الوجه الآخر الحيادي والخفي للهجوم المضاد الأوكراني الغير اعتيادي
أكثر أنواع الأفاعي والثعابين تمتلك أنياب فموية طويلة تميل إلى داخل الفم عندها، وذلك لدفع الفريسة عند بدء التهامها وغرز تلك الأنياب بطريقة عكسية لإجبارها على الولوج داخل جسم الأفعى من خلال فم قد يكون أصعر من الفريسة بخمس مرات! أي دفعها بطريقة اضطرارية.
وهذا ما كنت تسعى روسيا إليه بالدفع المبكر والمتهور للأوكران بطريقة متهورة ومبكرة للهجوم المضاد، من خلال الضربات الوقائية الاستباقية الجوية الدقيقة والصاروخية الجراحية. المدروسة المبنية على معلومات موثقة استخباراتية.
ولكن في الواقع ورغم كل الإخفاقات الأوكرانية الظاهرية بسلسلة الهجمات المضادة التي بدأت بمصباح اليوم الرابع من هذا الشهر بالساعة الرابعة صباحاً، والتي بدأت تأخذ هيئة تصاعدية، هناك نجاح أوكراني بارز غاب عن أذهان الكثيرين منا، ألا وهو النجاح بإيقاف التقدم الأرضي وهجمات القضم والهضم الروسية وتجميد أكثر النشاطات الأرضية، في جبهات إقليم الدونباس على وجه الخصوص بل وباقي الجبهات الأوكرانية! وهذا كنتيجة أولية! نعم فهناك أهداف أهم تأتي ثمارها مع تتابع الهجمات الأوكرانية المتتابعة بتكتيك المطارق الإنجليزية!
فتحويل الروس إلى الأوضاع الدفاعية وإفقادها القدرة على امتلاك زمام المبادرة القتالية، وغلبة هاجز التربص لإحباط الهجمات المضادة الأوكرانية، قد يزيد من إرهاق الروس ويخفض حالتهم المعنوية وروحهم القتالية!
خاصة أن أكثر النشاط الدفاعي وحتى كتابة هذه المقالة يتولاه مجاميع خاصة منتخبة من وحدات الاقتحام الراجلة من قوات فوستوك أو باراس أو حتى الذئاب السيبيرية، والتي كانت جوهر النشاطات الاقتحامية مع مجموعات الكتائب التكتيكة، قبل التحول إلى الأوضاع الدفاعية كقوات قتالية استكشافية دفاعية متنقلة ومتسللة ليلية بالمناطق الرمادية الدفاعية، أهم مهامها بعد زرع الألغام الذكية الوثابة الانقضاضية المضادة للدروع في المنطقة الرمادية، هو الإضاءة بالليزر للأهداف المتحركة لتوجيه القذائف المدفعية كراسنبول عيار 152 ملم المنزلقة على الليزر وكذلك دانات الهاون غراند عيار 120 ملم الذكية، لصد وردع الدبابات والمدرعات المتسللة الأوكرانية، وهذه المجموعات النشطة الصامتة الخفية التي هي من تصميم قائد العملية الخاصة الروسية رئيس أركان الحرب الروسية الجنرال غراسيموف هي قوات بالأساس قوات مرهقة من النشاطات القتالية، كما ينشط اليوم ايضاً معها وحدات القوات المجوقلة (المحمولة جواً) الروسية كقوة أرضية احتياطية، والتي تقوم بأعمال الدفاع المباشر إضافة إلى إطلاق وتوجيه الدرونات الكميكازية لانسيت وكاب والدرونات الرباعية المراوح الصينية، إضافة للتنسيق مع الدرونات المسيرة الضاربة وتوجيه الطيران ونيران الطيران التكتيكي النفاث والمروحيات الهجومية.
وهذه المجاميع الأخيرة من تصميم مشترك بين الجنرالين الروسيين غراسيموف ونائبه سورفيكين، إلا أن هذه التشكيلات الخاصة المنتخبة النشطة أيضاً هي تشكيلات منهكة لم تعرف خلال أشهر أي راحة قتالية!
