مما لا شك فيه أن توجهات القوى الكبرى في مجال التقنيات العسكرية الناشئة (الذكاء الاصطناعي، الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، الأسلحة الفرط الصوتية، أسلحة الطاقة الموجهة، التكنولوجيا الحيوية، التكنولوجيا الكمومية (ستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل الجيوش والحروب والأمن الدولي.
يقدم هذا الملف لمحة عامة عن جديد هذه التقنيات العسكرية لعام 2023 وما بعدها وتأثيراتها المحتملة على مستقبل القوة العسكرية، خصوصاً في الولايات المتحدة والصين وروسيا. ثم يعين ويحلل الملف التحديات التي تطرحها تلك التقنيات على مستوى كيفية تملكها بسرعة وحمايتها واستقرار تمويلها وحوكمتها، وكذا التحديات المرتبطة بالعنصر البشري المتصلة بها. كما يناقش الملف أهم مبادرات المؤسسات الدولية لمراقبتها أو تنظيم استخدامها. وأخيراً يستشرف الملف اتجاهات تلك التقنيات العسكرية الناشئة بداية من عام 2023 وما بعده.
1 - الذكاء الصناعي
يستخدم مصطلح الذكاء الاصطناعي عموماً للإشارة إلى نظام كمبيوتر قادر على الإدراك على الأقل بمستوى الإنسان. وينقسم الذكاء الاصطناعي إلى ثلاث فئات: الذكاء الاصطناعي المحدود، والذكاء الاصطناعي العام، والذكاء الاصطناعي الفائق. يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المحدود أن تؤدي فقط المهمة المحددة التي تم التدريب على أدائها، في حين أن أنظمة الذكاء الاصطناعي العامة قادرة على أداء مجموعة واسعة من المهام، بما في ذلك تلك التي لم يتم التدريب عليها بشكل خاص. يشير الذكاء الاصطناعي الفائق إلى نظام «يتجاوز إلى حد كبير الأداء المعرفي للبشر في جميع المجالات تقريباً». لا يوجد تطبيقات علانية كثيرة معروفة لأنظمة الذكاء الاصطناعي العامة والذكاء الاصطناعي الخارق في مجال السلاح حتى الآن. في المقابل تسيطر تطبيقات الذكاء الصناعي المحدود على مجالات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع؛ العمليات السيبرانية، القيادة والسيطرة، والمركبات شبه المستقلة وذاتية القيادة.
وتهدف تلك التطبيقات والتقنيات إلى استبدال المشغلين البشريين للأسلحة بتقنيات يتيح لها أداء أكثر تعقيداً وتطلباً معرفياً، وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
من جانبها بلغت استثمارات وزارة الدفاع الأمريكية في الذكاء الاصطناعي ما يزيد قليلاً على 600 مليون دولار في السنة المالية 2016، ارتفعت إلى ما يقرب من 1.1 مليار دولار في السنة المالية 2023، بالإضافة لـ 685 مشروعاً نشطاً للذكاء الاصطناعي، أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخراً المركز المشترك للذكاء الاصطناعي (JAIC)، للتنسيق بين تلك المشاريع، كما تم منح المركز سلطة الاستحواذ، بهدف دعم إدخال قدرات الذكاء الاصطناعي على مستوى الإدارة. وفي نهاية عام 2021، وجهت نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس إنشاء هيئتين جديدتين وهما Chief Digital وArtificial Intelligence Office لخلافة (JAIC) ويرفعان تقاريرهما مباشرة إلى نائب وزير الدفاع. وفي مارس 2021 تم تسليم تقرير للجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي (NSCAI) إلى الكونغرس ومن أبرز توصياته:
على الجانب الروسي، كان قد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أياً كان من سيصبح قائد العالم في مجال الذكاء الاصطناعي فسيصبح هو الحاكم الفعلي للعالم. في الوقت الحالي، ومع ذلك، فإن تطور الذكاء الاصطناعي الروسي يتخلف بشكل كبير عن مثيله في الولايات المتحدة والصين. كجزء من الجهود التي تبذلها روسيا لسد هذه الفجوة، أصدرت روسيا استراتيجية وطنية تحدد معايير مرجعية مدتها 5 و 10 سنوات لتحسين خبرة البلاد في مجال الذكاء الاصطناعي، والبرامج التعليمية، والبنية التحتية، والنظام التنظيمي القانوني.
يبحث الجيش الروسي في عدد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على المركبات العسكرية شبه ذاتية التشغيل وذاتية التشغيل، كما يقوم ببناء وحدة قتالية للمركبات الأرضية ذاتية التشغيل قادرة على تحديد الهدف بشكل مستقل، وربما الاشتباك المستهدف، وتخطط لتطوير مجموعة من الأنظمة المستقلة المزودة بالذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى الخطط العسكرية الروسية لدمج الذكاء الاصطناعي في المركبات الجوية والبحرية وتحت سطح البحر المسيرة بدون تدخل بشري، ويقال إنها تطور قدرات التحشيد بالذكاء الصناعي.
خلاصة الأمر، يمكننا أن نقول إنه في حين أن روسيا لم تكن أبداً رائدة في ذلك المجال، إلا أنها عادة ما تنجح في أن تكون قوة معطلة بشكل ملحوظ. قد تكون روسيا أيضاً قادرة على الاستفادة من تعاونها التكنولوجي المتنامي مع الصين.
من جانب آخر، قام عدد من المؤسسات الدولية بدراسة القضايا الأمنية والأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مثل مجموعة السبع (G7) والتعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) وحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي اعتمد أول استراتيجية للذكاء الاصطناعي لتعيين معايير الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، وفقاً للقانون الدولي، وتسريع اعتماد الذكاء الاصطناعي في مهامه وكيفية حماية هذه التكنولوجيا والتعامل مع التهديدات التي يشكلها استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الخصوم.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الذكاء الصناعي عام 2023 وما بعده الأسئلة التالية: ما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذها وزارت الدفاع لتنفيذ المبادئ الأخلاقية المتصلة بالذكاء الصناعي؟ وهل هذه الإجراءات كافية لضمان التزام وزارات الدفاع بتلك الـمبادئ؟ كيف تقوم وزارت الدفاع في العالم باختبار وتقييم أنظمتها للذكاء الاصطناعي للتأكد من أنها غير قابلة لاستغلال الأعداء لها؟ هل لدى وزارات الدفاع ومجتمع الاستخبارات معلومات كافية حول حالة تطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكرية الأجنبية والطرق التي يتم بها عمل مثل هذه التطبيقات وكيف يمكن استخدامها للإضرار بالأمن القومي للدول؟
كيف سيؤثر تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي على وزارات الدفاع في العالم؟ ما الذي يجب وضعه في اعتبارات الأمن القومي فيما يتعلق بالتزييف العميق بالتوازي مع حماية حرية التعبير والتعبير الفني والاستخدامات المفيدة لـتلك التقنيات؟ ما هي الجهود التي ينبغي على الحكومات بذلها لتوعية الجمهور بشأن الأخبار والوثائق المزيفة العميقة؟
2 - الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل
تُعَدُّ الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، المعروفة باسم «الروبوتات القاتلة»، هي الثورة الثالثة في مجال الحروب بعد البارود والأسلحة النووية. فالتطور الذي حدث منذ بداية الحروب الحديثة في مجال السلاح كان مجرد مُقدِّمة لإفساح المجال للذكاء الاصطناعي، وإدماجه في العمليات العسكرية من خلال أسلحة قادرة على اتخاذ قرارات بالاشتباك، ثم القضاء على العدو دون أدنى تدخُّل بشري.
وتتميز الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل بخمس سمات:
بالنسبة للولايات المتحدة لم تعلن أنها تطور أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل أو أن لديها تلك الأسلحة، ومع ذلك، لا يوجد حظر على تطويرها أو امتلاكها.
وبالنسبة للصين، ووفقاً لوزير الدفاع الأمريكي السابق مارك إسبر، فإن بعض مصنعي الأسلحة الصينيين، مثل Ziyan، ينتجون بالفعل أسلحة تتمتع بالقدرة على تحديد الأهداف والاشتباك معها بشكل ذاتي. كما ليس لدى الصين أيضاً أي حظر على تطوير أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل.
