السلطان محمد الثالث (سيدي محمد بن عبد الله)
وتذكر المصادر التاريخية أن السلطان المغربي محمد الثالث (محمد بن عبد الله) ألهمه الله، ذات يوم من أيام ملكه، وهو يتلو الآية الكريمة : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " إلى الدعوة إلى منع الرّق والعبودية وإحسان معاملة الأسرى، بإعداده لمشروع معاهدة تقضي بدعوة سائر ملوك العالم إلى إلغاء الرّق والإفراج عن سائر الأسرى، ولا يخفى هنا أن الآف الأسرى من الجانبين المسلم والمسيحي كانوا يقضون في بعض الأحيان سنوات طويلة في الأسر والعبودية، ومنهم من لم يعد لوطنه أبدا.
ولم يكتف السلطان محمد الثالث بالإعلان عن هذا التصريح، بل جند عددا من سفرائه الذي أرسلهم إلى بلاد أوروبا وكذا آسيا ليطلب إلى تلك الدول، بدون استثناء، أن تنضم إلى هذا التصريح الغير المسبوق. وفِي طليعة هؤلاء السفراء نجد السفير محمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي (ابن عثمان) الذي ذهب إلى كل من اسبانيا ونابولي ومالطة وإيطاليا و السفير محمد بن عبد الملك الذي مثل المملكة المغربية بكل من سان بطرسبورغ (روسيا )و فيينا ( النمسا ). أضف إلى ذلك السفير والقائد المغربي الطاهر فنيش الذي ذهب إلى باريس عقب غرق سفينة فرنسية بشواطئ رأس بوجدور (الصحراء الغربية) والتي أسعفها المغاربة.
ذلك أن مهمة السفير فنيش هذا كانت تتناول أيضا تبليغ الجهات الفرنسية بأمر هذا الاتفاق، بل ومفاتحة سائر البعثات الدبلوماسية الأجنبية المعتمدة بالعاصمة الفرنسية بشأنه.
السفير المغربي محمد بن عبد الوهاب المكناسي
السفير المغربي محمد بن عبد الملك
ويتمحور التصريح حول خمس فصول هي:
نص التصريح
الفصل الثاني: إذا كان لكم أسارى عندنا ولكم يكن عندكم أساري مسلمين تفدون بهم إخوانكم أو كان لنا أسارى عندكم ولم يكن عندنا من جنسكم ما نفدي به أسارانا فإن الجانب الذي لم يكن عنده أسرى يعطي ماية ريال كبيرة عن كل أسير والأسارى كلهم سواء لا يعتبر فيهم غني ولا فقير ولا مرتبة.
الفصل الثالث: عند رأس كل سنة يكون فداء الأسرى على الوجه المذكور وهو رأس برأس إذا كان الأسرى موجودين في الجانبين أو ماية ريال عن كل أسير على الجانب الذي لم يكن عنده أسارى ولا يبقى الأسير في الأسر أكثر من سنة وإذا كان أسير عند أحد من الرعية فالسلطان يلزمه الفداء على الوجه المذكور.
الفصل الرابع: الشيخ الذي جاوز سبعين سنة والمرأة مطلقا كيفما كانت كبيرة أو صغيرة لا سبيل لأحد عليهم ولا يؤسرون.
الفصل الخامس: المركب الحامل للقوت وهو القمح والشعير والروز وجميع الحبوب وأما الادام مثل الزيت والسمن واللحم والعسل فليسوا من القوت وسواء حمل القوت من بلاد المسلمين أو من بلاد النصارى فلا يتعرض له أحد من المسلمين ولا من النصارى لأنه يمكن أن يكون متوجها به إلى قوم جائعين فإذا حيل بينهم وبين ذلك القوت هلكوا ويكون متسببا في هلاك طائفة من المخلوقات وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : في كل ذي كبد حراء أجر ، وإذا كان في مركب القوت مال أو سلعة فإن السلعة والمال يوخذ والمركب والبحرية والقوت لا يتعرض لهم أحد."
كتاب "موقف المغرب من قضايا حقوق الإنسان" ج 1، ص 287 إلى 292