أما قوات التعبئة الدفاعية فلم يبدئ دورها القتالي الجدي بعد وذلك بالدرجة الأولى من باب إخفاء مواقعها الحقيقية عن المراقبة الجو فضائية الغربية، وإن بدء فسوف يعاني أيضاً من مغبات نقص الخبرة القتالية، وسرعة التقهقر القتالي لأن هؤلاء لم يألفوا بعد شدة وضراوة شدة المهام القتالية كما هو الحال مع القوات الراجلة الاقتحامية، وهو ما قد يؤدي ارتفاع فاتورة الخسائر الروسية.
ورغم تصاعد موضوع الخسائر الأوكرانية مع بدء الهجوم المضاد، إلا أنه موجود بالأصل ومتصاعد أيضاَ وقبل حدوث هذا الهجوم، فقد كان معدل الخسائر بالقتلى الأوكران بالمراحل الأخيرة الدفاعية وسطياً وفق التصريحات الإحصائية الروسية 500 قتيل يومياً، واليوم ارتفع إلى ضعف العدد وفق التقديرات والاحصائيات الروسية أيضاً، وهالة خيبة الأمل الغربية سببها تمكن الروس من تطوير الآلة الإعلامية الحربية من المستوى المحلي إلى المستويات العالمية، وإظهار فشل العتاد الغربي الثقيل بطريقة دراماتيكية كورقة ضغط ناجحة على الجبهة الغربية من الناحية السياسية والاقتصادية والشعبية، أكثر منها من الناحية الواقعية العسكرية!
فتدمير دبابة ليوبارد الألمانية الأقوى في ترسانة دبابات الناتو من الناحية التدريعية والتقنية العسكرية خفض حجم المساهمات وربما المبيعات في سوق السلاح العالمية، لذلك نجد المستشار الألماني جاد بضرورة اللقاء مع بوتين لتسريع تفعيل المفاوضات السلمية.
ورغم خسائر الأمريكان لمجنزرات برادلي المدرعة القوية، وعربات مراب الحصينة الآمنة إلا أنهم بالنهاية ليسوا دبابات قتال رئيسية ولم تكن برادلي المستخدمة من النماذج الأحدث بالترسانة الأمريكية، فكبش الفداء الإعلامي كان ألمانيا، وذلك من باب إثارة حفيظة ألمانيا العدائية أكثر ضد روسيا الاتحادية.
فاغلب الظن أنه إن دخلت الدبابات والمدرعات الأمريكية والبريطانية من جديد فسوف تكون هذه المرة معززة بالحماية النشطة وبالدروع الردية التفاعلية وبحماية أكثر إيجابية متمثلة بمجنزرات غيبارد الألمانية المضادة لكافة الأخطار الجوية بما في ذلك الذخائر الفرعية، والتي تنتجها اليوم المعامل الأمريكية مع المعامل الألمانية وأعني مجنزرة غيبارد مع مقذوفاتها المدفعية م/ط، لإشباع الحاجة منها على الجبهات الأوكرانية، ولن تكون المعركة الكبرى بإيطار تسللي فقط وإنما بدء يسبقه ويواكبه تغطية مدفعية وربما مستقبلاً قد يعزز بإسناد جوي أيضاً، وهذه الحرب الكل يخادع فيها لأن الحرب خدعه ورأسها المكر، فقرار الألمان بوقف توريد دبابات ليوبارد الأحدث والتحول إلى الأقدم وكذلك حال الأمريكان بدبابات أبرامز، غالباً عكس ذلك هو الصحيح، او أن يكون صحيح كطعم بتوفير أعداد أكبر لإثارة المكامن الدفاعية الروسية ليتم استهدافها جميعها بالذخائر الفائقة الذكاء العالية الدقة بتوجيه ذاتي بالمراحل النهائية، وهو ما تفتقر إليه آلة الحرب الروسية أو لا تزال مبتدئة به، أو لنقل لم تواكب به بعد المعايير الغربية.
فمثلاً قذائف التوجيه الثنائي الروسية التي تعتمد على برمجة نظام التوجيه بالقصور الذاتي INS تكون ببرمجة القذيفة قبل إطلاقها عند الروس ويتم تصحيح أخطائها بالأقمار الصناعية أو بموجات الليزر الارتدادية، أما الغربية منها فيتم توجيهها وتغير توجيهها بعد الإطلاق، من خلال وحدة القياس الذاتية IMU بطريقة أدق بسبب التعقيدات البرمجية وتطور الشرائح الإلكترونية، وزيادة الدقة بها والمناورة بموجات الأقمار الصناعية واخيراً التوجيه بالمرحلة الأخيرة بطريقة ذاتية ابترونية أو حرارية.
