الـشــذوذ والـضـــلال مجلبة للعقوبة الإلهية
الدكتور عبد الحميـد القضـاة
رغم زخم الأحداث التي تشغل العالم، فلا تكاد تخلو المجلات اليومية والدورية، من إشارة قريبة أو بعيدة لهذا المرض (الإيدز) أو غيره من الأمراض المنقولة جنسياً، فمن إحصائية عنها في بلد، إلى تفصيل عنها في آخر إلى نفي أو إثبات لوجودها، إلى التقليل أو التضخيم من خطورتها، إلى ضحية جديدة لها، إلى محاضرة أو ندوة أو مؤتمر عنها، ولعل أهم ما نشر عنها من منظمة الصحة العالمية مفاده أن مرض الإيدز هو واحد من الأمراض المنقولة جنسياً، إذ تبين لهم أن معظم المصابين به هم من الزناة والشاذين جنسياً، ومن مدمني المخدرات بالحقن الوريدية.
وبنظرة عاجلة إلى هذا، يتبين أن مصدر هذا البلاء هو الزنا و الشذوذ، إذ أن إدمان المخدرات هو شذوذ، يتبعه شذوذ من نوع آخر، وأن الدم الذي نقل هذا المرض إلى الذين أصيبوا به، وكذلك الدم الذي دخل في صناعة بعض العلاجات جاء أصلاً من شاذين كما أن السائل المنوي الملوث الذي يوضع في رحم الأنثى في التلقيح الصناعي جاء كذلك من شاذين.
وإذا كانت هذه صفات المصاب والناقل (الشذوذ)، فما هي مميزات العقوبة التي يصاب بها، وهل من سبيل إلى تجنبها؟ وما هي صفات المخلوقات التي تسببها؟ وأين أسلحة الطب والتقدم العلمي عنها؟ بل وأين الأديان ونظريات المصلحين الاجتماعيين والتربويين منها ؟ وأين وسائل الدفاع الطبيعية ضدها ؟ وما هو العلاج ؟!
قبل الإجابة على هذه التساؤلات نذكر ببدهيتين تُفضي كل منهما للأخرى، وينساهما كثير من الناس.
أولاهـمـا:
أن قضية الحياة والموت هي أهم قضية تشغل بال الإنسان في هذا الوجود، تشغله قبل لباسه وطعامه وشرابه، ومتعه وتناسله، وقبل أي شيء آخر، لأنها تتعلق بوجوده أو عدمه، فعندما يثوب إلى رشده، ويتصور العدم والفناء، تراه يستغل كل ما يملك وما لا يملك – إن استطاع – للتشبث بالحياة ولو للحظة، فيستكثر من الخير لنفسه، للمحافظة على جسمه سليماً، ليدوم طويلاً، أما إن بقي سادراً في غيه، هائماً وراء شهواته، فلا يخطر بباله عدم أو فناء، ولا تشغله سلامة جسم، لا بل يسخّر كل طاقاته وقواه، لإشباع غرائزه، فلا يفيق إلاّ على طرقات الموت تدق بابه، وقد تخلى عنه الجميع حتى أجهزة جسمه التي أتلفها وهو يلهث وراء شهواته.
وثانيهمـا:
أن عمر البشرية على ظهر هذه الأرض طويل، وطويل جداً إذ تعاقب عليها أقوام وأقوام، تعهدتهم العناية الربانية من وقت لآخر، بأنبياء ورسل تحمل لهم هدى السماء، لتردهم إلى الطريق المستقيم لما فيه خيرهم وسعادتهم، وفي كل مرة تثور ثائرة الظالمين في الأرض، وتنشب المعركة بين الحق والباطل، معركة غير متكافئة بين الرسل وبين أصحاب الامتيازات والجاه، حفاظاً ودفاعاً عن امتيازاتهم ومراكزهم، ويستعمل هؤلاء هيمنتهم بذكاء، فيحولوا المعركة لتصبح بين الشعوب – وهم جزء منها – وبين الأنبياء والرسل، موهمين الشعوب، أن خطر الدعوة الجديدة سيقع عليهم، وماذا يملك الرسول من وسائل الإعلام غير صدق دعوته، يعرضها بمنطق ولين!!
(... فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكر أو يخشى) طه 44.
ولكن أنّى للظالم أن يُصغي لمنطق!! وينتصر الظالمون بمعايير البشر، فتتدخل العناية الربانية لنصرة المظلوم، يتدخل الخالق بالوقت والكيفية، والسلاح والأسلوب الذي يراه، فيعاقبهم بعقوبات صارمة لا تُبقي ولا تذر،
"وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" هود 102.
