شهادة الإنجيل
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
القسم الأول
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
القسم الأول
أين أنت أيها الإنجيل؟! أضاعوك فضاع معك الحق ثم تحدثوا باسمك!
فلتطمئن بأن الحق الذي جئت به باقٍ ومنتصر ما دام القرآن محفوظًا..
القرآن يدافع عنك.. معلنًا أن الكتاب الذي بين أيديهم لا يمثلك.. أنه ليس أنت..
فأنت أيها الإنجيل.. ذلك الكتاب العظيم الذي أنزله الله عزّ وجلّ على عبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-، ويتضمّن تعليمات وتوجيهات ربّانية إلى بني إسرائيل بشكل خاص بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى -عليه السلام-، وغلبت عليهم النزعات المادية.
الإنجيل الذي يقوم على الدعوة إلى توحيد الله عزّ وجلّ وإفراده بالعبودية، والزهد في الدنيا، والإيمان باليوم الآخر وأحواله، ولذا فإن الإيمان بأن المسيح عيسى ابن مريم –عليه السلام- عبد الله ورسوله، وأن الإنجيل كتاب من الله أنزله عليه حق واجب على كل مسلم، بل هو من الأركان التي لا يكتمل إيمان المسلم إلا بها.
لقد آمن بالإنجيل الحق نفر كثير، ولكن اليهود الذين لم يؤمنوا بدعوة المسيح -عليه السلام- كانوا لهم بالمرصاد، يطاردونهم ويقتلونهم ويشون بهم عند الحكام الوثنيين. واستمرت هذه المرحلة من عمر الديانة النصرانية نصف قرن من الزمان تقريبًا، ثم بدأ بعدها عهد كتابة الأناجيل وتأليفها، وهي مجموعة متنوّعة ومتعدّدة من الكتب والقصص المبتدعة، التي مزجت قليلًا من صحيح مع كثير من باطل، ولا تعدو كونها اجتهادات شخصية من أصحابها، ولم تُسمَع من المسيح -عليه السلام- مشافهة. أما الإنجيل الحق الذي نزل على المسيح عيسى –عليه السلام- ليس واحدًا من هذه الكتب، ولا وجود له بين يدي النصارى اليوم، برغم أن الرسائل التي ألفت في النصف الثاني من القرن الأوّل تتحدث في نصوص كثيرة منها عن إنجيل المسيح أو إنجيل الله، وفي الأناجيل الأربعة المعتبرة لدى النصارى اليوم وسفر أعمال الرسل، حديث صريح عن إنجيل المسيح! ولذلك يتساءل المحققون كثيرًا عن إنجيل المسيح، لكن الإجابة النصرانية هي صمت مطبق وتجاهل لوجود هذا الإنجيل!
لقد أنزل الله عزّ وجلّ على آخر رسله إلى بني إسرائيل، المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-، كتابًا اسمه الإنجيل. ولا شكّ في أن هذا الإنجيل نزل بلغة المسيح ولغة قومه من بني إسرائيل، بيد أن هذا الإنجيل الحقيقي ضاع وحُرّف واندثرت تعاليمه الأصلية، حيث تم استبدال أناجيل مهجّنة ومحرّفة ومشكوك في أمرها به، ويكفي دليلًا على تحريف هذه الأناجيل حقيقة أنها مكتوبة باللغة اليونانية، وهي لغة غريبة عن لغة عيسى -عليه السلام- الأصلية التي أُنزل بها الإنجيل، وهي لغة سامية لا علاقة لها باللغة اليونانية. وهذا يعني أن كل من يقرأ الأناجيل إنما يقلّد مترجمًا مجهولًا لا يعرف أحد عنه شيئًا، والمترجم لا علم له، إذ لم يطلع على الحقيقة، ولم يشاهد المسيح -عليه السلام- والمترجِم ليس معصومًا من الخطأ والتحريف عمدًا.
في مجمع نيقية الشهير الذي عُقد في 20 مايو 325م، وحضره 318 أسقفًا، تم اختيار أربعة أناجيل فقط (متّى – مرقس – لوقا - يوحنا)، من بين عشرات الأناجيل التي كانت متداولة بين النصارى حتى نهاية الربع الأوّل من القرن الرابع، وأمرت الكنيسة بحرق جميع الأناجيل باستثناء هذه الأناجيل الأربعة فقط، وصدر قرار من الإمبراطور الروماني الوثني بقتل كل من عنده نسخة من هذه الأناجيل التي رفضها المؤتمرون في مجمع نيقية، ومن بينها ما هو منسوب إلى المسيح وأمه والإنجيليين الأربعة وكبار الحواريين تلاميذ المسيح –عليه السلام-! وهكذا اختفت معظم هذه الأناجيل ولم يصل إلينا منها سوى إنجيل برنابا والإنجيل الأغنسطي، وثلاث قصاصات من إنجيل مريم وبعض شرائح لاتينية وإغريقية وقبطية من إنجيل برثولماوس وإنجيل نيقوديموس، ومقتطفات من إنجيل بطرس وكتاب أعمال يوحنا.
ولم يتم اختيار الأناجيل الأربعة في مجمع نيقية وفق منهج علمي، تم على أساسه قبول ما قُبِل ورَدِّ ما رُدَّ، وإنما كان الضابط الوحيد في ذلك ما ظنه رعاة المجمع من عدم معارضة تلك الأناجيل لما تبناه بعض أصحاب النفوذ والسلطة من القول بألوهية المسيح وأنه ابن الله! وبالطبع فلم يكن هذا القول ليحظى بموافقة معظم المؤتمرين، فقد عارضه جمع عظيم منهم، إلا أن سيف الرومان الوثني حسم الخلاف لمصلحة من ذهب إلى القول بألوهية المسيح، وجعل من المخالفين مبتدعين ومهرطقين، وقضى على النصارى الموحدين بالملاحقة والقتل والتشريد، حتى اضمحل دورهم وتلاشى مع مرور الوقت.
وهذه الأناجيل الأربعة التي انتخبها مجمع نيقية (متّى – مرقس – لوقا - يوحنا)، وتعتبر أصح الكتب عند النصارى وأقدسها، لا سند لها. ومعلوم أن الكتاب لا يكون سماويًّا أو مقدّسًا إلا إذا ثبت بدليل قطعي أنه كُتب ودُوّن في عهد النبي أو الرسول الموحى إليه وأجازه ذلك النبي بنفسه، ووصل إلينا بعد ذلك بسند صحيح متصل من دون أي انقطاع وبلا تغيير ولا تبديل. وإذا انتفى أي واحد من هذه الشروط الأساسية، فإن أي كتاب لا يعتبر مقدّسًا ولا سماويًّا ولا كلام الله، حتى لو أجمعت عليه البشرية قاطبة.
وعندما تسأل علماء النصارى عن سندهم المتصل لأسفار كتابهم المقدّس يقرّون بعدم وجود هذا السند، ويبرّرون انقطاع السند بسبب الفتن والمصائب التي أصابت النصارى لمدة تزيد على ثلاثة قرون.. وبذلك يمكنك القول إن أقرب سند إلى المسيح -عليه السلام- يزيد على ثلاثة قرون من الزمن! بل إنك إذا تفحّصت كتب الإسناد عند النصارى فلن تجد فيها غير التخمين وبعض القرائن الواهية، والإسناد الضعيف إلى شخص ما ذي إلهام بمجرد الظن والوهم، وهذا كلّه لا يغني عن الحق شيئًا، ولا يكفي في إثبات أن ذلك الكتاب مقدّس أو أنه كلام الله.
يظن عامة النصارى أن من دوّن الأناجيل الأربعة هم تلاميذ المسيح، في حين أن تدوين الأناجيل حصل في حقبة متأخرة جدًّا عن عصر المسيح وتلاميذه، وفي تعليقات الترجمة المسكونية للعهد الجديد تقرأ هذا النص: "لا توجد على أي حال أي شهادة تقول بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية قبل عام 140م"، ومن هنا فإن ما يتداوله الجمهور من أن متى ويوحنا هم من تلاميذ المسيح غير صحيح وباعتراف أهم شُرّاح الكتاب المقدّس. وبكل ثبات وثقة، وبشكل علمي واضح، يمكنك القول بأن الأناجيل الأربعة التي هي أصح كتب النصارى لم تكتب على يد أي تلميذ من تلاميذ المسيح. ولذلك حاول بعض الشراح تقصير زمن تحرير الأناجيل وفي الوقت نفسه تطويل أعمار بعض تلاميذ المسيح بشكل لافت للنظر بهدف تمرير فكرة أن تدوين الأناجيل تم على أيدي شهود عيان وهم تلاميذ المسيح!
