في عالم الاستثمار وعلى وجه أخص في الشركات الخاصة – غير المدرجة في سوق الأسهم -، يوجد نوعين من المستثمرين: مستثمر استراتيجي ومستثمر مالي. والمستثمر الاستراتيجي هو ذلك النوع من المستثمرين الذي يشتري حصصًا في شركات يكون نشاطها إما مشابه لنشاطه أو مكمل له. فمثلًا، شركة ألبان عملاقة تستثمر في شركة ألبان صغيرة، أو تستثمر في شركة تقوم بصناعة عبوات الألبان. هذا مستثمر يبحث في الغالب عن مجال يعرفه ويستهدفه إما للتوسع أو رفع جودة عملياته عن طريق الاستثمار به. أما المستثمر المالي فهو مستثمر يشتري حصصًا في شركات، بغض النظر عن القطاعات التي تعمل بها. فهو هنا قد يستثمر في شركة الألبان الصغيرة، أو شركة التعبئة أو قد يستثمر في مصنع للملابس، والهدف هنا هو تحقيق عوائد رأسمالية صرفه. وفي هذا المقال سنناقش الاستثمار الاستراتيجي في الشركات الناشئة التقنية.
إن غالب من يستثمر في الشركات الناشئة التقنية هم مستثمرون ماليون، ولكن لديهم صورة سلبية عن المستثمر الاستراتيجي. هذه الصورة لم تأت من فراغ بالطبع، ولكنها قد تكون ضخمت أو لم يتم تقييمها بشكل سليم. فباعتقادي، أرى أن المستثمر الاستراتيجي مفيد جدًا للشركات الناشئة، كون المستثمرين من هذا النوع هم في الغالب الأعم أصحاب خبرة متراكمة في الأمور الفنية التشغيلية، لأنهم يستثمرون في قطاعات مكملة أو مشابهة تماما لنشاطهم. هذه الخلفية تختصر على الشركة الناشئة الكثير من الوقت والجهد للوصول لها. إضافةً إلى أن ما يقوم به المستثمر الاستراتيجي من ضمان تدفق وحتى رفع مبيعات الشركة الناشئة. ومع ذلك، فإن الرياديين ومؤسسين الشركات الناشئة التقنية يجب عليهم الانتباه إلى نقاط معينة حين يتحدثون إلى مستثمرين استراتيجيين؛ لأنهم في الغالب يستثمرون تبعًا لأجندة واضحة يرغبون بتفعيلها منذ اليوم الأول.
أولًا: هذه الأجندة قد يكون من ضمنها تحويل مسار الشركة الناشئة إلى استراتيجيات تناسب شركته هو، ولكنها لا تناسب الشركة الناشئةبالضرورة. مثال: شركة الألبان في المثال السابق قد تدفع شركة التعبئة لتصنيع عبوات ملائمة لمنتجاتها هي، إما من حيث الحجم أو الشكل، ولكنها ليست بالضرورة مناسبة لقطاع السوق ككل. هذا قد يرفع من التكاليف ويغير من نماذج عمل الشركات الناشئة. أو ربما قد يضغط على الشركة الناشئة للعمل بشكل حصري معه، هذا وإن كان يوجد ضمان لتدفق مستثمر ومضمون للإيرادات، إلا أنه يفوت الفرصة على الشركة الناشئة في النمو والتوسع وتكوين علاقات مع المنافسين للمستثمر الاستراتيجي.
ثانيًا: حصول المستثمر الاستراتيجي على حصة من الشركة الناشئة يعني حصوله على حق طلب كامل المعلومات المتعلقة بعمل الشركة الناشئة. هذا قد يضر بعلاقة الشركة الناشئة بمنافسين المستثمر الاستراتيجي. كيف ذلك؟ لنفترض أن شركة التعبئة قررت التعاقد مع شركة ألبان أخرى منافسه للمستثمر الاستراتيجي، وعلمت الشركة الأخرى أن منافستها قد استثمرت بشركة العبوات هذه ولها الحق في الحصول على معلومات العقود والتشغيل. فهل ستتحمس للتعاقد معها؟ في الغالب لن تفعل!
أخيرًا: المستثمر الاستراتيجي قد يصبغ الشركة الناشئة بثقافته وبيئته. إن أهم ما يميز الشركات الناشئة هو مرونتها وقدرتها على التغيير والتحرك بسرعة. فإذا استثمرت فيها شركة كبيرة وفرضت عليها أساليب عمل معينة ، فقدت الشركة الناشئة مرونتها وتحولت لشركة فيها إجراءات ولوائح وعمليات مقعدة لاتخاذ القرار، الأمر الذي يفقدها روح الشركة الناشئة.