عقوبات تأتي على آخرهم، لينظف الأرض من رجسهم، ويستخلف بها عباده الصالحين، مؤكداً أنها (العقوبة) للظالمين والمتكبرين، للضالين والفاسدين، للشاذين والمغايرين للفطرة والاستقامة
"فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد". (هود 82)،
ولا يظنّن المنقطعون عن هدى السماء في واقع حياتهم، أو المنتسبون له شكلاً، أنهم في منجى من العقوبة، بل ستنالهم كما تنال الظالمين سواء بسواء، ما لم يؤدوا حق هذا الدين عليهم، بتبليغه للناس، ما لم يعيشوه واقعاً في نفوسهم وبيوتهم وشوارعهم وأنديتهم ومؤسساتهم، وفي واقعهم كله
"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب" الأنفال 25.
نعم عاقبهم الله في الدنيا بأسلحة لم تكن تخطر على بال تلك الأقوام،
"... وما يعلم جنود ربك إلاّ هو..." ( المدثر 32)،
أما عقابهم في الآخرة، فأمره موكول إليه وحده، ومن صور هذه العقوبات الدنيوية ما يلي[1]:
· ضنك العيش:
الذي عاقب الله به آل فرعون، وكل من يعرض عن ذكر الله، قال تعالى:
" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى" طه 124
· الطوفان:
الذي عاقب به قوم نوح قال تعالى:
" مما خطيئاتهم أُغرقوا، فأُدخلوا نارا، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا"نوح 25 .
· الريح العقيم:
التي عاقب بها قوم عاد، قال تعالى:
" وأما عاد فأهلكوا بريح صرر عاتية" الحاقة 6.
· الخـسـف:
الذي عاقب به قارون، قال تعالى:
" فخسفنا به وبداره الأرض" القصص 81.
· الصيحة (الصاعقة):
التي عاقب بها ثمود قوم صالح عليه السلام، لمّا خالفوا أمر الله ورسوله قال تعالى:
" وأخذت الذين ظلموا الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين" هود 94.
· التـيــه:
الذي عاقب به قوم موسى عليه السلام، عندما خالفوه وأعرضوا عن الجهاد، ودخول الأرض المقدسة، فحرم عليهم دخولها أربعين سنة، فوقعوا في التيه والضياع في صحراء سيناء، يسيرون ليل نهار للخروج منها ولا يهتدون، قال تعالى:
"قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة، يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين" المائدة 26.
· المسخ:
الذي عاقب به بني إسرائيل عندما عصوا أمر الله وخالفوا عهده الذي أخذه عليهم، من تعظيم يوم السبت، فمسخهم إلى صورة القردة والخنازير، قال تعالى:
" ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" البقرة 65.
· الجراد والقمل والضفادع:
التي سلطها الله على آل فرعون، قال تعالى :
" فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين" الأعراف 133.
· التدمير:
الذي يعاقب به كل من يعرض عن ذكر الله، ويرتكب الفواحش والمنكرات قال تعالى :
"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً" الإسراء 16.
· الغرق:
الذي أهلك الله به فرعون وقومه عندما عصوا موسى عليه السلام، فهاجر بنو إسرائيل، ولحق بهم فرعون وجنوده، قال تعالى:
" فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين " الأعراف 136.
· تسليط الأعداء:
الذي عاقب به بني إسرائيل، بأن سلط عليهم فرعون، يذيقهم سوء العذاب، يقتل كل ذكر يولد لهم، ويبقي على البنات، ويأمر باستعمالهم في أرذل الأعمال وأشقها، قال تعالى:
"وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، يُذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم" البقرة 49.
· حجارة من سجيل:
التي عاقب بها قوم لوط، بعد أن دمر قراهم لأنهم أول من ابتدع (الشذوذ) اللواط على ظهر البسيطة، كما عاقب بها أبرهة الحبشي عندما جاء لهدم الكعبة، قال تعالى:
"ترميهم بحجارة من سجيل" الفيل 4.
ولكي ندرك بشاعة جريمة اللواط (الشذوذ)، وهي سبب العقوبة التي حاقت بقوم لوط، يحسن بنا أن نعرض لقصتهم سريعاً، لكي نطلع على مصارع الذين غضب الله عليهم، ليكون في ذلك عبرة لقوم يعقلون، وتتلخص قصتهم في أنهم أدمنوا ممارسة اللواط، فأرسل الله لهم نبيه لوطاً عليه السلام
"ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنت تبصرون" (النمل 54)،
فأجابه قومه إجابة منكرة، إجابة كل مجتمع يسمي التدين رجعية وتعصباً، والطهارة جريمة يستحق فاعلها النفي بسببها،
"فما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" (النمل 56)،
واستشرى الشذوذ وصار يمارس علانية في أنديتهم، كما هي الحال في العالم الغربي اليوم، وطفح الكيل فلا حوار لوط معهم يجدي، ولا إقناعه لهم بالتزوج من النساء يفيد، وقالوا له في صَلَف:
"ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين" ( العنكبوت 29).