إن إنجيل متّى، أوّل الأناجيل الأربعة المنتخبة، تمّت كتابته للمرّة الأولى في نهاية القرن الأوّل باللغة العبرانية، وتمت ترجمته إلى اللغة اليونانية، وفُقدت بعد ذلك النسخة العبرانية الأصلية لهذا الإنجيل، وتم إعادة ترجمة النسخة المترجمة أصلًا إلى اللغة العبرانية من جديد! والمتداول الآن هو ترجمة غير أمينة معادة ترجمتها لإنجيل متّى وليست الأصل، والأدهى من ذلك أنه لا يوجد لدى النصارى أي إسناد لهذه الترجمة، والمترجم مجهول، فلا يعلم أحد على وجه الأرض اليوم شيئًا عن المترجم الذي ترجم هذا الإنجيل! لا اسم المترجم ولا أحواله ولا عقيدته ولا مستواه العلمي ولا أي شيء!
بل الأعجب من ذلك كلّه ما يقوله متّى في إنجيل متّى: "وفيما يسوع مجتاز من هناك، رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية، اسمه متّى فقال له: اتبعني، فقام وتبعه". (إنجيل متّى 9: 9).
هنا سؤال مهم يطرح نفسه: هل متّى تلميذ المسيح هو من كتب هذا الإنجيل؟
إذًا كيف يتكلّم عن نفسه بصيغة الغائب: (رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متّى)؟!
لو كان متّى هو مؤلف الإنجيل المنسوب إليه فمن العقل أن يقول (رآني جالسًا)! وهذا دليل يرجّح ما ذهب إليه عدد من المحقّقين النصارى أن كاتب هذا الإنجيل ليس متّى العشار تلميذ المسيح!
في مقدمة الترجمة اليسوعية لإنجيل متّى نفسه تقرأ هذه العبارة: "أما المؤلّف فالإنجيل لا يذكر شيئًا عنه"، وبذلك لا يعلم أحد من النصارى على وجه الأرض اسم مؤلف إنجيل متّى، وكل الآراء التي قيلت في هذا الخصوص ضرب من الظن والتخمين ولا سند لها، وإن الظن لا يغني عن الحق شيئًا. فبعض النصارى يقولون رجمًا بالغيب، لعل فلانًا ترجمه، وبالطبع لا يمكن إثبات صحة سند كتاب مقدّس منسوب إلى الله عزّ وجلّ بمثل هذه الظنون والأوهام. وبذلك فإن هذه الترجمة غير الموثوق بها، أو ما يعرف اليوم بإنجيل متّى، مجهول النسب ولا سند له، وليس بواجب التسليم، بل هو عمل مردود.
ويرجّح النقاد أن كاتب هذا الإنجيل أحد أتباع متّى وليس القديس متّى العشار تلميذ المسيح –عليه السلام-! فأين هي إذًا علاقة الروح القدس بمتّى العشار؟! بكل تأكيد غير موجودة بدليل أن كاتب الإنجيل مجهول وليس هو متّى تلميذ المسيح –عليه السلام-! وإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح القول إن هذا الإنجيل كتبه متّى بإلهام من الروح القدس؟!
وبالنسبة إلى تاريخ تدوين إنجيل متّى، وهو أوّل الأناجيل الأربعة، التي هي أصح كتب النصارى، فلا يمكن الوصول إلى يقين تام في هذا الأمر، حيث اختلفت الآراء وتعدّدت، والراجح لدى المحقّقين أنه كُتب في الفترة بين 80 و90 للميلاد. وفي مقابل هذه الحقائق، فإن مصادر النصارى تشير إلى أن متّى العشار مات عام 70 للميلاد ببلاد الحبشة، إثر ضرب مبرح من أحد أعوان ملك الحبشة، وفي رواية أخرى أنه طُعن برمح في عام 62 بالحبشة، حيث كان يبشر بالمسيحية هناك، وفي رواية ثالثة أنه قُتل في مدينة هيرابوليس اليونانية، التي تقع اليوم في تركيا، ولكن برغم تعدد الروايات بشأن موته، فإنه لم يرد في أي مصدر من مصادر النصارى أن متّى العشار تلميذ المسيح عاش بعد عام 70 للميلاد!
والآن يا عقلاء النصارى، كيف يستقيم عندكم أن متّى كتب إنجيله بعد عام 80 للميلاد، وهو لم يعش أصلًا بعد عام 70 للميلاد؟! وسؤال آخر يلحّ عليّ هنا: فإذا كانت حياة المسيح –عليه السلام- على الأرض لم تدم أكثر من 33 عامًا، وأنه رُفع إلى السماء ما بين عامي 25 و29 للميلاد، فلماذا انتظر التلميذ متّى العشار أكثر من 50 عامًا حتى يدوّن لنا سيرة معلّمه المسيح –عليه السلام- وأقواله وأفعاله وتعاليمه؟!
وإذا كان الأمر كذلك، فأين هو إنجيل متّى من وحي روح القدس؟
فهل ما زلنا نقول إن متّى كتب إنجيله بوحي من الروح القدس؟!
وللعلم فإن إنجيل متّى هو أوّل الأناجيل الأربعة المنتخبة وأصحها وأقدسها عند النصارى!
العجيب أن متّى نقل من إنجيل مرقس أكثر من 600 فقرة من فقرات إنجيله التي بلغت 661 فقرة! وبحسب زعم النصارى فإن متّى تلميذ المسيح، بينما كان مرقس صبي عمره عشر سنوات فقط أيام دعوة المسيح! فكيف ينقل الشاهد المعاين للأحداث عن الغائب الذي لم يشهدها وجاء بعده؟! هذا ما دفع العديد من علماء النصارى ومنهم مفسر إنجيل متّى (جون فنتون) إلى القول إن كاتب إنجيل متّى مجهول! الكاتب مجهول والمترجم مجهول!! وهو من أصح الأناجيل عند النصارى!
وزيادة في قوّة الحجة على النصارى من كتبهم المعتبرة، يقول وليم باركلي في تفسيره لإنجيل مرقس، إن متّى ولوقا كان أمامهما إنجيل مرقس عند كتابة إنجيليهما، ولم يغيّرا كثيرًا من ألفاظ مرقس! وهذا يعني لكل ذي عقل أن متّى ولوقا اعتمدا في كتابة إنجيليهما على إنجيل مرقس وليس على الروح القدس كما يزعم النصارى اليوم! قد يتبادر إلى ذهن بعضهم هنا أن مرقس هو الذي كتب إنجيله بوحي من الروح القدس، ولكن وليم باركلي نفسه لم يترك مجالًا للتفكير كثيرًا وحسم هذا الأمر، بأن إنجيل مرقس ما هو إلا خلاصة شهادة ومواعظ بطرس أعظم الرسل!
وهكذا بشهادة مصادر النصارى نفسها فإن أصحاب الأناجيل الأربعة اعتمدوا على مصادر بشرية في تأليف أناجيلهم، من خلال النقل والنسخ غير الدقيق وغير الأمين للنصوص والألفاظ، وهذا يلغي خرافة وحي أو إلهام روح القدس التي لا أصل لها، والتي ابتدعتها الكنيسة لتضفي صبغة القداسة على هذه الكتب البشرية!
وكما رأينا في الفقرات السابقة أن مؤلّف إنجيل متّى مجهول، ومترجمه مجهول أيضًا، فإن مؤلّف إنجيل مرقس هو الآخر مجهول! بعضهم يعد مؤلف إنجيل مرقس أحد التلاميذ السبعين الذين أرسلهم المسيح –عليه السلام- من أجل التبشير بالنصرانية، وبعضهم الآخر يقول إن مؤلف هذا الإنجيل هو الشاب المجهول الذي تبع يسوع عندما أمسكوه ومضوا به إلى رئيس الكهنة وتركه الجميع وهربوا، ولكن هذا الشاب هرب أيضًا عاريًا عندما حاولوا الإمساك به هو الآخر: "فألقوا أيديهم عليه وأمسكوه.. فتركه الجميع وهربوا. وتبعه شاب لابسًا إزارًا على عريه، فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عريانًا". (إنجيل مرقس 14: 46، 50- 52).
ومثلما كان الحال بالنسبة إلى إنجيل متّى، فإن هذا الاستشهاد حجة على النصارى، لأنه إذا كان مؤلف هذا الإنجيل هو هذا الشاب الهارب عاريًا لكان الصواب أن يتحدث بضمير الحاضر ويقول وتبعته، وليس وتبعه شاب!
وتشير مصادر النصارى إلى أن إنجيل البشير مرقس تمت كتابته في شرق ليبيا في منطقة رأس الهلال في بداية عام 70 للميلاد! والمتفق عليه بين المؤرخين النصارى أن القديس مرقس قُتل في الإسكندرية في 25 إبريل من عام 68 للميلاد! أي إنه كتب إنجيله بعد عامين من وفاته! كيف يستقيم هذا عقلًا!! والإشكال الآخر لماذا انتظر مرقس أكثر من 40 عامًا بعد المسيح –عليه السلام- حتى يدوّن لنا إنجيله هذا؟!
