احدى المعارك من معارك البطولة االمغيبة
كان مركز عين الزانة الذي يقع بالقرب من الحدود التونسية، ويبعد عنها بـ 9 كلم، ويبعد عن غار الدماء بـ 25 كلم يشكل مصدر قلق لوحدات جيش التحرير الوطني التي تعمل في القطاع، إذ كان يعرقل خططها وعملياتها وإسنادها للوحدات بالداخل، لما يتميز به هذا المركز من موقع مسيطر على المنطقة، وبما يشتمل عليه من وحدات متعددة الأسلحة من مدفعية، مظليين، حركة
وقد فكرت قيادة أركان الشرق الجزائري ـ آنذاك ـ في التخطيط لمهاجمة هذا المركز ووضع حد لنشاطه، فقررت تنظيم هجوم شامل على كامل الجزء الشمالي من الحدود الشرقية، مستهدفة إزعاج المراكز المنتشرة على طولهابهدف التغطية والتمويه على العملية الرئيسية التي استهدفت مركز عين الزانة، ومنع العدو من توجيه نجداته نحوه
بدأ التحضير للمعركة مبكرا، ففي شهر أفريل 1959 أبلغ المرحوم عبد الرحمن بن سالم، الذي كان قائدا للمنطقة 2 والفيلق 2 في نفس الوقت أقرب مساعديه بهجوم محتمل على مركز عين الزانة
وقد تقررت مشاركة الوحدات القتالية لكل من:
الفيلق الثاني بقيادة المرحوم عبد الرحمن بن سالم، والذي تلقى أسلحة جديدة في هذه الفترة بالذات من رشاشات 12.7، هاونات 60، قواذف صاروخية، ومدافع عديمة الإرتداد..مما شجع على القيام بعملية كبيرة ضد مركز عين الزانة، وتحضيرا لهذه العملية أمر المرحوم عبد الرحمن بن سالم بفتح مركز صغير لتدريب أفراد الفيلق على هذه الأسلحة لإتقان استعمالها، وكذا فيلق العربي بن مهيدي بقيادة عبد القادر شابو، وفيلق ديدوش مراد بقيادة سليمان عثمان، فبعد أن أستطلع إطارات الفيالق الثلاثة مركز عين الزانة عدّة مرات، وضع مخطط للمعركة ثم تخت الرمل وضح إلى أبعد حد مركز عين الزانة وتحصياناته ومواقع أسلحته ..
وفي يوم 12 جويلية مساء، اجتمع حوالي 50 إطارا حول تخت الرمل لدراسة الموقف واتخاذ القرار، وكان من بين الحضور: العقيد سي ناصر قائد أركان الشرق الجزائري آنذاك، عبد الرحمن بن سالم، الأخضر الورتي، بشيشي، عبد المالك قنايزية، سليمان عثمان، الحفناوي، مختار كركب، محمد علاق، محمد بتشين، الهادي قميقم، عبد القادر شابو، رشيد ميدوني، مقناوي وغيرهم، وتقرر في هذا الاجتماع أن يكون الهجوم في ليلة 13 ـ 14 جويلية، وبالضبط في الساعة الواحدة من يوم 14 جويلية، في نهار 13 جويلية انتقلت كل الوحدات، حيث تقرر أن تقوم كل كتيبة بمهمة محددة ومعينة، إلى نقاط تمركزها بالقرب من المركز في إنتظار ساعة الصفر وقد خصص المحور الأول لفيلق إبن مهيدي، الذي نفذ الهجوم من الشرق إلى الغرب، وخصص المحور الثاني للفيلق ديدوش الذي نفذ الهجوم من الغرب إلى الشرق، بينما كلفت وحدات من الفيلق الثاني بالإسناد ونصب الكمائن على الطرق المؤدية إلى مركز عين الزانة، لمنع وصول النجدات العسكرية إليه، وكذلك مهاجمة بعض النقاط والمراكز الأخرى ..
بدأ الهجوم بالتمهيد الناري من طرف المدفعية التي أسكتت مدفعية العدو، ودمرت بعض منشئاته وحطمت نظام الإنارة الليلية، وبعد 20 ـ 30 دقيقة من التمهيد الناري، بدأ عناصر الفيلق ديدوش في التقدم للإقتحام، في نفس الوقت الذي كانت فيه وحدات من فيلق إبن مهيدي تتقدم بدورها للدخول إلى المركز واحتلاله من الجهة الأخرى .
وعندما اشتدت ضربات جيش التحرير الوطني انسحب الفرنسيون إلى الدشم والحصون وأغلقوا على أنفسهم، بينما دخل جنود جيش التحرير الوطني إلى المركز، فأنزلوا العلم الفرنسي ورفعوا العلم الجزائري، الذي ظل يرفرف عاليا حتى الساعة العاشرة صباحا من 14 جويلية من عام 1959.
وقد دامت المعركة عدة ساعات، ومع تباشر فجر اليوم الجديد، انسحب المجاهدون بعد أن غنموا بعض الأسلحة والوثائق والأسرى، وخلفوا وراءهم عددا من القتلى في صفوف الفرنسيين، بينما كانت خسائر جيش التحرير الوطني تتمثل في شهيدين، وبعض الجرحى الذين نقلوا من أرض المعركة ليعالجوا في مستشفيات الثورة.
أما الخسائر المادية التي منيت بها القوات الفرنسية فقد كانت كبيرا جدا، إذ أن المركز قد دمر تقريبا عن آخره، مما اضطر جيش الاحتلال لإعادة بنائه من جديد فيما بعد.
لقد كانت معركة عين الزانة واحدة من المعارك الكبرى لجيش التحرير الوطني، ودليلا قاطعا على قوة الثورة وقدرة أفرادها، إذ برهن الثوار في هذه المعركة على أنه ليس صعبا عليهم أن يخوضوا معركة تقليدية بكل ماتتطلبه من تحضير وتنظيم وتنفيذ دقيق
منقول