فرتبت السماء الأمر، وأرسل الله وفداً من ملائكته، برئاسة سيدنا جبريل، عليه السلام، في مهمة مزدوجة حيث توجهوا أولاً إلى أبي الأنبياء إبراهيم، يحاورهم في شأن قوم لوط، واحتمال رجوعهم عن غيهم، ولكن الملائكة بينت له أن الله قد حسم القضية
"يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود" (هود76 )،
ثم خرجوا من عنده قاصدين قوم لوط، بهيئة شباب مشرقة وجوههم، وسيمة خلقتهم، والتقوا بنبي الله لوط على مشارف سدوم، وهو يجهل حالهم، فلما عرف أنهم ضيوفه وضع يده على قلبه، وكتم أنفاسهم وتمتم قائلاً
"هذا يوم عصيب" (هود77 )،
وظل طوال الطريق يعرض عليهم أن ينصرفوا عنه، قائلاً والله ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، وتستمر الملائكة في صحبته، لتنفيذ أمر الله.
ودخلوا بيته، وما أن أخذوا مجالسهم، حتى أسرعت زوجته الكافرة، لأخبار القوم بهذا الصيد الثمين قائلة لهم: إن في يبت لوط رجال ما رأيت مثل وجوههم قط، فهرعوا كالمجانين، وعسكروا حول الدار، وحاول لوط إقناعهم واستثارة أحاسيس الشفقة واستجاشة مشاعر الرجولة عندهم دون فائدة،
"قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد" (هود78 )،
لكنهم أجابوه بكل صفاقة،
"لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد" (هود79 )،
وتأزم الموقف، وانتاب الحزن الشديد قلب نبي الله لوط، ويكشف الضيوف عن حقيقتهم ويطلبون إليه مغادرة المكان،
"....فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلاّ امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" (هود 81)،
وبقيت حشودهم على الباب فخرج عليهم جبريل وضرب وجوههم بطرف جناحه فطمس على أعينهم فرجعوا إلى بيوتهم يتخبطون الطريق، وجاء الصبح، الصبح الموعد، فاقتلع قراهم، ورفعها إلى علياء السماء وجعل عاليها سافلها، ثم تتبعت الطير من لم يكن منهم في هذه القرى، تمطرهم بحجارة مصنوعة من طين مشوي، مختوم على كل منها اسم صاحبها، يحمل الطير منها ثلاثة أحجار، حجرا في منقاره واثنين في رجليه ترمي بها قوم لوط، فبينما يكون الواحد منهم بين الناس، إذ تسقط هذه الحجارة فتهلكه حتى أنهتهم عن آخرهم
" فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد" هود 82
وهكذا طوى الله سبحانه صفحة من صفحات المفسدين في الأرض، وترك لنا بعض آثارهم (منطقة البحث الميت)، لعلها تكون عبرة وعظة لقوم يعقلون،
"ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون"العنكبوت 35.
تحذو حذو قوم لوط!!
وبعد: ألست ترى معي أن المجتمعات الغربية تحذو حذو قوم لوط حذو النعل بالنعل! فما المانع أن يصيبها ما أصابهم؟؟ لا تعجل فسيصيبها، أليس الصبح بقريب؟ وربما بأسلحة لا يعلمها إلاّ الذي سيسلطها عليهم، وما الكوارث والأوبئة الجديدة وما يختزنه المعسكران، من أسلحة الفتك والدمار، إلاّ إرهاصات تنذر بذلك، فهل من مدكر؟؟
الإصابة بالأوبئة الجديدة:
التي عاقب ويعاقب بها كل مجتمع يشذ عن الطريق المستقيم، قال صلى الله عليه وسلم:
"إن هذا الوجع أو السقم[2] رجز عذبت به أمم قبلكم ثم بقي بعد بالأرض فيذهب المرة ويأتي الأخرى..." (رواه البخاري)،
وقال: "كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس، وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن، ما ظهرت الفاحشة في قوم قط، يُعمل بها فيهم علانية، إلاّ ظهر فيهم الطاعون (الوباء)، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم."(رواه الحاكم)،
وقال : "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار، إذا ظهر التلاعن، وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القينات، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء" رواه البيهقي.
وبعد: أليس اكتفاء الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، هو الشذوذ بعينه؟ وهو الذي أثمر لنا أمراضاً لم تكن في أسلافنا، فهل الإيدز وما شابهه من الأمراض المنقولة جنسياً أمراض قديمة أم جديدة ؟.
لقد اجتمعت لهذا المرض ( الإيدز ) والفيروس المسبب له ( كمثال للأمراض االمنقولة جنسياً)، خصائص وصفات غريبة جعلت منه أمراً غير عادي، حار به الخاصة، وأرعب العامة، حار به الخاصة، لما عرفوه من طرق انتقاله، وكيفية عمله، وسرعة تكاثره، والتغير السريع الذي يطرأ عليه، وآثاره المدمرة على الفرد والمجتمع، واختياره العجيب لأهم أجهزة الجسم (جهاز المناعة)، ثم الغموض الذي يكتنف بعض أعراضه وأطواره، والوهن المريع الذي يؤول إليه المريض، حتى تصبح أضعف الجراثيم مؤهلة للقضاء عليه. وأما رعب العامة الذي بلغ درجة الهستيريا، فسببه جهلهم المطبق بالمرض الجديد، وسرعة فتكه، والنهاية المفجعة للمصابين به، وكلفة المعالجة الباهضة وعدم جدوى العلاج للآن، ثم اختياره لأعز شهواتهم طريقاً لإصابتهم بالمرض، ومن هذه الخصائص والصفات ما يلي:
أولاً:
عدم قدرة الإنسان على صناعة طُعمٍ واقٍ من الإيدز والسفلس والسيلان حتى هذا الوقت، رغم الجهود الجبارة والأموال الطائلة التي أنفقت على هذه الأبحاث .
ثانياً:
الإيدز يتحدى الطب إذ لا علاج له للآن، رغم الأبحاث الكثيرة الجارية لهذا الغرض.
ثالثاً:
الآثار الاقتصادية المدمرة للإيدز والأمراض الجنسية الأخرى، وهذه عقوبة كبيرة، حيث تنفق الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها سنويا مبلغ ثلاثة عشر مليار دولار، أما الفاتورة العالمية السنوية فهي مئات المليارات.
رابعاً: القتل البطيء.
فالعقوبة التي تحيق بالإنسان وتقتله فوراً، هي أقل إيلاماً لنفسه من تلك التي تذيقه العذاب الطويل قبل أن تقتله، والأمراض المنقولة جنسيا بشكل عام، والإيدز بشكل خاص، من هذا النوع، فهي بآلامها النفسية وعذابها الجسماني، تقتل صاحبها ألف مرة قبل أن تؤدي إلى موته، لذا فهي توصف أحياناً، بأنها معذِّبة أكثر منها قاتلة. فالشاذ الذي مارس الجنس، أو تناول المخدرات ولو مرة واحدة، يبقى في قلق دائم، يصغي لكل ما يقال عن المرض وتستلفت نظره كل ظاهرة في جسمه، ويهزه كل عارض يحس فيه، فيقتله الوسواس، وفي أعماقه سؤال حائر، هل أصبت بالمرض أم لا؟!... "يحسبون كل صيحة عليهم"(المنافقون4) وسواء ظهرت عليه أم لم تظهر أعراض الإصابة بالمرض، أو تكرر ظهورها واختفاؤها، يبقى الشاذ في حالة ترقب وانتظار، فإذا تأخر ظهورها أو اختفت، يظن أنه قد شفي وسلم، ثم يفاجأ بظهورها، وقد تستمر أعراض المرض بالظهور والاختفاء، في بعض الأمراض المنقولة جنسياً ردحاً من الزمن، فيبقى المريض معلقاً في الفراغ، فلا هو طريح الفراش، ولا هو بالسليم المعافى.
وهكذا فالشذوذ والضلال مجلبة للعقوبة الدنيوية التي يمكن للمراقب أن يراها ويرصدها، أما العذاب الآخر فهو الأدهى والأمر
" كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون" ( القلم 33 ).
وفي الطرف المقابل تماما فالإيمان والالتزام بشرع الخــــالق يقـــودان صاحبهما إلى السلامة الجسمية والنفسية في الدنيا، ثم إلى النعيم الخالد، حيث الجائزة الكبرى والمتعة التي لا تنقطع، في جنة عرضها السماوات والأرض،
" وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى"النازعات40،
ولله الأمر أولا ًوآخراً
(1) قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار.
(2) السقم: الطاعون.
عن موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
الدكتور عبد الحميـد القضـاة
رغم زخم الأحداث التي تشغل العالم، فلا تكاد تخلو المجلات اليومية والدورية، من إشارة قريبة أو بعيدة لهذا المرض (الإيدز) أو غيره من الأمراض المنقولة جنسياً، فمن إحصائية عنها في بلد، إلى تفصيل عنها في آخر إلى نفي أو إثبات لوجودها، إلى التقليل أو التضخيم من خطورتها، إلى ضحية جديدة لها، إلى محاضرة أو ندوة أو مؤتمر عنها، ولعل أهم ما نشر عنها من منظمة الصحة العالمية مفاده أن مرض الإيدز هو واحد من الأمراض المنقولة جنسياً، إذ تبين لهم أن معظم المصابين به هم من الزناة والشاذين جنسياً، ومن مدمني المخدرات بالحقن الوريدية.
وبنظرة عاجلة إلى هذا، يتبين أن مصدر هذا البلاء هو الزنا و الشذوذ، إذ أن إدمان المخدرات هو شذوذ، يتبعه شذوذ من نوع آخر، وأن الدم الذي نقل هذا المرض إلى الذين أصيبوا به، وكذلك الدم الذي دخل في صناعة بعض العلاجات جاء أصلاً من شاذين كما أن السائل المنوي الملوث الذي يوضع في رحم الأنثى في التلقيح الصناعي جاء كذلك من شاذين.
وإذا كانت هذه صفات المصاب والناقل (الشذوذ)، فما هي مميزات العقوبة التي يصاب بها، وهل من سبيل إلى تجنبها؟ وما هي صفات المخلوقات التي تسببها؟ وأين أسلحة الطب والتقدم العلمي عنها؟ بل وأين الأديان ونظريات المصلحين الاجتماعيين والتربويين منها ؟ وأين وسائل الدفاع الطبيعية ضدها ؟ وما هو العلاج ؟!
قبل الإجابة على هذه التساؤلات نذكر ببدهيتين تُفضي كل منهما للأخرى، وينساهما كثير من الناس.
أولاهـمـا:
أن قضية الحياة والموت هي أهم قضية تشغل بال الإنسان في هذا الوجود، تشغله قبل لباسه وطعامه وشرابه، ومتعه وتناسله، وقبل أي شيء آخر، لأنها تتعلق بوجوده أو عدمه، فعندما يثوب إلى رشده، ويتصور العدم والفناء، تراه يستغل كل ما يملك وما لا يملك – إن استطاع – للتشبث بالحياة ولو للحظة، فيستكثر من الخير لنفسه، للمحافظة على جسمه سليماً، ليدوم طويلاً، أما إن بقي سادراً في غيه، هائماً وراء شهواته، فلا يخطر بباله عدم أو فناء، ولا تشغله سلامة جسم، لا بل يسخّر كل طاقاته وقواه، لإشباع غرائزه، فلا يفيق إلاّ على طرقات الموت تدق بابه، وقد تخلى عنه الجميع حتى أجهزة جسمه التي أتلفها وهو يلهث وراء شهواته.
وثانيهمـا:
أن عمر البشرية على ظهر هذه الأرض طويل، وطويل جداً إذ تعاقب عليها أقوام وأقوام، تعهدتهم العناية الربانية من وقت لآخر، بأنبياء ورسل تحمل لهم هدى السماء، لتردهم إلى الطريق المستقيم لما فيه خيرهم وسعادتهم، وفي كل مرة تثور ثائرة الظالمين في الأرض، وتنشب المعركة بين الحق والباطل، معركة غير متكافئة بين الرسل وبين أصحاب الامتيازات والجاه، حفاظاً ودفاعاً عن امتيازاتهم ومراكزهم، ويستعمل هؤلاء هيمنتهم بذكاء، فيحولوا المعركة لتصبح بين الشعوب – وهم جزء منها – وبين الأنبياء والرسل، موهمين الشعوب، أن خطر الدعوة الجديدة سيقع عليهم، وماذا يملك الرسول من وسائل الإعلام غير صدق دعوته، يعرضها بمنطق ولين!!
(... فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكر أو يخشى) طه 44.
ولكن أنّى للظالم أن يُصغي لمنطق!! وينتصر الظالمون بمعايير البشر، فتتدخل العناية الربانية لنصرة المظلوم، يتدخل الخالق بالوقت والكيفية، والسلاح والأسلوب الذي يراه، فيعاقبهم بعقوبات صارمة لا تُبقي ولا تذر،
"وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" هود 102.