والآن وقد عرفنا أهم جانبين منشودين استراتيجيين للهجوم المضاد الأوكراني، يجب أن نعرف جوانب أعمق من الناحية التكتيكية.
فقد تحقق كما أسلفنا أول وأهم هدف من الهجوم المضاد بالمرحلة الحالية، وهو تجميد التقدم الروسي في إقليم الدونباس وفي مقاطعة خاركييف.
والهدف الثاني هو امتلاك زمام المبادرة القتالية فالروس أصبحوا اليوم في حالة توجز وحذر من الهجمات الأوكرانية حتى ولو كانت ما زالت محدودة تجريبية واختبارية وهو ما قد يتعب الروس ويرهقهم أكثر على الأقل من الناحية المعنوية.
فالهجمات الأوكرانية التي تجاوزت أكثر من ثلاثين هجوم في مقاطعة زابورجيا ومقاطعة دونيتسك، هي لا تعكس الفشل الأوكراني كما تحاول أن تؤول ذلك البروباغندا الروسية وتطبل لذلك الميديا الغربية!
وإنما هي لمعرفة الآلية التكتيكية الروسية الدفاعي ودراسة وتطوير الآلية الهجومية الأوكرانية المضادة في المرحلة النهائية، والدليل هو الاستهداف الروسي بالعمق لمقر الدراسات الاستراتيجية المشترك، فرغم خسارة الألمان لثمانية دبابات ليوبارد من نوع Leopard 2A4 ومن ثم النموذج الأحدث Leopard 2A6 المعزز بدروع مضافة قوية من الناحية التدريعية والهندسية بالإضافة للدروع الخارجية التفاعلية، والتي دمر الروس منها أربع دبابات وأسروا دبابتين بعد أن غادرها أطقمها القتالية، وكذلك الحال مع الدبابات الألمانية التي جهزت لخرق خطوط الألغام.
إلا أن الألمان بإمكانهم في حال حصول الترتيب النهائي البريطاني المحكم للهجوم المضاد الناجح بعد الفهم نقاط ضعف الدفاعات الروسية، تصفير خسائر دباباته تقريباً، أو على الأقل جعلها في دائرة القبول.
نعم وذلك بجعل راس الحربة الهجومي بواسطة دبابة ليوبارد النموذج Leopard 2A8 بسبب تعزيزها بالحماية النشطة بزاوية 360 درجة وتعزيز المناطق العلوية والضعيفة فيها بالدروع الردية التفاعلية الأحدث، مع وجود الحماية ضد كافة الأخطار الجوية القريبة المتمثلة بمجنزرة غيبارد المدفعية.
وقد يدخل الأمريكان حينها دبابات أبرامز من النموذج M-1A2 Abrams ومجنزرات برادلي من فئة Bradley M2A3 أو النموذج الأحدث M3A3 والتي يمكن تزويدها بدروع رديه تفاعلية أفضل وقذائف حماية نشطة صديه.
ولا بد من ذلك لإنهاء الحرب النفسية الروسية المثبطة للمعنويات الأوكرانية وحتى الشعوب الأوربية بتدمير الآلة القتالية الغربية.
فالألمان أوقفوا إعطاء الأوكران أحدث نموذج من دبابة ليوبارد خاضت المعركة مع الروس، هذه من الناحية العلنية، أما من الناحية السرية فسوف تزود أوكرانيا بالدبابة الأحدث بالترسانة الألمانية أو على الأقل بالنموذج Leopard 2A7 التي تمثل حالة وسطية بين أحدث النماذج القتالية والنموذج 2A6 والذي يمكن تجهيزه بأكثر التجهيزات بالنموذج الأحدث وبجميع أنواع القذائف الرئيسية حتى مدى 2 كم المخترقة للدروع الثقيلة بالطاقة الحرارية والحركية، وكذلك الحال بالقذائف الترادفيه، أو بالقذائف الذكية الذاتية الدفع حتى مدى 4 كم أو المتعددة الأغراض حتى مدى 6 كم ، والتي يجمعها مع القذائف الذكية الحالة الاستهدافية الانقضاضية، وربما يكون هذا التجهيز الجديد بأطقم معارة ألمانية في المعركة النهائية، ومن هنا نفهم ما طلبته بريطانيا من الأوكران أن لا يدخلوا دبابات تشالنجر البريطانية الحرب إلا بالمرحلة النهائية وأن لا تكون في خطوط الهجوم الأمامية، فما هي المرحلة النهائية التي سوف تحدث بعد دراسات ميدانية تصحيحية تتفادى كافة الأخطاء الحالية الميدانية، وبعد مراقبة مستفيضة جاسوسية مرئية فضائية وجوية، بالإضافة إلى المراقبة الاستطلاعية الإلكترونية الغربية لكافة النشاطات الإلكترومغناطيسية الروسية اللاسلكية والرادارية.
