المستقبل الآن
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
الغيب.. عكس الشهادة.. عكس العلم.. فإن تساوى الغيب وعكسه.. فهل تشهد لمن استوى الضدان عنده بأنه بشر؟!! بالطبع لا.. وإلا تكون قد أسلمت عقلك للجنون! بالتأكيد هو ليس بشرًا..
وإذا حدثك كتاب عن أحداث سوف تقع في المستقبل، ولكن معطيات الحاضر تدل عكس ما توقعه ذلك الكتاب تمامًا، ثم كشف لك الزمن عن صدق ما حدثك عنه ذلك الكتاب، ألا تتيقّن بأن صاحب ذلك الكتاب يعلم الغيب وينكشف أمامه المستقبل كالحاضر سواء بسواء؟ لا يكون ذلك لأحد إلا لله سبحانه وتعالى، ولا يكون ذلك لكتاب إلا القرآن الكريم! ولتقفوا على حقيقة هذا الأمر، تأمّلوا مطلع سورة الروم..
{ الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)}
وقد نزلت هذه الآيات عندما هُزمت الرومُ في حربها ضد الفرس وكان ذلك في أوائل عصر النبوّة، وفي الآيات دلائل إعجاز غيبية باهرة، حيث أخبر القرآن الكريم بأمور تقع في المستقبل، فجاءت كما أخبر، لم تتخلف أو تتغير، وهذا ما لا سبيل للبشر إليه بحال.
في هذه الآيات يتحدّث القرآن عن أمر غيبي مستقبلي لم يستطع أحد في ذلك الزمان أن يمنع حدوثه أو يكذّبه أحد، بل لم يكن أحد يتوقع حدوثه؛ فقد خسرت الروم في هذه المعركة خسائر فادحة جعلت مُعاصريهم يتوقعون دمارًا كاملًا لإمبراطوريتهم، بيد أن ما حدث لاحقًا لم يكن متوقعًا؛ إذ إنه وفي أقل من عشر سنوات وقعت معارك حاسمة بين الفرس والروم، وانقلبت موازين القوى بشكل مفاجئ لمصلحة الروم وغلبوا الفرسَ واستردوا أراضيهم التي استولى عليها الفرس، كما أخبر القرآن الكريم بذلك من قبل، وكان ذلك سببًا في إسلام كثير من غير المسلمين الذين عاصروا تلك الأحداث وكانوا يترقبون تحقق هذه النبوءة القرآنية التي تعد من الآيات والأدلة الواضحة على صدق مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم- وأنه رسول الله حقًّا.
ولم يقف إعجاز القرآن الكريم عند الإخبار بانتصار مستقبلي للروم لم يكن متوقعًا بأي حال من الأحوال، بل أصبح التحدي أكثرَ صعوبةً عندما حددت الآيات زمن حدوث هذا الانتصار، حيث قال عالم الغيب سبحانه وتعالى: { فِي بِضْعِ سِنِينَ }، والبضع في اللّغة العدد من الثلاثة إلى التسعة، فجاءت الغَلَبة للروم بعد سبع سنوات من الهزيمة، وحقق اللَّه عزّ وجلّ وعده فانتصر الروم على فارس في الأجل الذي سماه.
إلا أن هذه الآيات تحمل بشارتين وليس بشارة واحدة، الأولى أن الروم سينتصرون على الفرس في مدة تتراوح بين ثلاث وتسع سنين { بِضْعِ سِنِينَ }، برغم أن الواقع كان يشير إلى عكس ذلك تمامًا، لأن الروم كانوا على درجة من الضعف فغزاهم الفرس وهزموهم في عقر دارهم، فازداد الفرس بذلك النصر قوة على قوتهم، ما يستبعد معه أن ينتصر الروم على الفرس في هذه المدة الوجيزة التي حددها القرآن. أما البشارة الثانية فهي أن المسلمين سيفرحون بنصر عزيز في هذا الوقت الذي ينتصر فيه الروم على الفرس { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ }، برغم أن المسلمين كانوا عند نزول هذه الآيات في مكة وفي قلة عدد وعدة، ولم يكن يشرع لهم الجهاد في ذلك الوقت، ما يستبعد معه أن يكون للمسلمين أي غلبة أو نصر قريب. وبرغم ذلك كلّه، فقد تحققت البشارتان معًا وفي وقت واحد، حيث تحقق للروم الغلبة على الفرس بإجماع المؤرخين في أقل من تسع سنين، وتزامن مع انتصار الروم انتصار المسلمين على المشركين في غزوة بدر الكبرى، وهو أوّل وأهم نصر في تاريخ الإسلام، حيث فرح المسلمون بذلك النصر العزيز الذي لم يكن يتوقعه أحد من معاصري ذلك الزمان، فكان ذلك آيةً بيّنةً على صدق مُحمَّد -صلى اللَّه عليه وسلّم- في دعواه وصحة ما جاء به.
لقد اشتمل القرآن الكريم على العديد من الحوادث والوقائع والحقائق المستقبلية التي كانت غيبية عند نزوله، ثم وقعت وتحقّقت تمامًا كما أخبر عنها القرآن بعد فترة طويلة. والعلم بتلك النبوءات لا يمكن لأحد من البشر أن يدركه بالقياس، ولا بوسائل المعرفة التجريدية والتجريبية، وبذلك فإن تحقق وقوعها بالطريقة والصفة التي وصفها بها القرآن دليل حاسم على أن مصدر هذا القرآن هو عالم الغيب سبحانه وتعالى.
ومن خلال هذا المشهد سوف نقف على نماذج متنوعة من غيبيات القرآن..
ومن نبوءات القرآن الواضحة ما تشهد به هذه الآية من سورة الأنفال:
{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)}
في العام الثاني للهجرة خرج المسلمون لاعتراض عير قريش المتوجهة من الشام إلى مكة، فاستنفر المشركون في مكة وخرجوا لحماية قافلتهم، بينما تمكنت القافلة من الفرار، الأمر الذي وضع المسلمين في مواجهة مباشرة مع المشركين، حيث كانت غزوة بدر الكبرى. كان عدد المسلمين ثلاثمئة وبضعة عشر رجلًا، معهم فَرَسان فقط وسبعون جملًا، بينما كان تعداد جيش المشركين ألف رجل معهم مئتا فرس، أي كانوا يشكِّلون أكثر من ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد. وبين يدي هذه المواجهة غير المتكافئة بكل المقاييس نزلت هذه الآية تبشّر المسلمين بالنصر! أي إن هذه الآية نزلت قبل التقاء الفريقين! وتحقّق النصر المؤزر الذي وعد الله عزّ وجلّ به المسلمين في تلك الحرب غير المتكافئة، وانتهت المعركة بهزيمة قريش وقتل سادتها وقادتها، وهو أوّل وأهم نصر في تاريخ الإسلام. وهذا الانتصار المفاجئ وغير المتوقّع كان من الأمور المستقبلية التي أخبر عنها القرآن.
ومن نبوءات القرآن العجيبة سورة المسد..
