الأرانب التـــي ساهمــت فـــي إنقـــاذ حيـــاة أطقـــم العربـــات المدرعـــة
في المرحلة ما قبل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية وتحديداً في سبتمبر العام 1943، قررت القيادة العسكرية السوفييتية إصدار نشرة علمية تقنية متخصصة، أطلق عليها "نشرة صناعة الدبابات" Tank Industry Bulletin. العدد الأول من هذه النشرة عرض بداية في شهر يناير العام 1944، عندما بدا من الضروري تلخيص التجارب السوفييتية الواسعة في صناعة واستخدام الدبابات، خصوصاً بعد خبرات معركة "كورسك" Kursk (5 يوليو - 23 أغسطس العام 1943) التي شهدت معركة الدبابات الأكبر في التاريخ العسكري بين قوات ألمانيا النازية والجيش الأحمر السوفييتي.
النشرة كانت تحت إشراف هيئة تحرير تضم كبار علماء ومصممو صناعة الدبابات السوفيتية. وفي بداياتها، جميع أعدادها حملت طابع السرية secrecy stamp، لكن هذا الوضع تغير بعد مرور 40 عاماً من صدورها وأصبحت النشرة متاحة لتشكيلة كبيرة من القراء. ومع مرور الوقت، النشرة تطورت وكبر حجمها وأصبح اسمها "نشرة العربات المدرعة" Bulletin of armored vehicles.
نشرة العربات المدرعة هذه كشفت في أحد أعدادها عن التجارب السوفييتية والاهتمام بدراسة تأثيرات الانفجار explosion effects على أطقم العربات المدرعة. واحدة من أوائل مثل هذه المواضيع نشرت في العام 1979، حيث تم اختيار الأرانب والكلاب كأجسام نموذجية للاختبار. لقد حرص الخبراء السوفييت على تقييم كثافة الضرر damage intensity بالتغييرات في حالة وسلوك هذه الحيوانات.
وبالإضافة لمراقبة وضع الأعضاء والأنسجة، كان هناك قياس ومتابعة لبعض المؤشرات الكيميائية ونشاط وظائف الكبد ومستوى سكر الدم والأحماض الدهنية fatty acids على وجه الخصوص. لقد قام المختصون بتفجير الدبابات بالمتفجرات الشديدة والألغام ذات الشحنات التراكمية، في حين أجريت ذات الاختبارات على عربات نقل الجنود المدرعة باستخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد وألغام التشظية fragmentation mines. في الحقيقة نحن نستطيع الافتراض أن تلك الدراسات لتأثير المتفجرات على أطقم الدبابات والعربات المدرعة بدأت بالتزامن مع الحملة العسكرية السوفييتية في أفغانستان.
أثناء التجارب، كل حيوان وضع في قفص بشكل منفرد، وبعد ذلك هم وضعوا على مقاعد طاقم الدبابة. بالنتيجة، أكثر من دزينة حيوانات استخدمت في مثل هذه التجارب الطبية الحيوية. في نفس الوقت، باحثون من معهد هندسة العربات ذاتية الحركة Vniitransmash (المعهد المسؤول عن متابعة تطوير وإنتاج العربات المدرعة الروسية بكافة تصنيفاتها بالإضافة لمشاريع البحث العلمي) تبنوا التصنيف التالي لتقييم الضرر:
1. أضرار خفيفة: تمزقات جزئية في طبلات الأذن، نزف محدود في الرئتين وكذلك أسفل الجلد وفي النسيج العضلي.
2. أضرار متوسطة: اتلاف كامل لطبلات الأذن، نزيف في الغشاء المخاطي وتجويف الأذن الوسطى، نزيف شديد تحت الجلد وتهتك في النسيج العضلي وكذلك في الأعضاء الداخلية، وتهتك في الأغشية وفتق دماغي شاملاً نزيف في الرئتين.
3. أضرار حادة: كسور عظمية، تمزقات ونزيف في الألياف العضلية، والأغشية المصلية للصدر والتجاويف البطنية، إصابات حادة في الأعضاء الداخلية، نزيف في الدماغ وأغشيته.
