اتجاهات تطوير القواعد العسكرية في العالم

إنضم
1 مارس 2008
المشاركات
1,748
التفاعل
2,904 140 3
الدولة
United Arab Emirates
لم يكن إعلان إيران، في شهرَي فبراير ومارس الماضيين، عن قواعد عسكرية محصنة تحت الأرض، والكشف عن أنفاق ومخابئ وقواعد للطائرات المسيرة والطائرات الحربية تحت الأرض، سوى تعبير عن الاهتمام الدولي المتصاعد بتطوير القواعد العسكرية؛ حيث تعمل الدول المختلفة على تطوير قواعدها العسكرية لجعلها أكثر توافقاً مع متطلبات العصر وتحدياته، وأكثر استفادةً من فرصه. وتعمل المؤسسات العسكرية على ربط الابتكار بالقواعد العسكرية، والاستفادة من التقنيات التكنولوجية الجديدة بدرجة أكبر، وتدشين والتوجه نحو بناء قواعد ومنشآت عسكرية نوعية، مثل تلك القواعد الذكية والمتنقلة والسرية تحت الأرض والصديقة للبيئة.

قواعد متقدمة

لعل الاتجاه الأبرز بين اتجاهات تطوير القواعد العسكرية في المستقبل يرتبط بقطاع التكنولوجيا والاستفادة من التقنيات الذكية الجديدة، والعمل على إنشاء قواعد ذكية تتوافق مع التوجهات العامة المستقبلية في مختلف القطاعات الأخرى للتحول نحو مؤسسات ومنشآت ذكية؛ وذلك على النحو التالي:

1– الاستفادة من التقنيات التكنولوجية الجديدة: يرتبط جانب كبير من اتجاهات تطوير القواعد العسكرية في المستقبل بالجانب التكنولوجي؛ حيث لم تَعُد الاستفادة من التطوُّرات التكنولوجية في القطاع العسكري مقتصرةً على عمليات تطوير الأنظمة والأسلحة العسكرية، لكنها باتت محدداً هاماً في عمليات تصميم وإنشاء وتشغيل القواعد العسكرية وتجهيزها للدفاع ضد التهديدات الجديدة والناشئة، وتيسير وزيادة جودة وأمان عمليات الاتصالات.

كما سيلعب الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في تشغيل وتأمين القواعد العسكرية؛ حيث ستعمل القواعد العسكرية الجديدة على توظيف التقنيات التكنولوجية الجديدة وشبكات الجيلَين الخامس والسادس، مع تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلُّم الآلي المستخدمَين في معالجة المعلومات، واتخاذ قرارات تستند إلى البيانات التي تجمعها وتُحلِّلها بسرعة أجهزة الاستشعار والتقنيات الذكية؛ لتحسين إجراءات التنبؤ والسلامة والصيانة والإنذار المبكر، واكتشاف التهديدات والمشكلات.

2– تطوير قواعد عسكرية بنظم تشغيل ذكية: بالتوازي مع التطورات التقنية في مختلف المجالات، وسعي المؤسسات العسكرية إلى تحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيا الذكية الجديدة في عمليات تطوير الأسلحة والمعدات؛ تسعى الدول ووزارات الدفاع إلى تطوير قواعد عسكرية ذكية تعتمد في عمليات التشغيل والربط والتواصل على نظم تشغيلية وعمليات ذكية، عبر دمج التقنيات الذكية في التصميم ونظم التشغيل، والاستفادة من الابتكارات التكنولوجية في القطاع العسكري وفي مجالات الهندسة والاتصالات.

كما يرتبط تطوير نظم الاتصالات في القواعد العسكرية بتجهيزها بأحدث التقنيات، وتغطيتها بأحدث وأفضل الشبكات؛ لذلك تسعى الدول إلى الاستفادة من شبكات الجيل الخامس، والاستعداد للاستفادة من تقنيات شبكات الجيل السادس، وما يليها في نظم قواعدها العسكرية وبنيتها التحتية، كما سيتم الاستفادة من إنترنت الأشياء بشكل أكبر في القواعد العسكرية الجديدة.

وعلى سبيل المثال، تعمل شركة “Honeywell Aerospace” على تنفيذ ودمج تقنيات المباني الذكية بمنشآت وقواعد وزارة الدفاع الأمريكية؛ من حيث أتمتة المباني وتقليل تكاليف الطاقة، وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات المتقدمة وإنترنت الأشياء لجعل المباني والقواعد العسكرية أكثر ذكاءً.

3– دعم تقنيات VR/AR/ 3D printing للتدريبات وصيانة المعدات: يمكن أن تستخدم القواعد العسكرية الجديدة تقنيات الواقع المعزز والافتراضي لتدريب وإعداد القوات بشكل أفضل لمواقف القتال، من خلال تدريبات أكثر شموليةً وواقعيةً وجودةً، كما أن التقنيات الجديدة تساعد على تسريع عمليات صيانة المعدات العسكرية داخل القواعد العسكرية، مثلما هو الحال مع تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد التي تساعد أفراد الصيانة على إصلاح المعدات وتوفير قطع الغيار بأسلوب سريع وقريب.

4– تزويد القواعد العسكرية بقواعد بيانات سحابية: تشير التقديرات إلى أن جمع وتخزين وتحليل ومعالجة البيانات واستخدامها الفعال، سيُصبِح من الوظائف المهمة للقواعد العسكرية المستقبلية. وفي هذا الإطار، تشير بعض شركات التكنولوجيا إلى أهمية الحوسبة السحابية في هذا الشأن، وإلى أن مؤسسات الدفاع باتت أكثر ثقةً وقبولًا للحلول السحابية، وأكثر وعياً بأهميتها في عملية تحديث القواعد العسكرية، وأنها باتت ضرورية لتعظيم الاستفادة من البيانات الضخمة التي يتم جمعها وإنتاجها، خاصةً مع الانتقال إلى الحروب التي تعتمد بشكل كبير على الشبكات، مع اتخاذ القرار المدعوم بالبيانات والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وأهمية نظم المعلومات في القواعد العسكرية الجديدة.

ولعل من أهم التحديات التي تواجه شركات التكنولوجيا في هذا الشأن هو عامل الأمان، وإقناع المؤسسات الدفاعية بالحوسبة السحابية من حيث أمانها؛ حيث يُعَد نقل البيانات بأمان وسلاسة أمراً ضرورياً، وهو ما بدأت المؤسسات الدفاعية في قبوله والتوجه إليه بدرجة أكبر بالفعل حسبما تشير شركات أمريكية تتعامل مع البنتاجون في هذا المجال، مثل شركة “Honeywell”.

الدفاع والمرونة

يرتبط اتجاه مهم من اتجاهات تطوير القواعد العسكرية في المستقبل بالتوجه نحو تدشين قواعد نوعية، وتعزيز مرونة القواعد العسكرية وقدراتها الدفاعية تجاه العديد من التهديدات الحالية والمستقبلية، وهو ما يمكن تناوله فيما يلي:

1– إنشاء قواعد جوية تحت الأرض لحمايتها: تعمل الدول على إخفاء بعض قواعدها العسكرية لإضفاء طابع من الغموض على حقيقة قدراتها العسكرية بالكامل، وأماكن تمركز قواتها وأسلحتها الاستراتيجية التي يمكن أن تلجأ إليها في حالات الدفاع والهجوم، فضلاً عن تعزيز سرية مكان القواعد العسكرية، وتدشينها تحت الأرض، من القدرات الدفاعية للقاعدة وحماية المعدات والقوات العسكرية؛ الأمر الذي تزداد أهميته في حالة القواعد العسكرية الجوية، بحيث يساعد تدشين القواعد العسكرية تحت الأرض على حماية مدارج الطائرات من القصف والإصابة والتدمير، فضلاً عن تعزيز المرونة والغموض بشأن مواقع انطلاق الهجمات وأسراب الطائرات.

ولذلك كشفت إيران، في فبراير 2023، عن قاعدة جوية تحت الأرض تحت اسم “إيجل 44″، وهي الأولى من نوعها، وكبيرة بما يكفي لإيواء طائرات مقاتلة؛ حيث أكدت طهران أن قاعدة “إيجل 44” التي شُيِّدت في أعماق الأرض، قادرة على تخزين وتشغيل طائرات مقاتلة وطائرات مسيرة، وتضم طائرات مقاتلة مجهزة بصواريخ كروز بعيدة المدى، وتعد واحدة من أهم قواعد القوات الجوية في البلاد؛ وذلك بعد شهور من كشفها في مايو 2022 عن قاعدة جوية أخرى تحت الأرض، تضم طائرات بدون طيار. ويرتبط توجه إيران نحو إنشاء قواعدها الجوية والعسكرية تحت الأرض، بالعمل على حمايتها من التهديدات الإسرائيلية والضربات الجوية المحتملة.

2– التوجه نحو إنشاء قواعد عسكرية متنقلة: تعتبر فكرة القواعد العسكرية المتنقلة من الأفكار التي تراود شركات التكنولوجيا والمؤسسات الدفاعية؛ لتعزيز المرونة والحماية والدفاع؛ فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة “نورول” للتكنولوجيا التابعة لرئاسة الصناعات الدفاعية التركية، في أبريل 2021، أنها اخترعت خيماً خاصة تستخدم لبناء قاعدة عسكرية متنقلة خلال 15 دقيقة فقط، تمتد على مساحة 5 آلاف متر مربع، مع تميزها بسهولة وسرعة بنائها وتفكيكها، وأن هذه الخيام قادرة على مقاومة الهجمات الباليستية، وتوفر كل أشكال الحماية المطلوبة للعناصر والأفراد والمعدات الموجودة داخلها.

3– مواجهة التهديدات السيبرانية المحتملة: مع تزايد وتسارع التطورات التكنولوجية، والاعتماد على التكنولوجيا المتطورة في نظم الاتصالات وتشغيل القواعد العسكرية الجديدة، باتت معايير الأمن السيبراني من أهم معايير أمان القواعد العسكرية وضمان فاعلية التشغيل وكفاءة نظم الاتصالات، مع مراعاة تحديث معايير الأمن السيبراني للاستجابة لأحدث التهديدات السيبرانية المحتملة؛ حيث تحتاج القواعد العسكرية الجديدة إلى تعزيز وتأمين وزيادة كفاءة قدراتها الاتصالية؛ لمواكبة التهديدات السريعة التطور التي ستُواجِهها؛ فمع زيادة الاعتماد على التقنيات التكنولوجية والذكية والحلول السحابية، تزداد أهمية الاستثمار في قدرات الدفاع والأمن السيبراني باعتباره مدخل الحد من احتمالات تضرُّر أو توقُّف أو خلل أنظمة القواعد العسكرية؛ لذلك تعمل القواعد العسكرية الحديثة على تطوير وتطبيق قدرات الكشف عن التسلل والوقاية منه لرصد واكتشاف تهديدات الأمن السيبراني والاستجابة لها ومواجهتها.

4– تعزيز المرونة تجاه الكوارث الطبيعية: شهدت السنوات الماضية تضرر بعض القواعد العسكرية من الكوارث الجوية الحادة، مثل ما جرى لقاعدة “تيندال” الجوية في ولاية فلوريدا الأمريكية؛ حيث تعرضت عام 2018 لإعصار “مايكل” العاتي الذي تسبب في أضرار جسيمة بالقاعدة؛ لذلك اتجه البنتاجون في عملية إعادة بناء وإصلاح تلك القاعدة، إلى تحويلها إلى قاعدة تراعي تهديدات الكوارث الطبيعية في المستقبل، وتعزيز معايير المرونة والاستدامة.

كما تعرضت قاعدة “أوفوت” الجوية مقر القيادة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، عام 2019، لفيضان شديد وسريع، عرَّض المكاتب والذخيرة والمعدات للخطر، ودفع نحو سرعة إنقاذها ونقلها. ووافق الكونجرس على خطة لإعادة البناء والإصلاح لمدة أربع سنوات بتكلفة تقدر بقرابة 650 مليون دولار، كما أن تلك الكارثة قد وقعت بالتزامن مع بدء العمل على تنفيذ خطة لتعزيز الحماية ونظام السدود ضد الفيضانات وزحف المياه، وهي الخطة التي جرى وضعها على ضوء مخاطر وأضرار فيضان 2011، وكان من المفترض أن تكلف حينها نحو 22.7 مليون دولار.

وبينما يشير العديد من المسؤولين العسكريين إلى أن المنشآت العسكرية الحالية ليست محصنة بالدرجة الكافية ضد ظواهر الطقس والمناخ القاسية، فإن ذلك يطرح مخاوف من تأثُّر القواعد العسكرية الحالية بالكوارث الطبيعية المحتملة، خاصةً مع تزايد المخاوف من تزايد حدة وتكرار الكوارث الطبيعية خلال السنوات والعقود المقبلة بفعل التغيرات المناخية؛ الأمر الذي يدعو إلى الاهتمام بتعزيز مرونة القواعد العسكرية تجاه الكوارث الطبيعية المحتملة، وإعادة تصميمها وبنائها وفق معايير الحماية والسلامة من تلك الكوارث والظواهر المناخية المتطرفة، وتعزيز الاستعدادات لها والقدرة على تحملها، وتحسين البنية التحتية للقواعد العسكرية وإعادة تصميم المنشآت الجديدة بشكل مرن يتوافق مع التهديدات المناخية، كما ستعمل القواعد العسكرية على زيادة الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي ونماذج التعلم الآلي في الاستعداد للكوارث الطبيعية والتنبؤ بها والإنذار المبكر عند حدوثها ومواجهتها؛ من أجل تحسين الاستعداد للكوارث العالية المخاطر ومواجهتها وتقليل أضرارها.

5– تطوير نظم الدفاع تجاه التهديدات والأسلحة الجديدة: بالتوازي مع عملية الابتكار العسكري في الأسلحة الهجومية والصواريخ والطائرات المقاتل والمسيرة، تعمل المؤسسات العسكرية على تعزيز القدرات الدفاعية لقواعدها العسكرية من أجل مواجهة التهديدات والأسلحة والمعدات الجديدة، وبالأخص تزويد القواعد العسكرية بأحدث نظم الدفاع الجوي المدعمة بمسيرات والقادرة على اعتراض الصواريخ المتطورة والأسرع من الصوت.

6– تأسيس قواعد متماشية مع أهداف مواجهة التغيرات المناخية: في إطار الخطط الحكومية لمواجهة التغيرات المناخية، وسعي الدول إلى خفض انبعاثاتها الكربونية؛ للحد من مخاطر تغير المناخ، تستهدف جيوش العالم بدورها خفض انبعاثاتها الكربونية؛ فعلى سبيل المثال، أصدر البنتاجون، العام الماضي، استراتيجيته المناخية التي تهدف إلى خفض انبعاثات الجيش الأمريكي إلى النصف بحلول عام 2030، وتشغيل المنشآت العسكرية من خلال كهرباء خالية من الكربون بحلول العام نفسه، فضلاً عن استخدام معدات وآليات ومركبات كهربائية بدرجة متزايدة، وتزويد القواعد العسكرية الجديدة بنظم لإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيلها من مصادر متجددة وغير ملوثة للبيئة. وقد بدأت القواعد العسكرية الأمريكية بالفعل تكثف الجهود لتقليل بصمتها الكربونية باعتبار ذلك جزءاً من استراتيجية القوات المسلحة الخاصة بالتغيرات المناخية. وتتجه القواعد العسكرية الأمريكية بالفعل إلى إنتاج واستخدام الطاقة النظيفة، وخاصةً عبر ألواح وشبكات الطاقة الشمسية؛ وذلك بالإضافة إلى استخدام مواد بناء مستدامة للمنشآت الجديدة.

تحديات التحول

ختاماً
، فإنه بخلاف العمل على إنشاء قواعد عسكرية ذكية، فإن استراتيجيات تحويل القواعد العسكرية التقليدية إلى قواعد ذكية تُناسِب اعتبارات واحتياجات المستقبل، تُواجِه عدداً من التحديات، منها ما يتعلق بمدى مرونة التصميمات الهندسية والمعمارية للقاعدة، وقابلية وجاهزية بنيتها التحتية للتحول إلى قواعد ذكية، والحاجة إلى استثمارات كبيرة، خاصةً في قطاعَي التكنولوجيا والبنية التحتية، واعتماد ميزانيات استثنائية لتلك القواعد من أجل عملية التحول، فضلاً عن التحدي المرتبط بالحاجة إلى استمرار تشغيل القواعد العسكرية جنباً إلى جنب مع خطوات التحول والتحديث، خاصةً تلك القواعد الاستراتيجية والشديدة الأهمية.




 
عودة
أعلى