الغذاء المثالي بين العلم والإسلام
الكاتب الأستاذة رولا القدرة
إذا التزم الإنسان النظام الغذائي الذي حدده الإسلام فسيكون في أفضل صحة
إن الإسلام هو دين الفطرة وإن الدين هو الحياة. إن الهدف من وجود الإنسان هو الوصول إلى الجنة من خلال الأعمال الصالحة المكلف بها والتي لن يستطيع القيام بها إلا عندما يتمتع بصحة جيدة. لذلك تأتي الصحة في المرتبة الثانية بعد الهداية. والإسلام يحرص على قوة المسلم الجسدية والنفسية والذهنية مثل حرصه على قوته الايمانية لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف". لذلك جاء الإسلام بضوابط وقوانين للحفاظ على صحة المسلم بكافة جوانبها والتي تهدف إلى إصلاح دنياه وآخرته.
الغذاء المتوازن
إن الغذاء المتوازن هو الغذاء المتكامل اللازم للجسم حتى ينمو نموا صحيحا وسليما. وقد حرص الإسلام على هذه التغذية الصحية لقوله تعالى:
"ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" (الرحمن 7:8).
كما أنه أهتم بكمية الغذاء اللازم ومواعيده وجودته وطريقة تناوله ومراعاة توازنه الغذائي. وقد أكد الإسلام على ضرورة عدم الإسراف في الطعام لقوله صلى الله عليه وسلم:
" ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه".
وقد وصف أحدهم قومه بقوله:
"نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع"
لأن الطعام يستغرق بين ثلاث لأربع ساعات لكي يهضم وتصبح المعدة جاهزة لاستقبال الوجبة التالية. وقد ذكر ابن قيم في كتابه الطب النبوي أن أفضل الغذاء ما كان كثير النفع قوي التأثير، خفيف على المعدة، سريع الهضم.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أرطأة قال: اجتمع رجال من أهل الطب عند ملك من الملوك فسألهم: ما رأس دواء المعدة؟ فقال كل رجل منهم قولا وفيهم رجل ساكت، فلما فرغوا قال: ما تقول أنت؟ قال: ذكروا أشياء وكلها تنفع بعض النفع، ولكن ملاك ذلك ثلاثة أشياء: " لا تأكل طعاما أبدا إلا وأنت تشتهيه، ولا تأكل لحما يطبخ لك حتى تنعم إنضاجه، ولا تبتلع لقمة أبدا حتى تمضغها مضغا جيدا لا يكون على المعدة فيها مؤونة".
إن الإسراف في تناول الطعام يصيب الإنسان بالكسل والخمول والأمعاء بالتعفن والقلب بالإرهاق، لذلك فقد شرع الله تعالى الصيام لفوائد كثيرة منها إصلاح التجاوز في الأكل وإرجاع الوزن الذي زاد عن حده الطبيعي.
أما الآداب الإسلامية والعادات الصحية التي يجب مراعاتها عند تناول الطعام والشراب فهي التسمية وذكر الله على الطعام، غسل اليدين قبل وبعد تناول الطعام، الأكل بثلاث أصابع لما في ذلك من التوسط والاعتدال، الاعتدال في الجلسة أثناء تناول الطعام، الشرب على ثلاث جرعات والشرب جالسا وعدم التنفس في الإناء، الأكل في الجماعة والتحدث أثناء الطعام لما في ذلك من إشاعة المحبة والالفة، مراعاة مشاعر الاخرين عند تناول الطعام بعدم الأكل من الجهة المقابلة لهم، عدم إدخال الطعام على الطعام، عدم الشرب قبل الطعام وبعده مباشرة، المشي بعد العشاء قليلا ولا ينام عقبه حتى يستقر الطعام في المعدة فيسهل هضمه.
الرياضة
وعندما يتناول الإنسان أكثر من حاجته من الطعام فعليه ممارسة التمارين الرياضية لكي يحرق هذه الكميات الزائدة على الحاجة فلا يتسبب في البدانة والوزن الزائد. فالتمرينات الرياضية المنتظمة مع تناول الغذاء المتوازن يساعدان على الاحتفاظ باللياقة البدنية والصحة الجيدة وحيوية الجسم ونشاطه. فالرياضة تمنع من تولد الفضلات في الجسم فهي تسخن الاعضاء وتسيل فضلاتها فلا تجتمع مع الوقت والتي يؤدي تراكمها إلى كثير من الأمراض مثل ضغط الدم، تصلب الشرايين، السكر، إلتهاب المفاصل، كما أن ممارسة الرياضة تؤدي إلى زيادة كفاءة القلب والدورة الدموية والجهاز التنفسي والكليتين وغيرها من الاجهزة، وبالتالي تمنح الجسم الخفة والنشاط كما أنها تحميه من كثير من الأمراض إذا استخدمت بالصورة المعتدلة المتواصلة. ويكون وقت الرياضة بعد كمال الهضم ويقدر بخمس ساعات أو أقل أو أكثر بحسب أمزجة الناس وحسب الغذاء نفسه. والرياضة التي يحث عليها الإسلام هي الرياضة المعتدلة التي تحمر فيها البشرة ويتندى بها الجسم، أما التي يلزمها سيلان العرق فمفرطة. وكل عضو يقوى على نوع الرياضة التي يمارسها. ولكل عضو رياضة تخصه فالقراءة رياضة الصدر، وسمع الاصوات رياضة السمع، والكلام رياضة اللسان وهكذا..
ومن أفضل أنواع الرياضة الصلاة لما فيها من حفظ صحة البدن والروح والقلب جميعا في الوقت نفسه. فإذا أدى المسلم الصلاة المفروضة فقط يوميا يكون قد أدى 113 حركة رياضية (39 حركة ركوع + 74 حركة سجود) بخلاف الحركات الاخري.
وقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على رياضة الرمي وركوب الخيل والفروسية والسباحة، كما كان عليه الصلاة والسلام يمارس رياضة المشي والجري.
فعن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: "سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا حتى أرهقني اللحم، سابقني فسبقني، فقال: هذه بتلك".
الجانب النفسي والعاطفي والعقلي
لقد أثبت العلم أن معظم الأمراض التي يتعرض لها الإنسان تعود أسبابها إلى حالات نفسية يعاني منها في وقت أصبحت فيه الحياة أكثر صعوبة وتعقيدا، ومن أهم هذه الحالات التوتر، والهم ، والقلق ، والخوف والحزن ، والحسد والعداوة ، والبغضاء، وغيرها. وقد بين لنا ديننا الحنيف أن أساس هذه الحالات النفسية هو ضعف الإيمان بالله تعالى والبعد عنه بسبب المعاصي والآثام التي يقترفها الإنسان. وقد أرشدنا الإسلام إلى التعامل مع مثل هذه الحالات بالرجوع إلى الله تعالي والإخلاص في عبادته لما فيها من رفع معنويات المسلم وتقوية جهازه المناعي بسبب ما يشعر به من أمن وسكينة لقوله تعالى:
" فإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه" (هود:123)
اهتم الاسلام بأمراض النفوس والقلوب إذ لا يخلو قلب من القلوب عن أسقام لو أهملت تراكمت العلل وتظاهرت. وتتمثل هذه الأمراض بالحسد والبخل والرياء والغيبة والكبر وغيرها من الأمراض وهي خطيرة على النفس وبما أن هناك علاقة وثيقة بين النفس والجسد فهي خطيرة على الجسد كذلك لأنها تسبب ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وإضعاف المناعة فيصبح الإنسان عرضة للأمراض.
وعندما يمر المؤمن بأعراض قاهرة قد تسلبه طمأنينته ورضاه، أمره الإسلام بأن يتشبث بالعناية الالهية كي تنقذه مما حل به لأن الاستسلام لتيار الكآبة هو بداية انهيار شامل في الارادة يطبع الأعمال كلها بالعجز، فقد استعاذ منها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:
" قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"(سنن أبي داود).
فتكون حماية القلب من أمراضه عن طريق اشتغال القلب بذكر الله تعالى والتقوى والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله تعالى :
"إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" (الاعراف:201)،
كما أن قرآءة القرآن تؤنس القلب وتشغله عما سواه من أمور الدنيا لقوله تعالى:
"إن الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (الرعد:28).
إن تلاوة القرآن الكريم والدعاء ليسا إلا مفتاحان لأحوال نفسية جديدة تتغير بها حياة الانسان ثم تستقيم بعدها خطاه وتلاحقه عناية الله، يتغلب بها البشر على مشكلات العيش ومضايق الأيام.
إن الجانب العاطفي والعقلي للإنسان قلما يبقى متماسكا مع حدة الإحتكاك بصنوف الشهوات، ولم يتركه الإسلام لعوامل الهدم لتنال منه لأنه عندئذ سوف تنفرط المشاعر العاطفية والعقلية كما تنفرط حبات العقد إذا انقطع سلكه لقوله تعالى:
"من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" (الكهف: من الآية 28).
فقد حث الإسلام على أن يعيش المسلم في حدود يومه بحيث لا تتشتت حياته بين هواجس الماضي وهمه وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف، وهذا لا يعني تجاهل الاعداد للمستقبل بل يعني ألا نستغرق فيه، وهذا هو السبب الرئيسي في حالات التوتر والقلق التي يعيشها كثير من الناس هذه الأيام. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346).
كما أنه كثر الحث في كتاب الله تعالى على التفكر والتأمل والتدبر سواء كان تفكرا في ملكوت السماوات والأرض أو التفكر بآيات القرآن العظيم فيزيد الإنسان يقينا ومعرفة واعتبارا وسكينة وحبا لله تعالى لقوله تعالى:
"إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من مآء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لأيات لقوم يعقلون" (البقرة:164).
فالتفكر يساعد الإنسان على الخشوع والاستسلام والتجرد عن مشاغل الدنيا وبالتالي تساعده على الاسترخاء والتخلص من المشاعر السلبية.
وقد قرأت كتابا للطبيب الأمريكي المشهور"أندرو ويل" بعنوان الشفاء الذاتي عن البرنامج الذي أعده لتقوية الجهاز الشفائي المناعي عند الإنسان للوقاية من الأمراض والذي يتكون من أساليب حياة مختلفة مثل الطعام والرياضة وتقليل الضغط النفسي، وقد استخدم خبراته وأساليبه الطبية وأسفاره حول العالم عند وضع هذا البرنامج. ومن أهم ما جاء في هذا البرنامج:
• تناول وجبات محدودة الكميات ومتنوعة في فترات منتظمة
• استخدام زيت الزيتون في الطهي بدلا من الزيوت النباتية
• الاكثار من الفواكه والخضار والبقول
• الصوم عن الطعام مرة في الأسبوع لما فيه من تهذيب للنفس والبدن.
• مزاولة رياضة المشي وهي من أفضل أنواع الرياضة للحفاظ على الصحة
• الإقرار بأهمية الشفاء الديني باستخدام الصلاة والدعاء
• استخدام تقنيات تأمل مختلفة لتوجيه تركيز الإنسان إلى الوقت الحاضر فيخفف عليه آلاما نفسية أسبابها الخوف من الماضي والقلق من المستقبل، وبالتالي يصبح أكثر يقينا وإيجابية وسكونا.
• استخدام علاجات الطاقة المختلفة (مثل الريكي) لتحقيق الاتزان والاستقرار العاطفي و تخفيف الألم وتوجيه الانتباه إلى الجانب الروحي بعيدا عن الجانب المادي
• قضاء وقت مع الاصدقاء والمعارف يجعل الانسان اكثر ايجابية وسعادة
• التجاوز عن أخطاء الآخرين وضبط النفس عند الغضب
جاء هذا الطبيب ليثبت لنا حقائق أثبتها لنا ديننا الحنيف من أكثر من 1400 سنة. نحن المسلمون لا نحتاج إلى برامج وأساليب حياة صحية جديدة نتبعها من أجل صحة أفضل وذلك لأن هذه الممارسات الصحية هي في الأصل جزء من ديننا الذي يجعله بالتالي جزءا من حياتنا، فهي لا تضمن لنا صحة مثالية فحسب بل ثواب وأجر من عند الله تعالى. إنه من المؤسف أن نرى كثيرا من المسلمين يهمل هذه العادات الصحية التي جاء بها الإسلام إما لجهل أو لعدم مبالاة. الأصل في الإنسان الصحة وأصل المرض من صنع الإنسان إذا خالف تعاليم الله في حياته وطعامه وشرابه ووضعه النفسي والعاطفي، و صدق الله العظيم حين قال:
"الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" (الشعراء: 78-82).
---------------
المراجع:
• الطب النبوي للإمام ابن قيم الجوزية، محمد محمد بكر علي، 2004.
• التغذية النبوية: الغذاء بين الداء والدواء، عبد الباسط محمد السيد، 2004
• الطب الوقائي للمحافظة على الصحة العامة، عبد الباسط محمد السيد، 2004
• Weil, A. Spontaneous Healing, 1995 (الشفاء الذاتي)
بتصرف قليل جدا عن موقع شبكة الإعجاز في القرآن والسنة
الكاتب الأستاذة رولا القدرة
إذا التزم الإنسان النظام الغذائي الذي حدده الإسلام فسيكون في أفضل صحة
إن الإسلام هو دين الفطرة وإن الدين هو الحياة. إن الهدف من وجود الإنسان هو الوصول إلى الجنة من خلال الأعمال الصالحة المكلف بها والتي لن يستطيع القيام بها إلا عندما يتمتع بصحة جيدة. لذلك تأتي الصحة في المرتبة الثانية بعد الهداية. والإسلام يحرص على قوة المسلم الجسدية والنفسية والذهنية مثل حرصه على قوته الايمانية لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف". لذلك جاء الإسلام بضوابط وقوانين للحفاظ على صحة المسلم بكافة جوانبها والتي تهدف إلى إصلاح دنياه وآخرته.
الغذاء المتوازن
إن الغذاء المتوازن هو الغذاء المتكامل اللازم للجسم حتى ينمو نموا صحيحا وسليما. وقد حرص الإسلام على هذه التغذية الصحية لقوله تعالى:
"ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" (الرحمن 7:8).
كما أنه أهتم بكمية الغذاء اللازم ومواعيده وجودته وطريقة تناوله ومراعاة توازنه الغذائي. وقد أكد الإسلام على ضرورة عدم الإسراف في الطعام لقوله صلى الله عليه وسلم:
" ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه".
وقد وصف أحدهم قومه بقوله:
"نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع"
لأن الطعام يستغرق بين ثلاث لأربع ساعات لكي يهضم وتصبح المعدة جاهزة لاستقبال الوجبة التالية. وقد ذكر ابن قيم في كتابه الطب النبوي أن أفضل الغذاء ما كان كثير النفع قوي التأثير، خفيف على المعدة، سريع الهضم.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أرطأة قال: اجتمع رجال من أهل الطب عند ملك من الملوك فسألهم: ما رأس دواء المعدة؟ فقال كل رجل منهم قولا وفيهم رجل ساكت، فلما فرغوا قال: ما تقول أنت؟ قال: ذكروا أشياء وكلها تنفع بعض النفع، ولكن ملاك ذلك ثلاثة أشياء: " لا تأكل طعاما أبدا إلا وأنت تشتهيه، ولا تأكل لحما يطبخ لك حتى تنعم إنضاجه، ولا تبتلع لقمة أبدا حتى تمضغها مضغا جيدا لا يكون على المعدة فيها مؤونة".
إن الإسراف في تناول الطعام يصيب الإنسان بالكسل والخمول والأمعاء بالتعفن والقلب بالإرهاق، لذلك فقد شرع الله تعالى الصيام لفوائد كثيرة منها إصلاح التجاوز في الأكل وإرجاع الوزن الذي زاد عن حده الطبيعي.
أما الآداب الإسلامية والعادات الصحية التي يجب مراعاتها عند تناول الطعام والشراب فهي التسمية وذكر الله على الطعام، غسل اليدين قبل وبعد تناول الطعام، الأكل بثلاث أصابع لما في ذلك من التوسط والاعتدال، الاعتدال في الجلسة أثناء تناول الطعام، الشرب على ثلاث جرعات والشرب جالسا وعدم التنفس في الإناء، الأكل في الجماعة والتحدث أثناء الطعام لما في ذلك من إشاعة المحبة والالفة، مراعاة مشاعر الاخرين عند تناول الطعام بعدم الأكل من الجهة المقابلة لهم، عدم إدخال الطعام على الطعام، عدم الشرب قبل الطعام وبعده مباشرة، المشي بعد العشاء قليلا ولا ينام عقبه حتى يستقر الطعام في المعدة فيسهل هضمه.