عقوبات تأتي على آخرهم، لينظف الأرض من رجسهم، ويستخلف بها عباده الصالحين، مؤكداً أنها (العقوبة) للظالمين والمتكبرين، للضالين والفاسدين، للشاذين والمغايرين للفطرة والاستقامة
"فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد". (هود 82)،
ولا يظنّن المنقطعون عن هدى السماء في واقع حياتهم، أو المنتسبون له شكلاً، أنهم في منجى من العقوبة، بل ستنالهم كما تنال الظالمين سواء بسواء، ما لم يؤدوا حق هذا الدين عليهم، بتبليغه للناس، ما لم يعيشوه واقعاً في نفوسهم وبيوتهم وشوارعهم وأنديتهم ومؤسساتهم، وفي واقعهم كله
"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب" الأنفال 25.
نعم عاقبهم الله في الدنيا بأسلحة لم تكن تخطر على بال تلك الأقوام،
"... وما يعلم جنود ربك إلاّ هو..." ( المدثر 32)،
أما عقابهم في الآخرة، فأمره موكول إليه وحده، ومن صور هذه العقوبات الدنيوية ما يلي[1]:
· ضنك العيش:
الذي عاقب الله به آل فرعون، وكل من يعرض عن ذكر الله، قال تعالى:
" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى" طه 124
· الطوفان:
الذي عاقب به قوم نوح قال تعالى:
" مما خطيئاتهم أُغرقوا، فأُدخلوا نارا، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا"نوح 25 .
· الريح العقيم:
التي عاقب بها قوم عاد، قال تعالى:
" وأما عاد فأهلكوا بريح صرر عاتية" الحاقة 6.
· الخـسـف:
الذي عاقب به قارون، قال تعالى:
" فخسفنا به وبداره الأرض" القصص 81.
· الصيحة (الصاعقة):
التي عاقب بها ثمود قوم صالح عليه السلام، لمّا خالفوا أمر الله ورسوله قال تعالى:
" وأخذت الذين ظلموا الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين" هود 94.
· التـيــه:
الذي عاقب به قوم موسى عليه السلام، عندما خالفوه وأعرضوا عن الجهاد، ودخول الأرض المقدسة، فحرم عليهم دخولها أربعين سنة، فوقعوا في التيه والضياع في صحراء سيناء، يسيرون ليل نهار للخروج منها ولا يهتدون، قال تعالى:
"قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة، يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين" المائدة 26.
· المسخ:
الذي عاقب به بني إسرائيل عندما عصوا أمر الله وخالفوا عهده الذي أخذه عليهم، من تعظيم يوم السبت، فمسخهم إلى صورة القردة والخنازير، قال تعالى:
" ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" البقرة 65.
· الجراد والقمل والضفادع:
التي سلطها الله على آل فرعون، قال تعالى :
" فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين" الأعراف 133.
· التدمير:
الذي يعاقب به كل من يعرض عن ذكر الله، ويرتكب الفواحش والمنكرات قال تعالى :
"وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً" الإسراء 16.
· الغرق:
الذي أهلك الله به فرعون وقومه عندما عصوا موسى عليه السلام، فهاجر بنو إسرائيل، ولحق بهم فرعون وجنوده، قال تعالى:
" فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين " الأعراف 136.
· تسليط الأعداء:
الذي عاقب به بني إسرائيل، بأن سلط عليهم فرعون، يذيقهم سوء العذاب، يقتل كل ذكر يولد لهم، ويبقي على البنات، ويأمر باستعمالهم في أرذل الأعمال وأشقها، قال تعالى:
"وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، يُذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم" البقرة 49.
· حجارة من سجيل:
التي عاقب بها قوم لوط، بعد أن دمر قراهم لأنهم أول من ابتدع (الشذوذ) اللواط على ظهر البسيطة، كما عاقب بها أبرهة الحبشي عندما جاء لهدم الكعبة، قال تعالى:
"ترميهم بحجارة من سجيل" الفيل 4.
ولكي ندرك بشاعة جريمة اللواط (الشذوذ)، وهي سبب العقوبة التي حاقت بقوم لوط، يحسن بنا أن نعرض لقصتهم سريعاً، لكي نطلع على مصارع الذين غضب الله عليهم، ليكون في ذلك عبرة لقوم يعقلون، وتتلخص قصتهم في أنهم أدمنوا ممارسة اللواط، فأرسل الله لهم نبيه لوطاً عليه السلام
"ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنت تبصرون" (النمل 54)،
فأجابه قومه إجابة منكرة، إجابة كل مجتمع يسمي التدين رجعية وتعصباً، والطهارة جريمة يستحق فاعلها النفي بسببها،
"فما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" (النمل 56)،
واستشرى الشذوذ وصار يمارس علانية في أنديتهم، كما هي الحال في العالم الغربي اليوم، وطفح الكيل فلا حوار لوط معهم يجدي، ولا إقناعه لهم بالتزوج من النساء يفيد، وقالوا له في صَلَف:
"ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين" ( العنكبوت 29).