تتساءل الترجمة اليسوعية للكتاب المقدّس: كيف كانت خاتمة إنجيل مرقس؟ وهل فُقدت الخاتمة الأصلية لهذا الإنجيل؟ لقد لاحظوا في نهاية هذا الإنجيل توقّفًا فجائيًّا وبترًا لقصة قيامة المسيح، فأضافوا 12 فقرة في خاتمته لاستكمال القصة! ولا يخفي وليم باركلي تعجبه بالقول إن الفقرات التي تمت إضافتها في نهاية الإنجيل ليس لها أصل في أقدم النسخ وأصحها، وإن أسلوبها اللغوي يختلف عن بقية الأناجيل!
فإذا كان باستطاعة النصارى أن يضيفوا 12 فقرة في إنجيل مرقس دفعة واحدة، وهذه الفقرات المضافة غير موجودة في أصح المخطوطات وأقدمها، فلماذا يضعونها في الإنجيل على أنها وحي من الروح القدس؟ أليس هذا استخفافًا بعقول البسطاء؟ فلماذا لا يبيّنون للناس أن هذه الفقرات مضافة؟
العجيب أنك عندما تقذف بهذه الحقائق في المنتديات وساحات الحوار مع النصارى تتفاجأ بأنها غير معروفة لدى الكثير منهم، فقط يجادلون من أجل الجدال ومن غير علم بحقيقة أناجيلهم، بمن فيهم المثقفون والمتعلمون من أصحاب الدرجات العلمية الرفيعة، إذ إنهم لا يعرفون سوى ما تم تلقينه لهم من قبل رجال الكنيسة. ولعل إيضاح مثل هذه الحقائق يوقظ فكرهم للبحث عن حقيقة هذه الأناجيل وتاريخها ومصداقيتها حتى يكون إيمانهم بها عن دراية وعلم لا عن تقليد وجهل!
نأتي الآن إلى الإنجيل الثالث وهو "إنجيل لوقا"، حيث جاء في موسوعة تاريخ الكنيسة أن لوقا هو كاتب هذا الإنجيل، وكاتب سفر أعمال الرسل أيضًا، وهو ليس من تلاميذ المسيح الاثني عشر، وليس لدى النصارى أي معلومات أكيدة عن الموطن الأصلي لهذا القديس لوقا، ولم يسجل لنا الإنجيل شيئًا عن إيمان لوقا بالمسيح! هذا ما تقوله موسوعة تاريخ الكنيسة عن إنجيل لوقا، أحد الأناجيل الأربعة الأكثر تقديسًا لدى النصارى! وخلاصة القول إن لوقا لم يكن من تلاميذ المسيح، بل إن إيمانه بالمسيح مبني على الظن لا على اليقين! فأين إذًا إنجيل لوقا من وحي الروح القدس؟! وهل ما زلنا نقول إن لوقا كتب إنجيله بوحي من الروح القدس؟!
إن إثبات أن لوقا لم يكن تلميذًا للمسيح ولم يكتب إنجيله بوحي من الروح القدس أمر بسيط لا يستدعي عناء بحث، وكل ما في الأمر أن تذهب إلى بداية الإنجيل نفسه لتقرأ شهادته بنفسه عن نفسه: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة، رأيت أنا أيضًا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به. كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا، وامرأته من بنات هارون واسمها أليصابات". (إنجيل لوقا 1: 1- 5). هذا الكلام واضح ولا يحتاج منا إلى أدنى جهد حتى نثبت لكم أنه ليس من وحي الروح القدس، وأن لوقا يعترف في مقدمة إنجيله أنه لم يلتقِ بالمسيح وإنما بلغته الأخبار من أناس آخرين شاهدوا المسيح –عليه السلام-. وبشهادة الإنجيل نفسه والمصادر النصرانية المعتبرة فإن لوقا كان بعيدًا كل البعد عن وحي أو إلهام روح القدس. وهذا يؤكد بشكل قاطع ونهائي أن لوقا لم يكن واحدًا من هؤلاء الذين شاهدوا تلك الأحداث التي دوّنها في إنجيله، فضلًا عن أن زمن تدوين نص هذا الإنجيل جاء متأخرًا جدًّا عن زمان تلك الأحداث، بمعنى أن الفارق الزمني الكبير مانع للمعاينة!
إنجيل لوقا عبارة عن خطاب شخصي أرسله لوقا إلى صديقه العزيز ثاوفيلس يحكي له فيه عمّا سمعه وما يتناقله الناس من شائعات وذكريات عن رجل يسمى المسيح أرسله الله ليهدي اليهود الذين حرّفوا كتابهم وتركوا تعاليم رسولهم، ويذكر له فيه المعجزات التي صنعها هذا الرسول لإثبات رسالته، ولأجل بيان ذلك تأمّل كيف يبدأ إنجيل لوقا: (إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا...) ثم ابتدأ القصة قائلًا: (كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا..).
كيف يستقيم هذا الأمر يا عقلاء النصارى؟! كيف يمكن لعاقل أن يقول عن خطاب شخصي يرسله أحد إلى صديقه يحكي له فيه قصة سمعها أو أخبارًا وشائعات وصلته من طريق الرواية أنه موحى به من الروح القدس، أو أنه كلام الله؟! فهل هذا الخطاب كتبه المسيح -عليه السلام-؟ أم هل كان هذا الخطاب من إملائه؟ أم هل في الخطاب ما يدعو إلى التفكير في أنه من عند الله؟! فلماذا تؤمنون به إذًا؟ أين ذهبت عقولكم؟!
أجد صعوبة كبيرة في مغادرة افتتاحية إنجيل لوقا: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا"! لوقا يقول لكم بوضوح إن أسفار الكتاب المقدّس عبارة عن "قصص" ألّفها مجموعة من الناس كل حسب مفهومه وميوله، وبحسب ما وصل إلى مسمعه من أقاويل وشائعات بعد عشرات السنين من غياب المسيح –عليه السلام-! عندما رأى لوقا كثيرين أخذوا في تأليف قصّة استهوته الفكرة وبدأ هو الآخر في تأليف قصة!! فكيف جعل النصارى من هذه "القصص" وحيًا من الروح القدس، بل جعلوها كلام الله!
هناك قضية في غاية الخطورة يتحفنا بها ول ديورانت في كتابه "قصة الحضارة"، عن المصادر التي اعتمد عليها كل من متّى ولوقا في كتابة إنجيليهما، حيث يشير إلى أن لوقا يقتبس بإسراف من كتابات مرقس، كما يفعل متّى الذي اقتبس ستمئة آية من الستمئة وإحدى وستين آية هي مجمل النص المعتمد لإنجيل مرقس! وفي المقابل تجد ثلاثمئة وخمسين آية في إنجيل لوقا تكاد تكون هي بنصّها، وفي متّى كثير من الآيات التي توجد في لوقا ولا توجد في إنجيل مرقس، وتكاد تكون هي بنصّها، ويبدو أن لوقا أخذ هذه من متّى، أو أن لوقا ومتّى أخذاها من مصدر مشترك، لم نعثر عليه! هذا ما يقوله ول ديورانت!! لاحظوا أن هذا الكلام الخطير معناه أن مؤلف إنجيل متّى نقل أكثر من 90% من محتوى إنجيل مرقس، ومؤلف إنجيل لوقا نقل أكثر من نصف إنجيل مرقس أيضًا!! إذًا ما الداعي لإنجيل مرقس ما دام محتواه تفرّق بين إنجيلي متّى ولوقا؟! مع الانتباه إلى أن مرقس نفسه وكما سبق الحديث عنه شخص مجهول!! فكيف يتم النقل من مجهول؟ بل كيف يزعم أحد بعد هذا كلّه أن هذه الأناجيل من وحي الروح القدس؟!
نأتي إلى الإنجيل الرابع والأخير وهو إنجيل يوحنا، وليس بأحسن حالًا من الأناجيل الثلاثة الأخرى. والسؤال يعيد نفسه لهذا الإنجيل أيضًا: من الذي كتب إنجيل يوحنا؟ في قاموس الكتاب المقدّس تقرأ هذا النص المقتبس حرفيًّا عن إنجيل يوحنا: "وقد ظن بعضهم أن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الشيخ، الذي ذكره بابياس أسقف هيرابوليس في أوائل القرن الثاني الميلادي، ولكن من المحتمل أن يوحنا الشيخ هو نفس يوحنا الرسول كاتب إنجيل يوحنا"! هذا الإنجيل الذي يقدّسه النصارى مؤلفه مجهول، ولذلك فإن قاموس الكتاب المقدّس يبني حكمه على الظن والاحتمال لتحديد هوية المؤلف فيقول لك: (من المحتمل)!! ويرجّح رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) أن هذا الشخص المجهول وجد شيئًا مكتوبًا من مخطوطات يوحنا فنقل عنه مع زيادة ونقصان!