4. أضرار بنتائج قاتلة.
لقد ظهر للباحثين السوفييت أن أكثر أنواع الألغام خطورة على أطقم الدبابات هو النوع ذو الشحنة المتراكمة المضاد للقاع anti-bottom mines ونحو 3% من الحيوانات التجريبية قضيت على الفور لحظة الانفجار (يعمل هذا النوع من الألغام على ثقب تدريع بطن العربة وبالتالي تشتيت الشظايا المعدنية في داخلها بشكل عشوائي لقتل الطاقم أو جرحهم على أقل تقدير).
في المقابل، استطاعت الأرانب والكلاب مقاومة انفجارات الألغام الأرضية أسفل الجنازير، فلم يكن هناك وفيات على الاطلاق ونحو 14% من الحيوانات لم يلحق بها أي إصابات تذكر، في حين 48% عانوا من جروح طفيفة و38% كانت لديهم إصابات متوسطة. الباحثون في تجاربهم لم يكتفوا بتفجير الألغام أسفل الجنازير، ولكنهم أيضاً استخدموا شحنات شديدة الانفجار high-explosive لتقييم مستوى الأضرار.
إن لغم شديد الانفجار مع كتلة مادة متفجرة بحدود 7 كلغم، عندما جرى تفجيره أسفل جنزير الدبابة، هو لم يتسبب بأي إصابات إلى حيوانات الاختبار. ومع زيادة كتلة المادة المتفجرة حتى 8 كلغم، الحيوانات تعافت من الصدمة المعتدلة slightly shock بحلول اليوم الثالث. في حين معظم الإصابات الحادة والجدية لحقت بالحيوانات بعد تفجير شحنة ناسفة كتلتها 10.6 كلغم من مادة TNT. في تلك الحالة، الإصابات القياسية الناتجة عن تفجير الألغام الأرضية تركزت على حدوث نزيف في الرئتين والنسيج العضلي وأضرار في الجهاز السمعي auditory apparatus.
من جهة أخرى، تسببت الألغام الأرضية ذات الشحنة المتراكمة المضاد للقاع في حروق لقرنية العين eye cornea وجروح مختلفة نتيجة الشظايا، مصحوبة بكسور عظام ونزيف في النسيج العضلي والأعضاء الداخلية، وأضرار شديدة بطبلات الأذن. الأضرار الأكثر حدة heaviest damage تم تلقيها من قبل فرد الطاقم الجالس بالقرب من مركز الانفجار. في الواقع، اللغم ذو الشحنة المتراكمة يمتلك عند انفجاره في الهدف خصائص وسمات مميزة، مثل الزيادة المتصاعدة في مقدار الضغط خلال فترة زمنية قصيرة جداً ولحد 1.0 كيلوغرام قوة لكل سنتيمتر مربع (أو kgf/cm2). وللمقارنة مع استخدام لغم أرضي بشحنة ناسفة، فإن هذه القيم تنخفض بشكل ملحوظ لتبلغ 0.05-0.07 كيلوغرام قوة لكل سنتيمتر مربع، والزيادات في مقدار الضغط هنا تكون أقل حدة بكثير نسبياً.
ومن خلال الاختبارات، لوحظ أن السائق العربة سوف يكون العنصر الأكثر معاناة من انفجار اللغم الأرضي، والمقعد الذي يجلس عليه قد يواجه تحميل أقصى لنحو 30 g، وتقريباً 200-670 g أسفل قاع الهيكل hull bottom. إن من الواضح ووفق تلك المعطيات، أن سيقان أفراد الطاقم يجب أن تعزل قدر الإمكان من الاتصال والتماس بأرضية الهيكل، ومن أفضل عموماً تعليق مقعد السائق بمرابط خاصة إلى السقف من أجل تخفيض أضرار تحميل الانفجار. لقد استفاد السوفييت من نتائج هذه الاختبارات لتطوير جيل من عربات القتال يوفر حماية أفضل للطاقم من تهديدات الألغام والشحنات الأرضية الناسفة.