فرتبت السماء الأمر، وأرسل الله وفداً من ملائكته، برئاسة سيدنا جبريل، عليه السلام، في مهمة مزدوجة حيث توجهوا أولاً إلى أبي الأنبياء إبراهيم، يحاورهم في شأن قوم لوط، واحتمال رجوعهم عن غيهم، ولكن الملائكة بينت له أن الله قد حسم القضية
"يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود" (هود76 )،
ثم خرجوا من عنده قاصدين قوم لوط، بهيئة شباب مشرقة وجوههم، وسيمة خلقتهم، والتقوا بنبي الله لوط على مشارف سدوم، وهو يجهل حالهم، فلما عرف أنهم ضيوفه وضع يده على قلبه، وكتم أنفاسهم وتمتم قائلاً
"هذا يوم عصيب" (هود77 )،
وظل طوال الطريق يعرض عليهم أن ينصرفوا عنه، قائلاً والله ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، وتستمر الملائكة في صحبته، لتنفيذ أمر الله.
ودخلوا بيته، وما أن أخذوا مجالسهم، حتى أسرعت زوجته الكافرة، لأخبار القوم بهذا الصيد الثمين قائلة لهم: إن في يبت لوط رجال ما رأيت مثل وجوههم قط، فهرعوا كالمجانين، وعسكروا حول الدار، وحاول لوط إقناعهم واستثارة أحاسيس الشفقة واستجاشة مشاعر الرجولة عندهم دون فائدة،
"قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد" (هود78 )،
لكنهم أجابوه بكل صفاقة،
"لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد" (هود79 )،
وتأزم الموقف، وانتاب الحزن الشديد قلب نبي الله لوط، ويكشف الضيوف عن حقيقتهم ويطلبون إليه مغادرة المكان،
"....فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلاّ امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" (هود 81)،
وبقيت حشودهم على الباب فخرج عليهم جبريل وضرب وجوههم بطرف جناحه فطمس على أعينهم فرجعوا إلى بيوتهم يتخبطون الطريق، وجاء الصبح، الصبح الموعد، فاقتلع قراهم، ورفعها إلى علياء السماء وجعل عاليها سافلها، ثم تتبعت الطير من لم يكن منهم في هذه القرى، تمطرهم بحجارة مصنوعة من طين مشوي، مختوم على كل منها اسم صاحبها، يحمل الطير منها ثلاثة أحجار، حجرا في منقاره واثنين في رجليه ترمي بها قوم لوط، فبينما يكون الواحد منهم بين الناس، إذ تسقط هذه الحجارة فتهلكه حتى أنهتهم عن آخرهم
" فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد" هود 82
وهكذا طوى الله سبحانه صفحة من صفحات المفسدين في الأرض، وترك لنا بعض آثارهم (منطقة البحث الميت)، لعلها تكون عبرة وعظة لقوم يعقلون،
"ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون"العنكبوت 35.
تحذو حذو قوم لوط!!
وبعد: ألست ترى معي أن المجتمعات الغربية تحذو حذو قوم لوط حذو النعل بالنعل! فما المانع أن يصيبها ما أصابهم؟؟ لا تعجل فسيصيبها، أليس الصبح بقريب؟ وربما بأسلحة لا يعلمها إلاّ الذي سيسلطها عليهم، وما الكوارث والأوبئة الجديدة وما يختزنه المعسكران، من أسلحة الفتك والدمار، إلاّ إرهاصات تنذر بذلك، فهل من مدكر؟؟
الإصابة بالأوبئة الجديدة:
التي عاقب ويعاقب بها كل مجتمع يشذ عن الطريق المستقيم، قال صلى الله عليه وسلم:
"إن هذا الوجع أو السقم[2] رجز عذبت به أمم قبلكم ثم بقي بعد بالأرض فيذهب المرة ويأتي الأخرى..." (رواه البخاري)،
وقال: "كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس، وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن، ما ظهرت الفاحشة في قوم قط، يُعمل بها فيهم علانية، إلاّ ظهر فيهم الطاعون (الوباء)، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم."(رواه الحاكم)،
وقال : "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار، إذا ظهر التلاعن، وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القينات، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء" رواه البيهقي.