لهذه الأسباب وغيرها ينصح مستثمري رأس المال الجريء الرياديين بعدم إدخال مستثمرين استراتيجيين في الشركات الناشئة، بل إن بعضهم قد يعزف عن الاستثمار إذا علم أن مستثمرًا استراتيجيًا قد وضع يده على حصصًا في الشركة الناشئة، بسبب المخاطر التي يتصورها. أما أنا فأميل إلى أن العقد شريعة المتعاقدين، وأن الريادي إذا دخل في مفاوضات صريحة وشفافة مع المستثمر الاستراتجي فسوف ينجح في تحويل المخاطرة إلى فرصة. الأهم أن تكون محددات العلاقة واضحة.
إن غالب من يستثمر في الشركات الناشئة التقنية هم مستثمرون ماليون، ولكن لديهم صورة سلبية عن المستثمر الاستراتيجي. هذه الصورة لم تأت من فراغ بالطبع، ولكنها قد تكون ضخمت أو لم يتم تقييمها بشكل سليم. فباعتقادي، أرى أن المستثمر الاستراتيجي مفيد جدًا للشركات الناشئة، كون المستثمرين من هذا النوع هم في الغالب الأعم أصحاب خبرة متراكمة في الأمور الفنية التشغيلية، لأنهم يستثمرون في قطاعات مكملة أو مشابهة تماما لنشاطهم. هذه الخلفية تختصر على الشركة الناشئة الكثير من الوقت والجهد للوصول لها. إضافةً إلى أن ما يقوم به المستثمر الاستراتيجي من ضمان تدفق وحتى رفع مبيعات الشركة الناشئة. ومع ذلك، فإن الرياديين ومؤسسين الشركات الناشئة التقنية يجب عليهم الانتباه إلى نقاط معينة حين يتحدثون إلى مستثمرين استراتيجيين؛ لأنهم في الغالب يستثمرون تبعًا لأجندة واضحة يرغبون بتفعيلها منذ اليوم الأول.
أولًا: هذه الأجندة قد يكون من ضمنها تحويل مسار الشركة الناشئة إلى استراتيجيات تناسب شركته هو، ولكنها لا تناسب الشركة الناشئةبالضرورة. مثال: شركة الألبان في المثال السابق قد تدفع شركة التعبئة لتصنيع عبوات ملائمة لمنتجاتها هي، إما من حيث الحجم أو الشكل، ولكنها ليست بالضرورة مناسبة لقطاع السوق ككل. هذا قد يرفع من التكاليف ويغير من نماذج عمل الشركات الناشئة. أو ربما قد يضغط على الشركة الناشئة للعمل بشكل حصري معه، هذا وإن كان يوجد ضمان لتدفق مستثمر ومضمون للإيرادات، إلا أنه يفوت الفرصة على الشركة الناشئة في النمو والتوسع وتكوين علاقات مع المنافسين للمستثمر الاستراتيجي.
ثانيًا: حصول المستثمر الاستراتيجي على حصة من الشركة الناشئة يعني حصوله على حق طلب كامل المعلومات المتعلقة بعمل الشركة الناشئة. هذا قد يضر بعلاقة الشركة الناشئة بمنافسين المستثمر الاستراتيجي. كيف ذلك؟ لنفترض أن شركة التعبئة قررت التعاقد مع شركة ألبان أخرى منافسه للمستثمر الاستراتيجي، وعلمت الشركة الأخرى أن منافستها قد استثمرت بشركة العبوات هذه ولها الحق في الحصول على معلومات العقود والتشغيل. فهل ستتحمس للتعاقد معها؟ في الغالب لن تفعل!
أخيرًا: المستثمر الاستراتيجي قد يصبغ الشركة الناشئة بثقافته وبيئته. إن أهم ما يميز الشركات الناشئة هو مرونتها وقدرتها على التغيير والتحرك بسرعة. فإذا استثمرت فيها شركة كبيرة وفرضت عليها أساليب عمل معينة ، فقدت الشركة الناشئة مرونتها وتحولت لشركة فيها إجراءات ولوائح وعمليات مقعدة لاتخاذ القرار، الأمر الذي يفقدها روح الشركة الناشئة.
لهذه الأسباب وغيرها ينصح مستثمري رأس المال الجريء الرياديين بعدم إدخال مستثمرين استراتيجيين في الشركات الناشئة، بل إن بعضهم قد يعزف عن الاستثمار إذا علم أن مستثمرًا استراتيجيًا قد وضع يده على حصصًا في الشركة الناشئة، بسبب المخاطر التي يتصورها. أما أنا فأميل إلى أن العقد شريعة المتعاقدين، وأن الريادي إذا دخل في مفاوضات صريحة وشفافة مع المستثمر الاستراتجي فسوف ينجح في تحويل المخاطرة إلى فرصة. الأهم أن تكون محددات العلاقة واضحة.