ومن الأدلة الواضحة جدًّا على أن يوحنا لم يكتب هذا الإنجيل ما جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من الإنجيل نفسه: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق". (إنجيل يوحنا 21: 24). فلو كان يوحنا هو كاتب الإنجيل المنسوب إليه لما كتب عن نفسه (هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا)! وفي الإنجيل نفسه هناك نص آخر أعجب من السابق: "وكان متكئًا في حضن يسوع واحد من تلاميذه، كان يسوع يحبه". (إنجيل يوحنا: 13: 23). ولا خلاف عند النصارى على أن هذا الشخص المتكئ في حضن يسوع هو يوحنا الذي ينسبون إليه هذا الإنجيل نفسه! فلو كان هو من كتب هذا الإنجيل لقال: وكنت متكئًا في حضن يسوع ويسوع يحبني!
وعندما أنكر بعض علماء النصارى في القرن الثاني أن يكون هذا الإنجيل من تصنيف يوحنا نفسه تلميذ المسيح، لم يستطع المعتقدون إثبات عكس ذلك. بل ذهب بعض المحقّقين النصارى إلى أن مؤلف إنجيل يوحنا ليس بحواري ولا رجل صالح ولا نصراني. وقال بعضهم إن إنجيل يوحنا صنّفه طالب من طلبة الإسكندرية! وقال آخرون إن هذا الإنجيل كان عشرين بابًا فألحقت به كنيسة أفساس الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنا. وهناك إحدى عشرة فقرة من أوّل الباب الثامن في هذا الإنجيل ردّها جمهور علماء النصارى، وهذه الفقرات لا توجد في الترجمة السريانية. فلو كان لهذا الإنجيل سند صحيح لما قال علماء النصارى المحقّقون ما قالوا فيه!
أما تاريخ كتابة هذا الإنجيل فمجهول كغيره من الأناجيل، وثمة افتراضات عديدة في هذا الخصوص. بعضهم يقترح عام 40 للميلاد كتاريخ لكتابة هذا الإنجيل، وبعضهم يقترح 85 للميلاد وهناك من يقترح ما بعد 175 للميلاد! لاحظوا الفوارق الشاسعة في تحديد تاريخ كتابة إنجيل يوحنا، وهو أحد أصح كتب النصارى وأقدسها، وهذا التاريخ من الأمور البسيطة جدًّا التي كان من المفترض ألا يكون هناك أي خلاف بشأنها. مؤلف الكتاب مجهول، وتاريخ التأليف مجهول، وتضيف الموسوعة الكنسية بعدًا آخر فتقول لك: "إن المكان الذي كُتب فيه إنجيل يوحنا غير معروف"، وهناك عدة افتراضات في هذا الخصوص، من بينها فلسطين ومصر.
نكتفي بهذه الأمثلة، وهناك العديد من الملاحظات الأخرى التي أشار إليها علماء النصارى المحقّقون تؤكد أن هذه الأناجيل الأربعة المنتخبة (متّى – مرقس – لوقا - يوحنا) ليس لها سند صحيح. فقد كانت الترجمة اليونانية لأسفار العهد الجديد، بما فيها هذه الأناجيل الأربعة، هي الترجمة المعتمدة عند النصارى حتى القرن الخامس عشر، حيث كانوا يعتقدون أن النسخة العبرية محرّفة، وبذلك قرّر المجمع المسكوني الأول الذي عُقد في مدينة نيقية عام 325 إتلاف جميع الأناجيل المكتوبة باللغة العبرية، وقد نتج من ذلك إحراق ما يقرب من 300 رواية، وإن لم تكن تلك الروايات التي تم إحراقها أكثر مصداقية من الأناجيل الأربعة المنتخبة، فإنها على الأقل مساوية لها في مصداقيتها. وبعد ذلك انعكس الأمر وأصبحت الترجمة العبرية المحرّفة هي الترجمة الصحيحة المعتمدة وأصبحت الترجمة اليونانية ترجمة محرّفة، فلزم جهل أسلافهم كافة!
وعندما تقرأ ما خرج به علماء النصارى المحقّقون عن أسفار العهد الجديد كلّها، تخرج بنتيجة واضحة مفادها أن هذا العهد لم يصنفه الحواريون، بل صنفه رجال مجهولون ونسبوه إلى الحواريين بعد أكثر من نصف قرن من مغادرة المسيح –عليه السلام- لهذه الأرض! فكيف نغمض أعيننا عن هذه الحقائق كلّها ونقول إنه كتاب مقدّس أو إنه كلام الله؟!
ويكفي دليلًا على انحراف هذه الأناجيل أنها تتضمّن أقوالًا ركيكة ومتناقضة لا تتسق مع الفطرة السليمة، ومن بين تلك الأقوال: "في اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، كانت أم يسوع هناك، ودعا يسوع تلاميذه إلى العرس ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر.. قال يسوع: ما لي وما لك يا امرأة"! (إنجيل يوحنا 2: 1- 4). يسوع يقول لأمه: "ما لي وما لك يا امرأة"!! ومن الأقوال المنسوبة للمسيح التي توجب كراهية الأقرباء: "إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه، وامرأته وأولاده، وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضًا، فلا يقدر أن يكون تلميذًا لي"! (إنجيل لوقا 14: 26). ومن الأقوال المنسوبة للمسيح التي تحرّض على العنف وسفك الدماء: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلامًا على الأرض.. ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا"! (متّى 10: 34). ومن الأقوال التي تحرّض على الإرهاب في أبشع صوره: "طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة"! (مزمور 137: 9). وإلى غير ذلك من النصوص الغريبة الركيكة التي تجعل كل صاحب فطرة سليمة يتيقن من عدم صحة هذه الأناجيل. كما نسبت هذه الأناجيل للمسيح -عليه السلام- العديد من الألفاظ الجنسية الإباحية المثيرة، والعبارات البذيئة الخادشة للحياء.
وبذلك فإن مزاعم النصارى بقدسية هذه الأناجيل وأنها كتبت بوحي أو إلهام من روح القدس يبقى مجرد افتراض لا أساس له ويعوزه الدليل، بل إن الواقع يشير إلى عكس ذلك تمامًا. فالخلاصة التي يمكن أن يخرج بها أي محقّق منصف ومحايد حول هذه الأناجيل الأربعة، التي هي أقدس الكتب عند النصارى وأصحها، أن مؤلفيها مجهولون، ومستمدة من مصادر غير معروفة، وتاريخ كتابتها غير معروف، وكذلك مكان كتابتها محل خلاف. وإذا أنعمت النظر في نصوصها تجدها جمل ركيكة غير مرتبط بعضها ببعض، وسياقها معدوم الاتصال والانسجام! وهي سير غير أمينة وغير صحيحة للمسيح -عليه السلام- لأنه ليس لها سند، وأصح منها سيرة النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- وأحاديثه، لأنها بسند صحيح.
ومن الخطأ مقارنة هذه الأناجيل الأربعة بالقرآن الكريم، فهذه الأناجيل لا تقابل القرآن كلام الله الحق بأي حال ولا يمكن مقارنتها به، وإن كان من مقارنة تكون بين هذه الأناجيل وأحاديث النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- وسيرته، وحتى هذه المقارنة الأخيرة تظل غير متكافئة لأن هذه الأحاديث لها سند صحيح، أما الأناجيل التي هي أصح ما لدى النصارى من كتب مختلفة ومتناقضة وليس لها سند صحيح.
الدارسون في كليات اللاهوت يتم تدريبهم على كيفية الاستدلال بآيات القرآن في إقناع المسلمين البسطاء والفقراء أيضًا بصحة الأناجيل وأنها غير محرّفة! ولذلك تجد معظم المبشرين النصارى يحفظون الآية رقم 46 من سورة المائدة:
{ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ }.
ومن جهلهم بالإنجيل وبالقرآن معًا يقولون إن هذه الآية تؤكد أن الإنجيل فيه هدى ونور!! ولكن أي إنجيل؟! المقصود بالإنجيل في هذه الآية هو الإنجيل الذي آتاه الله عزّ وجلّ المسيح عيسى –عليه السلام-، وليس أي واحد من الأناجيل الأربعة المزيّفة التي بين يدي النصارى اليوم! والآن أين هو إنجيل المسيح الذي تتحدّث عنه هذه الآية؟ أرأيتم كيف انقلب السحر على الساحر؟! كما أن القرآن لم يشهد للإنجيل وحده بل شهد لكل الكتب التي أنزلها الله عزّ وجلّ على رسله ومنها التوراة والزبور وصحف إبراهيم! وهذا دليل على أن القرآن الكريم كلام الله، ولذلك شهد لجميع الكتب التي جاءت قبله بأنها كانت من عند الله! فالقرآن هو الكتاب المهيمن والأمين على كل كتاب قبله، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه منها فهو باطل.
وإذا قرأ النصارى هذه الأناجيل بوعي وبصيرة فهي كفيلة بأن تصل بهم إلى القرآن!
