سياسة استمرار صمود باخموت وحقيقة حاجة روسيا لأسلحة حلفائها
بعد التطويق الذي قارب الاكتمال لباخموت بدء الروس بالاقتحام المدينة، وبعد أن قرر الأوكران الانسحاب منها عادوا وقرروا الصمود من جديد!
وشاع عن وجود خلاف بين القيادة السياسية والعسكرية الأوكرانية، وكانت القيادة العسكرية مع الرأي الأمريكي بانسحاب المدافعين للتحول لقوات هجومية كبيرة في محاولة لاسترداد ما سلب منها، على أيدي القوات الروسية.
وهذا النصر للأوكران شبه مستحيل بالظروف القتالية الحالية، والصمود الطويل للمدافعين الأوكران مستحيل اليوم، مع اتباع قوات فاغنر التخصصية لتكتيكات جديدة وتشكيلات خاصة بالعملية الاقتحامية الاختراقية، فقد أصبح مع كتيبة مشاة فاغنر الاقتحامية المعززة من محاربي النخبة القتالية، كتيبة مدرعة مستقلة تكتيكية ويدعم هذا التشكيل الاقتحامي الاختراقي فوج دعم مدفعي!
وبطريقة هجوم الصاعقة الهتلرية النازية، حيث تتحول كتيبة فاغنر (2500 محارب) إلى 100 فصيل قتالي (25 محارب) على شكل أرتال مشاة متتابعة تتحول أثناء التقدم الهادئ التسللي أو الصاعق السريع الهجومي إلى مجموعات محاربة خمسية الأفراد، يتمركز مجاميع الاستطلاع منها عند نقاط متقدمة معينة لتفعيل الكشف المتقدم بالمناظير النهارية والليلية وبواسطة الدرونات الفردية الصغيرة الرباعية المراوح، التي تقوم بعملية الاستطلاع اللحظي مع استخدام المضيئات الليزرية لإدارة نيران الدعم المدفعي، ونيران النفاثات الضاربة التكتيكية ونيران المروحيات الهجومية، ويتقدم هذه المجموعات مجموعات الاسناد بالمدافع الرشاشة المتوسطة والخفيفة وقاذفات الرومانات الرشاشة والهاونات الخفيفة عيار 60 ملم والمتوسطة عيار 81 ملم، ويتقدم الجميع مجموعات الصاعقة الاقتحامية التي يرافقها الدبابات والمدرعات الخاصة بالكتائب التكتيكية، وكل ذلك يتم تحت نيران القذائف الأرضية والجوية، وهو ما يصنع حالة صدمة وارباك واخماد للمجموعات المدافعة الأوكرانية رغم أن أكثرها اليوم قوات نخبة احترافية!
ويمكن تشبيه تكتيك مشاة فاغنر المندفعة الصاعقة الفدائية، بطلقة بندقية الصيد المندفعة الانشطارية بالكرات المعدنية الصغيرة، وهو تكتيك خفف خسائر قوات فاغنر الفدائية بشكل كبير بوجود الغطاء الناري المواكب الغزير والجراحي الدقيق.
وهذا التكتيك مكن فاغنر من الاستيلاء على قرابة 10% إضافية من مساحة باخموت خلال أيام قليلة وقاربت مساحة روسيا في باخموت 60% من مساحة هذا الحصن الحصين، رغم حصانة دفاعات باخموت الأوكرانية.
وتمكنت قوات فاغنر الخاصة بعملية سرية تسللية ليلية من الناحية الشمالية من الدخول إلى مصنع أزوف الأكثر تحصين رغم وجود قوات النخبة القومية الخاصة كراكن، وساعد بذلك انشغال المدافعين الأوكران بالهجمات فاغنر الرئيسية، خاصة أن هجمات صاعقة فاغنر الفدائية، تناوبية أي تقوم قوات فاغنر بالثبات بالموقع المستولى عليها، والتحول لقوات اسناد ودعم قريب للموجة الثانية الصاعقة الهجومية الفدائية، ثم مغادرة المواقع الدفاعية، لمتابعة الهجوم بعد تسليمها لقوات روسية أقل كفاءة هجومية، وأكثر تخصص من الناحية الدفاعية، من مشاة البنادق الروسية، وهكذا.