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
نزلت هذه السورة في مكة في عم النبي –صلى الله عليه وسلّم- أبي لهب وزوجته أم جميل، وقبل وفاتهما بأكثر من عشر سنوات، تتوعدهما بالعذاب يوم القيامة، وتؤكد أنهما سوف يموتان على الكفر ولن يدخلا في الإسلام، وهو أمر غيبي، وكان بإمكان أحدهما أن يعلن إسلامه -ولو في الظاهر- ليكذِّب هذا الخبر لكنه لم يفعل، ولم يتظاهر حتى بالإسلام! ولكم أن تتخيَّلوا حال أبي لهب، أو زوجته أم جميل، لو وقف أحدهما أمام الناس وقال لهم: إن القرآن يقول إنني سوف أموت على الكفر ولكني أعلن الآن أني أريد أن أدخل في الإسلام، فما الذي كان يمكن أن يحدث حينئذٍ؟! أليست هذه فرصة ذهبية ليثبت تناقض القرآن؟ وبكلمة واحدة؟! عشر سنوات كانت لديه الفرصة أن يهدم الإسلام في دقيقة واحدة! ولكن الذي أنزل القرآن يعلم أن جميع من نزل فيهم قرآن لن يخطر ببالهم (مع شدَّة دهائهم) أن يدخل أحدهم الإسلام ولو نفاقًا. فكيف لمُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- أن يضع مثل هذا التحدي الخطير ويؤكد أن أبا لهب وزوجته سوف يثبتان ما في السورة، إن لم يكن القرآن وحيًا من الله؟
كثيرون هم الأعداء الذين استهزؤوا برسول الله –صلى الله عليه وسلّم- وحاربوه وجاهروا له بالعداء، ودارت الأيام والسنون ودخل كثير من هؤلاء الإسلام، فلماذا لم ينزل قرآن يتوعّد أشخاصًا بعينهم منهم أبو لهب، وأميّة بن خلف، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث، والأخنس بن شريق، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وأبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم؟ فكل الذين نزل فيهم قرآن يؤكد أنهم سوف يموتون على الكفر ويتوعدهم بالعذاب عاشوا بعدها فترات طويلة من الزمن، وبرغم ذلك لم يفكِّر أحد منهم في الدخول إلى الإسلام، بل حتى لم يخطر ببال أحدهم أن يسلم حتى لو نفاقًا. وهذا وحده كافٍ لإثبات إعجاز القرآن وأنه من عند الله تبارك وتعالى، كما أنه دليل على نبوة مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-.
ومن نبوءات القرآن العجيبة هذه الآية من سورة الأحزاب..
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)}
الأنبياء في تاريخ البشرية عددهم 124 ألفًا، والرسل عددهم 313 رسولًا. والنبي من أوحى الله إليه، فإن أُمر بتبليغ ما يوحى إليه للناس فهو رسول، وإن لم يؤمر بتبليغ ما أوحي إليه فهو نبي فقط، ولذلك فإن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا، وبعض الأنبياء رسل وبعضهم غير رسل، لكن جميع الرسل أنبياء. ولذلك نستطيع أن نفهم لماذا وصف الله عزّ وجلّ نبيه ورسوله مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- بأنه: "خاتم النبيين"! وبما أنه خاتم النبيين فإنه بالأحرى خاتم المرسلين أيضًا، لأن كل رسول نبي، والرسول لا يكون رسولًا إلا إذا كان نبيًّا، وبما أن النبوّة خُتمت بمُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- فإن الرسالة خُتمت به أيضًا، فلا نبي ولا نبوّة بعده، ولا رسول ولا رسالة بعده.
انتبهوا جيِّدًا إلى هذه الحقائق المهمّة: منذ آدم -عليه السلام- حتى القرن السابع الميلادي تعاقب على البشرية 124 ألفًا إلا واحدًا من الأنبياء منهم 312 رسول، ثم جاء مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- وقال إنه خاتم الرسل والأنبياء ولا رسول ولا نبي بعده! الرسول الوحيد الذي قال عن نفسه إنه خاتم الأنبياء والمرسلين هو مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-! والآن مضى على نزول هذه الآية أكثر من 1400 عام ولم يظهر أي رسول ولا نبي! وهذه الفترة هي أطول فترة انقطاع للوحي في تاريخ البشرية! ألا يدل ذلك دلالة قاطعة على أن مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- هو بالفعل خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن منزل القرآن هو العليم بما سوف تأتي به الأيام، وليس هذا الأمر لأحد إلا لله وحده علّام الغيوب.
ولكن لماذا بدأت الآية بهذه الكلمات: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ }؟ وما علاقة ذلك بحقيقة أن مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين؟! ولماذا لم يكن هذا النص على هذا النحو: "ما كان مُحمَّد أبا أحد منكم"، شاملًا الرجال والنساء؟! ببساطة لأن كل نبي اصطفاه اللَّه عزّ وجلّ أتى من سلالة الأنبياء، وكلما احتاجت البشرية إلى رسول أرسل اللَّه لها رسولًا من سلالة رسول أو نبي سابق.. هم ذرية بعضها من بعض. ومن هنا نفهم كيف أن سلالة الأنبياء في بني إسرائيل انقطعت وانتهت إلى الأبد عند يحيى وعيسى -عليهما السلام- وذلك لأن كلًّا منهما لم يكن له ذريّة، وامتدت سلالة إبراهيم في ولده إسماعيل –عليهما السلام- حتى كان خاتم الأنبياء والمرسلين مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-، الذي لم يعش له ولد ذكر أيضًا، وبذلك لم يكن له سلالة من الذكور، فانتهى عنده نسل الأنبياء إلى الأبد، ومن هنا نفهم لماذا هو خاتم الأنبياء والمرسلين! ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا لم يعش له ولد ذكر؟ ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا لا يمكن أن يكون مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- أبا أحد من الرجال.
ومن نبوءات القرآن فتح مكّة معقل الشرك والمشركين..
{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)} [القصص]
نزلت هذه الآية على النبي -صلى الله عليه وسلّم- في منطقة الجحفة وهو في طريق هجرته من مكّة إلى المدينة، وفي الآية بشارة له بأن الله سوف يردّه إلى مكة ظافرًا مظفّرًا، وبصورة قطعيّة ودون أي قيد وشرط. وبعد ثماني سنوات من نزول هذه الآية تحقّق الوعد الإلهي وردّ الله مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- إلى موطنه مكّة منصورًا مظفرًا. فهذه الآية من الإخبار الإعجازي الغيبي، حيث نزلت لتبشر بأمر عظيم يستبعد حدوثه، حيث كان المسلمون قليلين، في غير منعة من الناس.
وفي المدينة كان النبي -صلى الله عليه وسلّم- يقول لأصحابه: ستأتون البيت وتطوفون به آمنين محلِّقي رؤوسكم ومقصرين لا تَخافون، بناءً على رؤيا حقٍّ أراه الله إيَّاها، ورؤيا الأنبياء كلها حق..
{ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)} [الفتح]
وظن المسلمون حين خرجوا في السنة السادسة للهجرة لأداء العمرة سائقين معهم الهدي، أنَّ ذلك هو وقت تَحقيق الوعد، إلا أنهم تحللوا يومئذ في الحديبية، ورجعوا دون أن يعتمروا، وجرى بين الرسول -صلى الله عليه وسلّم- وقريش صُلح الحديبية، الذي جاء على غير ما يسُرُّ أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلّم-، لكن التوجيه الرباني كان بإجراء الصلح، وكان ذلك الصلح مقدمة الفتح المبين. وفي طريق عودتهم من الحديبية إلى المدينة أنزل الله على رسوله سورة "الفتح" التي تفتتح بقوله تعالى:
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)}
مشيرًا بذلك إلى أن هذا الصلح نفسه هو مقدمة فتح مبين سيأتي..
{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)} [الفتح]
فأعطى الله المسلمين بهذا النص وعدًا جازمًا وفتحًا قريبًا سيتحقق حتمًا، وساقه بأسلوب الفعل الماضي الذي تحقق وانتهى، إشارة إلى أنه قضاء مقضي لا محالة. وقد حقَّق الله وعده، فدخلوا المسجد الحرام للعمرة بعد صلح الحديبية بسنة واحدة، ولبثوا فيه ثلاثة أيام حتى أتموا عمرتهم، وقضوا مناسكهم، ورجعوا إلى المدينة سالمين مطمئنين، وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة، وبعد سنة أخرى، أي في العام الثامن من الهجرة، دخل النبي –صلى الله عليه وسلّم- ومعه عشرة آلاف من أصحابه مكة فاتحين. وكانت هذه من معجزات القرآن الخبرية، التي تحدثت عن المستقبل، ثم جاء المستقبل على وفقها تمامًا.
بل تأمّلوا ماذا يقول الله عزّ وجلّ لنبيّه مُحمَّد صلى الله عليه وسلّم في هذه الآية..
