المقدمة:
منذ تأسس الشيوعية على يد كارل ماركس وفريدريك أنغلز وبيان أعلانهم في كتاب “بيان الشيوعي”, حلم جميع المنتمين إليه بثورة عالمية تقام على يد الطبقات الأغلبية من العاملين في الفلاحة والمصانع, ويقومون بهدم كل السلطات الحاكمة من الديكتاتورية إلى الجمهورية والديموقراطية لإنشاء السلطة الشيوعية وتوزيع منتوجات الدولة بينهم, فيتوحد العمال والفقراء بما سماهم ماركس بالبروليتاريت بين جميع الدول وينشأ حكومة عالمية جديدة على يد الفقراء وطبقات العاملة الأغلبية, يقومون بالقضاء على طبقات الغنية والحاكمة الطاغية من البورجوازية كما لقبهم ماركس.
علم كافة السامعين بالشيوعية خطورته على الحكومات القائمة وتوقع الجميع بإنها سوف تنتشر بسرعة في جميع رقع الأرض. إلا أنها لم تنتشر بشكل واسع إلا بعد موت ماركس بسنوات حيث أبدت إلى ثورة قوية وسريعة غيرت مسار السياسة والأقتصاد اينما ذهبت, كما قال براين ماغي في تاريخ الفلسفة الشرقية ” لم تظهر أبداً مثل هذه –أي تطبيق نظرية وفلسفة ماركسية على الواقع- ولن يظهر بعدهُ إذا حل القول في تاريخ البشرية مطلقاً. ليست حتى أنتشار الأديان مثل المسيحية والإسلامية ولا أفكار بوذية يمكن أن يقارن بسرعة أنتشار الماركسية”. وتلك سرعة كانت آتية مما كان يوعد العمال والفلاحون به
.
نرى أن التاريخ كان بجانبهم لتأييدهم الطبقات الثائرة, ويد أغلبية مساندة لهم من كثرة فلاحين والفقراء, فأرتعد الدول المتطورة الاوربية من أفكارهم, لإنها ولمرة أولى يظهر حزب يكتسب الأكثرية مع استحداث أنقلابات وثورات ضد حكومتهم القائمة. بدأت عندها الأتحاد السوفيتي عام 1919 بإنشاء حركة اسمتها العالمية الثالثة أو الكومنترن (comintern بالإنكليزية وهو أختصار ل communist international الشيوعية العالمية),و دعت تلك الحركة لقضاء على طبقات الحاكمة والغنية البورجوازية في كل دول العالم الغربية منها والشرقية وإقامة مجتمع شيوعي يدار على يد الطبقات العاملة الأغلبية.
تابعت الأتحاد السوفيتي جميع تنظيمات الشيوعية الموجودة في العالم ودعتها إلى أنضمام للحركة, فلم يكون أحزاب الدول العربية الشيوعية أستثناء منها.
كان من الواضح لشيوعية أن تنجح في تكوين مقر لها في أراضي العربية وذلك بسبب الفقر البيئي ووجود أعداد هائلة من العاملين مقارنة بالطبقة الملكية الحاكمة. وبذلك سرعان ما ظهرت أحزاب الشيوعية على أبواب العربية في أوائل عقد الثلاثين من القرن العشرون, فبدأت أولى خلاياه في تونس وموريتانيا والمغرب أثر أحتلال الفرنسيين حيث كان مجموعة من جيوشها وضباطها تابعين للحركة الشيوعية, وشيدت أول حزب شيوعي معترف به في فلسطين, فترجموا كتب الماركسية واللينينية إلى العربية ثم طبعت ونشرت في كافة مناطق الشرق الأوسط, وأنضم إليهم عدد لا بأس به من العمال والفلاحون بل كذلك معظم المثقفين وأدباء والكتاب من طبقات الوسطى لعدة أسباب لا يتوازن ذكره هنا,واندمج معهم كثير من نساء وذلك أستجابةً لدعوة الشيوعية بحرية المرأة والعدالة والتحرر.
كانت سمعة شيوعية متعززاً قبل أن تخلق في دول العربية وذلك بعدما كشف أتحاد السوفيتي عام 1917 أتفاقية سايكس بيكو التي جرى بين أمبراطوريات الروسية والفرنسية والبريطانية لتقسيم أراضي العربية بينهم, وأعلن آنذاك تروستكي ببرائة سلطة الروسية الشيوعية جديدة من هذا الأتفاق وحق الشعوب العربية في بناء أمة خاصة بهم مستقلة عن أستعمار الغربي. لهذا السبب ولوجود حالة التمرد ضد الأستعماريين في دول العربية, وقف بجانبهم مجموعة أخرى وهم القوميون والوطنيون الذين يريدون بناء دولة مستقلة لهم وطرد المحتلين من البلاد. ثبتت أقدام الشيوعيين في دول العربية بسبب إدانتهم ومحاربتهم لاحتلال الدول الأجنبية لدول العربية وتحفيز روح الوطنية والقومية في المجتمع العربي, وفي دفاع عن العمال والفلاحين الأغلبية من طبقات السفلى حيث كان هناك كثير من ناس في طبقات السفلى مضغوطين من قبل الطبقات البورجوازية الأقلية في شرق الأوسط.