وهذا النجاح والاندفاع الجامح ينفي للمرة الثانية فكرة نقص الامداد الروسي لقوات فاغنر، ويمهد بذات الوقت لفكرة استقلال فاغنر عن باقي تشكيلات القوات المسلحة الروسية، من الناحية اللوجستية، خاصة وأن قوات فاغنر تعتمد مبدأ تنوع مصادر التسليح، ولا تعتمد فقط على الأسلحة الروسية!
والأن يأتي السؤال ما دام سقوط باخموت حتمي، فلما خالف الرئيس الأوكراني هذا المنطق وخالف قيادته العسكرية والمشورة الأمريكية؟!
وللإجابة على ذلك نقول الأمر غير محصور بتصريح زيلينسكي بأن باخموت هي بوابة سقوط باقي إقليم الدونباس وخاصة مقاطعة دونيتسك، فكان الأفضل تحول قوات النخبة المحاربة الأوكرانية إلى قوات هجومية، لأن خير وسيلة للدفاع الهجوم الذي قد يجبر الروس على أن يأخذوا من جديد وضعية دفاعية وفق التقديرات الأمريكية، خاصة أن من سوف يقاوم هذا الهجوم أكثرهم من القوات روسيا النظامية، وليس قوات فاغنر الارتزاقية، وكان من الأفضل والأجدر للألوية الأوكرانية الخمسة الهجومية خارج باخموت أن تسهل انسحاب النخبة المدافعة الأوكرانية بدل أن تنضم إليها!
والحقيقة أن هذا القرار السياسي بالصمود لقوات النخبة الأوكرانية في أرتيموفسك (باخموت) هو لأن الانسحاب الأوكراني سوف يكون بمثابة الانتحار تحت النيران الكثيفة والدقيقة الروسية، وقوة المؤازرة الجديدة الخارجية، ليست للانضمام لقوات النخبة الأوكرانية، إنما لتبديل القوات المدافعة الأوكرانية المنهكة من النخبة بقوات جديدة ربما تكون أقل كفاءة وخبرة قتالية، ولكنها مناسبة للحالات الدفاعية، وهذا الهجوم سوف يكون الغاية منه إشغال النيران المضادة الروسية وإيصال اللوجستيات بالقوة إلى الجبهة الأوكرانية في باخموت، ورغم أنها مغامرة إلا أنها مقامرة ولكن في أسوء أحوالها قد تطيل فترة سقوط باخموت، وفي أحسن أحوالها قد تمنح الأوكران فرصة جديدة لإعادة الانتشار في باخموت واستعادة باقي أجزاء باخموت المسلوبة من أيدي الأوكران من طرف فدائي فاغنر.
ويبدو أن الروس وعوا لهذه الاستراتيجية القتالية المدارة من طرف قيادات الناتو، وبدئوا باستراتيجية تبديد وتشتيت القوات المؤازرة الأوكرانية، وإلحاق بها خسائر كبيرة، وضرب احتياطاتها اللوجستية، وإعادة تنشيط قوات فاغنر الفدائية بإمدادها بكافة احتياجاتها اللوجستية، لإفشال هذا المخطط الغربي على المدى القريب وإفشال أركان النجاح على المدى البعيد لتنفيذ الهجوم المضاد الأوكراني بإدارة غربية!
ومن ناحية أخرى فإن غراسيموف رئيس أركان الحرب الروسية، وقائد العملية العسكرية في أوكرانيا، مقيد بإنهاء عملية الاسترداد والتحرير لباقي إقليم الدونباس وفق أوامر بوتين، بنهاية شهر مارس الحالي، حتى لو اطر لاستخدام أسلحة فتك مساحي غير اعتيادية، حتى أن التقديرات الأولية حول خسائر الأوكران في الحصن الاستراتيجي الثاني أفيديفكا الحصينة تفوق مجموع خسائرهم في باخموت!
وغالباً السبب استخدام الروس بشكل كبير لقنبلة متطورة جوية مضادة للتحصينات، رأسها التفجيري الشديد الفتك يتجاوز زنة طن ربما من مادة تروتيل الضغطية الحرارية، والتي تخترق أقوى التحصينات الأوكرانية، وهي من نوع أوباب UPAB-1500V أو تسمى KAB-1500S التي يصل مداها إلى 50 كم وتوجه بالقصور الذاتي والأقمار الصناعية الروسية والأمريكية والصينية، في حالة تم التشويش على الإشارات الفضائية الروسية!
حيث تقوم هذه القنبلة على وجه الخصوص بإبادة قوات النخبة من المارينز الأوكراني في مخابئها الحصينة تحت الأرض، وقائياً، قبل تحولها للحالة الدفاعية فوق الأرض!