وباعتقادي أن السيناريو المتوقع للهجمات النهائية المضادة الأوكرانية بقيادة غربية، بعد إنهاء المخططين العسكريين للناتو من استكمال كامل الدراسة الاستطلاعية القتالية والتجسسية بالمرحلة الحالية، وذلك في حالة نجت قوات الهجوم المضاد الرئيسي الاحتياطية الاستراتيجية الأوكرانية، من الضربات المكثفة الوقائية الاستباقية الروسية الجوية والصاروخية، فحينها السيناريو الغربي يكون متمثل بضرب الاحتياطات الروسية ومراكز القوة الثابتة الدفاعية بالذخائر الفائقة الذكاء الغربية الذاتية التوجيه المدفعية عيار 155 ملم الأمريكية والفرنسية ذات الذخائر الفرعية وكذلك الأطول مدى التي تطلق من راجمات هيمارس الأمريكية المضاعفة المدى المباعد عن قذائف بندقية القناص جملرس الأمريكية، أعني ذات الأقطار الصغيرة أو الذخائر الأسطوانية الفرعية، على أن يتم ذلك بشكل كثيف وشبه متواقت لتحقيق مبدأ الصدمة والترويع على كافة الجبهات الروسية.
والإجراء الروسي المضادة بتقديري لهذه العملية الغربية الضخمة الذكية والدقيقة والجراحية، يكون إما بطريقة وقائية استباقية قاسية القتل جوية وصاروخية، مبنية على معلومات تجسسيه ومراقبة جو فضائية مستمرة وتراكمية مسبقة، أو زيادة مقومات منظومات القتل القاسي الصاروخي الروسي المضاد الطبقي منها والمركزية والميدانية المواكبة في حالة تحول الروس بالقوة الضاربة الهجومية من الحالة الدفاعية إلى الهجوم العكسي، وزيادة الاعتماد على استراتيجية القتل اللين بزيادة منظومات وفاعلية الإجراءات المضادة الإلكترونية، وزيادة التأمين لوسائل الاتصالات اللاسلكية أو زيادة الاتصالات الامنة السلكية في الجبهات الدفاعية.
وهو ما قد يخفف أو يثبط العملية التمهيدية الغربية الاستراتيجية، في حالة نجاح الروس بهذه الإجراءات المضادة والوقائية، بالإضافة إلى نجاح الروس بمراقبة حركة ونشاط الأقمار الصناعية والقيام بإجراءات تضليلية أرضية بتغير وتزيف الأهداف الحقيقية الهامة أو إعماء وتدمير المراقبة الغربية الفضائية.
وإلا في حالة إخفاق الروس بهذه الإجراءات الوقائية بالشكل المنشود فحينها سوف تنهار الدفاعات الروسية بطريقة دراماتيكية أو سوف تضطر إلى التحول للهجوم العكسي الذي غالباً سوف يتحول لوقود مشتعل للذخائر الذكية الغربية الفرعية المباعدة القاهرة للاختراقات المدرعة الروسية.
والآن وبعد ما أسلفنا تعالوا نرتب الأهداف الإنجليزية ونربطها بالتكتيكات الميدانية، ونبين سر النجاحات الروسية العاجلة وابعاد التخطيط الإنجليزي الآجل الذي ينتظر ثماره في المرحلة الأخيرة من مخطط الهجوم الأوكراني المضاد.