فجأةً, أصبح للحزب الشيوعية العربية صوتاً في سياسات بلاد العرب وصار مجارياً للأحزاب العريقة الأخرى فضلاً عن إزعاج الملوك والسلاطين الحاكمة, فساندها نصف العرب لصعود إلى السلطة من أجل طرد الغربيين وحكام منتصبين معاً, أنفجرت مظاهرات وثورات ضد أنظمة الحاكمة بمساندة من الأحزاب الشيوعية وحدثت أنقلابات مسلحة عدة لأخذ الحكم بالقوة. إلا أنها لم تفلح, فردت الحكومات على تلك الأصوات بقوى أكبر وبتأثير أشمل. قامت السلطات القائمة في دول العربية بسجن وتعذيب وإعدام قاداتها وأغتيال ناشطين بأسمها وبالملاحقة وطرد المتعاطفين معهم, ففي العراق تقاتلوا مع عبد الكريم قاسم, وفي مصر تنافروا مع جمال عبد الناصر, وفي سودان أصبحوا ضحية لجعفرالنميري, وقتلوا بأساليب متعددة في أيدي تلك أنظمة, منهم من قام برميهم من الأسطح والجسور, ومنهم من قام بحرق الشيوعيين, وآخر لجأ إلى أذابة بعض من قاداتها بالأحماض. يوماً بعد يوم, أزدادات ضعفهم بالعدد وبالقوى, وخملت نشاطتهم السياسية والأجتماعية, وباتت أصواتها تهمس في أذون بدلاً من العلنية الداعية. خافت أغلبية أعضاؤه من هذه العواقب الحكومية, فتلاشوا في القرى والمدن غير رئيسية أخرى أو في الجبال وصحاري أو في دول الأخرى الغربية, وسحب معظم العمال والفلاحون المتعاطفين معها أنضمامهم ورجعوا تحت سيطرة الحكومة القائمة, وحولت النساء اللاتي كانت شيوعيات بالأول إلى الليبرالية التي تضمن نفس العدالة والحرية للمرأة بدون أفكار جذرية معادية للسلطة. رجعت بذلك الحزب الشيوعي العربي إلى كونه حزب الأقلي ذات طابع خفيف وأثر مزيل.
أما اليوم, فهُم ما زالوا يحاولون إعادة أنعاش الشيوعية إلى وقتها العظيم, وإنباته من جديد لحل المشاكل الأجتماعية والسياسية والأقتصادية التي تضرب أغلبية الدول العربية, ونشر بذور الماركسية ولينينة إلى جيل جديد يأمل بالترقي إلى أفضل مما كان عليه أباؤهم وأجدادهم الشيوعيين, ثم التعلم من أخطاء قامت به المنتمين إلى الشيوعية والمطبقين له من القادات والأعضاء والمتأثرين وذلك ليس فقط تجنباً لتلك العلل والعوائق بل تحليلها وتدقيقها وأستخراج نموذج أفضل منها لنهوض بسلاسة وببراقة أكثر هذه المرة.
ما أتطرق عليه في هذه المقال هو تفسير وتحليل لسبب ضعف الحزب الشيوعي العربي آن تكونه, ولماذا لم تستلم السلطة بينما كان لها النجاح مضموناً, وكيف وصل الشيوعيون اليوم إلى ذلك الضعف في بلاد العربية. يتجزء ذلك إلى علتين كانتا ذو قوى المدمرة وهي السبب السياسي لسقوط الحزب, الخارجية منها والداخلية التي كانت السبب الأكبر في عرقلته لإستلام السلطة, والسبب الفكري الأجتماعي الصادر من فكرة الشيوعية نفسها ومؤثر على المجتمع العربي البسيط بشكل لم يكن متوقعاً عند قاداة الحزب وإدراتها بنفسها وكذلك في الأتحاد السوفيتي والكومنترن الناشرين والداعمين لها.
فوز الاحزاب الشيوعية في نصف دول العالم كانت ناتجة من فكر بسيط قائم في كل ايدلوجيات السياسية وهي: يجب على الحزب السياسي أي كان أن يقف دائماً مع الأغلبية, فأغلبية أصواتهم تهم في كل مجالات السياسية سواء في الأنتخابات أو في دعم مادي وفكري. وكما نرى أن ماركس ان لم يكن محقا بشأن عدة أشياء, فهو كان محقا في شيء واحد, وهو معرفة أن الطبقات العاملة سوف تزداد عدداً على طبقات الحاكمة, فالصراع بين طبقات العاملة سوف تضع الثروات بيد القلة الحاكمة وتبقى يد العاملة تزداد عدداً حتى تصبح الأغلبية العظمى مع مرور الزمن. وكان شيوعيون بلا شك بجانب أغلبية الطبقات العاملة منذ البداية. أكثرية دول العربية آنذاك كانت محكومة من قبل سلاطين أو ملوك أو أثرياء التجار والمالكين للأراضي الزراعية, والأغلبية المجتمعات العربية كانوا يعملون عندهم أما ينفذون الأوامر أو يقطفون الثمار. إذاً توقع بلدان الغربية أن فوز الاحزاب الشيوعية سوف تكون حاسمة في دول العربية (سياسياً على أقل).