{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة]
من الأمور الثابتة والمتفق عليها أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- كان عندما يعرض نفسه على القبائل في أوّل بعثته، يقول لهم: ( مَن يُؤويني وينصُرُني حتّى أُبلِّغَ رسالاتِ ربِّي وله الجنَّةُ ). وعند عودته من الطائف كانت الأخبار قد سبقته إلى مكة من أنه قد أعلن الخروج على مكة وذهب يستنصر القبائل عليها ويوقع بينها وبين حلفائها، لذلك لم يكن دخوله إلى مكة أمرًا هينًا ولا آمنًا، وهناك احتمال كبير للغدر به ولاغتياله من قبل قريش، ما اضطره إلى الدخول في جوار أحد سادات قريش، المطعم بن عدي، الذي دعا بنيه وقومه فقال: البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت مُحمَّدًا، فوقف المطعم بن عدي وولده حاملين أسلحتهم يحرسون رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- حتى دخل المسجد الحرام فصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته.
وعندما هاجر إلى المدينة بادر بعض أصحابه بالتطوع لحراسته من شرور أعدائه المتربصين به، ومن أشهر هؤلاء الحرّاس: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وسعد بن عبادة، وابنه قيس بن سعد بن عبادة، وبلال بن رباح، عليهم جميعًا رضوان الله. والذي يزور المسجد النبوي اليوم يلاحظ أن أحد أسطوانات المسجد مكتوب عليها "أسطوانة الحرس"، وقد سميت هذه الأسطوانة بهذا الاسم لأن الحرس كانوا يجلسون عندها يحرسون النبي -صلى الله عليه وسلّم-. وعندما نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلّم- الآية السابقة وفيها { ... وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ... }، قال للحرس: ( انصرفوا فقد عصمني الله )، ومنذ تلك اللحظة لم يتخذ أي حرس حتى مات وهو على فراشه. وبرغم عشرات الحيل والمكائد والدسائس التي حاكها أعداؤه من المشركين واليهود لقتله، وبرغم أنه قاد بنفسه 28 غزوة ضد أعدائه، وكان في مقدّمة جيشه، فلم يستطع أحد منهم أن ينال منه حتى مات على فراشه بعد أن أبلغ رسالة ربه تعالى على أكمل وجه.
وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الذي أنزل هذا القرآن هو من عصم النبي -صلى الله عليه وسلّم- من شر أعدائه إبان حياته وبعد مماته؛ ففي أثناء حياته تكاتفت جهود المشركين واليهود للنيل منه وقتله، بيد أن الله حفظه وعصمه من القتل في مواطن كثيرة، كان خطر الموت فيها أقرب إليه من شراك نعله. وبعد مماته كانت هناك محاولات للتعدي على قبره وسرقة جسده الشريف فأحبطها الله عزّ وجلّ.
والسؤال: كيف يستطيع النبي -صلى الله عليه وسلّم- حماية نفسه من أناس يناصبونه العداء لولا أنه موحى إليه وأن الله عزّ وجلّ قد تكفل بحمايته؟ كما أن هذه الآية نزلت بعد غزوة أحد عندما أصاب المشركون النبي -صلى الله عليه وسلّم- وظنوا أنهم قتلوه، ولم يتعرض بعد نزول هذه الآية لأي محاولة اعتداء، فمضمون الآية وتوقيت نزولها دليل على نبوته كما أنها دليل على أن القرآن الكريم من عند الله عزّ وجلّ.
آية من القرآن تقول لإنسان وهو معرض في كل يوم لخطر القتل: "لن تُقتل" لا يمكن أن يجزم بها رجل ويعمل على أساسها، ما لم يكن هذا القرآن وحيًا من الله الذي يعلم الغيب وبيده الموت والحياة. فكيف يتخذ مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- حرسًا لنفسه، ثم يأتي ويصرفهم فجأة ويقول لهم: ( انصرفوا فقد عصمني الله )! وكيف يخاطب أحد نفسه ويقول لها: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }؟! وتتحقّق هذه العصمة منذ نزول هذه الآية حتى يومنا هذا!! تفكّروا في هذا يا أولي الألباب!!
وكما عصم الله عزّ وجلّ رسوله فقد عصم كتابه ودينه كذلك فتأمّلوا هذه الآية من سورة الصف..
{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)}
فهذه الآية الكريمة تدل على أن الله سبحانه وتعالى تعهد بحفظ نوره وهو القرآن الكريم، ولا يمكن لأحد أن ينال منه مهما أوتي من قوة وجبروت وتكبر. وقد صدَّق التاريخ قديمًا وحديثاً ذلك، فلم تستطع قوة من قوى الأرض النيل من هذا النور، بل إن اختبار الواقع واستشراف المستقبل يدل على أن المستقبل لهذا القرآن، وهو ما أخبرت به الآية الكريمة بكل وضوح.
وفي هذه الآية من سورة الحجر يتعهّد الله عزّ وجلّ بحفظ القرآن..
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر]
والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي تكفّل الله عزّ وجلّ بحفظه وصونه من أي تحريف أو تغيير أو تبديل، وبذلك لم يلق كتاب في التاريخ كلّه، منذ أن أنزل الله عزّ وجلّ آدم –عليه السلام- إلى الأرض حتى يومنا هذا، ما لقيه القرآن من عناية واهتمام، ولا غرو في ذلك، فهو خاتم الكتب السماوية ورسالة الله الخالدة إلى الناس أجمعين. وظل القرآن منذ نزوله حتى يومنا هذا أمرًا اتفاقيًّا نهائيًّا بين كل مذاهب الإسلام، ولم يستطع أحد أن يغيّر فيه حرفًا واحدًا، على الرغم من تسلط الأعداء على تراث المسلمين إحراقًا وإتلافًا وسلبًا ونهبًا، ما يكفي القليل منها لضياع هذا القرآن، إلا أن يد العناية الإلهية ظلت تحرسه. والقرآن الذي بين أيدي المسلمين اليوم هو قرآن واحد فقط، لا يختلف باختلاف الطوائف الإسلامية المختلفة والمتعدّدة، وهو قرآن يحتوي على النص نفسه المنسوخ من المخطوطة الأصلية، التي كُتبت بإملاء النبي -صلى الله عليه وسلّم-، ويتوارثه الحُفَّاظ عبر الأجيال من خلال أسانيد صحيحة موثوق بها ومتَّصلة.
الآن وبعد أن رأينا نماذج لآيات المستقبل في القرآن..
نتوقّف لنرى جانبًا من عجائب نظم هذه الآيات..
تأمّلوا الآية الأخيرة..
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر]
الآية رقمها 9 وجاءت في سورة الحجر التي عدد آياتها 99 آية!
هذه الآية عدد كلماتها 7 كلمات، وعدد حروفها 29 حرفًا!
الآن يمكنكم صف العددين 7 و29 بأي طريقة تريدونها!
إما 729، وهذا العدد = 9 × 9 × 9
وإما 297، وهذا العدد = 99 × 3
حاصل جمع العددين 729 + 297 يساوي 114 × 9
114 هو عدد سور القرآن و9 هو رقم الآية نفسها!
سورة الحجر التي وردت فيها هذه الآية ترتيبها رقم 15، وعدد آياتها 99 آية..
وحاصل جمع العددين 114، وهذا هو عدد سور القرآن!
تأمّلوا الآيات التسع الأولى من سورة الحجر..
{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}
تختتم الآية التاسعة نفسها بكلمة { لَحَافِظُون }..
تكرّرت أحرف لفظ { لَحَافِظُون } في الآيات التسع 162 مرّة!
والعدد 162 يساوي 9 × 9 + 9 × 9
تأمّلوا الآية التاسعة من جديد..
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر]
الكلمة التي تتوسط هذه الآية { الذِّكْرَ } هي الكلمة رقم 65 من بداية السورة!
ومجموع الترتيب الهجائي لأحرف كلمة { الذِّكْرَ } يساوي 65
سورة الحجر ترتيبها رقم 15 والآية رقم 15 من السورة هي:
{ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}
أحرف كلمة { الذِّكْرَ } تكرّرت في كل آية من الآيتين 14 مرّة!
مجموع حروف الآيتين 65 حرفًا!!
تأمّلوا كيف تختتم الآية التاسعة من سورة الحجر { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }..
وباستثناء هذه الآية هناك آيتان فقط في القرآن تتفقان على هذه الخاتمة نفسها وهما في سورة يوسف..
{ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}
{ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)}
الآية الأولى جاءت في حق يوسف والثانية جاءت في حق أخيه..
تكرّرت أحرف لفظ { لَحَافِظُونَ } في الآيتين 65 مرّة!
تبدأ الآية الأولى بكلمتي { أَرْسِلْهُ مَعَنَا }
المعنى نفسه في الآية الثانية (فَأَرْسِلْ مَعَنَا)..
تكرّرت أحرف كل من الألفاظ { أَرْسِلْهُ }،{ فَأََرْسِلْ }،{ مَعَنَا } ، { فَلَمَّا } في الآيتين 49 مرّة!
وفي جميع الأحوال فإن حاصل جمع 49 + 65 يساوي 114
114 هو عدد سور القرآن الكريم!
انتقلوا الآن إلى الآية رقم 65 من سورة يوسف نفسها..
{ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)}
تأمّلوا ماذا يقول إخوة يوسف هنا { وَنَحْفَظُ أَخَانَا }!!
المعنى نفسه أليس كذلك؟
عدد حروف هذه الآية 114 حرفًا! 114 هو عدد سور القرآن الكريم
بل هي الآية الوحيدة التي عدد حروفها 114 حرفًا في سورة يوسف!
تأمّلوا من جديد آية سورة يوسف ..
{ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}
عدد حروف هذه الآية 34 حرفًا..
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)} [المؤمنون]
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)} [المعارج]
الآيتان متطابقتان تمامًا ومجموع رقميهما = 34
تأمّلوا موضوع الآيتين.. تعلمون عفّة يوسف وقصته مع امرأة العزيز!!
الآية الأولى ترتيبها من بداية المصحف رقم 2678
والآية الثانية ترتيبها من بداية المصحف رقم 5404
إذا بدأنا من الآية الأولى فإن الآية الثانية ترتيبها رقم 2727
تأمّلوا هذا العدد وتذكّروا أن 27 هو تكرار اسم { يُوُسُفْ } في القرآن!
تأمّلوا هذه الآيات الثلاث..
{ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)} [الحجر]
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)} [فصلت]
{ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)} [القمر]
كلمة { ذِكْر } في الآية الأولى هي التكرار رقم 44 لكلمة { ذِكْر } من نهاية المصحف.
كلمة { ذِكْر } في الآية الثانية هي التكرار رقم 17 لكلمة { ذِكْر } من نهاية المصحف.
كلمة { ذِكْر } في الآية الثالثة هي التكرار رقم 11 لكلمة { ذِكْر } من نهاية المصحف.
مجموع هذه الأعداد الثلاث = 72 ومجموع أرقام هذه الآيات الثلاث = 72
العدد 72 = 9 × 8
عدد كلمات كل آية من الآيات الثلاث 9 كلمات.
تكرّرت أحرف كلمة (الذكر) في الآيات الثلاث 54 مرّة.
54 هو مجموع النقاط على حروف هذه الآيات الثلاث نفسها!
54 هو عدد آيات سورة فصّلت حيث وردت الآية الثانية!
54 هو ترتيب سورة القمر في المصحف حيث وردت الآية الثالثة!
العدد 54 = 9 × 6
إن تحديد مواقع آيات القرآن تمّ بطريقة تتجاوز قدرات العقل البشري!
إن المنطق الرياضي الذي يحكم مواقع آيات القرآن يخفي خلفه سرًّا عظيمًا!
فتأمّلوا هاتين الآيتين المتطابقتين تماما وتتحدثان عن القرآن الكريم..
{ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)} [ص]
{ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)} [التكوير]
مجموع رقمي الآيتين يساوي 114 وهو عدد سور القرآن!
كل آية عدد كلماتها 5 كلمات! وكل آية عدد النقاط على حروفها 5 نقاط!
كل آية عدد الكسرات تحت حروفها 5 كسرات!
ورد لفظ { الذِكْر } في سورة الحجر مرّتين اثنتين وفي هاتين الآيتين..
{ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)}
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}
مجموع كل من الحروف المكسورة والحروف المضمومة والحروف المشدّدة في هاتين الآيتين يساوي 9 أحرف!
تأمّلوا كيف توافقت حركات حروف الآيتين على الرقم 9
الآية الأولى عدد كلماتها 9 كلمات، والآية الثانية رقمها 9
لفظ { ذِّكْر } في الآية الأولى هو التكرار رقم 9 من بداية المصحف!
وسورة الحجر هي السورة الوحيدة التي عدد آياتها 99 آية!
والقرآن لم يتم تشكيل حروفه إلا بعد عقود من انقضاء الوحي!
مجموع حروف الآيتين 66 حرفًا، ويساوي 33 + 33
مجموع رقمَي الآيتين يساوي 15 وهو ترتيب سورة الحجر في المصحف!
أحرف لفظ { الذِّكْر } تكرّرت في الآيتين 33 مرّة!
تأمّلوا الآية رقم 33 من سورة مريم..
{ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}
المتحدث فيها هو المسيح عليه السلام و 33 هو عمره عندما رفعه الله إليه!
عدد كلمات هذه الآية 9 كلمات وعدد حروفها 36 حرفًا ويساوي 9 × 4
هذه الآية عدد أحرفها المنقوطة 9 أحرف.
هذه الآية عدد حروفها غير المنقوطة 18 حرفًا، ويساوي 9 × 2
هذه الآية عدد النقاط على حروفها 18 نقطة، ويساوي 9 × 2
العجيب أن أحرف لفظ { الذِّكْرُ } تكرّرت في الآية 9 مرّات!
9 هو عدد آيات القرآن التي ورد فيها لقب { الْمَسِيح }!
تأمّلوا هذا الترابط المذهل بين عصب النسيج الرقمي القرآني!
تأمّلوا هذه الدقّة المطلقة في نظم حروف كتاب الله وألفاظه!
سبحانك ربّي جلّت قدرتك ما أعظم كتابك وما أعجب نظمه!!
وعلى الرغم من ذلك فهناك من يتوهَّم أن ذلك كلّه يمكن أن يأتي عشوائيًّا!
أو يظن أن مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- هو من نظم هذا الكتاب بهذه الطريقة!
ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- يعلن ويؤكد هو بنفسه أنه ليس صاحب الكتاب..
فإذا كان هذا القرآن بهذه العظمة في نظمه ورسمه.. وإذا كان هذا القرآن بهذا الكمال في فحواه ومحتواه.. فلماذا إذًا ينفيه مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- عن نفسه لو كان من تأليفه، كما يدَّعي خصوم القرآن حتى في عصرنا هذا؟! إن العظماء ينسبون إنتاجهم الفكري العظيم لأنفسهم لا لغيرهم، فكيف بك بسيِّد العظماء، وهو ينفي هذا القرآن عن نفسه:
{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)} [يونس]
إن نسبة هذا القرآن إلى غير الله سبحانه وتعالى لا يقبلها العقل السليم ولا المنطق القويم، وكيف بك إذا علمت أن هذا الكتاب المُعجز حرفًا ورقمًا.. كلمة وعددًا، لم يكن مرقّمًا ولا منقَّطًا ولا مشكَّلًا في عهد مُحمَّد صلى الله عليه وسلّم
وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يصحّ ما يزعمه خصوم القرآن بالتأليف والافتراء؟!
------------------------------
أهم المصادر:
أوّلًا: القرآن الكريم؛ مصحف المدينة المنوّرة برواية حفص عن عاصم.
ثانيًا: المصادر الأخرى:
• ابن كثير، أبي الفداء إسماعيل بن عمر (2012)، تفسير القرآن العظيم؛ بيروت: دار الكتب العلمية.
• الألوسي، شهاب الدين (1994)؛ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني؛ بيروت: دار إحياء التراث العربي.
• الزمخشري، جاد اللَّه محمود بن عمر (1983)؛ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل؛ بيروت: دار الفكر.
• الصعيدي، عادل (22 يناير 2013)؛ بحث بعنوان: "أدنى الأرض"، أُسترجع في تاريخ 22 ديسمبر، 2015 من موقع جامعة الإيمان (http://www.jameataleman.org).
• المنّاوي، أحمد مُحمَّد زين (2015)؛ قطوف الإيمان من عجائب إحصاء القرآن؛ طريق القرآن للنشر.