فقد بدء الأوكران بهجمات خاطفة ليلية بمستوى كتائب ميكانيكية يتفرع عنها سرايا هجومية أربكت وفاجئت الجبهات المتقدمة الروسية، وجعل عناصرها تتقهقر وتتراجع إلى الجبهة الاحتياطية بعد المنطقة المحرمة أو الرمادية وهو ما فتح المجال للمدافعين الروس لاصطياد الأرتال الروسية، ورغم خسائر الأوكران بهذه المعركة الأولى إلا أنهم حققوا عملية وقف العمليات الهجومية الروسية المحدودة وفق تكتيك القضم والهضم أو الدفاع النشط، واجبار الروس للتحول للحالة الدفاعية ومحاولة التمسك بالخطوط الدفاعية الاحتياطية.
الهجوم الثاني الرئيسي الأوكراني أيضاً بدء ليلي مع أول ساعات الصباح والذي كان على مستوى أولي انبثق منها كتائب تحولت إلى أرتال سرايا قتالية من المفترض أن تكون تسللية ومن باب الحرص على تجحيم القتلى داخل الآليات تم تنفيذ إنزال مبكر للقوات الراجلة الأوكرانية كانت غايته الأساسية رصد الدفاعات النشطة لمجموعات صيد الدبابات الروسية التي كان سلاحها الرئيسي صواريخ كورنيت الأحدث بالترسانة الروسية المضادة للدبابات والبعد مدى والتي تعمل بأسلوب المضادات الغربية بالتوجيه الآمن الذاتي.
وكذلك نشاط مدفعية ماستا بنماذجها الثلاثة الذاتية الحركة عيار 152 ملم التي كانت تطلق قذائف كراسنبول الذكية الموجهة بالليزر ضد الأهداف المتحركة من خلال مجموعات الكشف المتقدم أو درونات المراقبة والضاربة بالإضاءة الليزرية، وذلك لإغراقها بنيران مضادة مباعد وعكسية.
إلا أن المفاجأة الروسية كانت بزيادة استخدام الدفاعات الحيوية، بزيادة استخدام المروحية الهجومية التمساح كموف، واستخدام درونات تجارية صينية حولها الروس إلى درونات كميكازية مجهزة بقذائف RPG7 الخارقة للدروع.
والسبب أن زخم الهجوم الأوكراني كان أكبر واستنفر دبابات ومدرعات الروس للقتال وقدم الروس وفق تصريح وزير الدفاع الروسي 16 دبابة دون تحديد أنواعها وأكثر من 20 مدرعة خلال ساعتين فقط من القتال، فكان لا بد من التحول من الدفاع الحركي إلى الدفاع الحيوي الذي تعول روسيا عليه خصوصاً في مقاطعة زابورجيا حيث دعمت روسيا هذه المقاطعة بلواءين مجوقلين من فئة الاقتحام الجوي بالحوامات القتالية، وهما اللواء العاشر واللواء الحادي عشر كقوة موازية للواءين النخبة الميكانيكيين، اللواء 37 واللواء 47 المدربين على يد الناتو واسلحتهم كلها غربية.
وهو الذي جمد المنجزات الأوكرانية إلى الآن، لذلك نجد أوكرانيا تحاول في إيطار الحرب النفسية ورفع الروح المعنوية للقوات الميدانية تتكلم عن استرداد سبعة قرى في المناطق الرمادية المحرمة على الطرفين!
والآن يأتي السؤال المهم، وهو ما هو المحور المتوقع الذي سوف يكون عليه الهجوم الرئيسي العام، والجواب من الناحية العملياتية هو مقاطعة زابورجيا، ومن الناحية الإخبارية البريطانية مقاطعة دونيتسك، أما من النحية الحشدية فمقاطعة خيرسون، وهي المرجحة بتقديري لأن الأوكران حشدوا ضد كل مقاطعة ستة ألوية قتالية أما خيرسون فحشدوا لها ثمانية ألوية وقد تصبح اثنا عشر لواء بانضمام أربعة ألوية أجنبية أكثرهم من الدول الحدودية التي يغلب عليها العناصر البولندية، والمؤشر الثاني قربها من الامدادات الخارجية المباشرة، بعد تمادي الروس بتدمير الاحتياطات المقاتلة والمخازن اللوجستية الداخلية، والمؤشر الثالث والأهم هو تفجير سد نوفا كاخوفكا المرجح أن يكون تفجيره من طرف الروس لأن تفجيره كان من جهة الشمال الأكثر ضرر بالأوكران بطريقة جزئية وداخلية وليست عامة للمنطقة الجزئية، وتم ذلك ليسهل على الروس إخلاء خط المواجهة الأول وتكوين منطقة رمادية تسهل عمل الخطوط الدفاعية الروسية الاحتياطية ولتأخير الهجمات الأوكرانية بسبب إغراق الجزر وإعاقة عمليات العبور البرمائية، ريثما يتم تمكين الجبهة الموازية في مقاطعة زابورجيا، وربما لأن الروس قدروا أن يكون الهجوم العام المبكر من ناحية خيرسون، فعطلوا تلك النوايا الغربية.
