مصرع الباطل وعُلُوُّ الحق*
أ.د عثمان قدري مكانسي
أ.د عثمان قدري مكانسي
قال تعالى في سورة الشعراء:
{ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِیۤ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52)} [الشعراء]
أراد الله تعالى الخير بسيدنا موسى وقومه وكتب لهم الخروجَ من مصر والحريةَ، فقد ظلمهم فرعون واستعبدهم؟
فكان الخروج في الليل، فلا قمر، واستضاءوا بجثة سيدنا يوسف، وكان يوسف عليه السلام قد وصّى الناس وهو على فراش الموت أن يحملوه معهم في خروجهم إلى الشام (والقصة معروفة تجدها في كتابي " قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم) وتجدها في كتب الحديث.
ووصف اليهودَ بالعبادِ لأن معظمهم كانوا مؤمنين بموسى عليه السلام ينشدون العيش الكريم والانعتاق من الاسر،
وكان المولى سبحانه وتعالى يريد إغراق فرعون وجيشه، فأخبر موسى أن فرعون سيتبعه لتكون في البحر نهايتُه، فكلمتي { إنكم متَّبعون } إخبار لموسى بملاحقة فرعون لهم يريد استئصالهم ، والله تعالى يستدرجه لذلك
لحق بهم فرعون حين أخبرته عيونُه بخروجهم، وحشد كل جيوشه
{ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)}
فكيف يحشر لهم ما استطاع وكان قد اّدّعى أن موسى عليه السلام وقومه
{ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)}
إنه الكره والحقد الاسود الذي يعتمل في قلبه المربَدِّ، يريد أن يستأصلهم عن بَكرة أبيهم، لقد صرح فرعون بكرههم حين أخبر القرآن عنه إذ قال:
{ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)}
ولِمَ يغتاظ وهو وأمثاله في كل زمان ومكان يدّعون الديموقراطية !
يكشف حقدَه قولُه
{ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)}
فهو ومَلـَؤُه يحذرون أن يتابع موسى غيرُ اليهود ، وقد رأى فرعونُ رجلاً يعلن إيمانه بدين موسى، وجاء يحذِّره من بطش فرعون وقومه { فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)} [القصص]
وحين يَسرُون في عتمة الليل ، ويسمع قومه متابعة فرعون، بل يرون مقدمة جيشه قالوا يائسين
{ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)} [الشعراء]
فأصابهم الخوف والهلع وأيقنوا بالهلاك. فقال لهم موسى قول الواثق بربه ، المعتمد عليه، العامل بأمره
{ ... كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} [الشعراء]
ومن المنطقي حين أمر الله تعالى موسى بالهجرة أخبره أن فرعون سيلحق به { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52)}
{ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23)} [الدخان]
ولن يدركه أبداً، بل سيدرك فرعونَ أجلـُه غريقاً وجيشه جميعاً، فللظلم نهاية قاصمة
وكانت نهاية الظلم والظالمين قصة تُتلى:
عظمةٌ كاذبة دعته إلى غرقٍ يُسطّرُه التاريخ قرآنا يُتلى، وجثماناً يُحفظ في متاحف الأمم تتناقله / مومياءَ محنّطة/ هنا وهناك ليعلم ذو الألباب أن الحق يعلو في سماء المجد وأن الباطل يهوي إلى مزابل التاريخ. فهل من متعظ؟!
* بتصرف بسيط جداً