• النجار، زغلول راغب مُحمَّد (2010)؛ مختارات من تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، الجزء الثاني، الطبعة الأولى؛ القاهرة: مكتبة الشروق الدولية.
بتصرف وتلخيص عن موقع طريق القرآن
وإذا حدثك كتاب عن أحداث سوف تقع في المستقبل، ولكن معطيات الحاضر تدل عكس ما توقعه ذلك الكتاب تمامًا، ثم كشف لك الزمن عن صدق ما حدثك عنه ذلك الكتاب، ألا تتيقّن بأن صاحب ذلك الكتاب يعلم الغيب وينكشف أمامه المستقبل كالحاضر سواء بسواء؟ لا يكون ذلك لأحد إلا لله سبحانه وتعالى، ولا يكون ذلك لكتاب إلا القرآن الكريم! ولتقفوا على حقيقة هذا الأمر، تأمّلوا مطلع سورة الروم..
{ الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)}
وقد نزلت هذه الآيات عندما هُزمت الرومُ في حربها ضد الفرس وكان ذلك في أوائل عصر النبوّة، وفي الآيات دلائل إعجاز غيبية باهرة، حيث أخبر القرآن الكريم بأمور تقع في المستقبل، فجاءت كما أخبر، لم تتخلف أو تتغير، وهذا ما لا سبيل للبشر إليه بحال.
في هذه الآيات يتحدّث القرآن عن أمر غيبي مستقبلي لم يستطع أحد في ذلك الزمان أن يمنع حدوثه أو يكذّبه أحد، بل لم يكن أحد يتوقع حدوثه؛ فقد خسرت الروم في هذه المعركة خسائر فادحة جعلت مُعاصريهم يتوقعون دمارًا كاملًا لإمبراطوريتهم، بيد أن ما حدث لاحقًا لم يكن متوقعًا؛ إذ إنه وفي أقل من عشر سنوات وقعت معارك حاسمة بين الفرس والروم، وانقلبت موازين القوى بشكل مفاجئ لمصلحة الروم وغلبوا الفرسَ واستردوا أراضيهم التي استولى عليها الفرس، كما أخبر القرآن الكريم بذلك من قبل، وكان ذلك سببًا في إسلام كثير من غير المسلمين الذين عاصروا تلك الأحداث وكانوا يترقبون تحقق هذه النبوءة القرآنية التي تعد من الآيات والأدلة الواضحة على صدق مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم- وأنه رسول الله حقًّا.
ولم يقف إعجاز القرآن الكريم عند الإخبار بانتصار مستقبلي للروم لم يكن متوقعًا بأي حال من الأحوال، بل أصبح التحدي أكثرَ صعوبةً عندما حددت الآيات زمن حدوث هذا الانتصار، حيث قال عالم الغيب سبحانه وتعالى: { فِي بِضْعِ سِنِينَ }، والبضع في اللّغة العدد من الثلاثة إلى التسعة، فجاءت الغَلَبة للروم بعد سبع سنوات من الهزيمة، وحقق اللَّه عزّ وجلّ وعده فانتصر الروم على فارس في الأجل الذي سماه.
إلا أن هذه الآيات تحمل بشارتين وليس بشارة واحدة، الأولى أن الروم سينتصرون على الفرس في مدة تتراوح بين ثلاث وتسع سنين { بِضْعِ سِنِينَ }، برغم أن الواقع كان يشير إلى عكس ذلك تمامًا، لأن الروم كانوا على درجة من الضعف فغزاهم الفرس وهزموهم في عقر دارهم، فازداد الفرس بذلك النصر قوة على قوتهم، ما يستبعد معه أن ينتصر الروم على الفرس في هذه المدة الوجيزة التي حددها القرآن. أما البشارة الثانية فهي أن المسلمين سيفرحون بنصر عزيز في هذا الوقت الذي ينتصر فيه الروم على الفرس { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ }، برغم أن المسلمين كانوا عند نزول هذه الآيات في مكة وفي قلة عدد وعدة، ولم يكن يشرع لهم الجهاد في ذلك الوقت، ما يستبعد معه أن يكون للمسلمين أي غلبة أو نصر قريب. وبرغم ذلك كلّه، فقد تحققت البشارتان معًا وفي وقت واحد، حيث تحقق للروم الغلبة على الفرس بإجماع المؤرخين في أقل من تسع سنين، وتزامن مع انتصار الروم انتصار المسلمين على المشركين في غزوة بدر الكبرى، وهو أوّل وأهم نصر في تاريخ الإسلام، حيث فرح المسلمون بذلك النصر العزيز الذي لم يكن يتوقعه أحد من معاصري ذلك الزمان، فكان ذلك آيةً بيّنةً على صدق مُحمَّد -صلى اللَّه عليه وسلّم- في دعواه وصحة ما جاء به.
لقد اشتمل القرآن الكريم على العديد من الحوادث والوقائع والحقائق المستقبلية التي كانت غيبية عند نزوله، ثم وقعت وتحقّقت تمامًا كما أخبر عنها القرآن بعد فترة طويلة. والعلم بتلك النبوءات لا يمكن لأحد من البشر أن يدركه بالقياس، ولا بوسائل المعرفة التجريدية والتجريبية، وبذلك فإن تحقق وقوعها بالطريقة والصفة التي وصفها بها القرآن دليل حاسم على أن مصدر هذا القرآن هو عالم الغيب سبحانه وتعالى.
ومن خلال هذا المشهد سوف نقف على نماذج متنوعة من غيبيات القرآن..
ومن نبوءات القرآن الواضحة ما تشهد به هذه الآية من سورة الأنفال:
{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)}
في العام الثاني للهجرة خرج المسلمون لاعتراض عير قريش المتوجهة من الشام إلى مكة، فاستنفر المشركون في مكة وخرجوا لحماية قافلتهم، بينما تمكنت القافلة من الفرار، الأمر الذي وضع المسلمين في مواجهة مباشرة مع المشركين، حيث كانت غزوة بدر الكبرى. كان عدد المسلمين ثلاثمئة وبضعة عشر رجلًا، معهم فَرَسان فقط وسبعون جملًا، بينما كان تعداد جيش المشركين ألف رجل معهم مئتا فرس، أي كانوا يشكِّلون أكثر من ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد. وبين يدي هذه المواجهة غير المتكافئة بكل المقاييس نزلت هذه الآية تبشّر المسلمين بالنصر! أي إن هذه الآية نزلت قبل التقاء الفريقين! وتحقّق النصر المؤزر الذي وعد الله عزّ وجلّ به المسلمين في تلك الحرب غير المتكافئة، وانتهت المعركة بهزيمة قريش وقتل سادتها وقادتها، وهو أوّل وأهم نصر في تاريخ الإسلام. وهذا الانتصار المفاجئ وغير المتوقّع كان من الأمور المستقبلية التي أخبر عنها القرآن.
ومن نبوءات القرآن العجيبة سورة المسد..
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
نزلت هذه السورة في مكة في عم النبي –صلى الله عليه وسلّم- أبي لهب وزوجته أم جميل، وقبل وفاتهما بأكثر من عشر سنوات، تتوعدهما بالعذاب يوم القيامة، وتؤكد أنهما سوف يموتان على الكفر ولن يدخلا في الإسلام، وهو أمر غيبي، وكان بإمكان أحدهما أن يعلن إسلامه -ولو في الظاهر- ليكذِّب هذا الخبر لكنه لم يفعل، ولم يتظاهر حتى بالإسلام! ولكم أن تتخيَّلوا حال أبي لهب، أو زوجته أم جميل، لو وقف أحدهما أمام الناس وقال لهم: إن القرآن يقول إنني سوف أموت على الكفر ولكني أعلن الآن أني أريد أن أدخل في الإسلام، فما الذي كان يمكن أن يحدث حينئذٍ؟! أليست هذه فرصة ذهبية ليثبت تناقض القرآن؟ وبكلمة واحدة؟! عشر سنوات كانت لديه الفرصة أن يهدم الإسلام في دقيقة واحدة! ولكن الذي أنزل القرآن يعلم أن جميع من نزل فيهم قرآن لن يخطر ببالهم (مع شدَّة دهائهم) أن يدخل أحدهم الإسلام ولو نفاقًا. فكيف لمُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- أن يضع مثل هذا التحدي الخطير ويؤكد أن أبا لهب وزوجته سوف يثبتان ما في السورة، إن لم يكن القرآن وحيًا من الله؟
كثيرون هم الأعداء الذين استهزؤوا برسول الله –صلى الله عليه وسلّم- وحاربوه وجاهروا له بالعداء، ودارت الأيام والسنون ودخل كثير من هؤلاء الإسلام، فلماذا لم ينزل قرآن يتوعّد أشخاصًا بعينهم منهم أبو لهب، وأميّة بن خلف، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث، والأخنس بن شريق، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وأبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم؟ فكل الذين نزل فيهم قرآن يؤكد أنهم سوف يموتون على الكفر ويتوعدهم بالعذاب عاشوا بعدها فترات طويلة من الزمن، وبرغم ذلك لم يفكِّر أحد منهم في الدخول إلى الإسلام، بل حتى لم يخطر ببال أحدهم أن يسلم حتى لو نفاقًا. وهذا وحده كافٍ لإثبات إعجاز القرآن وأنه من عند الله تبارك وتعالى، كما أنه دليل على نبوة مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-.
ومن نبوءات القرآن العجيبة هذه الآية من سورة الأحزاب..
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)}
الأنبياء في تاريخ البشرية عددهم 124 ألفًا، والرسل عددهم 313 رسولًا. والنبي من أوحى الله إليه، فإن أُمر بتبليغ ما يوحى إليه للناس فهو رسول، وإن لم يؤمر بتبليغ ما أوحي إليه فهو نبي فقط، ولذلك فإن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا، وبعض الأنبياء رسل وبعضهم غير رسل، لكن جميع الرسل أنبياء. ولذلك نستطيع أن نفهم لماذا وصف الله عزّ وجلّ نبيه ورسوله مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- بأنه: "خاتم النبيين"! وبما أنه خاتم النبيين فإنه بالأحرى خاتم المرسلين أيضًا، لأن كل رسول نبي، والرسول لا يكون رسولًا إلا إذا كان نبيًّا، وبما أن النبوّة خُتمت بمُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- فإن الرسالة خُتمت به أيضًا، فلا نبي ولا نبوّة بعده، ولا رسول ولا رسالة بعده.
انتبهوا جيِّدًا إلى هذه الحقائق المهمّة: منذ آدم -عليه السلام- حتى القرن السابع الميلادي تعاقب على البشرية 124 ألفًا إلا واحدًا من الأنبياء منهم 312 رسول، ثم جاء مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- وقال إنه خاتم الرسل والأنبياء ولا رسول ولا نبي بعده! الرسول الوحيد الذي قال عن نفسه إنه خاتم الأنبياء والمرسلين هو مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-! والآن مضى على نزول هذه الآية أكثر من 1400 عام ولم يظهر أي رسول ولا نبي! وهذه الفترة هي أطول فترة انقطاع للوحي في تاريخ البشرية! ألا يدل ذلك دلالة قاطعة على أن مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- هو بالفعل خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن منزل القرآن هو العليم بما سوف تأتي به الأيام، وليس هذا الأمر لأحد إلا لله وحده علّام الغيوب.
ولكن لماذا بدأت الآية بهذه الكلمات: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ }؟ وما علاقة ذلك بحقيقة أن مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين؟! ولماذا لم يكن هذا النص على هذا النحو: "ما كان مُحمَّد أبا أحد منكم"، شاملًا الرجال والنساء؟! ببساطة لأن كل نبي اصطفاه اللَّه عزّ وجلّ أتى من سلالة الأنبياء، وكلما احتاجت البشرية إلى رسول أرسل اللَّه لها رسولًا من سلالة رسول أو نبي سابق.. هم ذرية بعضها من بعض. ومن هنا نفهم كيف أن سلالة الأنبياء في بني إسرائيل انقطعت وانتهت إلى الأبد عند يحيى وعيسى -عليهما السلام- وذلك لأن كلًّا منهما لم يكن له ذريّة، وامتدت سلالة إبراهيم في ولده إسماعيل –عليهما السلام- حتى كان خاتم الأنبياء والمرسلين مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-، الذي لم يعش له ولد ذكر أيضًا، وبذلك لم يكن له سلالة من الذكور، فانتهى عنده نسل الأنبياء إلى الأبد، ومن هنا نفهم لماذا هو خاتم الأنبياء والمرسلين! ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا لم يعش له ولد ذكر؟ ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا لا يمكن أن يكون مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- أبا أحد من الرجال.
ومن نبوءات القرآن فتح مكّة معقل الشرك والمشركين..
{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)} [القصص]
نزلت هذه الآية على النبي -صلى الله عليه وسلّم- في منطقة الجحفة وهو في طريق هجرته من مكّة إلى المدينة، وفي الآية بشارة له بأن الله سوف يردّه إلى مكة ظافرًا مظفّرًا، وبصورة قطعيّة ودون أي قيد وشرط. وبعد ثماني سنوات من نزول هذه الآية تحقّق الوعد الإلهي وردّ الله مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- إلى موطنه مكّة منصورًا مظفرًا. فهذه الآية من الإخبار الإعجازي الغيبي، حيث نزلت لتبشر بأمر عظيم يستبعد حدوثه، حيث كان المسلمون قليلين، في غير منعة من الناس.
وفي المدينة كان النبي -صلى الله عليه وسلّم- يقول لأصحابه: ستأتون البيت وتطوفون به آمنين محلِّقي رؤوسكم ومقصرين لا تَخافون، بناءً على رؤيا حقٍّ أراه الله إيَّاها، ورؤيا الأنبياء كلها حق..
{ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)} [الفتح]
وظن المسلمون حين خرجوا في السنة السادسة للهجرة لأداء العمرة سائقين معهم الهدي، أنَّ ذلك هو وقت تَحقيق الوعد، إلا أنهم تحللوا يومئذ في الحديبية، ورجعوا دون أن يعتمروا، وجرى بين الرسول -صلى الله عليه وسلّم- وقريش صُلح الحديبية، الذي جاء على غير ما يسُرُّ أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلّم-، لكن التوجيه الرباني كان بإجراء الصلح، وكان ذلك الصلح مقدمة الفتح المبين. وفي طريق عودتهم من الحديبية إلى المدينة أنزل الله على رسوله سورة "الفتح" التي تفتتح بقوله تعالى:
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)}
مشيرًا بذلك إلى أن هذا الصلح نفسه هو مقدمة فتح مبين سيأتي..
{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)} [الفتح]
فأعطى الله المسلمين بهذا النص وعدًا جازمًا وفتحًا قريبًا سيتحقق حتمًا، وساقه بأسلوب الفعل الماضي الذي تحقق وانتهى، إشارة إلى أنه قضاء مقضي لا محالة. وقد حقَّق الله وعده، فدخلوا المسجد الحرام للعمرة بعد صلح الحديبية بسنة واحدة، ولبثوا فيه ثلاثة أيام حتى أتموا عمرتهم، وقضوا مناسكهم، ورجعوا إلى المدينة سالمين مطمئنين، وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة، وبعد سنة أخرى، أي في العام الثامن من الهجرة، دخل النبي –صلى الله عليه وسلّم- ومعه عشرة آلاف من أصحابه مكة فاتحين. وكانت هذه من معجزات القرآن الخبرية، التي تحدثت عن المستقبل، ثم جاء المستقبل على وفقها تمامًا.
بل تأمّلوا ماذا يقول الله عزّ وجلّ لنبيّه مُحمَّد صلى الله عليه وسلّم في هذه الآية..
{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة]
من الأمور الثابتة والمتفق عليها أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- كان عندما يعرض نفسه على القبائل في أوّل بعثته، يقول لهم: ( مَن يُؤويني وينصُرُني حتّى أُبلِّغَ رسالاتِ ربِّي وله الجنَّةُ ). وعند عودته من الطائف كانت الأخبار قد سبقته إلى مكة من أنه قد أعلن الخروج على مكة وذهب يستنصر القبائل عليها ويوقع بينها وبين حلفائها، لذلك لم يكن دخوله إلى مكة أمرًا هينًا ولا آمنًا، وهناك احتمال كبير للغدر به ولاغتياله من قبل قريش، ما اضطره إلى الدخول في جوار أحد سادات قريش، المطعم بن عدي، الذي دعا بنيه وقومه فقال: البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت مُحمَّدًا، فوقف المطعم بن عدي وولده حاملين أسلحتهم يحرسون رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- حتى دخل المسجد الحرام فصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته.