ولكن الأرجح بتقديري أن محور الهجوم الرئيسي هو المحور الذي سوف يكون أضعف أمام الهجمات الكبيرة الأوكرانية وذلك وفق التقديرات الاستخباراتية الأنجلو أمريكية، ولما لهذا الخيار من عنصر مفاجأة وسرية تكتيكية يعرفها حتى القادة الميدانين الذين يجب أن يكونوا مهيئين ميدانياً لهذا الخيار ومستعدين له سلفاً.
أما عن أهم مخطر فشل الهجوم الأوكراني المضاد، فهو سرعة استيلاء الروس على باقي مناطق إقليم الدونباس، ومقاطعة خاركييف إن لم يكن أكثر من ذلك بغية تشكيل مناطق رمادية واسعة جداً.
والسبب أن تحييد أو إبادة باقي النخبة الأوكرانية سوف يؤدي إلى انهيار عام بباقي الجبهة الدفاعية الأوكرانية، لأن هذه الوحدات القتالية المنتخبة المحاربة هي من تضبط التزام الجنود المدافعين بالجبهات كشرطة أو بوليس عسكري، وهي بذات الوقت من يساعد على صمودها وإعادة هيكليتها بهجمات إنقاذيه.
وأكبر نقطة ضعف دفاعية روسية اليوم هي الاعداد المسبق المرئي للخطوط الدفاعية حتى لو كانت معززة وقوية، وذلك لأنها رغم ذلك خاضعة لمراقبة شديدة غربية جو فضائية، ولكن الروس حتى الآن اظهروا مرونة دفاعية بترك الخطوط الدفاعية الأولى في الجبهات الجنوبية لحلق منطقة محرمة رمادية بعمق 25 كم، وتموضعوا بالخطوط الاحتياطية، فهل سوف ينتقلوا إلى مواضع جديدة سرية خفية، في حالة بدء ضربات الصدمة التمهيدية الغربية الكثيفة والمركزة الذكية، وذلك لامتصاص وبال هذه الضربة في حال عدم تمكن الروس من استكمال الإجراءات المضادة لها أو من باب خفض وتوفير هذه الإجراءات المضادة لخلق مفاجأت تكتيكية تظهر فاعليتها بالإجراءات الجديدة الدفاعية، كما فعلت وحدات الحرس الجمهوري العراقية في أم المعارك وقامت بجر الحلفاء إلى كمين جحيم الموت أو عملية كيس الموت العراقية.
إما في حال كانت الإجراءات الوقائية الروسية هي بواقعها الحالي فإن نجاح الهجوم المضاد الأوكراني الكبير المضاد المخطط بعناية ومدروس يصبح مسألة حتمية ولكن لحد وعمق معين وإلا تبدأ أول شرارات الحرب النووية العالمية.
لذا الغالب من مقصد الناتو من هذه العملية الهجومية الأوكرانية، هو الجلوس للمفاوضات بمركز قوة غالبة أو موازية للجانب الروسي، بغية الوصول لاتفاق مرضي لكافة الأطراف كل في موقعة، وكذلك إضعاف القدرة العسكرية الروسية الهجومية التقليدية بالدرجة الأولى، وكذلك القدرات الدفاعية كدرجة ثانوية.
وفي الختام وحتى تاريخ كتابة هذا المقال فإن تركيز الأوكران الهجمات غرب زابورجيا لعزل القوات الروسية في خيرسون وزبورجيا مع عبور أوكراني كبير نحو جبهة خيرسون، وفي مقاطعة دونيتسك التركيز على شمال وجنوب باخموت لتطويق باخموت وجلب قوات روسية من الجنوب وربما الشمال، وجلب قوات الجنوب قد يمكن الأوكران من تنفيذ اختراق غرب زابورجيا وبهذا الشكل يتم تطويقها من جهتين لتسهيل الهجوم الرئيسي تجاه زابورجيا والله أعلم بالصواب.