من جانبها، وعلى الرغم من أن روسيا لم تعلن أنها تطور أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، فإن شركة كلاشينكوف الروسية المصنعة للأسلحة قامت ببناء وحدة للمركبات الأرضية ذاتية التشغيل والتحكم قادرة على تحديد الهدف بشكل ذاتي، وربما الاشتباك دون أي تدخل بشري.
وعلى مستوى المؤسسات الدولية، أمام مبادرات الأمم المتحدة في المقترحات التي قدمتها بعض الدول لإصدار تنظيم أو حظر أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، عارضت الولايات المتحدة وروسيا فرض حظر استباقي على أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، في حين أيدت الصين حظر استخدام، ولكن ليس تطوير، تلك الأنظمة. ولقد دعت حوالي 30 دولة و165 منظمة غير حكومية، إلى فرض حظر استباقي على أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل بسبب مخاوف أخلاقية من قبيل عدم المساءلة عن الاستخدام وعدم القدرة على الامتثال لمتطلبات التناسب.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل عام 2023 وما بعدها الأسئلة التالية: إلى أي مدى يطور خصوم الدول أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل؟ ما تأثير ذلك على أبحاث وتطوير أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل في الدول؟ ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه الدول في مناقشات اتفاقية الأسلحة التقليدية حول أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل؟ هل ينبغي للدول أن تدعم الوضع الراهن أو تدعو إلى تنظيم أو حظر أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل؟ إذا اختارت الدول تطوير منظومات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، فهل تكفي المعايير القانونية لاستخدامها في النزاعات؟
3 - الأسلحة الفرط صوتية
يقوم عدد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين، بتطوير أسلحة تفوق سرعة الصوت) بسرعة لا تقل عن 5 أضعاف سرعة الصوت، أي حوالي 6200 كيلومتر في الساعة). على عكس الصواريخ الباليستية، لا تتبع تلك الأسلحة مساراً مقوساً محدداً مسبقاً، ويمكنها المناورة في طريقها إلى وجهتها، كما عادة ما تطير تلك الأسلحة على ارتفاعات أخفض من الصواريخ الباليستية مما يجعل من إسقاطها بواسطة أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية غير ممكن. هناك نوعان رئيسيان من هذه الأسلحة، فهناك المركبات الانزلاقية، التي يتم إطلاقها في الفضاء على متن صاروخ قبل أن تنزلق نحو هدفها، وهناك صواريخ كروز التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتعمل بمحركات تستخدم أكسجين الهواء وتنتج قوة دفع أثناء تحركها، مما يسمح لها بالانتقال بسرعة وارتفاع ثابتين طوال مدة رحلتها.
من جانب الولايات المتحدة طلب البنتاغون 4.7 مليار دولار في السنة المالية 2023 للأسلحة الفرط صوتية و225.5 مليون دولار لبرامج الدفاع تلك الأسلحة. تقوم وزارة الدفاع الأمريكية حالياً بتطوير أسلحة فرط صوتية برية وجوية وبحرية يمكنها مهاجمة الأهداف بدقة أكبر. ومن غير المرجح أن تستخدم الولايات المتحدة سلاحاً تشغيلياً تفوق سرعته سرعة الصوت قبل عام 2023. وتدعي واشنطن أنها على عكس روسيا والصين، لا تقوم بتطوير تلك الأسلحة لاستخدامها المحتمل برأس حربي نووي.
بالنسبة للصين، فلقد اختبرت بنجاح Starry Sky-2، وهو نموذج أولي لمركبة فرط صوتية ذات قدرة نووية. وتشير بعض التقارير إلى أن Starry Sky-2 يمكن أن تكون جاهزة للعمل بحلول عام 2025
من جانبها، تملكت روسيا حديثاً سلاحين نوويين تفوق سرعتها سرعة الصوت: ) Avangardمركبة انزلاقية فرط صوتية يتم إطلاقها من صاروخ باليستي عابر للقارات (و3M22 Tsirkon أو Zircon والذي يبلغ مداه ما بين 250 و600 ميل تقريباً ويمكن إطلاقه عمودياً مثبتاً على الطرادات البحرية.
على مستوى المؤسسات الدولية لا توجد معاهدة أو اتفاقية دولية مخصصة للإشراف على تطوير الأسلحة الفرط صوتية. على الرغم من أن معاهدة New START لا تحد على وجه التحديد من الأسلحة الفرط صوتية، فإنها تحد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والتي يمكن استخدامها لإطلاق مركبات انزلاقية تفوق سرعة الصوت ولكن تلك المعاهدة تنتهي عام 2026
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الأسلحة الفرط صوتية عام 2023 وما بعدها الأسئلة التالية: ما هي المهام التي من الممكن أن تستخدم الأسلحة فرط الصوتية فيها؟ هل تلك الأسلحة هي أكثر الوسائل فعالية من حيث التكلفة لتنفيذ هذه المهام المحتملة؟ كيف سيؤثر نشر تلك الأسلحة في الاستقرار الاستراتيجي؟ هل هناك حاجة لتوسيع معاهدة New START، أو التفاوض بشأن اتفاقيات جديدة متعددة الأطراف للحد من تلك الأسلحة، أو تنظيم امتلاكها واستخدامها على أسس من الشفافية والثقة؟
4 - أسلحة الطاقة الموجهة
هي أسلحة تستخدم حزمة مركزة من الطاقة الكهرومغناطيسية بدلاً من الطاقة الحركية، وذلك لتعطيل أو إتلاف أو تدمير معدات العدو أو منشآته أو أفراده. ويمكن استخدامها من قبل القوات البرية في الدفاع الجوي قصير المدى، أو أنظمة الطائرات المضادة بدون طيار، أو الصواريخ المضادة، والمدفعية، وقذائف الهاون، كما يمكن استخدامها بالاقتران مع أنظمة عسكرية أخرى، من بينها الأسلحة الحركية.
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فلقد استثمرت وزارة الدفاع الأمريكية مليارات الدولارات في البرامج التي تم إلغاء معظمها في نهاية الأمر. في المقابل أطلقت البحرية الأمريكية أول سلاح أمريكي، وهو نظام سلاح الليزر (LaWS) في عام 2014 من على متن السفينة الحربية USS Ponce، وهو نموذج أولي بقدرة 30 كيلووات قادر على تعمية قوات العدو كتحذير، أو إسقاط طائرات بدون طيار، أو تعطيل القوارب، أو تدمير طائرات الهليكوبتر.
بالإضافة إلى ذلك، قامت البحرية بتركيب ليزر HELIOS بقدرة 60 كيلو وات، على متن السفينة الحربية USS Preble سنة 2022 وتخطط لمواصلة زيادة قدرات أسلحة الطاقة الموجهة في البحر في سنة 2023. كما تخطط الولايات المتحدة لنشر نظام دفاع جوي قصير المدى متنقل للطاقة بقدرة 50 كيلو وات، على متن مركبة القتال Stryker في سنة 2023. كما تسعى لزيادة مستويات قوة أسلحة الطاقة الموجهة من حوالي 150 كيلوواط، كما هو ممكن حالياً، إلى حوالي 300 كيلو واط في سنة 2023 و500 كيلوواط بحلول السنة المالية 2025 مع تقليل الحجم والوزن.
وبالنسبة للصين، فلديها أسلحة طاقة موجهة قادرة على تعطيل حرية الملاحة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ. كما أنها تسعى في السنوات القادمة لامتلاك أسلحة طاقة قادرة على إتلاف الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار الخاصة بها.
ومن جانبها، روسيا نشرت منصة Peresvet، وهو منظومة ليزر موجه HEL أرضي متنقل قادر على عمي الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار.
على مستوى المؤسسات ليست مدرجة حالياً في جدول أعمال أي آلية متعددة الأطراف.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات أسلحة الطاقة الموجهة عام 2023 وما بعدها الأسئلة التالية: هل التطور التكنولوجي لأسلحة الطاقة الموجهة يمكن له أن يبرر مستويات التمويل الحالية لهذا السلاح؟ ما مدى نجاح الاختبارات الميدانية للجيوش في مجال أسلحة الطاقة الموجهة؟ ما هي التغييرات في المفاهيم التشغيلية أو قواعد الاشتباك أو التكتيكات المطلوبة لتحسين استخدام تلك الأسلحة؟ في أي ظروف ولأي أغراض يجب أن يكون استخدام الجيوش لأسلحة أسلحة الطاقة الموجهة مسموحاً به؟ ما هي اللوائح أو المعاهدات أو التدابير الأخرى، إن وجدت، التي يجب على الدول النظر فيها فيما يتعلق باستخدام أسلحة الطاقة الموجهة في أثناء الحرب وأوقات السلم؟
5 - التكنولوجيا الحيوية
مما لا شك فيه أن التطورات في مجال التكنولوجيا الحيوية، مثل أداة تحرير الجينات منخفضة التكلفة القادرة على تغيير الجينات أو تكوين الحمض النووي لتعديل النباتات والحيوانات والبشر، ستكون لها تداعيات مهمة على الجيوش والأمن الدولي. فهذه التكنلوجيا يمكن لها تحسين أو إضعاف أداء العسكريين ويمكن لها بالإضافة إلى ذلك، إنشاء تمويه تكيفي، وأجهزة إخفاء ودروع ذاتية الشفاء لجسم الانسان وذاتية الإصلاح والتجديد للمركبات والأسلحة وابتكار أسلحة بيولوجية.
من جانبها تركز برامج التكنولوجيا الحيوية الأمريكية ذات التطبيقات العسكرية بشكل أساسي على تحسين «الجاهزية والمرونة والتعافي». على سبيل المثال برنامج وكالة المشاريع البحثية الدفاعية المتقدمة الأمريكية DARPA لديه عدد من برامج التكنولوجيا الحيوية المخصصة لطب المعارك، والتشخيص، والتنبؤ وخصوصاً في مجالات إصابات الدماغ، وعلاج الأمراض العصبية والنفسية مثل الاكتئاب والإجهاد اللاحق للصدمة، والحماية من الأمراض المعدية والتهديدات الحيوية التي تهدد إمدادات الغذاء. بالإضافة إلى ذلك، يسعى برنامج الجينات الآمنة التابع لـ DARPA إلى «حماية أفرد الجيش من سوء الاستخدام العرضي أو المتعمد لتقنيات تحرير الجينوم. كما يتم إجراء بحوث تهدف إلى تطوير مواد وأجهزة استشعار حيوية جديدة». بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن الولايات المتحدة تجري أبحاثاً أو أجرت أبحاثاً في السابق على تطبيقات التكنولوجيا الحيوية وعلم الأعصاب لزيادة كفاءة الجنود بتطبيقات تجعل الجنود أقوى وأكثر ذكاءً وأكثر قدرة على التحمل.
ومن جانب آخر، أصدرت إدارة بايدن الاستراتيجية الوطنية للدفاع البيولوجي لمواجهة التهديدات البيولوجية، وتعزيز التأهب للأوبئة، وحماية الأمن الصحي. وطلب الرئيس بتخصيص 88 مليار دولار كميزانية لخمس سنوات لتحقيق ذلك. وفى عام 2022 تم إنشاء لجنة الأمن القومي للتكنولوجيا الحيوية الناشئة، والتي هي «النظر في الأساليب والوسائل والاستثمارات اللازمة لتقدم وتأمين تطوير التكنولوجيا الحيوية والتصنيع الحيوي والتقنيات المرتبطة بها من قبل الولايات المتحدة لحماية الأمن القومي». ستقدم اللجنة نتائجها وتوصياتها المؤقتة إلى لجان الدفاع بالكونغرس والرئيس في موعد أقصاه 26 يناير 2023، وتقريرها النهائي في موعد أقصاه 26 يناير 2024
من جانب الصين وفي إطار مبادرتها لعام 2025، تسعى بكين بقوة إلى استخدام التقنيات الحيوية للاختبارات الجينية والطب الدقيق. وفي عام 2018، أنتج عالم صيني، ربما بموافقة الحكومة الصينية، أول «طفل معدل جينياً». بالإضافة إلى ذلك، تحتفظ الصين بواحد من أكبر مستودعات المعلومات الوراثية في العالم، وهو بنك الجينات الوطني، والذي يتضمن بيانات وراثية أمريكية. يمكن استخدام مثل هذه المعلومات لتطوير خطط علاجية مخصصة للأمراض أو ربما أسلحة بيولوجية دقيقة. علاوة على ذلك، تشير التقارير إلى أن اللجنة العسكرية المركزية في الصين «مولت مشاريع في علم الدماغ العسكري وأنظمة المحاكاة الحيوية المتقدمة والمواد البيولوجية والمحاكاة الحيوية، تعزيز الأداء البشري، والتكنولوجيا الحيوية، بينما أجرت المؤسسات الطبية للجيش الصيني بحثًا مكثفًا حول تحرير الجينات.
من جانبها، أصدرت روسيا استراتيجيتها الشاملة لتطوير قطاع التكنولوجيا الحيوية عام 2012، خصوصاً في مجالات الصيدلة الحيوية والطب الحيوي، والتكنولوجيا الحيوية الصناعية والطاقة الحيوية، والتكنولوجيا الحيوية الزراعية والغذائية، والتكنولوجيا الحيوية للغابات، والتكنولوجيا الحيوية لحماية البيئة، والتكنولوجيا الحيوية البحرية. ولكن القليل من المعلومات متاحة حول الكيفية التي قد تستخدم بها روسيا مثل هذه التقنيات في سياق عسكري أو أمني.
فيما يتعلق بالعسكرة المحتملة، عادة ما تستند المؤسسات الدولية على اتفاقية الأسلحة البيولوجية لعام 1972 لعقد مؤتمرات مراجعة كل خمس سنوات لتقييم كل من تنفيذ المعاهدة والتطورات الجارية في مجال التكنولوجيا الحيوية وكذلك لمعالجة الجهود الثنائية بين الدول والمتعددة الأطراف لتعزيز الأمن البيولوجي ووضع إطار دولي للنظر في عسكرة التقنيات الحيوية ومناقشة التنظيم المحتمل أو القيود التي يجب أن تفرض على تطبيقات معينة.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الأسلحة القائمة على التكنولوجيا الحيوية لعام 2023 وما بعدها الأسئلة التالية: هل هناك حاجة إلى إدارات منظمة للتكنولوجيا الحيوية في وزارات الدفاع لتحديد أولويات البحث وتنسيق البحوث على مستوى الجيوش؟ ما هي الموارد أو التغييرات التنظيمية المطلوبة من أجل تنفيذ استراتيجيات الدول للدفاع البيولوجي؟ ما هي التطبيقات العسكرية للتقنيات الحيوية التي يطورها المتنافسون على المستوي الدولي؟ هل توازن الجيوش بشكل مناسب بين المنفعة الحربية المحتملة للتكنولوجيا الحيوية والاعتبارات الأخلاقية؟ ما هي الأطر الوطنية والدولية اللازمة للنظر في الآثار الأخلاقية والقانونية للتطبيقات العسكرية للتكنولوجيات الحيوية مثل البيولوجيا التركيبية، وتحرير الجينوم، وتعديل الأداء البشري؟
6 - التكنولوجيا أو الحوسبة الكمومية
تترجم تكنولوجيا الكم مبادئ فيزياء الكم إلى تطبيقات تكنولوجية. بشكل عام، لم تصل تكنولوجيا الكمومية إلى مرحلة النضج بعد. ومع ذلك، يمكن أن يكون لها آثار كبيرة بداية من عام 2023 على مستقبل الاستشعار العسكري والتشفير والاتصالات.
أفاد مكتب المساءلة الحكومية أن وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ووزارة الأمن الوطني، قد قيمت أن «الاتصالات الكمية يمكن أن تمكن الخصوم من تطوير اتصالات آمنة لن يتمكن الموظفون الأمريكيون من اعتراضها أو فك تشفيرها. قد تسمح الحوسبة الكمومية للخصوم بفك تشفير المعلومات السرية، والتي يمكن أن تمكنهم من استهداف الأفراد والعمليات العسكرية الأمريكية والكشف عن الغواصات، مما يجعل المحيطات شفافة».
وما يعيق تلك التقنيات، التغيرات في درجة الحرارة أو عوامل بيئية أخرى. كما أوضح الفيزيائي Mikkel Hueck:
«إذا استمرت الأجهزة المستقبلية التي تستخدم التقنيات الكمومية في الحاجة إلى التبريد إلى درجات حرارة شديدة البرودة، فإن هذا سيجعلها باهظة الثمن وضخمة ومتعطشة للطاقة».
تستثمر الولايات المتحدة في تشفير ما بعد الكم (المعروف أيضاً باسم مقاومة الكم) في مايو 2022، أصدرت إدارة بايدن مذكرة الأمن القومي بشأن تعزيز قيادة الولايات المتحدة في الحوسبة الكمومية (NSM-10)، والتي توجه بترحيل أنظمة الكمبيوتر المعرضة للخطر إلى التشفير المقاوم للكم. في سبتمبر 2022، أصدرت وكالة الأمن القومي الأمريكية مذكرة للأمن السيبراني تنص على أنها تتوقع أن يكتمل انتقال أنظمة الأمن القومي إلى خوارزميات مقاومة الكم بحلول عام 2035.
أخيراً، يوجه قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) للسنة المالية 2021 وللسنة المالية 2022 لتجميع قائمة التحديات التقنية التي يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية معالجتها سنوياً وتحديثها في غضون عام إلى ثلاث سنوات وإنشاء شراكات مع الشركات الصغيرة والمتوسطة لتوفير قدرات الحوسبة الكمية للحكومة والصناعة والباحثين الأكاديميين الذين يعملون على هذه التحديات وتقييم المخاطر التي تشكلها أجهزة الكمبيوتر الكمومية وتسريع تطوير ونشر القدرات الكمومية ذات الاستخدام المزدوج، وزيادة المنح للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في هيئة تدريب ضباط البحث المبتدئين لتشمل علوم المعلومات الكمية.
من جانبها، أعطت الصين أولوية متزايدة لبحوث تكنولوجيا الكم ضمن خططها التنموية. لتحقيق اختراقات كبيرة في ها المجال بحلول عام 2030. في عام 2016، أطلقت الصين أول قمر صناعي كمي في العالم (Micius) لتوفير «قدرة اتصالات عالمية مشفرة كمومية» وفي عام 2017، استضافت الصين أول مؤتمر فيديو عابر للقارات مؤمن كمومياً.
علاوة على ذلك، تستثمر الصين بكثافة في شبكات الاتصالات الكمومية الأرضية، حيث أكملت بناء شبكة كمومية بطول 2000 كيلومتر )حوالي 1250 ميلاً) بين بكين وشنغهاي في عام 2016 وتخطط لتوسيع تلك الشبكة على الصعيد الوطني في السنوات القادمة. كما أنها عازمة على الاستفادة منها في التطبيقات العسكرية في خطة المشاريع الخاصة للاندماج العسكري والمدني الثالث عشر في البلاد ومدتها خمس سنوات.
يشير بعض المحللين إلى أن روسيا من المحتمل أن تكون «متأخرة من 5 إلى 10 سنوات» في الحوسبة الكمومية بالمقارنة بالصين والولايات المتحدة. في محاولة لسد تلك الفجوة، أعلنت روسيا عن خطط في ديسمبر 2019 لاستثمار 790 مليون دولار في أبحاث الكم على مدى خمس سنوات.
ولا توجد مؤسسات دولية كبرى لديها مبادرات رسمية مكرسة لرصد أو تنظيم التطبيقات العسكرية أو التطبيقات الأخرى للتكنولوجيا الكمومية.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الأسلحة القائمة على التكنولوجيا أو الحوسبة الكمومية لعام 2023 وما بعدها: هل نضج تطور التطبيقات العسكرية لتكنولوجيا الكم يبرر مستويات التمويل الحالية؟ إلى أي مدى يمكن الاستفادة من التقدم في تكنولوجيا الكم التجارية في التطبيقات العسكرية؟ هل يتم اتخاذ تدابير كافية لتطوير تشفير مقاوم للكم ولحماية البيانات التي تم تشفيرها باستخدام الأساليب الحالية؟ ما المدى الذي توصل إليه المتنافسون الدوليون لتطوير التطبيقات العسكرية لتقنيات الكم؟ إلى أي مدى يمكن أن تهدد مثل هذه الجهود القدرات العسكرية للدول المتقدمة مثل الغواصات وطائرات الشبح من الجيل الخامس؟
الخاتمة
يعتمد التنبؤ بآثار تلك التقنيات العسكرية الناشئة لعام 2023 وما بعدها على الجيوش والحروب، والاستقرار الاستراتيجي بلا شك على معدل التقدم التكنولوجي في كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا، وعلى الطريقة التي يتم بها دمج تلك التقنيات في القوات العسكرية الحالية وفي المفاهيم العملياتية، وعلى التفاعلات بين تلك التقنيات الناشئة، ومدى تمكين السياسات الوطنية والقانون الدولي من منع تطويرها أو استخدامها. ومع ذلك، يمكن القول:
1 - إن تلك التقنيات الناشئة ستؤثر بلا شك في مستقبل الحروب والجيوش والتوازن الاستراتيجي. على سبيل المثال، يمكن للتطورات في تقنيات الذكاء الاصطناعي والأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل أن تقلل أو تلغي الحاجة إلى مشغل بشري بالكلية. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى زيادة الكفاءة القتالية وتسريع وتيرة الحروب، مما قد يؤدي إلى عواقب مزعزعة للاستقرار.
2 - يمكن لبعض تلك التقنيات الناشئة منخفضة التكلفة أن تحول التوازن بين الجودة، التي تعتمد عليها القوات العسكرية للقوى الكبرى تقليدياً، والكم، وكذلك بين الهجوم والدفاع. على سبيل المثال، يمكن لأسراب من المركبات ذاتية التشغيل المنسق بينها ذاتياً أن تخدع الأنظمة الدفاعية التقليدية، مما يوفر ميزة أكبر للمهاجم، في حين أن أسلحة الطاقة الموجهة التي توفر وسيلة منخفضة التكلفة لتحييد مثل هذه الهجمات، يمكن أن تكون لصالح من يمتلكها. وبالتالي، يمكن للتكنولوجيات الناشئة أن تغير ميزان القوى عدة مرات بداية من عام 2023 وما بعدها.
3 - يمكن للتفاعلات بين التقنيات الناشئة أيضاً تحسين القدرات العسكرية الحالية أو توليد قدرات جديدة مع آثار غير متوقعة على المعارك والجيوش والاستقرار الاستراتيجي. على سبيل المثال، يمكن إقران الذكاء الاصطناعي مع الحوسبة الكمية لإنتاج أساليب أكثر قوة للتعلم الآلي العميق، مما قد يؤدي إلى تحسينات في التعرف إلى الصور وتحديد الهدف وتمكين أسلحة ذاتية التشغيل أكثر تطوراً. وبالمثل، يمكن إقران الذكاء الاصطناعي بالتكنولوجيا الحيوية في «واجهة بين الدماغ والحاسوب» لتعزيز الإدراك البشري أو التحكم في الأطراف الاصطناعية أو الأنظمة الروبوتية.
» الأستاذ الدكتور وائل صالح
(خبير في مركز تريندز للبحوث والاستشارات(
يقدم هذا الملف لمحة عامة عن جديد هذه التقنيات العسكرية لعام 2023 وما بعدها وتأثيراتها المحتملة على مستقبل القوة العسكرية، خصوصاً في الولايات المتحدة والصين وروسيا. ثم يعين ويحلل الملف التحديات التي تطرحها تلك التقنيات على مستوى كيفية تملكها بسرعة وحمايتها واستقرار تمويلها وحوكمتها، وكذا التحديات المرتبطة بالعنصر البشري المتصلة بها. كما يناقش الملف أهم مبادرات المؤسسات الدولية لمراقبتها أو تنظيم استخدامها. وأخيراً يستشرف الملف اتجاهات تلك التقنيات العسكرية الناشئة بداية من عام 2023 وما بعده.
1 - الذكاء الصناعي
يستخدم مصطلح الذكاء الاصطناعي عموماً للإشارة إلى نظام كمبيوتر قادر على الإدراك على الأقل بمستوى الإنسان. وينقسم الذكاء الاصطناعي إلى ثلاث فئات: الذكاء الاصطناعي المحدود، والذكاء الاصطناعي العام، والذكاء الاصطناعي الفائق. يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المحدود أن تؤدي فقط المهمة المحددة التي تم التدريب على أدائها، في حين أن أنظمة الذكاء الاصطناعي العامة قادرة على أداء مجموعة واسعة من المهام، بما في ذلك تلك التي لم يتم التدريب عليها بشكل خاص. يشير الذكاء الاصطناعي الفائق إلى نظام «يتجاوز إلى حد كبير الأداء المعرفي للبشر في جميع المجالات تقريباً». لا يوجد تطبيقات علانية كثيرة معروفة لأنظمة الذكاء الاصطناعي العامة والذكاء الاصطناعي الخارق في مجال السلاح حتى الآن. في المقابل تسيطر تطبيقات الذكاء الصناعي المحدود على مجالات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع؛ العمليات السيبرانية، القيادة والسيطرة، والمركبات شبه المستقلة وذاتية القيادة.
وتهدف تلك التطبيقات والتقنيات إلى استبدال المشغلين البشريين للأسلحة بتقنيات يتيح لها أداء أكثر تعقيداً وتطلباً معرفياً، وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
- أن تتفاعل بشكل أسرع من الأنظمة التي تعتمد على مدخلات المشغل البشري
- التعامل مع الزيادة الأسية في كمية البيانات المتاحة للتحليل
- تمكين مفاهيم جديدة للعمليات، مثل الاحتشاد (أي السلوك التعاوني الذي تنسق فيه الأسلحة الذاتية القيادة بشكل مستقل فيما بينها لتحقيق مهمة مشتركة( وهذا يمنح ميزة القتال من خلال التغلب على الأنظمة الدفاعية للخصم.
من جانبها بلغت استثمارات وزارة الدفاع الأمريكية في الذكاء الاصطناعي ما يزيد قليلاً على 600 مليون دولار في السنة المالية 2016، ارتفعت إلى ما يقرب من 1.1 مليار دولار في السنة المالية 2023، بالإضافة لـ 685 مشروعاً نشطاً للذكاء الاصطناعي، أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخراً المركز المشترك للذكاء الاصطناعي (JAIC)، للتنسيق بين تلك المشاريع، كما تم منح المركز سلطة الاستحواذ، بهدف دعم إدخال قدرات الذكاء الاصطناعي على مستوى الإدارة. وفي نهاية عام 2021، وجهت نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس إنشاء هيئتين جديدتين وهما Chief Digital وArtificial Intelligence Office لخلافة (JAIC) ويرفعان تقاريرهما مباشرة إلى نائب وزير الدفاع. وفي مارس 2021 تم تسليم تقرير للجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي (NSCAI) إلى الكونغرس ومن أبرز توصياته:
- الاستثمار في البحث والتطوير.
- تطبيق الذكاء الاصطناعي على مهام الأمن القومي.
- تدريب وتوظيف المواهب البشرية في مجال الذكاء الاصطناعي.
- حماية المزايا التكنولوجية الأمريكية والاستفادة منها.
- تنظيم تعاون العالم في مجال الذكاء الاصطناعي.
- على وزير الدفاع تقديم تقرير حالة سنوي إلى لجان الدفاع بالكونغرس لمتابعة تنفيذ تلك التوصيات.
على الجانب الروسي، كان قد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أياً كان من سيصبح قائد العالم في مجال الذكاء الاصطناعي فسيصبح هو الحاكم الفعلي للعالم. في الوقت الحالي، ومع ذلك، فإن تطور الذكاء الاصطناعي الروسي يتخلف بشكل كبير عن مثيله في الولايات المتحدة والصين. كجزء من الجهود التي تبذلها روسيا لسد هذه الفجوة، أصدرت روسيا استراتيجية وطنية تحدد معايير مرجعية مدتها 5 و 10 سنوات لتحسين خبرة البلاد في مجال الذكاء الاصطناعي، والبرامج التعليمية، والبنية التحتية، والنظام التنظيمي القانوني.
يبحث الجيش الروسي في عدد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على المركبات العسكرية شبه ذاتية التشغيل وذاتية التشغيل، كما يقوم ببناء وحدة قتالية للمركبات الأرضية ذاتية التشغيل قادرة على تحديد الهدف بشكل مستقل، وربما الاشتباك المستهدف، وتخطط لتطوير مجموعة من الأنظمة المستقلة المزودة بالذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى الخطط العسكرية الروسية لدمج الذكاء الاصطناعي في المركبات الجوية والبحرية وتحت سطح البحر المسيرة بدون تدخل بشري، ويقال إنها تطور قدرات التحشيد بالذكاء الصناعي.
خلاصة الأمر، يمكننا أن نقول إنه في حين أن روسيا لم تكن أبداً رائدة في ذلك المجال، إلا أنها عادة ما تنجح في أن تكون قوة معطلة بشكل ملحوظ. قد تكون روسيا أيضاً قادرة على الاستفادة من تعاونها التكنولوجي المتنامي مع الصين.
من جانب آخر، قام عدد من المؤسسات الدولية بدراسة القضايا الأمنية والأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مثل مجموعة السبع (G7) والتعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) وحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي اعتمد أول استراتيجية للذكاء الاصطناعي لتعيين معايير الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، وفقاً للقانون الدولي، وتسريع اعتماد الذكاء الاصطناعي في مهامه وكيفية حماية هذه التكنولوجيا والتعامل مع التهديدات التي يشكلها استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الخصوم.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الذكاء الصناعي عام 2023 وما بعده الأسئلة التالية: ما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذها وزارت الدفاع لتنفيذ المبادئ الأخلاقية المتصلة بالذكاء الصناعي؟ وهل هذه الإجراءات كافية لضمان التزام وزارات الدفاع بتلك الـمبادئ؟ كيف تقوم وزارت الدفاع في العالم باختبار وتقييم أنظمتها للذكاء الاصطناعي للتأكد من أنها غير قابلة لاستغلال الأعداء لها؟ هل لدى وزارات الدفاع ومجتمع الاستخبارات معلومات كافية حول حالة تطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكرية الأجنبية والطرق التي يتم بها عمل مثل هذه التطبيقات وكيف يمكن استخدامها للإضرار بالأمن القومي للدول؟
كيف سيؤثر تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي على وزارات الدفاع في العالم؟ ما الذي يجب وضعه في اعتبارات الأمن القومي فيما يتعلق بالتزييف العميق بالتوازي مع حماية حرية التعبير والتعبير الفني والاستخدامات المفيدة لـتلك التقنيات؟ ما هي الجهود التي ينبغي على الحكومات بذلها لتوعية الجمهور بشأن الأخبار والوثائق المزيفة العميقة؟
2 - الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل
تُعَدُّ الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، المعروفة باسم «الروبوتات القاتلة»، هي الثورة الثالثة في مجال الحروب بعد البارود والأسلحة النووية. فالتطور الذي حدث منذ بداية الحروب الحديثة في مجال السلاح كان مجرد مُقدِّمة لإفساح المجال للذكاء الاصطناعي، وإدماجه في العمليات العسكرية من خلال أسلحة قادرة على اتخاذ قرارات بالاشتباك، ثم القضاء على العدو دون أدنى تدخُّل بشري.
وتتميز الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل بخمس سمات:
- القدرة على القتل.
- ذاتية التشغيل، مما يعني غياب التدخل البشري والسيطرة خلال عملية تنفيذ المهمة بأكملها.
- استحالة الإنهاء، مما يعني أنه بمجرد البدء لا توجد طريقة لتوقف العملية.
- التأثير العشوائي، أي أن السلاح سينفذ مهمة القتل والتدمير بغض النظر عن السياق.
- التطور الذاتي، بمعنى أنه من خلال التفاعل مع البيئة، يمكن للسلاح التعلم بشكل ذاتي، وتوسيع نطاق وظائفه وقدراته بطريقة تتجاوز التوقعات البشرية.
بالنسبة للولايات المتحدة لم تعلن أنها تطور أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل أو أن لديها تلك الأسلحة، ومع ذلك، لا يوجد حظر على تطويرها أو امتلاكها.
وبالنسبة للصين، ووفقاً لوزير الدفاع الأمريكي السابق مارك إسبر، فإن بعض مصنعي الأسلحة الصينيين، مثل Ziyan، ينتجون بالفعل أسلحة تتمتع بالقدرة على تحديد الأهداف والاشتباك معها بشكل ذاتي. كما ليس لدى الصين أيضاً أي حظر على تطوير أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل.
من جانبها، وعلى الرغم من أن روسيا لم تعلن أنها تطور أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، فإن شركة كلاشينكوف الروسية المصنعة للأسلحة قامت ببناء وحدة للمركبات الأرضية ذاتية التشغيل والتحكم قادرة على تحديد الهدف بشكل ذاتي، وربما الاشتباك دون أي تدخل بشري.
وعلى مستوى المؤسسات الدولية، أمام مبادرات الأمم المتحدة في المقترحات التي قدمتها بعض الدول لإصدار تنظيم أو حظر أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، عارضت الولايات المتحدة وروسيا فرض حظر استباقي على أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، في حين أيدت الصين حظر استخدام، ولكن ليس تطوير، تلك الأنظمة. ولقد دعت حوالي 30 دولة و165 منظمة غير حكومية، إلى فرض حظر استباقي على أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل بسبب مخاوف أخلاقية من قبيل عدم المساءلة عن الاستخدام وعدم القدرة على الامتثال لمتطلبات التناسب.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل عام 2023 وما بعدها الأسئلة التالية: إلى أي مدى يطور خصوم الدول أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل؟ ما تأثير ذلك على أبحاث وتطوير أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل في الدول؟ ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه الدول في مناقشات اتفاقية الأسلحة التقليدية حول أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل؟ هل ينبغي للدول أن تدعم الوضع الراهن أو تدعو إلى تنظيم أو حظر أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل؟ إذا اختارت الدول تطوير منظومات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، فهل تكفي المعايير القانونية لاستخدامها في النزاعات؟
3 - الأسلحة الفرط صوتية
يقوم عدد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين، بتطوير أسلحة تفوق سرعة الصوت) بسرعة لا تقل عن 5 أضعاف سرعة الصوت، أي حوالي 6200 كيلومتر في الساعة). على عكس الصواريخ الباليستية، لا تتبع تلك الأسلحة مساراً مقوساً محدداً مسبقاً، ويمكنها المناورة في طريقها إلى وجهتها، كما عادة ما تطير تلك الأسلحة على ارتفاعات أخفض من الصواريخ الباليستية مما يجعل من إسقاطها بواسطة أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية غير ممكن. هناك نوعان رئيسيان من هذه الأسلحة، فهناك المركبات الانزلاقية، التي يتم إطلاقها في الفضاء على متن صاروخ قبل أن تنزلق نحو هدفها، وهناك صواريخ كروز التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتعمل بمحركات تستخدم أكسجين الهواء وتنتج قوة دفع أثناء تحركها، مما يسمح لها بالانتقال بسرعة وارتفاع ثابتين طوال مدة رحلتها.
من جانب الولايات المتحدة طلب البنتاغون 4.7 مليار دولار في السنة المالية 2023 للأسلحة الفرط صوتية و225.5 مليون دولار لبرامج الدفاع تلك الأسلحة. تقوم وزارة الدفاع الأمريكية حالياً بتطوير أسلحة فرط صوتية برية وجوية وبحرية يمكنها مهاجمة الأهداف بدقة أكبر. ومن غير المرجح أن تستخدم الولايات المتحدة سلاحاً تشغيلياً تفوق سرعته سرعة الصوت قبل عام 2023. وتدعي واشنطن أنها على عكس روسيا والصين، لا تقوم بتطوير تلك الأسلحة لاستخدامها المحتمل برأس حربي نووي.
بالنسبة للصين، فلقد اختبرت بنجاح Starry Sky-2، وهو نموذج أولي لمركبة فرط صوتية ذات قدرة نووية. وتشير بعض التقارير إلى أن Starry Sky-2 يمكن أن تكون جاهزة للعمل بحلول عام 2025
من جانبها، تملكت روسيا حديثاً سلاحين نوويين تفوق سرعتها سرعة الصوت: ) Avangardمركبة انزلاقية فرط صوتية يتم إطلاقها من صاروخ باليستي عابر للقارات (و3M22 Tsirkon أو Zircon والذي يبلغ مداه ما بين 250 و600 ميل تقريباً ويمكن إطلاقه عمودياً مثبتاً على الطرادات البحرية.
على مستوى المؤسسات الدولية لا توجد معاهدة أو اتفاقية دولية مخصصة للإشراف على تطوير الأسلحة الفرط صوتية. على الرغم من أن معاهدة New START لا تحد على وجه التحديد من الأسلحة الفرط صوتية، فإنها تحد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والتي يمكن استخدامها لإطلاق مركبات انزلاقية تفوق سرعة الصوت ولكن تلك المعاهدة تنتهي عام 2026
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الأسلحة الفرط صوتية عام 2023 وما بعدها الأسئلة التالية: ما هي المهام التي من الممكن أن تستخدم الأسلحة فرط الصوتية فيها؟ هل تلك الأسلحة هي أكثر الوسائل فعالية من حيث التكلفة لتنفيذ هذه المهام المحتملة؟ كيف سيؤثر نشر تلك الأسلحة في الاستقرار الاستراتيجي؟ هل هناك حاجة لتوسيع معاهدة New START، أو التفاوض بشأن اتفاقيات جديدة متعددة الأطراف للحد من تلك الأسلحة، أو تنظيم امتلاكها واستخدامها على أسس من الشفافية والثقة؟
4 - أسلحة الطاقة الموجهة
هي أسلحة تستخدم حزمة مركزة من الطاقة الكهرومغناطيسية بدلاً من الطاقة الحركية، وذلك لتعطيل أو إتلاف أو تدمير معدات العدو أو منشآته أو أفراده. ويمكن استخدامها من قبل القوات البرية في الدفاع الجوي قصير المدى، أو أنظمة الطائرات المضادة بدون طيار، أو الصواريخ المضادة، والمدفعية، وقذائف الهاون، كما يمكن استخدامها بالاقتران مع أنظمة عسكرية أخرى، من بينها الأسلحة الحركية.
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فلقد استثمرت وزارة الدفاع الأمريكية مليارات الدولارات في البرامج التي تم إلغاء معظمها في نهاية الأمر. في المقابل أطلقت البحرية الأمريكية أول سلاح أمريكي، وهو نظام سلاح الليزر (LaWS) في عام 2014 من على متن السفينة الحربية USS Ponce، وهو نموذج أولي بقدرة 30 كيلووات قادر على تعمية قوات العدو كتحذير، أو إسقاط طائرات بدون طيار، أو تعطيل القوارب، أو تدمير طائرات الهليكوبتر.
بالإضافة إلى ذلك، قامت البحرية بتركيب ليزر HELIOS بقدرة 60 كيلو وات، على متن السفينة الحربية USS Preble سنة 2022 وتخطط لمواصلة زيادة قدرات أسلحة الطاقة الموجهة في البحر في سنة 2023. كما تخطط الولايات المتحدة لنشر نظام دفاع جوي قصير المدى متنقل للطاقة بقدرة 50 كيلو وات، على متن مركبة القتال Stryker في سنة 2023. كما تسعى لزيادة مستويات قوة أسلحة الطاقة الموجهة من حوالي 150 كيلوواط، كما هو ممكن حالياً، إلى حوالي 300 كيلو واط في سنة 2023 و500 كيلوواط بحلول السنة المالية 2025 مع تقليل الحجم والوزن.
وبالنسبة للصين، فلديها أسلحة طاقة موجهة قادرة على تعطيل حرية الملاحة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ. كما أنها تسعى في السنوات القادمة لامتلاك أسلحة طاقة قادرة على إتلاف الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار الخاصة بها.