يتبع القسم الثاني
فلتطمئن بأن الحق الذي جئت به باقٍ ومنتصر ما دام القرآن محفوظًا..
القرآن يدافع عنك.. معلنًا أن الكتاب الذي بين أيديهم لا يمثلك.. أنه ليس أنت..
فأنت أيها الإنجيل.. ذلك الكتاب العظيم الذي أنزله الله عزّ وجلّ على عبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-، ويتضمّن تعليمات وتوجيهات ربّانية إلى بني إسرائيل بشكل خاص بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى -عليه السلام-، وغلبت عليهم النزعات المادية.
الإنجيل الذي يقوم على الدعوة إلى توحيد الله عزّ وجلّ وإفراده بالعبودية، والزهد في الدنيا، والإيمان باليوم الآخر وأحواله، ولذا فإن الإيمان بأن المسيح عيسى ابن مريم –عليه السلام- عبد الله ورسوله، وأن الإنجيل كتاب من الله أنزله عليه حق واجب على كل مسلم، بل هو من الأركان التي لا يكتمل إيمان المسلم إلا بها.
لقد آمن بالإنجيل الحق نفر كثير، ولكن اليهود الذين لم يؤمنوا بدعوة المسيح -عليه السلام- كانوا لهم بالمرصاد، يطاردونهم ويقتلونهم ويشون بهم عند الحكام الوثنيين. واستمرت هذه المرحلة من عمر الديانة النصرانية نصف قرن من الزمان تقريبًا، ثم بدأ بعدها عهد كتابة الأناجيل وتأليفها، وهي مجموعة متنوّعة ومتعدّدة من الكتب والقصص المبتدعة، التي مزجت قليلًا من صحيح مع كثير من باطل، ولا تعدو كونها اجتهادات شخصية من أصحابها، ولم تُسمَع من المسيح -عليه السلام- مشافهة. أما الإنجيل الحق الذي نزل على المسيح عيسى –عليه السلام- ليس واحدًا من هذه الكتب، ولا وجود له بين يدي النصارى اليوم، برغم أن الرسائل التي ألفت في النصف الثاني من القرن الأوّل تتحدث في نصوص كثيرة منها عن إنجيل المسيح أو إنجيل الله، وفي الأناجيل الأربعة المعتبرة لدى النصارى اليوم وسفر أعمال الرسل، حديث صريح عن إنجيل المسيح! ولذلك يتساءل المحققون كثيرًا عن إنجيل المسيح، لكن الإجابة النصرانية هي صمت مطبق وتجاهل لوجود هذا الإنجيل!
لقد أنزل الله عزّ وجلّ على آخر رسله إلى بني إسرائيل، المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-، كتابًا اسمه الإنجيل. ولا شكّ في أن هذا الإنجيل نزل بلغة المسيح ولغة قومه من بني إسرائيل، بيد أن هذا الإنجيل الحقيقي ضاع وحُرّف واندثرت تعاليمه الأصلية، حيث تم استبدال أناجيل مهجّنة ومحرّفة ومشكوك في أمرها به، ويكفي دليلًا على تحريف هذه الأناجيل حقيقة أنها مكتوبة باللغة اليونانية، وهي لغة غريبة عن لغة عيسى -عليه السلام- الأصلية التي أُنزل بها الإنجيل، وهي لغة سامية لا علاقة لها باللغة اليونانية. وهذا يعني أن كل من يقرأ الأناجيل إنما يقلّد مترجمًا مجهولًا لا يعرف أحد عنه شيئًا، والمترجم لا علم له، إذ لم يطلع على الحقيقة، ولم يشاهد المسيح -عليه السلام- والمترجِم ليس معصومًا من الخطأ والتحريف عمدًا.
في مجمع نيقية الشهير الذي عُقد في 20 مايو 325م، وحضره 318 أسقفًا، تم اختيار أربعة أناجيل فقط (متّى – مرقس – لوقا - يوحنا)، من بين عشرات الأناجيل التي كانت متداولة بين النصارى حتى نهاية الربع الأوّل من القرن الرابع، وأمرت الكنيسة بحرق جميع الأناجيل باستثناء هذه الأناجيل الأربعة فقط، وصدر قرار من الإمبراطور الروماني الوثني بقتل كل من عنده نسخة من هذه الأناجيل التي رفضها المؤتمرون في مجمع نيقية، ومن بينها ما هو منسوب إلى المسيح وأمه والإنجيليين الأربعة وكبار الحواريين تلاميذ المسيح –عليه السلام-! وهكذا اختفت معظم هذه الأناجيل ولم يصل إلينا منها سوى إنجيل برنابا والإنجيل الأغنسطي، وثلاث قصاصات من إنجيل مريم وبعض شرائح لاتينية وإغريقية وقبطية من إنجيل برثولماوس وإنجيل نيقوديموس، ومقتطفات من إنجيل بطرس وكتاب أعمال يوحنا.
ولم يتم اختيار الأناجيل الأربعة في مجمع نيقية وفق منهج علمي، تم على أساسه قبول ما قُبِل ورَدِّ ما رُدَّ، وإنما كان الضابط الوحيد في ذلك ما ظنه رعاة المجمع من عدم معارضة تلك الأناجيل لما تبناه بعض أصحاب النفوذ والسلطة من القول بألوهية المسيح وأنه ابن الله! وبالطبع فلم يكن هذا القول ليحظى بموافقة معظم المؤتمرين، فقد عارضه جمع عظيم منهم، إلا أن سيف الرومان الوثني حسم الخلاف لمصلحة من ذهب إلى القول بألوهية المسيح، وجعل من المخالفين مبتدعين ومهرطقين، وقضى على النصارى الموحدين بالملاحقة والقتل والتشريد، حتى اضمحل دورهم وتلاشى مع مرور الوقت.
وهذه الأناجيل الأربعة التي انتخبها مجمع نيقية (متّى – مرقس – لوقا - يوحنا)، وتعتبر أصح الكتب عند النصارى وأقدسها، لا سند لها. ومعلوم أن الكتاب لا يكون سماويًّا أو مقدّسًا إلا إذا ثبت بدليل قطعي أنه كُتب ودُوّن في عهد النبي أو الرسول الموحى إليه وأجازه ذلك النبي بنفسه، ووصل إلينا بعد ذلك بسند صحيح متصل من دون أي انقطاع وبلا تغيير ولا تبديل. وإذا انتفى أي واحد من هذه الشروط الأساسية، فإن أي كتاب لا يعتبر مقدّسًا ولا سماويًّا ولا كلام الله، حتى لو أجمعت عليه البشرية قاطبة.
وعندما تسأل علماء النصارى عن سندهم المتصل لأسفار كتابهم المقدّس يقرّون بعدم وجود هذا السند، ويبرّرون انقطاع السند بسبب الفتن والمصائب التي أصابت النصارى لمدة تزيد على ثلاثة قرون.. وبذلك يمكنك القول إن أقرب سند إلى المسيح -عليه السلام- يزيد على ثلاثة قرون من الزمن! بل إنك إذا تفحّصت كتب الإسناد عند النصارى فلن تجد فيها غير التخمين وبعض القرائن الواهية، والإسناد الضعيف إلى شخص ما ذي إلهام بمجرد الظن والوهم، وهذا كلّه لا يغني عن الحق شيئًا، ولا يكفي في إثبات أن ذلك الكتاب مقدّس أو أنه كلام الله.
يظن عامة النصارى أن من دوّن الأناجيل الأربعة هم تلاميذ المسيح، في حين أن تدوين الأناجيل حصل في حقبة متأخرة جدًّا عن عصر المسيح وتلاميذه، وفي تعليقات الترجمة المسكونية للعهد الجديد تقرأ هذا النص: "لا توجد على أي حال أي شهادة تقول بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية قبل عام 140م"، ومن هنا فإن ما يتداوله الجمهور من أن متى ويوحنا هم من تلاميذ المسيح غير صحيح وباعتراف أهم شُرّاح الكتاب المقدّس. وبكل ثبات وثقة، وبشكل علمي واضح، يمكنك القول بأن الأناجيل الأربعة التي هي أصح كتب النصارى لم تكتب على يد أي تلميذ من تلاميذ المسيح. ولذلك حاول بعض الشراح تقصير زمن تحرير الأناجيل وفي الوقت نفسه تطويل أعمار بعض تلاميذ المسيح بشكل لافت للنظر بهدف تمرير فكرة أن تدوين الأناجيل تم على أيدي شهود عيان وهم تلاميذ المسيح!