- الحزب الشيوعي مع الحكومات القائمة
واحد من أهداف الاحزاب الشيوعية هي إسقاط الأنظمة القائمة سواء كانت بالأنتخابات أو بالثورات أو بالأنقلابات العسكرية. علم منشئي الشيوعية ماركس وانغلز منذ البداية أن الحكومة القائمة وكذلك الطبقات الثرية لا تنهار أن كانت طبقات العاملة خاملة ومتوافقة مع الوضع الساري. فمن الواجب أن يتحد الطبقات الفقيرة والعاملة معاً لقيام بثورة كبيرة تلقي بالحكومة الجارية وطبقة الغنية جانباً ويستلم السلطة لنشر العدالة الاجتماعية وإنهاء الصراع بين الطبقات. هذا البيان الواضح والجريء أثار قلق كبيراً في حكومة القائمة آنذاك. فبدأت الحكومات من حافز الخوف من الأنقلابات ومؤامرات تتصرف بعنف ضد أحزاب الشيوعية والمتعاطفين معها, فقامت السلطات بسجن وتعذيب أعضاءها وقتل وأغتيال لكثير من قاداتها لكبت مساندتهم للثورات التي كانت تحصل في بلدان العربية ضد الحكومة. وبذلك الأثر فقدت الأحزاب الشيوعية قوتها وتشتت كثير من أعضاءها إما إلى خارج البلاد أو إلى الوديان والجبال, وأزداد مخاوف الناس في مساندتهم والتعاطف معهم من أن يسجنوا أو يقتلوا أيضاً.
زيادةً عليه, وكونهم في تلك وضع الحرج من ضغوط السلطات, قامت الأحزاب الشيوعية بحملات عسكرية ذات قوى ضعيفة بالعدد وبالمادة ضد القوى الحاكمة القوية نسبياً لها, متمنياً بتسلم السلطة بأيديهم. وحملوا تلك الحملات البدائية في شتى البلدان التي كانت في خضم أضطرابات سياسية وأمنية وأنفذهوا في عدة ثورات عربية لينتهزوا غضب الشعوب العربية على الحكومات من أجل عمل أنقلابات عسكرية.
فشلت تلك الثورات العسكرية كما كان من المتوقع لها وأنقلبت عليهم, فقامت السلطات بعمل حملات عسكرية ضدهم وبدأوا بالبحث والأقصاء عليهم من المدن العربية الكبرى.
أتخاذ الأحزاب الشيوعية تلك القرارات العسكرية وسياسية الخاطئة التي أتت في وقت غير مناسب بشأن الحكومات والأنظمة القائمة آنذاك هي التي حلت دماء قاداتها وأعضاءها بأن تسفك بيد الحكومات العربية, وضئلت من فرصة ظهور أحزاب الشيوعية إلى السلطة القيادية وقد كانت قبل ذلك لها دور مميز وجيد من نصيب الحكومة (في العراق خصوصاً).
- الحزب شيوعي مع الدول الغربية
والأهم من تلك أسباب هي ضغوطات الأجنبية التي أتت من دول المعارضة للشيوعية وأهمها الأمريكية والبريطانية التي كانت في حروب دامية مع الأتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية. الشيوعية أسست أنعكاسا ومعارضتاً على الرأس المالية, وهي كانت تحرض مواطني دول الرأس المالية وخصوصا المتطورة منها الأمريكية والبريطانية والألمانية على قيام بثورات ضد تلك الحكومات القائمة. والأمر التالي كانت حداثة تكتيكات الشيوعية حول توسيع أمبراطوريتها; تكونت الأحزاب الشيوعية العربية بمساندة من الشيوعية الروسية مهدفة إلى تقديم أفكار الحديثة وثقافات وقيم شيوعية إلى الشعوب العربية, فهي بذلك تقوم بربط أمبراطوريتها من داخل البلد وليست من خارجه, أي بمعنى أن الشيوعيين لم يكونوا بحاجة إلى أحتلال البلدان بقوة من أجل تفريض أمبراطوريتها مثلما كانت تقوم به أمبراطوريات البريطانية والأمريكية. وذلك لأن السبب الأساسي في فشل الامبراطوريات القديمة والحديثة في توسيع أمبراطوريتها للدول الأخرى هي أن سكان تلك الدول لم يقبلوا الحكم من قبل دول أخرى وعارضوا سلطات الامبراطورية المفرضة عليهم, ويرجع ذلك إلى وجود أختلافات جذرية في سياسة وأقتصاد والثقافة والدين دول الأخرى عن الدولة المحتلة. ما كان يحاول الشيوعيين قيام به هو تغيير الأفكار والقيم الجذرية لتقليل من تلك الأختلافات الموجودة بينهم بعمل حملات أعلانية وأحزاب ذات قاداة عربية أصيلة تحرض على أستقلال والقومية الوطنية وطرد المحتلين الأجانب من البلاد وتضمين العدالة الأجتماعية والوعود بالنمو السياسي والأقتصادي, وهي بذلك قد قامت بخمد المقاومات التي كانت تحصل من الشعوب ضد الأجانب. عجزت الأمبراطوريات الأخرى عن القيام بذلك, فهم كانوا مكرهوين من شتى نواحي ومنبوذين من قبل سكان الأصليين للأرض على عكس الشيوعيين. قام الأمريكان بمحاربتهم من خلال التحالف مع الحكومة الداخلية وسلطات الدولية بتوفير وسائل متعددة منها تدريب قاداتهم على كيفية محاربة الشيوعية والماركسية, ثم من خلال التجسس والأستخبارات السرية لكشف خططتهم المستقبلية, بعدها أتوا بوسائل أخرى لا مجال هنا لذكرهم.
- أنهيار الكومنترن والأتحاد السوفيتي
ثم بعد ذلك, أتى حدثين مهمين من الغرب التي أدت إلى هزل الحزب الشيوعي سياسياً ومادياً وإدارياً. تحلل الكمونترن عام 1943 وسقوط الأتحاد السوفيتي الروسي عام 1991.
الأولى كانت تدعم الأحزاب الشيوعية في شتى دول العالم, فهي وفرت الأموال والأسلحة للحزب الشيوعي العربي وقامت بتعليم وتدريب كبار قاداتها على كيفية قيادة الحزب وأعطت لهم الأوامر والقرارات بشأن عدة أوضاع التي كانت تحصل في بلاد الشرق الأوسط. وثانية كانت لها دوراً معنوياً كبيراً وكانت تمثل عاصمة لأمبراطورية الشيوعية, فنظرت الأحزاب الشيوعية الأخرى في بلاد عليها وحاولت تقليدها في الأمور السياسية للوصول إلى ما وصلت إليها…
توقفت تمويل الأحزاب الشيوعية العربية عند أختفاء الكومنترن (أو على أقل هذا ما قيل) وطالبت الأتحاد السوفيتي الأحزاب الشيوعية العربية بسعي نحو أستقلاليتهم والأعتماد على أنفسهم وعلى أعضاءهم وقاداتهم. ولكن كما توقعوا, وأتي المتوقع منجرفاً نحوهم, فعانى الحزب من نقص مادي محرج ولم يقدر أي من أعضاءها توفير المستلزمات المالية والعسكرية لإلباء حاجاتها, وكان هذا المتوقع لإن أغلبية أعضاء الأحزاب الشيوعية هم فلاحين وعمال وعامة الفقراء, أما الأثرياء وذو المناصب لم يشكلوا النسبة الكبيرة منهم وذلك بسبب الهدف الجوهري المضاد الذي قام به الشيوعية مع الطبقات الغنية والحاكمة. بعبارة أخرى, لم يكونوا مدعومين من قبل كبار الشخصيات وأثرياء في دول العربية مما أضاف إلى خفة أصواتهم.
مع ذهاب الأموال, قلت الحملات الأعلانية وتنويرات العلمية والثقافية, وتبرأت أعضاءها منها, ونزلت قوتها العسكرية والسياسية بشكل عام. وأنهيار الأتحاد السوفيتي لا شك أعطى إشارة سيئة للعامة بأن الاحزاب الشيوعية لا تمثل حلاً لصراع السياسي بين مكوناتها.
بالأضافة إلى ذلك, لم يقدر أغلبية جماهير الحزب الشيوعي العربي على تصرف بطريقة مفيدة حيث كان معظمهم كما قلنا فلاحون وعمال فقراء فكرياً ومادياً, الأمر الذي جعل عائقاً في تواصل بشكل واضح بين إدارة الحزب وأعضاؤها. فخفت أصواتهم وتصرفاتهم تجاه الملوك والحكام وضعفت قدرتهم أكثر على مواجهتهم في أوقات الحاسمة. جعل كثرة الجهالة والأمية المنتشرة بين أعضاء الحزب أن يقوم قاداتها بالأنتظار وقيام بتعليمهم من خلال توعيات وإنشاء مدارس وتدريبهم تدريب قيادي وعسكري لسنين طويلة حتى يصلوا إلى مستوى الواجب, وهذا واحد من أسباب فشلها وهي أنتظارها الطويل بسبب ضعف قدرة أعضاؤها وتخلفهم.
أبصر ماركس ثم الأتحاد السوفيتي أن الشيوعية سوف تكون لها فعالية أكثر في دول المتقدمة صناعياً وفكرياً لإن طبقات العاملة فيها سوف تكون بأعداد كبيرة نتيجة نشوء المعامل والصناعات والعمال العاملين فيه. بعد أن رأوا تخلف الأقتصادي وحضاري واضح في دول العربية آنذاك, قاموا بأخفاء انفسهم والانتظار لتطور البلاد. هذه نظرية هي التي أخرت وصول الاحزاب الشيوعية الى سلطة. بدلاً من قيامهم بتحركات سريعة وخلق حملات اعلانية ومواقف سامية لجلب اغلبية من شتى المدن والقرى, قاموا بدلا منها بالتركيز حملاتهم على مدن المتقدمة والمتطورة وقاوموا بالأنتظار لتقدم الدول العربية أقتصادياً لظهور طبقات المالكة البورجوازية فيه ثم تكوين ثورات وانقلابات عليهم. وكلما طال انتظارهم لذلك الفرصة, كلما ضعفت موقفهم في سياسة, وفقدوا منها بعض من أعضائهم الذين كانوا يرون خمولاً عند أحزابهم الشيوعية, وأكتسبت أحزاب المناظرة وسلطات القائمة بعض القوى في تلك الفترة لشن الهجوم عليهم.
- الحزب شيوعي ما بين إسرائيل وفلسطين
تحولت الصراع بين فلسطين وإسرائيل إلى حالة تنازع بين أتحاد السوفيتي والأمريكان. دفع الأتحاد السوفيتي ظهور ومساندة أحزابها الشيوعية القائمة في فلسطين وكذلك في إسرائيل, إلا أن أمريكان أكتفوا بمساعدة مباشرة لإسرائيل وطردوا أو رفض فلسطينيون يد المساعدة المقدمة من أمبراطورية الأمريكية.
خطأ سياسي آخر قام به الحزب الشيوعي ما بين فلسطين والاسرائيل هي ظهورها ومساندتها للطرفين. وكان من أحرى لها الألتزام بالأغلبية, ونعلم جميعاً من هم الأغلبية في ذلك مكان, فبذلك خسرت حزب الشيوعي بطاقتها السياسية الذهبية الأولى وهي الوقوف بجانب الأغلبية بدلاً من أقلية.
وهذه العملية أعني أن يكون أغلبية الشعب بجانبك هو ميزة مساعدة جداً في حدوث ثورات الشيوعية. إلا أن أغلبية طبقات العاملة والفقيرة لم ينضم إلى الحزب, فأصبح الأحزاب الشيوعية العربية هم الأقلية مقارنة بأعضاء الأحزاب الأخرين.
من خلال قرائته للتاريخ وتحليله له, أستنتج ماركس أن كل الثورات والأنقلابات التي حصلت في الماضي وما تزال تحصل في يومه ضد الأنظمة الحاكمة نبعت من صراع دائم بين الطبقات الفقيرة والطبقة الغنية, بين العبيد وأسيادهم في أمريكا, بين الفلاحين ومالكي القطاع في العصور الوسطى, بين العاملين في مصانع وماليكه في يومه, وما يحصل بين الموظفين والمدراء في يومنا.
تاركاً الأسباب الأخرى, جعل ماركس هدف الأساسي من حزب الشيوعية هي القضاء على ممتلكات الخاصة ومحاولة توزيع الموارد المادية ووسائل الإنتاج مشتركاً بين أعضاء الشعب. فبذلك ركز ماركس على مادية الوضع الأجتماعي والسياسي وغض البصر على علل أخرى التي كان بإمكانه عمل صراع بين الطبقات. إلا أن أغلبية مواطني الدول العربية رأت آنذاك أن السبب الرئيسي لوجود هذه الأزمات السياسية والأجتماعية, وأستبداد الفقر والقمع هو مسألة دينية خالصة, أي عدم أتباع تعاليم وضوابط الإسلام للأفراد المجتمع العربي وكذلك في سياستهم وأقتصادهم هي المسبب لضعف الدولة ومكوناتها الأجتماعية والأقتصادية. بالضبط كما رأته امبراطورية روم عندما ضعفت ولقت اللوم على امبراطورهم السابقين الذين فشلوا في اتباع قواعد الرومية الاصيلة. هذه الأفكار كانت مزروعة بشكل عميق عند مجتمع العربي وأشياء مادية كانت لها يد ضعيفة في تسبب بالفقر وأستغلال. إذاً نرى هنا حدوث تناقض جذري بين ما يتصوره الشعب وبين ما ينقله الحزب الشيوعي. لكن هذا لم يمنع الشيوعيين من أخذ تلك النقطة بنظر الأعتبار, فمنذ بداية قدومهم إلى المشرق حاولوا الدمج بين تعاليم وأسس الدين الأسلامي وبين أفكار الشيوعية الماركسية بشكل خارج عن مألوف غير مبني على النصوص الأولية للدين, حيث لم ينتج ثماراً سوى خلق عدوان بينهم وبين الشيوخ الإسلاميين وأحزاب الإسلامية. كان من الأحرى لهم البقاء على مذهبهم الأساسي وتوفير حرية العقيدة بدلاً من محاولات الدمج الفاشلة.
أنتشار خبر موقف ماركس من الأديان كان له تأثير آخر لضعف الشيوعية في شتى بلاد الغربية منها والعربية. كارل ماركس كان فيلسوفاً معادياً للأديان كلها لا شك في ذلك, فهو إما كان معروفاً كيهودي الأصل, مما أثار ضجة كبيرة حول يد الصهاينة في الأحزاب الشيوعية كافة ونتج عدم الثقة بهم وبحزبهم في كثير من دول العربية عامةً وفلسطين خاصةً الذي كان في صراع ملحمي مع أسرائيل. أو كان يعرف ماركس كملحد لا يفضل الأديان أن يكون له يداً قاضية على وسائل الإنتاج وأمور الدولة المادية. وبذلك أتهم الأحزاب الشيوعية بالعلمانية والألحادية فتنافرت منه غالبية المتدينين, مسلمين كانوا أم غير ذلك. ثم وجود بعض قاداة يهودية الأصل في رئاسة الأحزاب الشيوعية وظهور أعداداً واسعة من اليهوديين المقيمين في روسيا واوربا المساندين للثورة البلشفية أدت الى كسر سمعة الشيوعية بالكامل. فبذلك السبب, قامت بعض الأحزاب والمؤسسات الأسلامية بنقده والتحذير من أنتشاره في شتى أقطار العربية. لم يرد قادة الشيوعيين العرب على ذاك التهمة ولربما من كسلهم أو إطاعة لأمر صادر من الأتحاد السوفيت أو خوفاً من الدخول إلى مشكلة أكبر من ذلك. لكنه كان من الأفضل تفسير تلك المعضلة بدلاً من تركها تمزق الحزب بشكل غير عادل, بمعنى آخر, كان من الممكن القول أن أفكار ماركس حول الأديان ليس له تأثير عظيم على مدرسته الشيوعية, ثم يوجد كثير من الملحدين ومعادين للاديان من السياسيون وعلماء الذين أنتجوا ثماراً للعالم من غير تأثير أديانهم على عملهم وعلمهم, فلا نرى أحداً من العرب يقاطع الشركات الأجنبية لكون مهندسيها وعلماء أو العمال العاملين فيها تابعين لدين أخر أو تاركين للدين. وتطبيقاً حاول الأحزاب الشيوعية القائمة بعدم لمس الأديان والمتدينين ومحاولة إنشاء حرية العقيدة مسالمة بقدر المستطاع بين أفرادها المحكومين. وكان أيضاً يمكن اللجوء إلى تاريخ أو حتى بالرجوع إلى ذكر أهدافهم التي كانت تحارب البورجوازية بأكملها ومن ضمنها اليهوديين من طبقات الرأس المالية. وفي الحقيقة, لم يكن الأسلام معادياً مباشراً للشيوعية, ولم يكن لها قول واضح تكفر الشيوعيين أو تنبذهم. إلا أن اشاعات والضغوطات السوفييتين على المتدينين في روسيا وكذلك الفكر الماركسي ولنيني حول الأديان أدت الى وضع حدود واضحة بينهم وبين الأسلام.
من أسباب الفكرية أخرى لفشل الشيوعية في دول العرب يعود إلى أعضاء الداعمين له. القضية الشيوعية تدعو إلى ثورة وانقلاب الطبقات العاملة على الطبقات الحاكمة, والأمر الواضح فيه هو من سيكون موالياً لذلك القضية, الطبقات العاملة والفقيرة بالطبع. القوى الأساسية لحزب الشيوعية كانت متكونة من أغلبية الطبقة العاملة والفقيرة, أي الفلاحين والخدامين والعمال وآخرون الضعفاء مادياً وثقافياً وعلمياً بسبب ظروفهم. هؤلاء المساندين لم يحملوا التكلفة المادية لمساعدة الحزب على أستعداد لحملاتها العسكرية أو دعم قاداتها وإدراتها, ولم يكونوا ذات طابع علمي (على أقل أغلبيتهم) لنشر فكرة الشيوعية ومساهمة في حملاتها الإعلانية. فضلاً على ذلك عدم قدرة أغلبية الداعمين على قيام بأوامر ومهام للحزب بطريقة مناسبة وبصورة كاملة أدت إلى عرقلة كثير من أهداف الحزب الشيوعية, وبالتالي أخرت وصولها إلى السلطة أو القيام بثورة وإنقلاب. في تلك الحالة, كان من الأحرى لقادة الأحزاب الشيوعية محاولة لربط علاقاتها مع الطبقات البورجوازية وتوظيف بعض من الطبقات الحاكمة لمساهمة في تسريع القضية للوصول إلى السلطة. ثم السبب التالي كانت نسيان التدقيق وتحليل حول أعضاء المنتمين اليهم وما سبب دخولهم للشيوعية. أغلبهم كما قلنا هم الفلاحين والعاملين وسبب دخولهم كان نقص في أقتصاد المادي وقلة الحرية الفكرية وكذلك كونهم مصنفين في مرتبة الطبقية الاجتماعية الدنيا, على اقل ادنى من الطبقة الراقية والنبيلة والغنية البورجوزاية. ما كان بامكان الحزب الشيوعي العربي فعله هو نزع قناع الفلاحين والعاملين وتركيز على تلك الاسباب التي ادت الى انتمائهم. فنجد كثير من افراد في الشعوب تمتلك تلك الصفات الفلاحين والعمال, فربما على أحرى كان لهم عمل حملة اعلانية عندهم واختيار أهدافهم بشكل افضل; وذلك باختيار أناس يحملون تلك الصفات,أي المراهقين والمراهقات, وكذلك الطلاب الجامعيين كانوا يعتبرون من مستويات الطبقة الدنيا, يعني ما زالوا في طريقهم الى طبقة البورجوازية, فهم دخلوا للدراسة لايجاد عن العمل ثم رقي ببطئ, والشيوعية كانت من الممكن ان يوعدهم بالسرعة التي وعدها واصدرها ماركس نفسه.
سبب آخر مرتبط بالسابق هو أنتظار شيوعيين العرب سنيناً لتقدم المجتمع العربي علمياً وثقافياً وخروجه من الأمية للقراءة وفهم أفكار ماركسية من أجل الأستوعاب ونقل الرسالة. قامت كثير من أحزاب الشيوعية العربية بإنشاء مدارس توعوية ودعم برامج تعليم والقراءة وكذلك مساندة حركات الطلابية وحملات تنويرية, إلا أنها باتت من دون جدوى ولم يكن رمال الأزمان بجانبهم وأدت صبرهم الطويل إلى ضعفهم يوماً بعد يوم مع مرور السنين.
الوضع آخر الذي جعل موضع أحزاب الشيوعية مشكوكاً بعد موقفهم من الدين هي تواصلهم المستمر مع أتحاد السوفيتي في موسكو كما ذكرنا. كان كبار قادات الأحزاب الشيوعية العربية تذهب لمدة أسابيع وأشهر إلى موسكو لتعلم مختلف العلوم والإستشارة حول الوضع الأقتصادي والأجتماعي من قادات الأخرون في الأتحاد السوفيتي. فمع وجود الأستعمار الغربي وأحتلالات الأمبرالية الكولونيلة داخل المجتمع العربي وأستغلالهم للإراضي الطبيعة المشرقية ولسكان العرب نفسهم لإغراض نرجسية, أدت كل تلك العوامل الى شعور كثير من مجتمعات العربية بالاستغلال من قبل هؤلاء الغربيون. وترابط الحزب الشيوعي العربي وإدراته مع روسيا خلقت شكاً في شعوب العربية بان الأحزاب الشيوعية هي من نتاج وتكاثر السوفيتية وهي جزء من أستعمار وأحتلال للدول العربية التي كانت سائدة في ذلك وقت, إن لم تكن بدأت بالكولونية وفرض قوانين الغربية فانها تبدا من تغيير أفكار الشعوب العربية لليونة دخول السوفيت الى العالم الشرقي. من الواجب للحقيقة أن يذكر بأن أتحاد السوفيتي كانت على علاقة واضحة مع شيوعيين العرب من خلال واجهة الكومنترن وبالفعل كانت تصدر خطط وإرشادات حول كيفية إدارة الحزب بأتم صحة وكيفية تطبيق النظريات الشيوعية على الأوضاع العربية, لكن -على نقاض ما يقوله مؤرخ فائق الخفاجي- هذه القرارات والأوامر التي كانت تاتي من خارج الدول العربية كانت نظريات ونماذج فهي كانت من المتوقع ان تطبق حسب بيئة والظروف, و كان يجب ان يتغير فيه ما يحسن التغير بنحو مرن, أي إنها كانت من الواجب القياديين الشيوعيين العربيين موجودين في المقرات تنسيق القرارات العامة التي كانت تصدر من موسكو وتحويلهُ وتجميلهُ بحسب ما يرى واجباً وضرورياً وناجحاً وحسب البيئة والظروف العربية. فبذلك خسرت الحزب الشيوعي العربي بطاقتها الذهبية الأساسية وهي دعوة على طرد الأستعماريين وحكم ذات وأستقلالية وكونها داعمة للأحزاب القومية.
عدم الكفاءة في نقل الرسالة بصورة صحيحة وتغييرها من اجل ان تناسب بيئة العربية, هذه كانت نقطة أخرى من أسباب فشله, حيث كان أفكارهم جذرية للغاية بالنسبة لبساطة وعامة الشعب العربي ولم يفهمهم الناس بالطريقة التي أرادوها. أستخدموا آنذاك مصطلحات وكلمات غريبة عربية مترجمة لا يتصل مع واقع الأغلبية الطبقات الوسطى ولا يحفز فيهم المشاعر, فهي كانت خطوة خاطئة تماماً, لا حاجة لي سوى ذكر أغنية نشيد الأممية التي كانت مترجمة حرفياً من الروسية إلى العربية بكلمات مختارة لا يتصل مع الأشخاص البسطاء الذين كانوا الهدف من تلك الأغنية. كان من الأحرى لهم أن يقتدوا ويتعلموا من لينين بأن الأغلبية تحتاج الى كلمات بسيطة جداً وتذكير بأشياء يرونه من واقع حالهم وليست أفكار ملتوية ومعقدة التي تتطلب تفكيراً خارقاً لربط الأحداث معاً. هذه بالطبع جاءت جزءها من أعضاء المثقفين المنتمين إليها وجزءها من ترجمة الكلمات الغربية الى عربية واستخدامها لحملات الأعلانية للحزب. كذلك الأمر بالنسبة إلى رمزهم من المنجل والمطرقة ولون علمهم الأحمر, فهي أستنساخ مقارب أن لم يكن متماثل للرمز وعلم الشيوعية الروسية.
لحظة صعود البلشفية الشيوعية في روسيا إلى السلطة. ظهر مشكلة قديمة الجوهر حديثة الأسطح, إلا وهي الزمان والثقافات وأصول المجتمعات والترفيهيات والعلوم والتطورات والتغييرات الموجودة في بلاد. لم يأخذ الأتحاد السوفييت ذلك بنظر الحسبان. أنبثقت عدة مقاومات حادة منذ بداياتها لتغييرات والأستبدالات التي أتتها الشيوعية على المجتمع الروسي وما زالت تظهر حتى غير الأتحاد بعض من أتجاهاتها وقوانينها وأقتصادها لتناسب بعض من عادات والتقاليد التي كانت موجود في تاريخ روسي. هذا الدرس المهم كان من الواجب أن يتعلمها أحزاب الشيوعية العربية من أخطاء السوفيتيين, وكان يجب أن ياخذوا من الفابيين علماً, بإن التغير تدريجي في النظام قطعة بقطعة هو الحل الأمثل لتغييرالقديم بالجديد. وهذا الثورة الفابية الشيوعية كانت ستنجح لو رضي قاداة الشيوعيين به ولكنها طردت كحزب آخر أو كفكرة راديكالية لا تنشأ من أسس الشيوعية وما كانت تدعو إليها من أحداث ثورات وإنقلابات ثم إستلام السلطة ثم البدء بتطبيق مباشر للشيوعية أياً ما كان تلك دول وما كانت تحمل من تراث ومن تاريخ. وهذا ما كان عليه ان يفهمه الاحزاب الشيوعية في دول العربية أيضاً, بأن الثورة وتغييرات الجذرية لا تقام بقوة وبسهولة من بداية بل تحتاج الى وقت طويل لإنشاء مجتمع جديد ولتحويل الثقافات وأفكار والقوانين السياسية والأقتصادية.
العامل المساعد الآخر على صعوبة أنتشار الشيوعية كان عدم وجود معامل وبنايات وقطاع خاصة سوى قليل منها, وكانت أغلبية المصادر والمنتجات تأتي من الحكومة نفسها. لذلك كان أكثر المعامل والمزارع على يد الحكومة وليست على يد المواطنين الأثرياء أو من طبقات البورجوازية. هذا العامل قام بإنشاء عدواً واحداً فقط وهي السلطة القائمة بدلاً من أن يخلق أعداء من الأغنياء ومالكي أراضي المتعددين. بسبب ذلك لم يكن صراع بين طبقات جلياً في دول العربية, وإنما ما كان واضحاً هو صراع الدائم ما بين الشيوعية والحكومات الدولية.
الخاتمة :
أستنتج ماركس بأن العالم والمجتمع البشري بأكمله سوف تذهب الى الشيوعية لا محال, ولكنه أراد “تسريع من عملية الرحلة” كما قال أستاذ زيزيك. أنطلاقاً من ذلك الهدف, بنيت الأحزاب الشيوعية العربية في بدايتها لتكوين سياسة شيوعية ومجتمع شيوعي بأسرع وقت محتمل, تلك السرعة, أدت إلى دخولها في مئازق سياسية وفكرية مع النظام والمجتمع القائم, وعدم تقدير الظرف البيئي. ثم أدركوا بعده أن التاريخ لا يتغير بسرعة, وأن ما شيدت ونصبت يجب أن تهدم ببطئ ومع مرور الزمن, عندها غيروا من خططهم في أوساط قرن العشرين ليلجأوا إلى الأنتظار وأحداث تبديل ببطئ, مما أدى إلى ضعفهم وخمولهم السياسي والفكري عندما كانوا بأشد الحاجة إلى نشاطهم.
يقاتل حزب الشيوعي العربي اليوم حرباً كان من المفترض فوزها من القرن الماضي, ما تلاقتها من شدائد في الطرق السياسة, ما تحملتها من التهم واشاعات عند ألتقاء الجماعة, وما صبرت عليها من خسارات البشرية والمعنوية عبر وعورة أزمان العربية, كانت من الصالح لها أن تقيم وضعها وتوعي بتلك ضغوطات السياسية والأجتماعية المذكورة وتخطط لرد مقابل لهم وتعديل بعض من أهدافها وقيمها لتزامن مع الوضع العربي الذي كان وما زال منتصباً.
الآن نحن في قرن الواحد والعشرون لا نزال نرى ضعفاً واضحا بجانب الشيوعيين (بأستثناء الشيوعية السودان ولبنان) عندما يأتي الأمر إلى أبسط النقاط الذي يكون على الحزب القيام به, وهو حصول على أعتراف بسيط من قبل الأحزاب أخرى لحزب الشيوعي كحزب مستقل وذات عدد مقبول لتكون لها صوتاً في سياسة وفي مجتمع العربي.
هل يا ترى سوف تأتي تغير واضح في أهداف الحزب الشيوعية العربية كرد فعل على موقفهم الضعيف؟ هل سيعاد تشكيل الحزب بشكل متناسق ومتوافق مع ما تجري في تلك الدول العربية؟ أم ستصر على التعاليم القديمة والأستراتجيات السوفيتية وكومنترن حتى الخرق والوصول إلى نتيجة ملموسة داخل مجتمع عربي؟ تبقى للأحوال أن تثبت ذلك..!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد كريم إبراهيم – المركز الديمقراطي العربي