وعندما هاجر إلى المدينة بادر بعض أصحابه بالتطوع لحراسته من شرور أعدائه المتربصين به، ومن أشهر هؤلاء الحرّاس: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وسعد بن عبادة، وابنه قيس بن سعد بن عبادة، وبلال بن رباح، عليهم جميعًا رضوان الله. والذي يزور المسجد النبوي اليوم يلاحظ أن أحد أسطوانات المسجد مكتوب عليها "أسطوانة الحرس"، وقد سميت هذه الأسطوانة بهذا الاسم لأن الحرس كانوا يجلسون عندها يحرسون النبي -صلى الله عليه وسلّم-. وعندما نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلّم- الآية السابقة وفيها { ... وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ... }، قال للحرس: ( انصرفوا فقد عصمني الله )، ومنذ تلك اللحظة لم يتخذ أي حرس حتى مات وهو على فراشه. وبرغم عشرات الحيل والمكائد والدسائس التي حاكها أعداؤه من المشركين واليهود لقتله، وبرغم أنه قاد بنفسه 28 غزوة ضد أعدائه، وكان في مقدّمة جيشه، فلم يستطع أحد منهم أن ينال منه حتى مات على فراشه بعد أن أبلغ رسالة ربه تعالى على أكمل وجه.
وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الذي أنزل هذا القرآن هو من عصم النبي -صلى الله عليه وسلّم- من شر أعدائه إبان حياته وبعد مماته؛ ففي أثناء حياته تكاتفت جهود المشركين واليهود للنيل منه وقتله، بيد أن الله حفظه وعصمه من القتل في مواطن كثيرة، كان خطر الموت فيها أقرب إليه من شراك نعله. وبعد مماته كانت هناك محاولات للتعدي على قبره وسرقة جسده الشريف فأحبطها الله عزّ وجلّ.
والسؤال: كيف يستطيع النبي -صلى الله عليه وسلّم- حماية نفسه من أناس يناصبونه العداء لولا أنه موحى إليه وأن الله عزّ وجلّ قد تكفل بحمايته؟ كما أن هذه الآية نزلت بعد غزوة أحد عندما أصاب المشركون النبي -صلى الله عليه وسلّم- وظنوا أنهم قتلوه، ولم يتعرض بعد نزول هذه الآية لأي محاولة اعتداء، فمضمون الآية وتوقيت نزولها دليل على نبوته كما أنها دليل على أن القرآن الكريم من عند الله عزّ وجلّ.
آية من القرآن تقول لإنسان وهو معرض في كل يوم لخطر القتل: "لن تُقتل" لا يمكن أن يجزم بها رجل ويعمل على أساسها، ما لم يكن هذا القرآن وحيًا من الله الذي يعلم الغيب وبيده الموت والحياة. فكيف يتخذ مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- حرسًا لنفسه، ثم يأتي ويصرفهم فجأة ويقول لهم: ( انصرفوا فقد عصمني الله )! وكيف يخاطب أحد نفسه ويقول لها: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }؟! وتتحقّق هذه العصمة منذ نزول هذه الآية حتى يومنا هذا!! تفكّروا في هذا يا أولي الألباب!!
وكما عصم الله عزّ وجلّ رسوله فقد عصم كتابه ودينه كذلك فتأمّلوا هذه الآية من سورة الصف..
{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)}
فهذه الآية الكريمة تدل على أن الله سبحانه وتعالى تعهد بحفظ نوره وهو القرآن الكريم، ولا يمكن لأحد أن ينال منه مهما أوتي من قوة وجبروت وتكبر. وقد صدَّق التاريخ قديمًا وحديثاً ذلك، فلم تستطع قوة من قوى الأرض النيل من هذا النور، بل إن اختبار الواقع واستشراف المستقبل يدل على أن المستقبل لهذا القرآن، وهو ما أخبرت به الآية الكريمة بكل وضوح.
وفي هذه الآية من سورة الحجر يتعهّد الله عزّ وجلّ بحفظ القرآن..
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر]
والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي تكفّل الله عزّ وجلّ بحفظه وصونه من أي تحريف أو تغيير أو تبديل، وبذلك لم يلق كتاب في التاريخ كلّه، منذ أن أنزل الله عزّ وجلّ آدم –عليه السلام- إلى الأرض حتى يومنا هذا، ما لقيه القرآن من عناية واهتمام، ولا غرو في ذلك، فهو خاتم الكتب السماوية ورسالة الله الخالدة إلى الناس أجمعين. وظل القرآن منذ نزوله حتى يومنا هذا أمرًا اتفاقيًّا نهائيًّا بين كل مذاهب الإسلام، ولم يستطع أحد أن يغيّر فيه حرفًا واحدًا، على الرغم من تسلط الأعداء على تراث المسلمين إحراقًا وإتلافًا وسلبًا ونهبًا، ما يكفي القليل منها لضياع هذا القرآن، إلا أن يد العناية الإلهية ظلت تحرسه. والقرآن الذي بين أيدي المسلمين اليوم هو قرآن واحد فقط، لا يختلف باختلاف الطوائف الإسلامية المختلفة والمتعدّدة، وهو قرآن يحتوي على النص نفسه المنسوخ من المخطوطة الأصلية، التي كُتبت بإملاء النبي -صلى الله عليه وسلّم-، ويتوارثه الحُفَّاظ عبر الأجيال من خلال أسانيد صحيحة موثوق بها ومتَّصلة.
الآن وبعد أن رأينا نماذج لآيات المستقبل في القرآن..
نتوقّف لنرى جانبًا من عجائب نظم هذه الآيات..
تأمّلوا الآية الأخيرة..
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر]
الآية رقمها 9 وجاءت في سورة الحجر التي عدد آياتها 99 آية!
هذه الآية عدد كلماتها 7 كلمات، وعدد حروفها 29 حرفًا!
الآن يمكنكم صف العددين 7 و29 بأي طريقة تريدونها!
إما 729، وهذا العدد = 9 × 9 × 9
وإما 297، وهذا العدد = 99 × 3
حاصل جمع العددين 729 + 297 يساوي 114 × 9
114 هو عدد سور القرآن و9 هو رقم الآية نفسها!
سورة الحجر التي وردت فيها هذه الآية ترتيبها رقم 15، وعدد آياتها 99 آية..
وحاصل جمع العددين 114، وهذا هو عدد سور القرآن!
تأمّلوا الآيات التسع الأولى من سورة الحجر..
{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}
تختتم الآية التاسعة نفسها بكلمة { لَحَافِظُون }..
تكرّرت أحرف لفظ { لَحَافِظُون } في الآيات التسع 162 مرّة!
والعدد 162 يساوي 9 × 9 + 9 × 9
تأمّلوا الآية التاسعة من جديد..
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر]
الكلمة التي تتوسط هذه الآية { الذِّكْرَ } هي الكلمة رقم 65 من بداية السورة!
ومجموع الترتيب الهجائي لأحرف كلمة { الذِّكْرَ } يساوي 65
سورة الحجر ترتيبها رقم 15 والآية رقم 15 من السورة هي:
{ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}
أحرف كلمة { الذِّكْرَ } تكرّرت في كل آية من الآيتين 14 مرّة!
مجموع حروف الآيتين 65 حرفًا!!
تأمّلوا كيف تختتم الآية التاسعة من سورة الحجر { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }..
وباستثناء هذه الآية هناك آيتان فقط في القرآن تتفقان على هذه الخاتمة نفسها وهما في سورة يوسف..
{ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}
{ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)}
الآية الأولى جاءت في حق يوسف والثانية جاءت في حق أخيه..
تكرّرت أحرف لفظ { لَحَافِظُونَ } في الآيتين 65 مرّة!