وبعد: أليس اكتفاء الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، هو الشذوذ بعينه؟ وهو الذي أثمر لنا أمراضاً لم تكن في أسلافنا، فهل الإيدز وما شابهه من الأمراض المنقولة جنسياً أمراض قديمة أم جديدة ؟.
لقد اجتمعت لهذا المرض ( الإيدز ) والفيروس المسبب له ( كمثال للأمراض االمنقولة جنسياً)، خصائص وصفات غريبة جعلت منه أمراً غير عادي، حار به الخاصة، وأرعب العامة، حار به الخاصة، لما عرفوه من طرق انتقاله، وكيفية عمله، وسرعة تكاثره، والتغير السريع الذي يطرأ عليه، وآثاره المدمرة على الفرد والمجتمع، واختياره العجيب لأهم أجهزة الجسم (جهاز المناعة)، ثم الغموض الذي يكتنف بعض أعراضه وأطواره، والوهن المريع الذي يؤول إليه المريض، حتى تصبح أضعف الجراثيم مؤهلة للقضاء عليه. وأما رعب العامة الذي بلغ درجة الهستيريا، فسببه جهلهم المطبق بالمرض الجديد، وسرعة فتكه، والنهاية المفجعة للمصابين به، وكلفة المعالجة الباهضة وعدم جدوى العلاج للآن، ثم اختياره لأعز شهواتهم طريقاً لإصابتهم بالمرض، ومن هذه الخصائص والصفات ما يلي:
أولاً:
عدم قدرة الإنسان على صناعة طُعمٍ واقٍ من الإيدز والسفلس والسيلان حتى هذا الوقت، رغم الجهود الجبارة والأموال الطائلة التي أنفقت على هذه الأبحاث .
ثانياً:
الإيدز يتحدى الطب إذ لا علاج له للآن، رغم الأبحاث الكثيرة الجارية لهذا الغرض.
ثالثاً:
الآثار الاقتصادية المدمرة للإيدز والأمراض الجنسية الأخرى، وهذه عقوبة كبيرة، حيث تنفق الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها سنويا مبلغ ثلاثة عشر مليار دولار، أما الفاتورة العالمية السنوية فهي مئات المليارات.
رابعاً: القتل البطيء.
فالعقوبة التي تحيق بالإنسان وتقتله فوراً، هي أقل إيلاماً لنفسه من تلك التي تذيقه العذاب الطويل قبل أن تقتله، والأمراض المنقولة جنسيا بشكل عام، والإيدز بشكل خاص، من هذا النوع، فهي بآلامها النفسية وعذابها الجسماني، تقتل صاحبها ألف مرة قبل أن تؤدي إلى موته، لذا فهي توصف أحياناً، بأنها معذِّبة أكثر منها قاتلة. فالشاذ الذي مارس الجنس، أو تناول المخدرات ولو مرة واحدة، يبقى في قلق دائم، يصغي لكل ما يقال عن المرض وتستلفت نظره كل ظاهرة في جسمه، ويهزه كل عارض يحس فيه، فيقتله الوسواس، وفي أعماقه سؤال حائر، هل أصبت بالمرض أم لا؟!... "يحسبون كل صيحة عليهم"(المنافقون4) وسواء ظهرت عليه أم لم تظهر أعراض الإصابة بالمرض، أو تكرر ظهورها واختفاؤها، يبقى الشاذ في حالة ترقب وانتظار، فإذا تأخر ظهورها أو اختفت، يظن أنه قد شفي وسلم، ثم يفاجأ بظهورها، وقد تستمر أعراض المرض بالظهور والاختفاء، في بعض الأمراض المنقولة جنسياً ردحاً من الزمن، فيبقى المريض معلقاً في الفراغ، فلا هو طريح الفراش، ولا هو بالسليم المعافى.
وهكذا فالشذوذ والضلال مجلبة للعقوبة الدنيوية التي يمكن للمراقب أن يراها ويرصدها، أما العذاب الآخر فهو الأدهى والأمر
" كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون" ( القلم 33 ).
وفي الطرف المقابل تماما فالإيمان والالتزام بشرع الخــــالق يقـــودان صاحبهما إلى السلامة الجسمية والنفسية في الدنيا، ثم إلى النعيم الخالد، حيث الجائزة الكبرى والمتعة التي لا تنقطع، في جنة عرضها السماوات والأرض،
" وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى"النازعات40،
ولله الأمر أولا ًوآخراً
(1) قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار.
(2) السقم: الطاعون.
عن موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة