مشروع إعمار الكويرة المغربية

إنضم
4 مارس 2020
المشاركات
4,881
التفاعل
8,630 92 0
الدولة
Morocco
منذ تأمين تدفق حركة الأفراد والسلع على مستوى معبر الكركرات في 13 نونبر 2020، أخذ توجه مغربي جديد في التشكل في أقاليم الصحراء على مدار الأشهر السابقة، يستهدف تنمية المنطقة الممتدة بين مدينتي الداخلة والكويرةلتي يفصل بينهما نحو 446 كيلومترا وتحويلها إلى جاذبة للاستثمار، خاصة بعد تمديد الجدار الرملي جنوبا وتعزيز الجيش المغربي لوجوده في 40 كيلومترا مربعا بالمنطقة العازلة للكركرات في أعقاب تدخل القوات المسلحة الملكية لإنهاء حالة العرقلة التي تسبب فيها نحو ستين شخصا مؤطرين من قبل البوليساريو، وبدء تشييد ميناء الداخلة الأطلسي بغلاف مالي يناهز مليار دولار بعد اختيار الحائز على الصفقة[1] في 30 أبريل 2021، وانطلاق أشغال إقامة منطقة لوجستيكية للتبادل التجاري في الكركرات في 31 يوليوز 2021، إضافة إلى بدء مخطط إعمار الكويرة؛ المدينة المنسية التي تتمتع بوضعية خاصة.
1.jpg

ورغم ما يظهر من الوهلة الأولى على أن الإجراءات الجديدة سيادية، تدخل ضمن حرص المغرب على حماية صحرائه وضمان احترام سيادة أراضيه، إلا أن نظرة استشرافية لما يجري على الأرض تُظهر وجود أبعاد جيوسياسية ترتبط بوضع ضمانات على أرض الواقع لزيادة ثقة المجتمع الدولي في مقترح الحكم الذاتي.
FB_IMG_1619891642009.jpg

ملامح التوجه الجديد

في 13 نونبر 2020، أعلن المغرب تحركه من أجل وضع حد لحالة العرقلة الناجمة عن تحركات عناصر من البوليساريو في المنطقة العازلة للكركرات وإرساء حرية التنقل المدني والتجاري[2]، وذلك في أعقاب وجود مجموعة تضم حوالي 50 شخصا، من بينهم نساء وطفل واحد على الأقل في المنطقة العازلة في الكركرات منذ 21 أكتوبر[3]، والذين التحق بهم لاحقا ما يصل إلى 12 فردا مسلحا بالزي العسكري[4]، وقيامهم بوضع حاجز على الجزء المعبد من الطريق داخل المنطقة العازلة، ما تسبب في عرقلة حركة المرور كليا بين المغرب وموريتانيا.
FKCMnPSWUAQdkk9.png


وبعد توجيه المغرب إنذارين اثنين لعناصر البوليساريو للانسحاب من المنطقة، أولهما في 7 نونبر 2020 في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء، حين أعرب أن المغرب “سيتصدى بكل قوة وحزم، للتجاوزات التي تحاول المس بسلامة واستقرار أقاليمه الجنوبية[5]“، وثانيهما في 12 نونبر 2020 لما وجه الملك رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة حثه على “مضاعفة جهوده لتسوية فورية ونهائية للأعمال الاستفزازية غير المقبولة والمزعزعة للاستقرار”[6] في المنطقة العازلة في الكركرات، تدخلت القوات المسلحة الملكية في 13 نونبر، نتج عن ذلك انسحاب عناصر البوليساريو وتأمين معبر الكركرات بشكل كامل[7]، وتشييد جدار رملي طوله 20 كيلومترا في الكركرات جعل الجيش الملكي المغربي يعزز وجوده عبر مساحة تناهز 40 كيلومترا مربعا من الأراضي في المنطقة العازلة[8].
lagouira-sahara.jpg

خمسة أشهر بعد هذه العملية، تحديدا في 30 أبريل 2021، أعلنت وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك عن اسم الفائز في مناقصة لبناء الميناء الجديد الداخلة الأطلسي[9]، وهو حاليا قيد الإنشاء، وسيكون الأكبر في إفريقيا، بالتوازي مع استمرار العمل في بناء طريق سريع يربط بين مدينتي تيزنيت والداخلة على طول 1050 كلم[10]، والذي كان موضوع اتفاقية شراكة وقعت شهر فبرير 2015، وأعطى انطلاقته الملك محمد السادس بمناسبة تخليد الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء في نونبر 2015.

وفي 31 يوليوز 2021، أعلن المغرب بشكل رسمي إطلاق مشروع فريد، يتعلق بتشييد مناطق لوجستيكية على مستوى المعبر الحدودي الكركرات ومركز بئر كندوز لتعزيز التبادل التجاري بين المغرب وإفريقيا[11]، على مساحة 30 هكتار لكل واحدة وفق أحدث جيل، من خلال إطلاق طلبات عروض متعلقة بأشغال التهيئة، وسط حديث يروج لأول مرة منذ استرجاع الصحراء عن إعمار الكويرة[12] وجعلها قطبا سياحيا.

تبدو الدوافع الرئيسية وراء انخراط المغرب في هذه المشاريع الثلاثة الضخمة ذات طبيعة سياسية. فمن جهة، ظهرت مؤشرات على تقديم المغرب جوابا عسكريا حاسما في مواجهة أي محاولة لتغيير الوضع في المنطقة العازلة كما حصل في الكركرات. ومن جهة أخرى، فإن المغرب كان بحاجة إلى تقديم جواب اقتصادي على الأطروحة الانفصالية يُثمر تحولا جذريا في مسار النزاع.

وإذا كان المغرب قد قدم جوابا عسكريا باستكمال استرجاع صحرائه في غشت 1979، ومواجهة التقسيم الساعي لإقامة مشروع الدولة الانفصالية في جهة الداخلة وادي الذهب، وجوابا سياسيا لاحقا بإدماج ساكنة الصحراء وإشراكهم في تدبير شؤونهم، ثم تنمويا بتفعيل نموذج تنموي في الأقاليم الجنوبية[13] منذ نونبر 2015، استهدف مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي في أقاليم الصحراء الثلاثة خلال عشر سنوات، وخلق 120 ألف فرصة عمل جديدة، وتخفيض نسبة البطالة إلى أقل من النصف[14]، فإن المغرب انتقل بعد نونبر 2020 إلى المرحلة الثانية من تقديم جواب تنموي واقتصادي بعد مرحلة أولى انطلقت تدريجيا منذ استرجاع الصحراء، ومن عناصرها توفير شروط إعمار المنطقة الممتدة بين الداخلة والكويرة لتصبح قِبلة سياحية[15]، خاصة بعد توقيع اتفاق الصيد المستدام[16] سنة 2019 مع الاتحاد الأوروبي والذي أدرج رسميا المناطق البحرية المقابلة لسواحل الأقاليم الصحراوية بما في ذلك الكويرة في الاتفاق، وصدور قانون ترسيم الحدود البحرية[17] في الجريدة الرسمية في 30 مارس 2020.
maxresdefault (1).jpg



يبدو أن المغرب وَطَّد العزم على إعمار الكويرة من خلال الخطوات المعلنة. ومن شأن ذلك تحقيق مكاسب استراتيجية يمكن إجمالها في أربعة:

أولا: وضع حد نهائي لأطماع الجزائر في الحصول على منفذ في الأطلسي عبر الصحراء، والتي كان يُترجمها تسلل عناصر من البوليساريو إلى الكركرات كما حصل في غشت 2016 وأكتوبر 2020 وعلى طول المنطقة الممتدة إلى الكويرة[24].
maxresdefault.jpg


ثانيا: إنهاء وهم المناطق المحررة بالنسبة للبوليساريو التي لطالما اعتبرت المنطقة خلف الجدار -ضمنها الكويرة- “محررة”، في الوقت الذي توجد تحت مسؤولية الأمم المتحدة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991، علما أنه لم تتم الاستجابة إطلاقا لمطالب البوليساريو بالانتشار العسكري في المنطقة الممتدة من شرق الجدار إلى الحدود الدولية للمغرب مع الجزائر[25]، وذلك رغم تكرار هذه المطالب.

ثالثا: التأسيس لشروط تكامل اقتصادي متقدم مع موريتانيا، إذ يمكن لتحول الكويرة إلى منطقة سياحية أن يعود بالنفع على مدينة نواذيبو الموريتانية القريبة.

رابعا: تقديم ضمانات على أرض الواقع لزيادة ثقة المجتمع الدولي في مقترح الحكم الذاتي، حيث من شأن إعمار المنطقة الممتدة من الكركرات إلى الكويرة أن يساهم في تحقيق تنمية اقتصادية تعود بالنفع على ساكنة الصحراء.
 
عودة
أعلى