لذلك الاستراتيجية الأوكرانية الحالية، هي تعجيل زمن الهجوم الارتدادي الأوكراني، وبدء تضخيم الحشود الأوكرانية، وتسريع تسليحها بالعتاد الغربي الثقيل، لتنفيذ هجوم مماثل للهجوم الغربي القيادة في خاركييف، الذي نزع من يد الروس السيطرة على مناطق مهمة من ذلك الإقليم، ولكن هذه المرة سوف يكون على ما يبدو تجاه الشرق وليس الجنوب الأوكراني في زبوروجيا كما كان مقرر!
ويتم اليوم من طرف الناتو تسريع تحديث باقي طائرات فالكرم (نقطة الارتكاز) ميغ 29 الموجودة لدى الدول التابعة للناتو وتستحوذ من قبل على الأسلحة السوفيتية، لتحمل قنابل ذخائر الهجوم المباشر المشتركة "جيدام" JDAM الموسعة المدي ER لثلاثة أضعاف أقصى مدى للنماذج الأساسية أي حتى 72 كم، وذلك بإضافة أجنحة توجيهية، ولاستيعاب صواريخ أمرام AMRRAM المتوسطة المدى المضادة للطائرات في محاولة لردع ملكة المقاتلات الروسية سوخوي 35!
إضافة لأحدث نماذج صواريخ هارم HARM المضادة للرادارات الروسية، وتهيئة قاذفات فيسنر (السياج) سوخوي 24 لأطلاق صواريخ ستورم شادو (عاصفة الظل) الجوالة البريطانية.
إلا أنه في الغالب لن ينجح تكرار هذا الأمر وأعني الهجوم الجديد الأوكراني، لأن روسيا حشدت له اليوم قوات احتياطية ضخمة هجومية في كافة الاتجاهات ولازالت تدفع لتحقيق ذلك بأحدث أسلحتها وعتادها الثقيل ومنها دبابة بروريف (الاختراق) T-90M الثورية ودبابة أرماتا T-14 المستقبلية بطاقة انتاج موسعة تسلسلية، وذلك لتحقيق التقارب وربما التفوق التقني مع الغرب مع تفوق القدرة والكفاءة القتالية.
أما موضوع حاجة روسيا لدعم التسليح الروسي من طرف حلفاء روسيا، فهو من باب كسب التقنيات فقط في المرحلة الحالية!
ومثال ذلك طائرة شاهد الكميكازية الايرانية، التي أرسل منها في بداية الحرب نماذج لدراستها من طرف الروس وإعادة إنتاجها بخبرات محلية روسية تحت أسم "غيران تو" ولكن بتعديلات ومواصفات روسية مناسبة للبيئة الأوكرانية، بعد تجربة النماذج الإيرانية وكشف عيوبها التقنية والملاحية، قبل القيام بالتعديلات المناسبة على النماذج الروسية، أما موضوع ذخائر كوريا الشمالية، فاسترداها إن نم فهو غالباً سوف يكون لصالح مؤسسة فاغنر الأمنية، لكثرة اعتمادها على العتاد السوفيتي وخاصة المدفع الميداني المقطور العالي الدقة عيار 122 ملم من نوع "دي 30"، والمدافع الذاتية الحركة من نفس العيار من نوع فوزلكا، فقوات فاغنر وفق تصريح مؤسسها تستهلك يومياً 15 ألف قذيفة، علماً أن باقي القوات الروسية في كل الجبهات متوسط استهلاكها اليومي 20 ألف قذيفة!
أما الصين فقد زودت روسيا بكميات كبيرة جداً من الرقائق النانوية الالكترونية، قبل أن تكمل روسيا انشاء أربعة معامل محلية لهذه الرقائق، وربما تزود الصين روسيا اليوم بمكونات درونات بعيدة المدى كميكازية تسللية أكثر شبحية وأطول مدى من غيران تو وتحمل رؤوس تفجيرية، أثقل وأكثر قدرة تدميرية، وهي صامتة إلكترونيا لأنها لا تحتاج لتوجيه لاسلكي بسبب عناصر الذكاء الصناعي المتطور فيها مما يجعلها تتوجه إلى هدفها بطريقة ذاتية.
ويرجح أن تنقل الصين إلى روسيا أيضاً مكونات صواريخ جافلين الصينية!