تبدأ الآية الأولى بكلمتي { أَرْسِلْهُ مَعَنَا }
المعنى نفسه في الآية الثانية (فَأَرْسِلْ مَعَنَا)..
تكرّرت أحرف كل من الألفاظ { أَرْسِلْهُ }،{ فَأََرْسِلْ }،{ مَعَنَا } ، { فَلَمَّا } في الآيتين 49 مرّة!
وفي جميع الأحوال فإن حاصل جمع 49 + 65 يساوي 114
114 هو عدد سور القرآن الكريم!
انتقلوا الآن إلى الآية رقم 65 من سورة يوسف نفسها..
{ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)}
تأمّلوا ماذا يقول إخوة يوسف هنا { وَنَحْفَظُ أَخَانَا }!!
المعنى نفسه أليس كذلك؟
عدد حروف هذه الآية 114 حرفًا! 114 هو عدد سور القرآن الكريم
بل هي الآية الوحيدة التي عدد حروفها 114 حرفًا في سورة يوسف!
تأمّلوا من جديد آية سورة يوسف ..
{ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}
عدد حروف هذه الآية 34 حرفًا..
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)} [المؤمنون]
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)} [المعارج]
الآيتان متطابقتان تمامًا ومجموع رقميهما = 34
تأمّلوا موضوع الآيتين.. تعلمون عفّة يوسف وقصته مع امرأة العزيز!!
الآية الأولى ترتيبها من بداية المصحف رقم 2678
والآية الثانية ترتيبها من بداية المصحف رقم 5404
إذا بدأنا من الآية الأولى فإن الآية الثانية ترتيبها رقم 2727
تأمّلوا هذا العدد وتذكّروا أن 27 هو تكرار اسم { يُوُسُفْ } في القرآن!
تأمّلوا هذه الآيات الثلاث..
{ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)} [الحجر]
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)} [فصلت]
{ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)} [القمر]
كلمة { ذِكْر } في الآية الأولى هي التكرار رقم 44 لكلمة { ذِكْر } من نهاية المصحف.
كلمة { ذِكْر } في الآية الثانية هي التكرار رقم 17 لكلمة { ذِكْر } من نهاية المصحف.
كلمة { ذِكْر } في الآية الثالثة هي التكرار رقم 11 لكلمة { ذِكْر } من نهاية المصحف.
مجموع هذه الأعداد الثلاث = 72 ومجموع أرقام هذه الآيات الثلاث = 72
العدد 72 = 9 × 8
عدد كلمات كل آية من الآيات الثلاث 9 كلمات.
تكرّرت أحرف كلمة (الذكر) في الآيات الثلاث 54 مرّة.
54 هو مجموع النقاط على حروف هذه الآيات الثلاث نفسها!
54 هو عدد آيات سورة فصّلت حيث وردت الآية الثانية!
54 هو ترتيب سورة القمر في المصحف حيث وردت الآية الثالثة!
العدد 54 = 9 × 6
إن تحديد مواقع آيات القرآن تمّ بطريقة تتجاوز قدرات العقل البشري!
إن المنطق الرياضي الذي يحكم مواقع آيات القرآن يخفي خلفه سرًّا عظيمًا!
فتأمّلوا هاتين الآيتين المتطابقتين تماما وتتحدثان عن القرآن الكريم..
{ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)} [ص]
{ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)} [التكوير]
مجموع رقمي الآيتين يساوي 114 وهو عدد سور القرآن!
كل آية عدد كلماتها 5 كلمات! وكل آية عدد النقاط على حروفها 5 نقاط!
كل آية عدد الكسرات تحت حروفها 5 كسرات!
ورد لفظ { الذِكْر } في سورة الحجر مرّتين اثنتين وفي هاتين الآيتين..
{ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)}
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}
مجموع كل من الحروف المكسورة والحروف المضمومة والحروف المشدّدة في هاتين الآيتين يساوي 9 أحرف!
تأمّلوا كيف توافقت حركات حروف الآيتين على الرقم 9
الآية الأولى عدد كلماتها 9 كلمات، والآية الثانية رقمها 9
لفظ { ذِّكْر } في الآية الأولى هو التكرار رقم 9 من بداية المصحف!
وسورة الحجر هي السورة الوحيدة التي عدد آياتها 99 آية!
والقرآن لم يتم تشكيل حروفه إلا بعد عقود من انقضاء الوحي!
مجموع حروف الآيتين 66 حرفًا، ويساوي 33 + 33
مجموع رقمَي الآيتين يساوي 15 وهو ترتيب سورة الحجر في المصحف!
أحرف لفظ { الذِّكْر } تكرّرت في الآيتين 33 مرّة!
تأمّلوا الآية رقم 33 من سورة مريم..
{ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}
المتحدث فيها هو المسيح عليه السلام و 33 هو عمره عندما رفعه الله إليه!
عدد كلمات هذه الآية 9 كلمات وعدد حروفها 36 حرفًا ويساوي 9 × 4
هذه الآية عدد أحرفها المنقوطة 9 أحرف.
هذه الآية عدد حروفها غير المنقوطة 18 حرفًا، ويساوي 9 × 2
هذه الآية عدد النقاط على حروفها 18 نقطة، ويساوي 9 × 2
العجيب أن أحرف لفظ { الذِّكْرُ } تكرّرت في الآية 9 مرّات!
9 هو عدد آيات القرآن التي ورد فيها لقب { الْمَسِيح }!
تأمّلوا هذا الترابط المذهل بين عصب النسيج الرقمي القرآني!
تأمّلوا هذه الدقّة المطلقة في نظم حروف كتاب الله وألفاظه!
سبحانك ربّي جلّت قدرتك ما أعظم كتابك وما أعجب نظمه!!
وعلى الرغم من ذلك فهناك من يتوهَّم أن ذلك كلّه يمكن أن يأتي عشوائيًّا!
أو يظن أن مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- هو من نظم هذا الكتاب بهذه الطريقة!
ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- يعلن ويؤكد هو بنفسه أنه ليس صاحب الكتاب..
فإذا كان هذا القرآن بهذه العظمة في نظمه ورسمه.. وإذا كان هذا القرآن بهذا الكمال في فحواه ومحتواه.. فلماذا إذًا ينفيه مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- عن نفسه لو كان من تأليفه، كما يدَّعي خصوم القرآن حتى في عصرنا هذا؟! إن العظماء ينسبون إنتاجهم الفكري العظيم لأنفسهم لا لغيرهم، فكيف بك بسيِّد العظماء، وهو ينفي هذا القرآن عن نفسه:
{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)} [يونس]
إن نسبة هذا القرآن إلى غير الله سبحانه وتعالى لا يقبلها العقل السليم ولا المنطق القويم، وكيف بك إذا علمت أن هذا الكتاب المُعجز حرفًا ورقمًا.. كلمة وعددًا، لم يكن مرقّمًا ولا منقَّطًا ولا مشكَّلًا في عهد مُحمَّد صلى الله عليه وسلّم
وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يصحّ ما يزعمه خصوم القرآن بالتأليف والافتراء؟!
------------------------------
أهم المصادر:
أوّلًا: القرآن الكريم؛ مصحف المدينة المنوّرة برواية حفص عن عاصم.
ثانيًا: المصادر الأخرى:
• ابن كثير، أبي الفداء إسماعيل بن عمر (2012)، تفسير القرآن العظيم؛ بيروت: دار الكتب العلمية.
• الألوسي، شهاب الدين (1994)؛ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني؛ بيروت: دار إحياء التراث العربي.
• الزمخشري، جاد اللَّه محمود بن عمر (1983)؛ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل؛ بيروت: دار الفكر.
• الصعيدي، عادل (22 يناير 2013)؛ بحث بعنوان: "أدنى الأرض"، أُسترجع في تاريخ 22 ديسمبر، 2015 من موقع جامعة الإيمان (http://www.jameataleman.org).
• المنّاوي، أحمد مُحمَّد زين (2015)؛ قطوف الإيمان من عجائب إحصاء القرآن؛ طريق القرآن للنشر.
• النجار، زغلول راغب مُحمَّد (2010)؛ مختارات من تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، الجزء الثاني، الطبعة الأولى؛ القاهرة: مكتبة الشروق الدولية.
بتصرف وتلخيص عن موقع طريق القرآن