ هجوم معاكس بتشكيلات قوات الأسلحة المشتركة الهجومية الروسية المعززة بالكتائب التكتيكية المدرعة الهجومية، بغطاء ناري ضخم مدفعي وجوي.
وهذا على ما يبدو ما يستعد له الروس بنقل مكونات وتشكيلات فرقة الأسلحة المشتركة 58 المعززة بستة كتائب مدرعة تكتيكية لتنفيذ هجمات معاكسة تكتيكية عند الضرورة تشتت التشكيلات الأوكرانية عن تركيز الهجمات في نقاط معينة.
كما أن الجيش الروسي سوف ينقل أيضاً مكونات فرقة الأسلحة المشتركة الهجومية 25 بعد أن نقل فرقة الأسلحة المشتركة 58 قبل ذلك كقوة احتياط هجومي، والتي تتميز عن الفرقة 58 بتجهيزها بدبابة الاختراق (بروريف) T-90M والتي وفق التجربة الميدانية استطاعت أن تدمر مدرعة على بعد 10 كم بقذيفة من مدفعها صاروخية ذكية، وتجاوزت خطر أربع إصابات مباشرة متخصصة قوية اخترقوا جزء من دروعها المضافة الخارجية لأنها مزودة بتقنية المصدات المغناطيسية التي تتسبب بالتفجير المبكر للقذائف الجوفاء الحرارية أو حرفها أو تحفيف قدرتها الاختراقية فيما يخص قذائف الطاقة الحركية، إضافة لتعززها بالصد بالطاقة الضغطية الحرارية التي تولدها فوهات أفغانيت النشطة الصدية، وهو ما يجعلها دبابة قنال رئيسية متفوقة وعصية، لذلك قررت أمريكا بالوقت الخالي تسليح دبابات Leopard 2A6 وخاصة الدفعة الجديدة منها التي دخلت الميدان حديثاً بدروع ردية ميكانيكية، بقذائف يورانيوم منضب اختراقية حركية من الجيل الثالث من مما يعرف بالطلقة الفضية، تتميز بضخامة الكتلة الاختراقية مع مفجر دفع إضافي، لزيادة سرعتها الحركية أو على الأقل الحفاظ على سرعتها الأساسية الاختراقية، وهي 1500 م/ث مع وجود حلقات محيطة بجسمها من خبز البولوتنيوم أو البولوتنيوم المخفف على طول المقذوف لزيادة قدرت اختراقها بوجود الطاقة الحرارية المرتفعة جداً، وهو ما يجعلها مؤهلة لتجاوز كافة المصدات الروسية في دبابة الاختراق، التي غالباً لن يسمح لها أن تدخل في أمدية قذائفها الجديدة الاختراقية الحرارية، من خلال الاستهداف المبكر لها بقذائفها البعيدة المدى الذكية، ولذلك الغالب كردة فعل روسية، سوف تزويد الوحدات الخاصة الروسية بدرونات “لانسيت فايف” ذات الذكاء الصناعي الذاتية التوجيه بطريقة كلية على مبدأ اطلق تصب، والمعروفة بالمنتج 53 لتباغت بشكل مبكر دبابات النمور المنقطة الجديدة الألمانية وهذه الدرونات لديها رأس اختراقي حراري متخصص بالدروع القوية، مع وجود صواريخ فياخر الجوية وكورنيت الأرضية ذات القدرات الاختراقية الكبيرة.
ولكن الغريب اليوم أن فاليري زيلوجني قائد القوات الأوكرانية السابق، صرح بأنه لا يمكن للقوات الأوكرانية بلوغ بلدة توكماك هذا العام بالإمكانيات الحالية، وأنها تحتاج إلى بلوغ الربيع القادم لتحقيق ذلك!
وهي رسالة على ما يبدو مشفرة من جهة رفيعة المستوى ولكن غير تنفيذية على الرسالة الروسية التي مفادها بأننا لن نسمح بخسارة خطنا الدفاعي الأول المعزز بالمرتفعات حتى لو كلفنا الأمر أن نستخدم القنبلة النووية التكتيكية بطريفة وقائية.
وفحوى رسالة الأوكران أننا سوف نوقف الهجوم لأننا اليوم لا نمتلك مؤهلات النجاح فيه، والجدير بنا اليوم انقاذ مقاطعة خاركييف من براثن القوات المهاجمة الروسية، لأن تجاوز حزام الغابات والعوائق المائية من طرف الروس هناك، هو بمثابة انهيار أو اختراق خط الدفاع الرئيسي الأول الروسي في مقاطعة زابورجيا.
وأكد هذا استقالة وزير الدفاع البريطاني وإقالة وزير الدفاع الأوكراني، والذي ظاهر إقالتهم أنهم تبنوا استراتيجية الغطاء المدفعي الكثيف، الذي قلل الذخائر بوقت قياسي وكشف المدافع لضربات الدرونات الروسية الصامتة الضاربة من فئة أوريون والكميكازية من فئة لانسيت الاختلاسية، هذا إن لم يبدئ نشاط المدفعية المتحركة الجديدة الروسية كواليتسيا الموسعة المدى حتى 70 كم مما يجعل المدافع الغربية الحديثة صيد سهل لها.
أم الذي يستبعد خيار المحو التام الروسي اليوم هو تعزيز خط المواجهة الأول بالفرقة المدافعة 19 من قوات التعبئة الروسية، ونشر خلف ألوية وأفواج وألوية الفرقة المظلية السابعة بخط المواجهة الأول أربعة أفواج منتخبة من فرقة المظليين 76 وهي الفوج 237 والفوج 1140 والفوج 104 والفوج 234 أي جميع أفواجها القتالية ولم يبقى من الفرقة لم يدخل المعركة سوى لواءين.
وسر الاعتماد الكبير للروس بدعم دفاع الخط الأول الرئيسي، على القوات النشطة المجوقلة VDV المظلية بالدرجة الأولى ثم الاقتحامية، هو كما أسلفنا ونعيد لزيادة الإفادة، بأن هذه القوات نشطة وحركية وسريعة التدخل والانتشار والاختباء وتغير المواضع الشبه آنية في الحالة القتالية، لأنها لا تعتمد مواضع ثابتة للتمركز ولا جيدة التجهيز التحصيني، إنما جيدة التمويه والاخفاء وبطريقة شبه آنية أي دون تحضيرات سابقة إنما ضمن خرائطها الخاصة، ولا تركز هذه القوات على الاشتباكات المباشرة إنما الغير مباشرة والشبه مباشرة رغم أنها مجهزة للحالتين بطريقة معززة احترافية ولديها نقاط خاصة قريبة ومتقدمة صغيرة لوجستية ميدانية سرية، كما يتم زيادة امدادها اللوجستي بطريقة جوية، ومن أهم أسرار قوتها اليوم الاعتماد المفرط على الدرونات الفردية الخاصة بالمراقبة والرصد وذلك لتحديد الأهداف وإدارة وتوجيه بشكل فوري لنيران المدفعية ذات الذخائر الصماء المساحية أو الذكية الجراحية، أو النيران المرتقبة الجوية المعجلة للدعم القريب بواسطة النفاثات التكتيكية والحوامات الهجومية، وكذلك تتدخل بتوجيه النفاثات الضاربة الهجومية المؤجلة التدخل لتصحيح وزيادة دقة إحداثيات ضرباتها أو لتغيرها للضرورات الميدانية، كما تمتلك أعداد كبيرة من درونات صغيرة كميكازية من نوع بوبر Bobr الصينة التي تجهز بقذائف مضادة للدروع أو ذخائر تفجير مقارب مضاد للأفراد، كما أن لهذه القوات الدور الأكبر في تدمير الرادارات الميدانية والمدفعية الأوكرانية بدرونات لانسيت الكميكازية الاختلاسية، وهي وأعني القوات المجوقلة تكون الأكثر تجهيز بالصواريخ الذكية الفردية المضادة للدروع ودانات مدافع الهاون الذكية عيار 120 والهاون الخفيفة الفردية عيار 82 ملم و60 ملم.
وفي النهاية فالأمل الوحيد للنصر بالهجوم المضاد الأوكراني، هو تأجيل الهجوم إلى ربيع 2024 على أن يتم خلال ذلك تعبئة اللاجئين الأوكران الذين في ألمانيا وبولندا وربما باقي الدول الأوربية، وتدريبهم بالدرجة الأولى على الأسلحة السوفيتية، وتدريب قوى أجنبية ارتزاقية على كافة الأسلحة الغربية الأرضية والجوية.