إن إنجيل متّى، أوّل الأناجيل الأربعة المنتخبة، تمّت كتابته للمرّة الأولى في نهاية القرن الأوّل باللغة العبرانية، وتمت ترجمته إلى اللغة اليونانية، وفُقدت بعد ذلك النسخة العبرانية الأصلية لهذا الإنجيل، وتم إعادة ترجمة النسخة المترجمة أصلًا إلى اللغة العبرانية من جديد! والمتداول الآن هو ترجمة غير أمينة معادة ترجمتها لإنجيل متّى وليست الأصل، والأدهى من ذلك أنه لا يوجد لدى النصارى أي إسناد لهذه الترجمة، والمترجم مجهول، فلا يعلم أحد على وجه الأرض اليوم شيئًا عن المترجم الذي ترجم هذا الإنجيل! لا اسم المترجم ولا أحواله ولا عقيدته ولا مستواه العلمي ولا أي شيء!
بل الأعجب من ذلك كلّه ما يقوله متّى في إنجيل متّى: "وفيما يسوع مجتاز من هناك، رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية، اسمه متّى فقال له: اتبعني، فقام وتبعه". (إنجيل متّى 9: 9).
هنا سؤال مهم يطرح نفسه: هل متّى تلميذ المسيح هو من كتب هذا الإنجيل؟
إذًا كيف يتكلّم عن نفسه بصيغة الغائب: (رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متّى)؟!
لو كان متّى هو مؤلف الإنجيل المنسوب إليه فمن العقل أن يقول (رآني جالسًا)! وهذا دليل يرجّح ما ذهب إليه عدد من المحقّقين النصارى أن كاتب هذا الإنجيل ليس متّى العشار تلميذ المسيح!
في مقدمة الترجمة اليسوعية لإنجيل متّى نفسه تقرأ هذه العبارة: "أما المؤلّف فالإنجيل لا يذكر شيئًا عنه"، وبذلك لا يعلم أحد من النصارى على وجه الأرض اسم مؤلف إنجيل متّى، وكل الآراء التي قيلت في هذا الخصوص ضرب من الظن والتخمين ولا سند لها، وإن الظن لا يغني عن الحق شيئًا. فبعض النصارى يقولون رجمًا بالغيب، لعل فلانًا ترجمه، وبالطبع لا يمكن إثبات صحة سند كتاب مقدّس منسوب إلى الله عزّ وجلّ بمثل هذه الظنون والأوهام. وبذلك فإن هذه الترجمة غير الموثوق بها، أو ما يعرف اليوم بإنجيل متّى، مجهول النسب ولا سند له، وليس بواجب التسليم، بل هو عمل مردود.
ويرجّح النقاد أن كاتب هذا الإنجيل أحد أتباع متّى وليس القديس متّى العشار تلميذ المسيح –عليه السلام-! فأين هي إذًا علاقة الروح القدس بمتّى العشار؟! بكل تأكيد غير موجودة بدليل أن كاتب الإنجيل مجهول وليس هو متّى تلميذ المسيح –عليه السلام-! وإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح القول إن هذا الإنجيل كتبه متّى بإلهام من الروح القدس؟!
وبالنسبة إلى تاريخ تدوين إنجيل متّى، وهو أوّل الأناجيل الأربعة، التي هي أصح كتب النصارى، فلا يمكن الوصول إلى يقين تام في هذا الأمر، حيث اختلفت الآراء وتعدّدت، والراجح لدى المحقّقين أنه كُتب في الفترة بين 80 و90 للميلاد. وفي مقابل هذه الحقائق، فإن مصادر النصارى تشير إلى أن متّى العشار مات عام 70 للميلاد ببلاد الحبشة، إثر ضرب مبرح من أحد أعوان ملك الحبشة، وفي رواية أخرى أنه طُعن برمح في عام 62 بالحبشة، حيث كان يبشر بالمسيحية هناك، وفي رواية ثالثة أنه قُتل في مدينة هيرابوليس اليونانية، التي تقع اليوم في تركيا، ولكن برغم تعدد الروايات بشأن موته، فإنه لم يرد في أي مصدر من مصادر النصارى أن متّى العشار تلميذ المسيح عاش بعد عام 70 للميلاد!
والآن يا عقلاء النصارى، كيف يستقيم عندكم أن متّى كتب إنجيله بعد عام 80 للميلاد، وهو لم يعش أصلًا بعد عام 70 للميلاد؟! وسؤال آخر يلحّ عليّ هنا: فإذا كانت حياة المسيح –عليه السلام- على الأرض لم تدم أكثر من 33 عامًا، وأنه رُفع إلى السماء ما بين عامي 25 و29 للميلاد، فلماذا انتظر التلميذ متّى العشار أكثر من 50 عامًا حتى يدوّن لنا سيرة معلّمه المسيح –عليه السلام- وأقواله وأفعاله وتعاليمه؟!
وإذا كان الأمر كذلك، فأين هو إنجيل متّى من وحي روح القدس؟
فهل ما زلنا نقول إن متّى كتب إنجيله بوحي من الروح القدس؟!
وللعلم فإن إنجيل متّى هو أوّل الأناجيل الأربعة المنتخبة وأصحها وأقدسها عند النصارى!
العجيب أن متّى نقل من إنجيل مرقس أكثر من 600 فقرة من فقرات إنجيله التي بلغت 661 فقرة! وبحسب زعم النصارى فإن متّى تلميذ المسيح، بينما كان مرقس صبي عمره عشر سنوات فقط أيام دعوة المسيح! فكيف ينقل الشاهد المعاين للأحداث عن الغائب الذي لم يشهدها وجاء بعده؟! هذا ما دفع العديد من علماء النصارى ومنهم مفسر إنجيل متّى (جون فنتون) إلى القول إن كاتب إنجيل متّى مجهول! الكاتب مجهول والمترجم مجهول!! وهو من أصح الأناجيل عند النصارى!
وزيادة في قوّة الحجة على النصارى من كتبهم المعتبرة، يقول وليم باركلي في تفسيره لإنجيل مرقس، إن متّى ولوقا كان أمامهما إنجيل مرقس عند كتابة إنجيليهما، ولم يغيّرا كثيرًا من ألفاظ مرقس! وهذا يعني لكل ذي عقل أن متّى ولوقا اعتمدا في كتابة إنجيليهما على إنجيل مرقس وليس على الروح القدس كما يزعم النصارى اليوم! قد يتبادر إلى ذهن بعضهم هنا أن مرقس هو الذي كتب إنجيله بوحي من الروح القدس، ولكن وليم باركلي نفسه لم يترك مجالًا للتفكير كثيرًا وحسم هذا الأمر، بأن إنجيل مرقس ما هو إلا خلاصة شهادة ومواعظ بطرس أعظم الرسل!
وهكذا بشهادة مصادر النصارى نفسها فإن أصحاب الأناجيل الأربعة اعتمدوا على مصادر بشرية في تأليف أناجيلهم، من خلال النقل والنسخ غير الدقيق وغير الأمين للنصوص والألفاظ، وهذا يلغي خرافة وحي أو إلهام روح القدس التي لا أصل لها، والتي ابتدعتها الكنيسة لتضفي صبغة القداسة على هذه الكتب البشرية!
وكما رأينا في الفقرات السابقة أن مؤلّف إنجيل متّى مجهول، ومترجمه مجهول أيضًا، فإن مؤلّف إنجيل مرقس هو الآخر مجهول! بعضهم يعد مؤلف إنجيل مرقس أحد التلاميذ السبعين الذين أرسلهم المسيح –عليه السلام- من أجل التبشير بالنصرانية، وبعضهم الآخر يقول إن مؤلف هذا الإنجيل هو الشاب المجهول الذي تبع يسوع عندما أمسكوه ومضوا به إلى رئيس الكهنة وتركه الجميع وهربوا، ولكن هذا الشاب هرب أيضًا عاريًا عندما حاولوا الإمساك به هو الآخر: "فألقوا أيديهم عليه وأمسكوه.. فتركه الجميع وهربوا. وتبعه شاب لابسًا إزارًا على عريه، فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عريانًا". (إنجيل مرقس 14: 46، 50- 52).
ومثلما كان الحال بالنسبة إلى إنجيل متّى، فإن هذا الاستشهاد حجة على النصارى، لأنه إذا كان مؤلف هذا الإنجيل هو هذا الشاب الهارب عاريًا لكان الصواب أن يتحدث بضمير الحاضر ويقول وتبعته، وليس وتبعه شاب!
وتشير مصادر النصارى إلى أن إنجيل البشير مرقس تمت كتابته في شرق ليبيا في منطقة رأس الهلال في بداية عام 70 للميلاد! والمتفق عليه بين المؤرخين النصارى أن القديس مرقس قُتل في الإسكندرية في 25 إبريل من عام 68 للميلاد! أي إنه كتب إنجيله بعد عامين من وفاته! كيف يستقيم هذا عقلًا!! والإشكال الآخر لماذا انتظر مرقس أكثر من 40 عامًا بعد المسيح –عليه السلام- حتى يدوّن لنا إنجيله هذا؟!