الرياضة
وعندما يتناول الإنسان أكثر من حاجته من الطعام فعليه ممارسة التمارين الرياضية لكي يحرق هذه الكميات الزائدة على الحاجة فلا يتسبب في البدانة والوزن الزائد. فالتمرينات الرياضية المنتظمة مع تناول الغذاء المتوازن يساعدان على الاحتفاظ باللياقة البدنية والصحة الجيدة وحيوية الجسم ونشاطه. فالرياضة تمنع من تولد الفضلات في الجسم فهي تسخن الاعضاء وتسيل فضلاتها فلا تجتمع مع الوقت والتي يؤدي تراكمها إلى كثير من الأمراض مثل ضغط الدم، تصلب الشرايين، السكر، إلتهاب المفاصل، كما أن ممارسة الرياضة تؤدي إلى زيادة كفاءة القلب والدورة الدموية والجهاز التنفسي والكليتين وغيرها من الاجهزة، وبالتالي تمنح الجسم الخفة والنشاط كما أنها تحميه من كثير من الأمراض إذا استخدمت بالصورة المعتدلة المتواصلة. ويكون وقت الرياضة بعد كمال الهضم ويقدر بخمس ساعات أو أقل أو أكثر بحسب أمزجة الناس وحسب الغذاء نفسه. والرياضة التي يحث عليها الإسلام هي الرياضة المعتدلة التي تحمر فيها البشرة ويتندى بها الجسم، أما التي يلزمها سيلان العرق فمفرطة. وكل عضو يقوى على نوع الرياضة التي يمارسها. ولكل عضو رياضة تخصه فالقراءة رياضة الصدر، وسمع الاصوات رياضة السمع، والكلام رياضة اللسان وهكذا..
ومن أفضل أنواع الرياضة الصلاة لما فيها من حفظ صحة البدن والروح والقلب جميعا في الوقت نفسه. فإذا أدى المسلم الصلاة المفروضة فقط يوميا يكون قد أدى 113 حركة رياضية (39 حركة ركوع + 74 حركة سجود) بخلاف الحركات الاخري.
وقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على رياضة الرمي وركوب الخيل والفروسية والسباحة، كما كان عليه الصلاة والسلام يمارس رياضة المشي والجري.
فعن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: "سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا حتى أرهقني اللحم، سابقني فسبقني، فقال: هذه بتلك".
الجانب النفسي والعاطفي والعقلي
لقد أثبت العلم أن معظم الأمراض التي يتعرض لها الإنسان تعود أسبابها إلى حالات نفسية يعاني منها في وقت أصبحت فيه الحياة أكثر صعوبة وتعقيدا، ومن أهم هذه الحالات التوتر، والهم ، والقلق ، والخوف والحزن ، والحسد والعداوة ، والبغضاء، وغيرها. وقد بين لنا ديننا الحنيف أن أساس هذه الحالات النفسية هو ضعف الإيمان بالله تعالى والبعد عنه بسبب المعاصي والآثام التي يقترفها الإنسان. وقد أرشدنا الإسلام إلى التعامل مع مثل هذه الحالات بالرجوع إلى الله تعالي والإخلاص في عبادته لما فيها من رفع معنويات المسلم وتقوية جهازه المناعي بسبب ما يشعر به من أمن وسكينة لقوله تعالى:
" فإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه" (هود:123)
اهتم الاسلام بأمراض النفوس والقلوب إذ لا يخلو قلب من القلوب عن أسقام لو أهملت تراكمت العلل وتظاهرت. وتتمثل هذه الأمراض بالحسد والبخل والرياء والغيبة والكبر وغيرها من الأمراض وهي خطيرة على النفس وبما أن هناك علاقة وثيقة بين النفس والجسد فهي خطيرة على الجسد كذلك لأنها تسبب ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وإضعاف المناعة فيصبح الإنسان عرضة للأمراض.
وعندما يمر المؤمن بأعراض قاهرة قد تسلبه طمأنينته ورضاه، أمره الإسلام بأن يتشبث بالعناية الالهية كي تنقذه مما حل به لأن الاستسلام لتيار الكآبة هو بداية انهيار شامل في الارادة يطبع الأعمال كلها بالعجز، فقد استعاذ منها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:
" قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"(سنن أبي داود).
فتكون حماية القلب من أمراضه عن طريق اشتغال القلب بذكر الله تعالى والتقوى والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله تعالى :
"إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" (الاعراف:201)،
كما أن قرآءة القرآن تؤنس القلب وتشغله عما سواه من أمور الدنيا لقوله تعالى:
"إن الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (الرعد:28).
إن تلاوة القرآن الكريم والدعاء ليسا إلا مفتاحان لأحوال نفسية جديدة تتغير بها حياة الانسان ثم تستقيم بعدها خطاه وتلاحقه عناية الله، يتغلب بها البشر على مشكلات العيش ومضايق الأيام.
إن الجانب العاطفي والعقلي للإنسان قلما يبقى متماسكا مع حدة الإحتكاك بصنوف الشهوات، ولم يتركه الإسلام لعوامل الهدم لتنال منه لأنه عندئذ سوف تنفرط المشاعر العاطفية والعقلية كما تنفرط حبات العقد إذا انقطع سلكه لقوله تعالى:
"من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" (الكهف: من الآية 28).
فقد حث الإسلام على أن يعيش المسلم في حدود يومه بحيث لا تتشتت حياته بين هواجس الماضي وهمه وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف، وهذا لا يعني تجاهل الاعداد للمستقبل بل يعني ألا نستغرق فيه، وهذا هو السبب الرئيسي في حالات التوتر والقلق التي يعيشها كثير من الناس هذه الأيام. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346).
كما أنه كثر الحث في كتاب الله تعالى على التفكر والتأمل والتدبر سواء كان تفكرا في ملكوت السماوات والأرض أو التفكر بآيات القرآن العظيم فيزيد الإنسان يقينا ومعرفة واعتبارا وسكينة وحبا لله تعالى لقوله تعالى:
"إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من مآء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لأيات لقوم يعقلون" (البقرة:164).
فالتفكر يساعد الإنسان على الخشوع والاستسلام والتجرد عن مشاغل الدنيا وبالتالي تساعده على الاسترخاء والتخلص من المشاعر السلبية.
وقد قرأت كتابا للطبيب الأمريكي المشهور"أندرو ويل" بعنوان الشفاء الذاتي عن البرنامج الذي أعده لتقوية الجهاز الشفائي المناعي عند الإنسان للوقاية من الأمراض والذي يتكون من أساليب حياة مختلفة مثل الطعام والرياضة وتقليل الضغط النفسي، وقد استخدم خبراته وأساليبه الطبية وأسفاره حول العالم عند وضع هذا البرنامج. ومن أهم ما جاء في هذا البرنامج:
• تناول وجبات محدودة الكميات ومتنوعة في فترات منتظمة
• استخدام زيت الزيتون في الطهي بدلا من الزيوت النباتية
• الاكثار من الفواكه والخضار والبقول
• الصوم عن الطعام مرة في الأسبوع لما فيه من تهذيب للنفس والبدن.
• مزاولة رياضة المشي وهي من أفضل أنواع الرياضة للحفاظ على الصحة
• الإقرار بأهمية الشفاء الديني باستخدام الصلاة والدعاء
• استخدام تقنيات تأمل مختلفة لتوجيه تركيز الإنسان إلى الوقت الحاضر فيخفف عليه آلاما نفسية أسبابها الخوف من الماضي والقلق من المستقبل، وبالتالي يصبح أكثر يقينا وإيجابية وسكونا.
• استخدام علاجات الطاقة المختلفة (مثل الريكي) لتحقيق الاتزان والاستقرار العاطفي و تخفيف الألم وتوجيه الانتباه إلى الجانب الروحي بعيدا عن الجانب المادي
• قضاء وقت مع الاصدقاء والمعارف يجعل الانسان اكثر ايجابية وسعادة
• التجاوز عن أخطاء الآخرين وضبط النفس عند الغضب
جاء هذا الطبيب ليثبت لنا حقائق أثبتها لنا ديننا الحنيف من أكثر من 1400 سنة. نحن المسلمون لا نحتاج إلى برامج وأساليب حياة صحية جديدة نتبعها من أجل صحة أفضل وذلك لأن هذه الممارسات الصحية هي في الأصل جزء من ديننا الذي يجعله بالتالي جزءا من حياتنا، فهي لا تضمن لنا صحة مثالية فحسب بل ثواب وأجر من عند الله تعالى. إنه من المؤسف أن نرى كثيرا من المسلمين يهمل هذه العادات الصحية التي جاء بها الإسلام إما لجهل أو لعدم مبالاة. الأصل في الإنسان الصحة وأصل المرض من صنع الإنسان إذا خالف تعاليم الله في حياته وطعامه وشرابه ووضعه النفسي والعاطفي، و صدق الله العظيم حين قال:
"الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" (الشعراء: 78-82).
---------------
المراجع:
• الطب النبوي للإمام ابن قيم الجوزية، محمد محمد بكر علي، 2004.
• التغذية النبوية: الغذاء بين الداء والدواء، عبد الباسط محمد السيد، 2004
• الطب الوقائي للمحافظة على الصحة العامة، عبد الباسط محمد السيد، 2004
• Weil, A. Spontaneous Healing, 1995 (الشفاء الذاتي)
بتصرف قليل جدا عن موقع شبكة الإعجاز في القرآن والسنة