ومن جانبها، روسيا نشرت منصة Peresvet، وهو منظومة ليزر موجه HEL أرضي متنقل قادر على عمي الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار.
على مستوى المؤسسات ليست مدرجة حالياً في جدول أعمال أي آلية متعددة الأطراف.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات أسلحة الطاقة الموجهة عام 2023 وما بعدها الأسئلة التالية: هل التطور التكنولوجي لأسلحة الطاقة الموجهة يمكن له أن يبرر مستويات التمويل الحالية لهذا السلاح؟ ما مدى نجاح الاختبارات الميدانية للجيوش في مجال أسلحة الطاقة الموجهة؟ ما هي التغييرات في المفاهيم التشغيلية أو قواعد الاشتباك أو التكتيكات المطلوبة لتحسين استخدام تلك الأسلحة؟ في أي ظروف ولأي أغراض يجب أن يكون استخدام الجيوش لأسلحة أسلحة الطاقة الموجهة مسموحاً به؟ ما هي اللوائح أو المعاهدات أو التدابير الأخرى، إن وجدت، التي يجب على الدول النظر فيها فيما يتعلق باستخدام أسلحة الطاقة الموجهة في أثناء الحرب وأوقات السلم؟
5 - التكنولوجيا الحيوية
مما لا شك فيه أن التطورات في مجال التكنولوجيا الحيوية، مثل أداة تحرير الجينات منخفضة التكلفة القادرة على تغيير الجينات أو تكوين الحمض النووي لتعديل النباتات والحيوانات والبشر، ستكون لها تداعيات مهمة على الجيوش والأمن الدولي. فهذه التكنلوجيا يمكن لها تحسين أو إضعاف أداء العسكريين ويمكن لها بالإضافة إلى ذلك، إنشاء تمويه تكيفي، وأجهزة إخفاء ودروع ذاتية الشفاء لجسم الانسان وذاتية الإصلاح والتجديد للمركبات والأسلحة وابتكار أسلحة بيولوجية.
من جانبها تركز برامج التكنولوجيا الحيوية الأمريكية ذات التطبيقات العسكرية بشكل أساسي على تحسين «الجاهزية والمرونة والتعافي». على سبيل المثال برنامج وكالة المشاريع البحثية الدفاعية المتقدمة الأمريكية DARPA لديه عدد من برامج التكنولوجيا الحيوية المخصصة لطب المعارك، والتشخيص، والتنبؤ وخصوصاً في مجالات إصابات الدماغ، وعلاج الأمراض العصبية والنفسية مثل الاكتئاب والإجهاد اللاحق للصدمة، والحماية من الأمراض المعدية والتهديدات الحيوية التي تهدد إمدادات الغذاء. بالإضافة إلى ذلك، يسعى برنامج الجينات الآمنة التابع لـ DARPA إلى «حماية أفرد الجيش من سوء الاستخدام العرضي أو المتعمد لتقنيات تحرير الجينوم. كما يتم إجراء بحوث تهدف إلى تطوير مواد وأجهزة استشعار حيوية جديدة». بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن الولايات المتحدة تجري أبحاثاً أو أجرت أبحاثاً في السابق على تطبيقات التكنولوجيا الحيوية وعلم الأعصاب لزيادة كفاءة الجنود بتطبيقات تجعل الجنود أقوى وأكثر ذكاءً وأكثر قدرة على التحمل.
ومن جانب آخر، أصدرت إدارة بايدن الاستراتيجية الوطنية للدفاع البيولوجي لمواجهة التهديدات البيولوجية، وتعزيز التأهب للأوبئة، وحماية الأمن الصحي. وطلب الرئيس بتخصيص 88 مليار دولار كميزانية لخمس سنوات لتحقيق ذلك. وفى عام 2022 تم إنشاء لجنة الأمن القومي للتكنولوجيا الحيوية الناشئة، والتي هي «النظر في الأساليب والوسائل والاستثمارات اللازمة لتقدم وتأمين تطوير التكنولوجيا الحيوية والتصنيع الحيوي والتقنيات المرتبطة بها من قبل الولايات المتحدة لحماية الأمن القومي». ستقدم اللجنة نتائجها وتوصياتها المؤقتة إلى لجان الدفاع بالكونغرس والرئيس في موعد أقصاه 26 يناير 2023، وتقريرها النهائي في موعد أقصاه 26 يناير 2024
من جانب الصين وفي إطار مبادرتها لعام 2025، تسعى بكين بقوة إلى استخدام التقنيات الحيوية للاختبارات الجينية والطب الدقيق. وفي عام 2018، أنتج عالم صيني، ربما بموافقة الحكومة الصينية، أول «طفل معدل جينياً». بالإضافة إلى ذلك، تحتفظ الصين بواحد من أكبر مستودعات المعلومات الوراثية في العالم، وهو بنك الجينات الوطني، والذي يتضمن بيانات وراثية أمريكية. يمكن استخدام مثل هذه المعلومات لتطوير خطط علاجية مخصصة للأمراض أو ربما أسلحة بيولوجية دقيقة. علاوة على ذلك، تشير التقارير إلى أن اللجنة العسكرية المركزية في الصين «مولت مشاريع في علم الدماغ العسكري وأنظمة المحاكاة الحيوية المتقدمة والمواد البيولوجية والمحاكاة الحيوية، تعزيز الأداء البشري، والتكنولوجيا الحيوية، بينما أجرت المؤسسات الطبية للجيش الصيني بحثًا مكثفًا حول تحرير الجينات.
من جانبها، أصدرت روسيا استراتيجيتها الشاملة لتطوير قطاع التكنولوجيا الحيوية عام 2012، خصوصاً في مجالات الصيدلة الحيوية والطب الحيوي، والتكنولوجيا الحيوية الصناعية والطاقة الحيوية، والتكنولوجيا الحيوية الزراعية والغذائية، والتكنولوجيا الحيوية للغابات، والتكنولوجيا الحيوية لحماية البيئة، والتكنولوجيا الحيوية البحرية. ولكن القليل من المعلومات متاحة حول الكيفية التي قد تستخدم بها روسيا مثل هذه التقنيات في سياق عسكري أو أمني.
فيما يتعلق بالعسكرة المحتملة، عادة ما تستند المؤسسات الدولية على اتفاقية الأسلحة البيولوجية لعام 1972 لعقد مؤتمرات مراجعة كل خمس سنوات لتقييم كل من تنفيذ المعاهدة والتطورات الجارية في مجال التكنولوجيا الحيوية وكذلك لمعالجة الجهود الثنائية بين الدول والمتعددة الأطراف لتعزيز الأمن البيولوجي ووضع إطار دولي للنظر في عسكرة التقنيات الحيوية ومناقشة التنظيم المحتمل أو القيود التي يجب أن تفرض على تطبيقات معينة.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الأسلحة القائمة على التكنولوجيا الحيوية لعام 2023 وما بعدها الأسئلة التالية: هل هناك حاجة إلى إدارات منظمة للتكنولوجيا الحيوية في وزارات الدفاع لتحديد أولويات البحث وتنسيق البحوث على مستوى الجيوش؟ ما هي الموارد أو التغييرات التنظيمية المطلوبة من أجل تنفيذ استراتيجيات الدول للدفاع البيولوجي؟ ما هي التطبيقات العسكرية للتقنيات الحيوية التي يطورها المتنافسون على المستوي الدولي؟ هل توازن الجيوش بشكل مناسب بين المنفعة الحربية المحتملة للتكنولوجيا الحيوية والاعتبارات الأخلاقية؟ ما هي الأطر الوطنية والدولية اللازمة للنظر في الآثار الأخلاقية والقانونية للتطبيقات العسكرية للتكنولوجيات الحيوية مثل البيولوجيا التركيبية، وتحرير الجينوم، وتعديل الأداء البشري؟
6 - التكنولوجيا أو الحوسبة الكمومية
تترجم تكنولوجيا الكم مبادئ فيزياء الكم إلى تطبيقات تكنولوجية. بشكل عام، لم تصل تكنولوجيا الكمومية إلى مرحلة النضج بعد. ومع ذلك، يمكن أن يكون لها آثار كبيرة بداية من عام 2023 على مستقبل الاستشعار العسكري والتشفير والاتصالات.
أفاد مكتب المساءلة الحكومية أن وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ووزارة الأمن الوطني، قد قيمت أن «الاتصالات الكمية يمكن أن تمكن الخصوم من تطوير اتصالات آمنة لن يتمكن الموظفون الأمريكيون من اعتراضها أو فك تشفيرها. قد تسمح الحوسبة الكمومية للخصوم بفك تشفير المعلومات السرية، والتي يمكن أن تمكنهم من استهداف الأفراد والعمليات العسكرية الأمريكية والكشف عن الغواصات، مما يجعل المحيطات شفافة».
وما يعيق تلك التقنيات، التغيرات في درجة الحرارة أو عوامل بيئية أخرى. كما أوضح الفيزيائي Mikkel Hueck:
«إذا استمرت الأجهزة المستقبلية التي تستخدم التقنيات الكمومية في الحاجة إلى التبريد إلى درجات حرارة شديدة البرودة، فإن هذا سيجعلها باهظة الثمن وضخمة ومتعطشة للطاقة».
تستثمر الولايات المتحدة في تشفير ما بعد الكم (المعروف أيضاً باسم مقاومة الكم) في مايو 2022، أصدرت إدارة بايدن مذكرة الأمن القومي بشأن تعزيز قيادة الولايات المتحدة في الحوسبة الكمومية (NSM-10)، والتي توجه بترحيل أنظمة الكمبيوتر المعرضة للخطر إلى التشفير المقاوم للكم. في سبتمبر 2022، أصدرت وكالة الأمن القومي الأمريكية مذكرة للأمن السيبراني تنص على أنها تتوقع أن يكتمل انتقال أنظمة الأمن القومي إلى خوارزميات مقاومة الكم بحلول عام 2035.
أخيراً، يوجه قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) للسنة المالية 2021 وللسنة المالية 2022 لتجميع قائمة التحديات التقنية التي يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية معالجتها سنوياً وتحديثها في غضون عام إلى ثلاث سنوات وإنشاء شراكات مع الشركات الصغيرة والمتوسطة لتوفير قدرات الحوسبة الكمية للحكومة والصناعة والباحثين الأكاديميين الذين يعملون على هذه التحديات وتقييم المخاطر التي تشكلها أجهزة الكمبيوتر الكمومية وتسريع تطوير ونشر القدرات الكمومية ذات الاستخدام المزدوج، وزيادة المنح للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في هيئة تدريب ضباط البحث المبتدئين لتشمل علوم المعلومات الكمية.
من جانبها، أعطت الصين أولوية متزايدة لبحوث تكنولوجيا الكم ضمن خططها التنموية. لتحقيق اختراقات كبيرة في ها المجال بحلول عام 2030. في عام 2016، أطلقت الصين أول قمر صناعي كمي في العالم (Micius) لتوفير «قدرة اتصالات عالمية مشفرة كمومية» وفي عام 2017، استضافت الصين أول مؤتمر فيديو عابر للقارات مؤمن كمومياً.
علاوة على ذلك، تستثمر الصين بكثافة في شبكات الاتصالات الكمومية الأرضية، حيث أكملت بناء شبكة كمومية بطول 2000 كيلومتر )حوالي 1250 ميلاً) بين بكين وشنغهاي في عام 2016 وتخطط لتوسيع تلك الشبكة على الصعيد الوطني في السنوات القادمة. كما أنها عازمة على الاستفادة منها في التطبيقات العسكرية في خطة المشاريع الخاصة للاندماج العسكري والمدني الثالث عشر في البلاد ومدتها خمس سنوات.
يشير بعض المحللين إلى أن روسيا من المحتمل أن تكون «متأخرة من 5 إلى 10 سنوات» في الحوسبة الكمومية بالمقارنة بالصين والولايات المتحدة. في محاولة لسد تلك الفجوة، أعلنت روسيا عن خطط في ديسمبر 2019 لاستثمار 790 مليون دولار في أبحاث الكم على مدى خمس سنوات.
ولا توجد مؤسسات دولية كبرى لديها مبادرات رسمية مكرسة لرصد أو تنظيم التطبيقات العسكرية أو التطبيقات الأخرى للتكنولوجيا الكمومية.
ومن أهم الأسئلة التي ستحدد اتجاهات الأسلحة القائمة على التكنولوجيا أو الحوسبة الكمومية لعام 2023 وما بعدها: هل نضج تطور التطبيقات العسكرية لتكنولوجيا الكم يبرر مستويات التمويل الحالية؟ إلى أي مدى يمكن الاستفادة من التقدم في تكنولوجيا الكم التجارية في التطبيقات العسكرية؟ هل يتم اتخاذ تدابير كافية لتطوير تشفير مقاوم للكم ولحماية البيانات التي تم تشفيرها باستخدام الأساليب الحالية؟ ما المدى الذي توصل إليه المتنافسون الدوليون لتطوير التطبيقات العسكرية لتقنيات الكم؟ إلى أي مدى يمكن أن تهدد مثل هذه الجهود القدرات العسكرية للدول المتقدمة مثل الغواصات وطائرات الشبح من الجيل الخامس؟
الخاتمة
يعتمد التنبؤ بآثار تلك التقنيات العسكرية الناشئة لعام 2023 وما بعدها على الجيوش والحروب، والاستقرار الاستراتيجي بلا شك على معدل التقدم التكنولوجي في كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا، وعلى الطريقة التي يتم بها دمج تلك التقنيات في القوات العسكرية الحالية وفي المفاهيم العملياتية، وعلى التفاعلات بين تلك التقنيات الناشئة، ومدى تمكين السياسات الوطنية والقانون الدولي من منع تطويرها أو استخدامها. ومع ذلك، يمكن القول:
1 - إن تلك التقنيات الناشئة ستؤثر بلا شك في مستقبل الحروب والجيوش والتوازن الاستراتيجي. على سبيل المثال، يمكن للتطورات في تقنيات الذكاء الاصطناعي والأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل أن تقلل أو تلغي الحاجة إلى مشغل بشري بالكلية. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى زيادة الكفاءة القتالية وتسريع وتيرة الحروب، مما قد يؤدي إلى عواقب مزعزعة للاستقرار.
2 - يمكن لبعض تلك التقنيات الناشئة منخفضة التكلفة أن تحول التوازن بين الجودة، التي تعتمد عليها القوات العسكرية للقوى الكبرى تقليدياً، والكم، وكذلك بين الهجوم والدفاع. على سبيل المثال، يمكن لأسراب من المركبات ذاتية التشغيل المنسق بينها ذاتياً أن تخدع الأنظمة الدفاعية التقليدية، مما يوفر ميزة أكبر للمهاجم، في حين أن أسلحة الطاقة الموجهة التي توفر وسيلة منخفضة التكلفة لتحييد مثل هذه الهجمات، يمكن أن تكون لصالح من يمتلكها. وبالتالي، يمكن للتكنولوجيات الناشئة أن تغير ميزان القوى عدة مرات بداية من عام 2023 وما بعدها.
3 - يمكن للتفاعلات بين التقنيات الناشئة أيضاً تحسين القدرات العسكرية الحالية أو توليد قدرات جديدة مع آثار غير متوقعة على المعارك والجيوش والاستقرار الاستراتيجي. على سبيل المثال، يمكن إقران الذكاء الاصطناعي مع الحوسبة الكمية لإنتاج أساليب أكثر قوة للتعلم الآلي العميق، مما قد يؤدي إلى تحسينات في التعرف إلى الصور وتحديد الهدف وتمكين أسلحة ذاتية التشغيل أكثر تطوراً. وبالمثل، يمكن إقران الذكاء الاصطناعي بالتكنولوجيا الحيوية في «واجهة بين الدماغ والحاسوب» لتعزيز الإدراك البشري أو التحكم في الأطراف الاصطناعية أو الأنظمة الروبوتية.
» الأستاذ الدكتور وائل صالح
(خبير في مركز تريندز للبحوث والاستشارات(