تتساءل الترجمة اليسوعية للكتاب المقدّس: كيف كانت خاتمة إنجيل مرقس؟ وهل فُقدت الخاتمة الأصلية لهذا الإنجيل؟ لقد لاحظوا في نهاية هذا الإنجيل توقّفًا فجائيًّا وبترًا لقصة قيامة المسيح، فأضافوا 12 فقرة في خاتمته لاستكمال القصة! ولا يخفي وليم باركلي تعجبه بالقول إن الفقرات التي تمت إضافتها في نهاية الإنجيل ليس لها أصل في أقدم النسخ وأصحها، وإن أسلوبها اللغوي يختلف عن بقية الأناجيل!
فإذا كان باستطاعة النصارى أن يضيفوا 12 فقرة في إنجيل مرقس دفعة واحدة، وهذه الفقرات المضافة غير موجودة في أصح المخطوطات وأقدمها، فلماذا يضعونها في الإنجيل على أنها وحي من الروح القدس؟ أليس هذا استخفافًا بعقول البسطاء؟ فلماذا لا يبيّنون للناس أن هذه الفقرات مضافة؟
العجيب أنك عندما تقذف بهذه الحقائق في المنتديات وساحات الحوار مع النصارى تتفاجأ بأنها غير معروفة لدى الكثير منهم، فقط يجادلون من أجل الجدال ومن غير علم بحقيقة أناجيلهم، بمن فيهم المثقفون والمتعلمون من أصحاب الدرجات العلمية الرفيعة، إذ إنهم لا يعرفون سوى ما تم تلقينه لهم من قبل رجال الكنيسة. ولعل إيضاح مثل هذه الحقائق يوقظ فكرهم للبحث عن حقيقة هذه الأناجيل وتاريخها ومصداقيتها حتى يكون إيمانهم بها عن دراية وعلم لا عن تقليد وجهل!
نأتي الآن إلى الإنجيل الثالث وهو "إنجيل لوقا"، حيث جاء في موسوعة تاريخ الكنيسة أن لوقا هو كاتب هذا الإنجيل، وكاتب سفر أعمال الرسل أيضًا، وهو ليس من تلاميذ المسيح الاثني عشر، وليس لدى النصارى أي معلومات أكيدة عن الموطن الأصلي لهذا القديس لوقا، ولم يسجل لنا الإنجيل شيئًا عن إيمان لوقا بالمسيح! هذا ما تقوله موسوعة تاريخ الكنيسة عن إنجيل لوقا، أحد الأناجيل الأربعة الأكثر تقديسًا لدى النصارى! وخلاصة القول إن لوقا لم يكن من تلاميذ المسيح، بل إن إيمانه بالمسيح مبني على الظن لا على اليقين! فأين إذًا إنجيل لوقا من وحي الروح القدس؟! وهل ما زلنا نقول إن لوقا كتب إنجيله بوحي من الروح القدس؟!
إن إثبات أن لوقا لم يكن تلميذًا للمسيح ولم يكتب إنجيله بوحي من الروح القدس أمر بسيط لا يستدعي عناء بحث، وكل ما في الأمر أن تذهب إلى بداية الإنجيل نفسه لتقرأ شهادته بنفسه عن نفسه: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة، رأيت أنا أيضًا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به. كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا، وامرأته من بنات هارون واسمها أليصابات". (إنجيل لوقا 1: 1- 5). هذا الكلام واضح ولا يحتاج منا إلى أدنى جهد حتى نثبت لكم أنه ليس من وحي الروح القدس، وأن لوقا يعترف في مقدمة إنجيله أنه لم يلتقِ بالمسيح وإنما بلغته الأخبار من أناس آخرين شاهدوا المسيح –عليه السلام-. وبشهادة الإنجيل نفسه والمصادر النصرانية المعتبرة فإن لوقا كان بعيدًا كل البعد عن وحي أو إلهام روح القدس. وهذا يؤكد بشكل قاطع ونهائي أن لوقا لم يكن واحدًا من هؤلاء الذين شاهدوا تلك الأحداث التي دوّنها في إنجيله، فضلًا عن أن زمن تدوين نص هذا الإنجيل جاء متأخرًا جدًّا عن زمان تلك الأحداث، بمعنى أن الفارق الزمني الكبير مانع للمعاينة!
إنجيل لوقا عبارة عن خطاب شخصي أرسله لوقا إلى صديقه العزيز ثاوفيلس يحكي له فيه عمّا سمعه وما يتناقله الناس من شائعات وذكريات عن رجل يسمى المسيح أرسله الله ليهدي اليهود الذين حرّفوا كتابهم وتركوا تعاليم رسولهم، ويذكر له فيه المعجزات التي صنعها هذا الرسول لإثبات رسالته، ولأجل بيان ذلك تأمّل كيف يبدأ إنجيل لوقا: (إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا...) ثم ابتدأ القصة قائلًا: (كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا..).
كيف يستقيم هذا الأمر يا عقلاء النصارى؟! كيف يمكن لعاقل أن يقول عن خطاب شخصي يرسله أحد إلى صديقه يحكي له فيه قصة سمعها أو أخبارًا وشائعات وصلته من طريق الرواية أنه موحى به من الروح القدس، أو أنه كلام الله؟! فهل هذا الخطاب كتبه المسيح -عليه السلام-؟ أم هل كان هذا الخطاب من إملائه؟ أم هل في الخطاب ما يدعو إلى التفكير في أنه من عند الله؟! فلماذا تؤمنون به إذًا؟ أين ذهبت عقولكم؟!
أجد صعوبة كبيرة في مغادرة افتتاحية إنجيل لوقا: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا"! لوقا يقول لكم بوضوح إن أسفار الكتاب المقدّس عبارة عن "قصص" ألّفها مجموعة من الناس كل حسب مفهومه وميوله، وبحسب ما وصل إلى مسمعه من أقاويل وشائعات بعد عشرات السنين من غياب المسيح –عليه السلام-! عندما رأى لوقا كثيرين أخذوا في تأليف قصّة استهوته الفكرة وبدأ هو الآخر في تأليف قصة!! فكيف جعل النصارى من هذه "القصص" وحيًا من الروح القدس، بل جعلوها كلام الله!
هناك قضية في غاية الخطورة يتحفنا بها ول ديورانت في كتابه "قصة الحضارة"، عن المصادر التي اعتمد عليها كل من متّى ولوقا في كتابة إنجيليهما، حيث يشير إلى أن لوقا يقتبس بإسراف من كتابات مرقس، كما يفعل متّى الذي اقتبس ستمئة آية من الستمئة وإحدى وستين آية هي مجمل النص المعتمد لإنجيل مرقس! وفي المقابل تجد ثلاثمئة وخمسين آية في إنجيل لوقا تكاد تكون هي بنصّها، وفي متّى كثير من الآيات التي توجد في لوقا ولا توجد في إنجيل مرقس، وتكاد تكون هي بنصّها، ويبدو أن لوقا أخذ هذه من متّى، أو أن لوقا ومتّى أخذاها من مصدر مشترك، لم نعثر عليه! هذا ما يقوله ول ديورانت!! لاحظوا أن هذا الكلام الخطير معناه أن مؤلف إنجيل متّى نقل أكثر من 90% من محتوى إنجيل مرقس، ومؤلف إنجيل لوقا نقل أكثر من نصف إنجيل مرقس أيضًا!! إذًا ما الداعي لإنجيل مرقس ما دام محتواه تفرّق بين إنجيلي متّى ولوقا؟! مع الانتباه إلى أن مرقس نفسه وكما سبق الحديث عنه شخص مجهول!! فكيف يتم النقل من مجهول؟ بل كيف يزعم أحد بعد هذا كلّه أن هذه الأناجيل من وحي الروح القدس؟!
نأتي إلى الإنجيل الرابع والأخير وهو إنجيل يوحنا، وليس بأحسن حالًا من الأناجيل الثلاثة الأخرى. والسؤال يعيد نفسه لهذا الإنجيل أيضًا: من الذي كتب إنجيل يوحنا؟ في قاموس الكتاب المقدّس تقرأ هذا النص المقتبس حرفيًّا عن إنجيل يوحنا: "وقد ظن بعضهم أن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الشيخ، الذي ذكره بابياس أسقف هيرابوليس في أوائل القرن الثاني الميلادي، ولكن من المحتمل أن يوحنا الشيخ هو نفس يوحنا الرسول كاتب إنجيل يوحنا"! هذا الإنجيل الذي يقدّسه النصارى مؤلفه مجهول، ولذلك فإن قاموس الكتاب المقدّس يبني حكمه على الظن والاحتمال لتحديد هوية المؤلف فيقول لك: (من المحتمل)!! ويرجّح رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) أن هذا الشخص المجهول وجد شيئًا مكتوبًا من مخطوطات يوحنا فنقل عنه مع زيادة ونقصان!
ومن الأدلة الواضحة جدًّا على أن يوحنا لم يكتب هذا الإنجيل ما جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من الإنجيل نفسه: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق". (إنجيل يوحنا 21: 24). فلو كان يوحنا هو كاتب الإنجيل المنسوب إليه لما كتب عن نفسه (هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا)! وفي الإنجيل نفسه هناك نص آخر أعجب من السابق: "وكان متكئًا في حضن يسوع واحد من تلاميذه، كان يسوع يحبه". (إنجيل يوحنا: 13: 23). ولا خلاف عند النصارى على أن هذا الشخص المتكئ في حضن يسوع هو يوحنا الذي ينسبون إليه هذا الإنجيل نفسه! فلو كان هو من كتب هذا الإنجيل لقال: وكنت متكئًا في حضن يسوع ويسوع يحبني!
وعندما أنكر بعض علماء النصارى في القرن الثاني أن يكون هذا الإنجيل من تصنيف يوحنا نفسه تلميذ المسيح، لم يستطع المعتقدون إثبات عكس ذلك. بل ذهب بعض المحقّقين النصارى إلى أن مؤلف إنجيل يوحنا ليس بحواري ولا رجل صالح ولا نصراني. وقال بعضهم إن إنجيل يوحنا صنّفه طالب من طلبة الإسكندرية! وقال آخرون إن هذا الإنجيل كان عشرين بابًا فألحقت به كنيسة أفساس الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنا. وهناك إحدى عشرة فقرة من أوّل الباب الثامن في هذا الإنجيل ردّها جمهور علماء النصارى، وهذه الفقرات لا توجد في الترجمة السريانية. فلو كان لهذا الإنجيل سند صحيح لما قال علماء النصارى المحقّقون ما قالوا فيه!
أما تاريخ كتابة هذا الإنجيل فمجهول كغيره من الأناجيل، وثمة افتراضات عديدة في هذا الخصوص. بعضهم يقترح عام 40 للميلاد كتاريخ لكتابة هذا الإنجيل، وبعضهم يقترح 85 للميلاد وهناك من يقترح ما بعد 175 للميلاد! لاحظوا الفوارق الشاسعة في تحديد تاريخ كتابة إنجيل يوحنا، وهو أحد أصح كتب النصارى وأقدسها، وهذا التاريخ من الأمور البسيطة جدًّا التي كان من المفترض ألا يكون هناك أي خلاف بشأنها. مؤلف الكتاب مجهول، وتاريخ التأليف مجهول، وتضيف الموسوعة الكنسية بعدًا آخر فتقول لك: "إن المكان الذي كُتب فيه إنجيل يوحنا غير معروف"، وهناك عدة افتراضات في هذا الخصوص، من بينها فلسطين ومصر.
نكتفي بهذه الأمثلة، وهناك العديد من الملاحظات الأخرى التي أشار إليها علماء النصارى المحقّقون تؤكد أن هذه الأناجيل الأربعة المنتخبة (متّى – مرقس – لوقا - يوحنا) ليس لها سند صحيح. فقد كانت الترجمة اليونانية لأسفار العهد الجديد، بما فيها هذه الأناجيل الأربعة، هي الترجمة المعتمدة عند النصارى حتى القرن الخامس عشر، حيث كانوا يعتقدون أن النسخة العبرية محرّفة، وبذلك قرّر المجمع المسكوني الأول الذي عُقد في مدينة نيقية عام 325 إتلاف جميع الأناجيل المكتوبة باللغة العبرية، وقد نتج من ذلك إحراق ما يقرب من 300 رواية، وإن لم تكن تلك الروايات التي تم إحراقها أكثر مصداقية من الأناجيل الأربعة المنتخبة، فإنها على الأقل مساوية لها في مصداقيتها. وبعد ذلك انعكس الأمر وأصبحت الترجمة العبرية المحرّفة هي الترجمة الصحيحة المعتمدة وأصبحت الترجمة اليونانية ترجمة محرّفة، فلزم جهل أسلافهم كافة!
وعندما تقرأ ما خرج به علماء النصارى المحقّقون عن أسفار العهد الجديد كلّها، تخرج بنتيجة واضحة مفادها أن هذا العهد لم يصنفه الحواريون، بل صنفه رجال مجهولون ونسبوه إلى الحواريين بعد أكثر من نصف قرن من مغادرة المسيح –عليه السلام- لهذه الأرض! فكيف نغمض أعيننا عن هذه الحقائق كلّها ونقول إنه كتاب مقدّس أو إنه كلام الله؟!
ويكفي دليلًا على انحراف هذه الأناجيل أنها تتضمّن أقوالًا ركيكة ومتناقضة لا تتسق مع الفطرة السليمة، ومن بين تلك الأقوال: "في اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، كانت أم يسوع هناك، ودعا يسوع تلاميذه إلى العرس ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر.. قال يسوع: ما لي وما لك يا امرأة"! (إنجيل يوحنا 2: 1- 4). يسوع يقول لأمه: "ما لي وما لك يا امرأة"!! ومن الأقوال المنسوبة للمسيح التي توجب كراهية الأقرباء: "إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه، وامرأته وأولاده، وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضًا، فلا يقدر أن يكون تلميذًا لي"! (إنجيل لوقا 14: 26). ومن الأقوال المنسوبة للمسيح التي تحرّض على العنف وسفك الدماء: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلامًا على الأرض.. ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا"! (متّى 10: 34). ومن الأقوال التي تحرّض على الإرهاب في أبشع صوره: "طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة"! (مزمور 137: 9). وإلى غير ذلك من النصوص الغريبة الركيكة التي تجعل كل صاحب فطرة سليمة يتيقن من عدم صحة هذه الأناجيل. كما نسبت هذه الأناجيل للمسيح -عليه السلام- العديد من الألفاظ الجنسية الإباحية المثيرة، والعبارات البذيئة الخادشة للحياء.
وبذلك فإن مزاعم النصارى بقدسية هذه الأناجيل وأنها كتبت بوحي أو إلهام من روح القدس يبقى مجرد افتراض لا أساس له ويعوزه الدليل، بل إن الواقع يشير إلى عكس ذلك تمامًا. فالخلاصة التي يمكن أن يخرج بها أي محقّق منصف ومحايد حول هذه الأناجيل الأربعة، التي هي أقدس الكتب عند النصارى وأصحها، أن مؤلفيها مجهولون، ومستمدة من مصادر غير معروفة، وتاريخ كتابتها غير معروف، وكذلك مكان كتابتها محل خلاف. وإذا أنعمت النظر في نصوصها تجدها جمل ركيكة غير مرتبط بعضها ببعض، وسياقها معدوم الاتصال والانسجام! وهي سير غير أمينة وغير صحيحة للمسيح -عليه السلام- لأنه ليس لها سند، وأصح منها سيرة النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- وأحاديثه، لأنها بسند صحيح.
ومن الخطأ مقارنة هذه الأناجيل الأربعة بالقرآن الكريم، فهذه الأناجيل لا تقابل القرآن كلام الله الحق بأي حال ولا يمكن مقارنتها به، وإن كان من مقارنة تكون بين هذه الأناجيل وأحاديث النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- وسيرته، وحتى هذه المقارنة الأخيرة تظل غير متكافئة لأن هذه الأحاديث لها سند صحيح، أما الأناجيل التي هي أصح ما لدى النصارى من كتب مختلفة ومتناقضة وليس لها سند صحيح.
الدارسون في كليات اللاهوت يتم تدريبهم على كيفية الاستدلال بآيات القرآن في إقناع المسلمين البسطاء والفقراء أيضًا بصحة الأناجيل وأنها غير محرّفة! ولذلك تجد معظم المبشرين النصارى يحفظون الآية رقم 46 من سورة المائدة:
{ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ }.
ومن جهلهم بالإنجيل وبالقرآن معًا يقولون إن هذه الآية تؤكد أن الإنجيل فيه هدى ونور!! ولكن أي إنجيل؟! المقصود بالإنجيل في هذه الآية هو الإنجيل الذي آتاه الله عزّ وجلّ المسيح عيسى –عليه السلام-، وليس أي واحد من الأناجيل الأربعة المزيّفة التي بين يدي النصارى اليوم! والآن أين هو إنجيل المسيح الذي تتحدّث عنه هذه الآية؟ أرأيتم كيف انقلب السحر على الساحر؟! كما أن القرآن لم يشهد للإنجيل وحده بل شهد لكل الكتب التي أنزلها الله عزّ وجلّ على رسله ومنها التوراة والزبور وصحف إبراهيم! وهذا دليل على أن القرآن الكريم كلام الله، ولذلك شهد لجميع الكتب التي جاءت قبله بأنها كانت من عند الله! فالقرآن هو الكتاب المهيمن والأمين على كل كتاب قبله، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه منها فهو باطل.
وإذا قرأ النصارى هذه الأناجيل بوعي وبصيرة فهي كفيلة بأن تصل بهم إلى القرآن!
يتبع القسم الثاني
التعديل الأخير: