تصادم الأناجيل
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
القسم الأول
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
القسم الأول
من الصعب جدًّا على إنسان عاش وترعرع في كنف النصرانية، محاطًا بهالة من الأكاذيب والأوهام، أن يصطدم فجأة بحقيقة أن كتابه المقدّس ليس مقدّسًا. الدكتور دبليو جراهام سكروجي من مؤسسة مودي للكتاب المقدّس في مدينة شيكاغو الأمريكية، وهي جمعية نصرانية تبشيرية عالمية، له كتاب بعنوان: "هل الكتاب المقدّس كلمة الله؟"، يقول فيه: "الكتاب المقدّس بشري، وبعيدًا عن الحماس، والتماسًا للعلم، فهذه الكتب (الكتاب المقدس هو مختارات من عدة كتب) صناعة بشرية بلغة بشرية، وكتبها أناس، ولها صفات الصناعة البشرية". هذا التصريح واضح ولا يحتاج منا إلى أي تعليق!
ننتقل إلى شهادة عالم نصراني آخر مشهور عن الكتاب المقدّس، وهو أسقف بيت المقدس، كينيث كراج، حيث يقول في كتابه "نداء المنارة": "ليس عهدًا جديدًا.. ففيه اختصارات وزيادات، وهناك صياغة جديدة، وشواهد. فالأناجيل مرّت بتحريف تقوده الكنيسة، ولا يعدو كونه عرضًا للتاريخ والخبرات". وهذه اعترافات صريحة واضحة!
فهل نحتاج إلى التعليق على هذه النصوص لنثبت أن كتاب النصارى "المقدس" ليس مقدّسًا ولا كلام الله؟! فعندما نقول كتاب النصارى المقدّس لا نعني كتابًا واحدًا، فهناك عدة كتب مختلفة ومتناقضة لدى طوائف النصارى والكل يصبغ على كتابه صفة التقديس! فعلى سبيل المثال هناك نسخة الكتاب المقدس للرومان الكاثوليك التي صدرت عام 1528، وبذلك تعتبر هذه النسخة هي الأقدم التي لا تزال تُباع حتى اليوم. ولكن على الرغم من ذلك فإن كل العالم البروتستانتي بكل طوائفه يرفض هذه النسخة لأنه وبحسب زعمهم تحوي سبعة أسفار مزيدة ومزوّرة، ومشكوكًا فيها وليست كلام الله، ولكن الكاثوليك يقولون إن هذه الأسفار السبعة نفسها كلام الله، وهي إلهام من الروح القدس!
الآن نحن أمام مشكلة خطيرة جدًّا؟ ولتتأكدوا من خطورة هذه المشكلة بأنفسكم اذهبوا معي إلى رؤيا يوحنا اللاهوتي: "لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب: إن كان أحد يزيد على هذا، يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة، يحذف الله نصيبه من سفر الحياة، ومن المدينة المقدسة، ومن المكتوب في هذا الكتاب". (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 22: 18، 19).
الكاثوليك مصيرهم النار إذا كانت الأسفار السبعة ليست كلام الله!
والبروتوستانت مصيرهم النار إذا كانت الأسفار السبعة كلام الله!
وبشهادة الكتاب المقدّس نفسه فإن أحد الفريقين على الأقل في النار!
وأمام هذه المعادلة الصعبة، تبنّت الكنيسة المصرية وضعًا غريبًا، فأعلنت أنها تؤمن بأن أسفار الكتاب المقدّس 73 سفرًا، وهي بذلك توافق الكاثوليك، ولكن الأمر العجيب والمذهل أن النسخة المعتمدة رسميًّا من الكنيسة المصرية هي نسخة بروتستانتية عدد أسفارها 66 سفرًا فقط! كيف يستقيم لعاقل هذا الأمر؟! والأعجب من ذلك أن الكنيسة المصرية أطلقت مؤخرًا نسخة من الكتاب المقدّس على الإنترنت قوامها 73 سفرًا! هل تعتقد الكنيسة المصرية أنها بهذه الحيلة الفهلوية أخرجت أتباعها من النار؟! الأمر ليس بهذه السهولة! لأن أي نصراني يعلم أن عدد المزامير في جميع نسخ الكتاب المقدس 150 مزمورًا، ولكن الكنيسة المصرية وبكل جرأة أضافت مزمورًا جديدًا ليس له وجود على الإطلاق في أي نسخة من نسخ الكتاب المقدّس المنتشرة في بقاع الأرض! النسخة الوحيدة من الكتاب المقدّس التي تتضمّن هذا المزمور هي النسخة التي أصدرتها الكنيسة المصرية!
وبذلك فإن أتباع الكنيسة المصرية مصيرهم النار لا محالة، لأنهم زادوا في الكتاب المقدّس!
هذا ليس رأيًا شخصيًّا، بل هو ما يقوله سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي!!
اسمحوا لي أن أطرح سؤالًا: إذا أثبتنا أن الأناجيل تحتوي على نصوص متناقضة تناقضًا صريحًا واضحًا، فهل يمكن اعتبار هذه الأناجيل مقدّسة أو أنها وحي؟! كل عاقل سوف يجيب بالنفي! الآن سوف أثبت لكم أن هذه الأناجيل الأربعة، التي هي أصح كتب النصارى وأقدسها، تحوي تناقضات داخلية صريحة، وتناقضات فيما بينها حول الحدث الواحد. وفي الفقرات الآتية سوف أعرض عليكم نماذج واضحة لا تحتاج إلى تأويل، لتتأكدوا من هذه الحقيقة بأنفسكم، وسوف أبدأ بسؤال آخر:
هل لتلاميذ المسيح سلطان بأن يطردوا الأرواح النجسة ويشفوا كل مرض وعلّة؟
الإجابة الأولى (نعم) بحسب إنجيل متّى: "ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانًا على أرواح نجسة حتى يخرجوها، ويشفوا كل مرض وكل ضعف". (إنجيل متّى 10: 1).
الإجابة الثانية (لا) بحسب إنجيل متّى نفسه: "ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثيًا له وقائلًا: يا سيد، ارحم ابني فإنه يصرع ويتألم شديدًا، ويقع كثيرًا في النار وكثيرًا في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع وقال: أيها الجيل غير المؤمن، الملتوي، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟ قدموه إلي ههنا! فانتهره يسوع، فخرج منه الشيطان. فشفي الغلام من تلك الساعة. ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا: لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فقال لهم يسوع: لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم". (إنجيل متّى 17: 14 - 18).
ما دام المسيح –عليه السلام- قد أعطى تلاميذه القدرة على شفاء المرضى فهذا يعني أنه مقتنع بإيمانهم، ولكنهم عجزوا، فالنصّان إذًا متناقضان! وإلا أمام النصارى أن يختاروا واحدًا من ثلاثة احتمالات:
إما أن يقبلوا أن المسيح كذب على تلاميذه وقال لهم أعطيتكم سلطانًا ولم يعطهم شيئًا؛ وإما أن يكون قد أعطاهم سلطانًا ولكنه لم يكن يعلم بإيمانهم برغم أنه الإله العالم بخلجات النفوس؛ وإما أن يكون إيمانهم وكما يقول الإنجيل لا يبلغ مثل حبة خردل مع أنهم أكثر أتباعه إيمانًا به!
لا تغادروا إنجيل متّى، وإليكم مشهدًا آخر من مشاهد التناقضات العجيبة التي يحملها هذا الإنجيل في جوفه، فتأمّلوا هذا النص: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل". (إنجيل متّى 5: 17، 18).
لا تحتاج أن تكون عالمًا في اللاهوت حتى تفهم من كلام المسيح –عليه السلام- في هذا النص أنه لم يأت من أجل نقض أو نسخ الناموس وهو شريعة موسى –عليه السلام- وإنما جاء ليكملها ويثبتها!
العجيب أن إنجيل متّى نفسه وفي الإصحاح الخامس يأتي ليناقض نفسه بهذا النص: "وقيل: من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني". (إنجيل متّى 5: 31، 32).
الآن تدبّروا النص جيّدًا فماذا تفهمون منه! أليس في هذا الحكم نقضًا صريحًا للناموس ولشريعة موسى -عليه السلام-؟! هذا النص يمنع الطلاق إلا في حالة الزنا فقط، وفيما عدا ذلك فإن الطلاق حرام، ولكنه جائز بحسب الناموس أو شريعة موسى –عليه السلام-! وبذلك فإن إنجيل متّى لم يكمل الناموس أو يثبته كما وعدنا في الفقرة الأولى، بل جاء بتشريع جديد ينسخ الشريعة والأحكام السابقة كلها.
لا يقبل العقل سوى أن تكون إحدى الروايتين على الأقل كاذبة!
إليكم مزيدًا من تناقضات متّى، فتأمّلوا هذا النص: "ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلًا: من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟ فقالوا: قوم: يوحنا المعمدان، وآخرون: إيليا، وآخرون: إرميا أو واحد من الأنبياء. قال لهم: وأنتم، من تقولون إني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحي! فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات. وأنا أقول لك أيضًا: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولًا في السماوات". (إنجيل متّى 16: 13- 19).
لاحظوا ماذا يقول يسوع عن سمعان بطرس في هذا النص (طوبى لك يا سمعان بن يونا.. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات)!! ولكن متّى لا ينتظر طويلًا حتى يأتي إلينا بنص آخر يناقض ذلك كله، بل ويجعل من سمعان بطرس نفسه شيطانًا: "من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم. فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلًا: حاشاك يا رب! لا يكون لك هذا! فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان! أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس". (إنجيل متّى 16: 21- 23).
الآن وبموجب هذا النص تحوّل سمعان بطرس إلى شيطان ملعون؟
فإذا كان بطرس شيطانًا فلماذا لم يعلم يسوع ذلك إن كان هو إله كما يزعم النصارى؟!
وبدلًا من أن يتهمه بأنه شيطان فلماذا لا يطرد عنه هذا الشيطان؟
وما هو مصير (مفاتيح ملكوت السماوات) التي أعطاها الرّب لهذا الشيطان في الفقرة الأولى؟!
الآن مفاتيح ملكوت السماوات في كفّ شيطان!
أين هو وحي الروح القدس من هذا كلّه؟
والروح القدس أحد الأقانيم الثلاثة التي يتألّف منها إله النصارى!
هذه التناقضات من إنجيل متّى على سبيل المثال لا الحصر، ننتقل بعدها إلى إنجيل مرقس لنرى لونًا آخر من هذه التناقضات العجيبة، حيث نقرأ في الإصحاح الخامس هذا النص: "وبينما هو يتكلم جاءوا من دار رئيس المجمع قائلين: ابنتك ماتت. لماذا تتعب المعلم بعد؟ فسمع يسوع لوقته الكلمة التي قيلت، فقال لرئيس المجمع: لا تخف! آمن فقط. ولم يدع أحدًا يتبعه إلا بطرس ويعقوب، ويوحنا أخا يعقوب. فجاء إلى بيت رئيس المجمع ورأى ضجيجًا. يبكون ويولولون كثيرًا. فدخل وقال لهم: لماذا تضجون وتبكون؟ لم تمت الصبية لكنها نائمة. فضحكوا عليه. أما هو فأخرج الجميع، وأخذ أبا الصبية وأمها والذين معه ودخل حيث كانت الصبية مضطجعة، وأمسك بيد الصبية وقال لها: طليثا، قومي!. الذي تفسيره: يا صبية، لك أقول: قومي! وللوقت قامت الصبية ومشت، لأنها كانت ابنة اثنتي عشرة سنة. فبهتوا بهتًا عظيمًا. فأوصاهم كثيرًا أن لا يعلم أحد بذلك". (إنجيل مرقس 5: 35- 43).
نسب مرقس للمسيح –عليه السلام- في هذا النص قوله (لم تمت الصبية لكنها نائمة) مع أن الجميع كانوا متأكدين أنها ماتت، بدليل أنهم سخروا من قوله! إن كانت الصبية لم تمت فما فائدة هذا السرد المطوّل؟ وما هو وجه الإعجاز في هذه القصة؟ وإن لم تكن الصبية نائمة بل كانت ميتة فلمَ الكذب إذًا؟ ولماذا أوصاهم كثيرًا بالتستر على هذه المعجزة وألا يخبروا أحدًا بها؟ والغرض من المعجزة أن تنتشر بين الناس لأنها دليل على صدقه! وهذا يناقض تمامًا ما جاء في قصة الرجل الذي شفاه المسيح –عليه السلام- من الأرواح النجسة وأمره أن يذهب ويعلن ما حصل معه: "فلم يدعه يسوع، بل قال له: اذهب إلى بيتك وإلى أهلك، وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك". (إنجيل مرقس 5: 19).
نكتفي بهذا المثال من إنجيل مرقس، وننتقل إلى إنجيل لوقا لنرى وجهًا مختلفًا لهشاشة هذا الإنجيل وأخطائه الفادحة، حيث نقرأ في الإصحاح الأوّل منه هذا النص: "وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيمًا، وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية". (إنجيل لوقا 1: 31- 33).
انتبه إلى أن هذا النص يقول إن الرّب سوف يعطي يسوع عرش أبيه داوود ولن يكون لملكه نهاية! هذا النص خطأ بأكثر من وجه، إذ إن يسوع وبحسب إنجيل متّى ليس من سلالة داوود، بل من سلالة يهوياقيم أو يوياقيم، وأن عرش داوود محرّم على هذه السلالة بحسب الإصحاح السادس والثلاثين من سفر إرميا: "لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا: لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهارًا، وللبرد ليلًا. وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم، وأجلب عليهم وعلى سكان أورشليم وعلى رجال يهوذا كل الشر الذي كلمتهم عنه ولم يسمعوا". (سفر إرميا 36: 30، 31).
وأهم من ذلك أن يسوع لم يملك على بيت يعقوب، ولم يجلس على كرسي داوود ساعة واحدة، بل أسوأ من ذلك فإن النصارى يزعمون أن يسوع أحضروه أمام كرسي بيلاطس وحاكموه وضربوه وأهانوه وصلبوه! أما إنجيل يوحنا فيزيد الطين بلّة ويؤكد أن يسوع كان هاربًا من تنصيبه ملكًا: "وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا، انصرف أيضًا إلى الجبل وحده". (إنجيل يوحنا 6: 15).
فكيف يُتَصور أن يهرب يسوع من تنصيبه ملكًا وهو أمر بعثه الله لأجله وبشّر جبريل أمه به قبل ولادته، كما جاء معنا قبل قليل في إنجيل لوقا! أرأيتم كيف تضطرب الأناجيل ويتصادم بعضها ببعض! إن اعتقاد النصارى وزعمهم أن كتابة الأناجيل تمت بوحي من الروح القدس يحتاج إلى إعادة نظر، نظرًا إلى ما هو واضح من هذه النصوص الركيكة المتناقضة والمتصادم بعضها مع بعض.
وفي هذا المثال من إنجيل يوحنا الكفاية لمن يعي ويفهم، ونكمل مع الإنجيل الرابع وهو إنجيل يوحنا لنجد في انتظارنا هذا النص من الإصحاح الرابع عشر منه: "الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها، لأني ماضٍ إلى أبي". (إنجيل يوحنا 14: 12).
كل من يقرأ هذا النص الصريح يفهم منه أن كل الأعمال والمعجزات التي جاء بها المسيح -عليه السلام- ليست خاصة به وحده، وإنما كل نصراني يؤمن به في استطاعته أن يصنع أعظم منها من دون التقيد بمكان أو زمان! ولكن لا يوجد لدى النصارى أي دليل على أن واحدًا من تلاميذ المسيح –عليه السلام- أو غيره من المؤمنين به، صنع لهم معجزة أعظم من معجزات المسيح؟!
لا شكّ في أن النص الذي جاء به يوحنا يناقض الواقع، لأن المعجزات خاصة بالرسل وحدهم، يؤيدهم الله بها حتى تكون دليلًا على صدقهم، فالمعجزة أمر خارق لنواميس الطبيعة ومصدرها الوحيد هو الله سبحانه وتعالى، وبالتالي لا يمكن للمسيح ولا لغيره من الرسل –عليهم السلام- أن يمنحوا أحدًا القدرة على صنع المعجزات!
وفي هذا الصدد، يروي رحمة الله الهندي في كتابه "إظهار الحق" قصة عجيبة لأحد كبار فرقة البروتستانت ويدعى كالوين أنه أعطى رشوة لشخص اسمه ببروميس على أن يستلقي هذا الأخير وكأنه ميت، بينما طلب من زوجته أن تبكي وتصرخ حتى يجتمع عندها النساء الباكيات، وإذا حضر كالوين وقال له: "يا ببروميس الميت قم واحيا" قام وتحرّك وكأنه كان ميِّتًا، وعلى هذا النحو تمّ حبك مشاهد هذه المسرحية المهزلة. وبالفعل استلقى ببروميس على أنه ميت، واجتمعت النساء الباكيات، وعندها جاء كالوين وقال لهن لا تبكين أنا أحييه، فقرأ الأدعية، ثم أخذ يد ببروميس ونادى باسم ربنا أن قم، ولكن لا فائدة لأن أجل الله كان أقرب وقد مات ببروميس حقيقة، وفضحهم الله وانتقم منهم، ولما رأت زوجته ذلك الحال بكت بكاءً شديدًا وصرخت بأن زوجها كان حيًّا وقت العهد والميثاق! فانظروا إلى معجزات كبار القوم فكيف يكون حال أتباعهم!
بعد أن رأينا نماذج من تصادم النصوص وتناقضها داخل الإنجيل الواحد، ننتقل الآن لنرى نماذج من تصادم الأناجيل الأربعة مع بعضها بعضًا، في مشهد يشبه إلى حد كبير مسابقة اكتشاف الأخطاء التي يستخدمها بعضهم لاختبار ذكاء الأطفال أو كنوع من التسلية. فتأمّلوا فيما يأتي قصة طرد الشياطين التي يرويها كل من متّى ومرقس..
نبدأ بإنجيل متّى: "ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين، استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جدًّا، حتى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق. وإذا هما قد صرخا قائلين: ما لنا ولك يا يسوع ابن الله؟ أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟ وكان بعيدًا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. فالشياطين طلبوا إليه قائلين: إن كنت تخرجنا، فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير. فقال لهم: امضوا. فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير، وإذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف إلى البحر، ومات في المياه. أما الرعاة فهربوا ومضوا إلى المدينة، وأخبروا عن كل شيء، وعن أمر المجنونين. فإذا كل المدينة قد خرجت لملاقاة يسوع. ولما أبصروه طلبوا أن ينصرف عن تخومهم". (إنجيل متّى 8: 28 – 34).
وهذه هي القصة نفسها يرويها إنجيل مرقس: "وجاءوا إلى عبر البحر إلى كورة الجدريين. ولما خرج من السفينة للوقت استقبله من القبور إنسان به روح نجس، كان مسكنه في القبور، ولم يقدر أحد أن يربطه ولا بسلاسل، لأنه قد ربط كثيرًا بقيود وسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود، فلم يقدر أحد أن يذللـه. وكان دائمًا ليلًا ونهارًا في الجبال وفي القبور، يصيح ويجرح نفسه بالحجارة. فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له، وصرخ بصوت عظيم وقال: ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي؟ أستحلفك بالله أن لا تعذبني! لأنه قال له: اخرج من الإنسان يا أيها الروح النجس. وسأله: ما اسمك؟ فأجاب قائلًا: اسمي لجئون، لأننا كثيرون. وطلب إليه كثيرًا أن لا يرسلهم إلى خارج الكورة. وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى، فطلب إليه كل الشياطين قائلين: أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها. فأذن لهم يسوع للوقت. فخرجت الأرواح النجسة ودخلت في الخنازير، فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحر. وكان نحو ألفين، فاختنق في البحر. وأما رعاة الخنازير فهربوا وأخبروا في المدينة وفي الضياع. فخرجوا ليروا ما جرى. وجاءوا إلى يسوع فنظروا المجنون الذي كان فيه اللجئون جالسا ولابسا وعاقلا، فخافوا. فحدثهم الذين رأوا كيف جرى للمجنون وعن الخنازير. فابتدأوا يطلبون إليه أن يمضي من تخومهم". (إنجيل مرقس 5: 1- 17).
الآن دقّقوا وقارنوا واكتشفوا التناقضات بأنفسكم فالقصة هي نفسها في الإنجيلين. لاحظوا أن متّى ذكر أن رجلين كان بهما شياطين، بينما ذكر مرقس أن رجلًا واحدًا فقط كان به روح نجس! بحسب مرقس فإن الشياطين كلها كانت في رجل واحد فقط وعندما خرجت دخلت في نحو ألفين من الخنازير التي اندفعت نحو البحر واختنقت وماتت بسبب هذه الشياطين التي دخلتها! وما دام يسوع يمتلك تلك القدرة على قهر الشياطين وطردها فلماذا خضع لطلبها بأن تدخل في الخنازير التي كانت ترعى؟ كان بإمكان يسوع أن يهلك هذه الشياطين أو يبعثها إلى البحر أو على الأقل يسمح لها بالدخول في خنزير واحد فقط لأنها كانت في رجل واحد فقط! ما هو ذنب أصحاب الخنازير حتى يتلف لهم ألفي رأس دفعة واحدة؟! فمن سيتحمّل هذه الخسائر الفادحة! طرد الشياطين من رجل واحد مقابل إتلاف ألفي رأس من الخنازير! معادلة صعبة!!
تأمّل جانبًا من قصة المرأة التي جاءت تطلب شفاء ابنتها، كما يرويها متّى: "ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء. وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني، يا سيد، يا ابن داود! ابنتي مجنونة جدًّا". (إنجيل متّى 15: 21، 22).
وهذا ما يقوله مرقس عن المرأة ذاتها: "ثم قام من هناك ومضى إلى تخوم صور وصيداء، ودخل بيتًا وهو يريد أن لا يعلم أحد، فلم يقدر أن يختفي، لأن امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به، فأتت وخرت عند قدميه. وكانت الامرأة أممية، وفي جنسها فينيقية سورية. فسألته أن يخرج الشيطان من ابنتها". (إنجيل مرقس 7: 24- 26).
لاحظوا أن الإنجيلين يتحدثان عن المرأة نفسها، فمتّى يقول إنها امرأة كنعانية، ومرقس يقول إنها امرأة يونانية من أصل سوري فينيقي! ومن هنا، فمن حق كل نصراني غيور على دينه وحريص على نفسه ومصيره بعد الموت أن يسأل رجال الكنيسة: أي الروايتين صحيحة ما دامت هذه الأناجيل كُتبت بوحي من الروح القدس؟!
مثال آخر للتصادم بين إنجيلي متّى ومرقس..
فتأمّلوا من خلال هذه المقارنة من يخبر يسوع بطلب أمه وإخوته له..
بحسب إنجيل متّى: "وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجًا طالبين أن يكلموه. فقال له واحد: هوذا أمك وإخوتك واقفون خارجا طالبين أن يكلموك". (إنجيل متّى 12: 46، 47).
بحسب رواية مرقس: "فجاءت حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجًا وأرسلوا إليه يدعونه. وكان الجمع جالسًا حوله، فقالوا له: هوذا أمك وإخوتك خارجًا يطلبونك". (إنجيل مرقس 3: 31، 32).
لاحظوا أن متّى يقول إن الذي أخبر المسيح بوجود أمه وإخوته واحد فقط من الحاضرين، أما مرقس فيقول إن الجميع أخبروه! والسؤال يتكرّر: لماذا هذا الاختلاف إذا كانت هذه النصوص بوحي من الروح القدس؟!
تأمّلوا قصة القبض على يسوع وكيف يرويها متّى ويوحنا..
بالنسبة إلى إنجيل متّى: "وفيما هو يتكلم، إذا يهوذا أحد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب. والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلًا: الذي أقبله هو هو. أمسكوه. فللوقت تقدم إلى يسوع وقال: السلام يا سيدي! وقبله. فقال له يسوع: يا صاحب، لماذا جئت؟ حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه". (إنجيل متّى 26: 47 – 50).
أما يوحنا فله رأي آخر في القصة ذاتها: "وكان يهوذا مسلمه يعرف الموضع، لأن يسوع اجتمع هناك كثيرًا مع تلاميذه. فأخذ يهوذا الجند وخدامًا من عند رؤساء الكهنة والفريسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال لهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري. قال لهم: أنا هو. وكان يهوذا مسلمه أيضًا واقفًا معهم. فلما قال لهم: إني أنا هو، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض. فسألهم أيضًا: من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري. أجاب يسوع: قد قلت لكم: إني أنا هو. فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون. ليتم القول الذي قاله: إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدًا. ثم إن سمعان بطرس كان معه سيف، فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه اليمنى. وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك في الغمد! الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟ ثم إن الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه". (إنجيل يوحنا 18: 2 – 12).
لاحظوا الاختلاف الجوهري بين القصتين من لحظة دخول يهوذا مع الجند حتى القبض على يسوع. بالنسبة إلى متّى فإنه لم يستغرق وقتًا طويلًا فبمجرّد تقبيل يهوذا له أمسكوه! أما بحسب يوحنا فلم يكن ليهوذا الخائن دور ولم يقترب من يسوع أو يقبله، بل حدث نوع من الحوار بين الطرفين، وحدثت معجزة أسقطتهم على الأرض وحصل ضرب بالسيف، وبعد ذلك كلّه تم القبض على يسوع! الحدث واحد وهو القبض على يسوع، أما الروايتان فمتناقضتان ولا يمكن التوفيق بينهما بأي حال!
هكذا يتضح لكل ذي عقل وبصيرة أن الأناجيل الأربعة، وهي أصح الكتب وأقدسها عند النصارى، تعجّ بالتناقضات والاختلافات الصريحة الواضحة، التي لا يمكن الجمع بينها، ولا مفرّ من التسليم بكذب بعضهم وتصديق الآخر، أو تكذيبها كلّها، ما يؤكد أن الادعاء بأن هذه الأناجيل كُتبت بإلهام أو وحي من الروح القدس كذبة كبرى الهدف منها تمكين الكنيسة من إحكام قبضتها على عقول البسطاء.
وبذلك فإن العديد من علماء النصارى الذين حرّروا عقولهم وأعتقوا أنفسهم من التعصّب والتقليد الأعمى توصلوا بأنفسهم إلى حقيقة أن الأناجيل التي بين أيديهم اليوم ليست مقدّسة ولا وحيًا ولا كلام الله، وأن القرآن الكريم هو الصورة الوحيدة من كلام الله ربّ العالمين المحفوظ بين أيدي الناس اليوم.
وإذا درست القرآن من أي زاوية، لغوية أو علمية أو تشريعية أو رقمية أو غيرها، فلن تجد فيه أي اختلاف أو تناقض. والقرآن يعلن ذلك صراحة في أكثر من موضع، ومنها هذه الآية..
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء]
ولا يمكن لأي كتاب أن يبقى ثابتًا في تعاليمه ووعظه مدة تزيد على عقدين من الزمان، فما بالك بالقرآن الذي نزل قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنًا ولا يزال ثابتًا على المبدأ نفسه!
يقول عالم الرياضيات الكندي الدكتور جاري ميلر: "كنت من المبشرين للديانة النصرانية، وفي أحد الأيام أردت أن أقرأ القرآن بقصد أن أجد فيه بعض الأخطاء التي تعزز موقفي عند دعوتي للنصرانية، وكنت أتوقَّع أن أجد تمجيّدًا للنبي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- وأهل بيته، ولكنني ذُهلت عندما وجدت أن عيسى -عليه السلام- ذُكر بالاسم 25 مرّة في القرآن، في حين أن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- نفسه الذي نزل عليه القرآن ورد باسمه { مُحمَّد } فيه 4 مرّات فقط، ووجدت أن هناك سورة كاملة في القرآن باسم مريم وفيها تشريف لها لا يوجد مثيل له في كتب النصارى ولا في أناجيلهم، وتكرّر اسمها في القرآن الكريم 34 مرّة، بل إن مريم هي المرأة الوحيدة التي ورد اسمها في القرآن"! وبهذا المنطق البسيط اقتنع هذا الرجل بأن القرآن لا يمكن أن يكون من تأليف مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- بأي حال.
والقرآن يبجّل المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- ويكرّمه رقمًا وحرفًا.. عددًا وكلمة!
يتبع القسم الثاني
ننتقل إلى شهادة عالم نصراني آخر مشهور عن الكتاب المقدّس، وهو أسقف بيت المقدس، كينيث كراج، حيث يقول في كتابه "نداء المنارة": "ليس عهدًا جديدًا.. ففيه اختصارات وزيادات، وهناك صياغة جديدة، وشواهد. فالأناجيل مرّت بتحريف تقوده الكنيسة، ولا يعدو كونه عرضًا للتاريخ والخبرات". وهذه اعترافات صريحة واضحة!
فهل نحتاج إلى التعليق على هذه النصوص لنثبت أن كتاب النصارى "المقدس" ليس مقدّسًا ولا كلام الله؟! فعندما نقول كتاب النصارى المقدّس لا نعني كتابًا واحدًا، فهناك عدة كتب مختلفة ومتناقضة لدى طوائف النصارى والكل يصبغ على كتابه صفة التقديس! فعلى سبيل المثال هناك نسخة الكتاب المقدس للرومان الكاثوليك التي صدرت عام 1528، وبذلك تعتبر هذه النسخة هي الأقدم التي لا تزال تُباع حتى اليوم. ولكن على الرغم من ذلك فإن كل العالم البروتستانتي بكل طوائفه يرفض هذه النسخة لأنه وبحسب زعمهم تحوي سبعة أسفار مزيدة ومزوّرة، ومشكوكًا فيها وليست كلام الله، ولكن الكاثوليك يقولون إن هذه الأسفار السبعة نفسها كلام الله، وهي إلهام من الروح القدس!
الآن نحن أمام مشكلة خطيرة جدًّا؟ ولتتأكدوا من خطورة هذه المشكلة بأنفسكم اذهبوا معي إلى رؤيا يوحنا اللاهوتي: "لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب: إن كان أحد يزيد على هذا، يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة، يحذف الله نصيبه من سفر الحياة، ومن المدينة المقدسة، ومن المكتوب في هذا الكتاب". (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 22: 18، 19).
الكاثوليك مصيرهم النار إذا كانت الأسفار السبعة ليست كلام الله!
والبروتوستانت مصيرهم النار إذا كانت الأسفار السبعة كلام الله!
وبشهادة الكتاب المقدّس نفسه فإن أحد الفريقين على الأقل في النار!
وأمام هذه المعادلة الصعبة، تبنّت الكنيسة المصرية وضعًا غريبًا، فأعلنت أنها تؤمن بأن أسفار الكتاب المقدّس 73 سفرًا، وهي بذلك توافق الكاثوليك، ولكن الأمر العجيب والمذهل أن النسخة المعتمدة رسميًّا من الكنيسة المصرية هي نسخة بروتستانتية عدد أسفارها 66 سفرًا فقط! كيف يستقيم لعاقل هذا الأمر؟! والأعجب من ذلك أن الكنيسة المصرية أطلقت مؤخرًا نسخة من الكتاب المقدّس على الإنترنت قوامها 73 سفرًا! هل تعتقد الكنيسة المصرية أنها بهذه الحيلة الفهلوية أخرجت أتباعها من النار؟! الأمر ليس بهذه السهولة! لأن أي نصراني يعلم أن عدد المزامير في جميع نسخ الكتاب المقدس 150 مزمورًا، ولكن الكنيسة المصرية وبكل جرأة أضافت مزمورًا جديدًا ليس له وجود على الإطلاق في أي نسخة من نسخ الكتاب المقدّس المنتشرة في بقاع الأرض! النسخة الوحيدة من الكتاب المقدّس التي تتضمّن هذا المزمور هي النسخة التي أصدرتها الكنيسة المصرية!
وبذلك فإن أتباع الكنيسة المصرية مصيرهم النار لا محالة، لأنهم زادوا في الكتاب المقدّس!
هذا ليس رأيًا شخصيًّا، بل هو ما يقوله سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي!!
اسمحوا لي أن أطرح سؤالًا: إذا أثبتنا أن الأناجيل تحتوي على نصوص متناقضة تناقضًا صريحًا واضحًا، فهل يمكن اعتبار هذه الأناجيل مقدّسة أو أنها وحي؟! كل عاقل سوف يجيب بالنفي! الآن سوف أثبت لكم أن هذه الأناجيل الأربعة، التي هي أصح كتب النصارى وأقدسها، تحوي تناقضات داخلية صريحة، وتناقضات فيما بينها حول الحدث الواحد. وفي الفقرات الآتية سوف أعرض عليكم نماذج واضحة لا تحتاج إلى تأويل، لتتأكدوا من هذه الحقيقة بأنفسكم، وسوف أبدأ بسؤال آخر:
هل لتلاميذ المسيح سلطان بأن يطردوا الأرواح النجسة ويشفوا كل مرض وعلّة؟
الإجابة الأولى (نعم) بحسب إنجيل متّى: "ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانًا على أرواح نجسة حتى يخرجوها، ويشفوا كل مرض وكل ضعف". (إنجيل متّى 10: 1).
الإجابة الثانية (لا) بحسب إنجيل متّى نفسه: "ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثيًا له وقائلًا: يا سيد، ارحم ابني فإنه يصرع ويتألم شديدًا، ويقع كثيرًا في النار وكثيرًا في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع وقال: أيها الجيل غير المؤمن، الملتوي، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟ قدموه إلي ههنا! فانتهره يسوع، فخرج منه الشيطان. فشفي الغلام من تلك الساعة. ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا: لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فقال لهم يسوع: لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم". (إنجيل متّى 17: 14 - 18).
ما دام المسيح –عليه السلام- قد أعطى تلاميذه القدرة على شفاء المرضى فهذا يعني أنه مقتنع بإيمانهم، ولكنهم عجزوا، فالنصّان إذًا متناقضان! وإلا أمام النصارى أن يختاروا واحدًا من ثلاثة احتمالات:
إما أن يقبلوا أن المسيح كذب على تلاميذه وقال لهم أعطيتكم سلطانًا ولم يعطهم شيئًا؛ وإما أن يكون قد أعطاهم سلطانًا ولكنه لم يكن يعلم بإيمانهم برغم أنه الإله العالم بخلجات النفوس؛ وإما أن يكون إيمانهم وكما يقول الإنجيل لا يبلغ مثل حبة خردل مع أنهم أكثر أتباعه إيمانًا به!
لا تغادروا إنجيل متّى، وإليكم مشهدًا آخر من مشاهد التناقضات العجيبة التي يحملها هذا الإنجيل في جوفه، فتأمّلوا هذا النص: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل". (إنجيل متّى 5: 17، 18).
لا تحتاج أن تكون عالمًا في اللاهوت حتى تفهم من كلام المسيح –عليه السلام- في هذا النص أنه لم يأت من أجل نقض أو نسخ الناموس وهو شريعة موسى –عليه السلام- وإنما جاء ليكملها ويثبتها!
العجيب أن إنجيل متّى نفسه وفي الإصحاح الخامس يأتي ليناقض نفسه بهذا النص: "وقيل: من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني". (إنجيل متّى 5: 31، 32).
الآن تدبّروا النص جيّدًا فماذا تفهمون منه! أليس في هذا الحكم نقضًا صريحًا للناموس ولشريعة موسى -عليه السلام-؟! هذا النص يمنع الطلاق إلا في حالة الزنا فقط، وفيما عدا ذلك فإن الطلاق حرام، ولكنه جائز بحسب الناموس أو شريعة موسى –عليه السلام-! وبذلك فإن إنجيل متّى لم يكمل الناموس أو يثبته كما وعدنا في الفقرة الأولى، بل جاء بتشريع جديد ينسخ الشريعة والأحكام السابقة كلها.
لا يقبل العقل سوى أن تكون إحدى الروايتين على الأقل كاذبة!
إليكم مزيدًا من تناقضات متّى، فتأمّلوا هذا النص: "ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلًا: من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟ فقالوا: قوم: يوحنا المعمدان، وآخرون: إيليا، وآخرون: إرميا أو واحد من الأنبياء. قال لهم: وأنتم، من تقولون إني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحي! فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات. وأنا أقول لك أيضًا: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولًا في السماوات". (إنجيل متّى 16: 13- 19).
لاحظوا ماذا يقول يسوع عن سمعان بطرس في هذا النص (طوبى لك يا سمعان بن يونا.. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات)!! ولكن متّى لا ينتظر طويلًا حتى يأتي إلينا بنص آخر يناقض ذلك كله، بل ويجعل من سمعان بطرس نفسه شيطانًا: "من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم. فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلًا: حاشاك يا رب! لا يكون لك هذا! فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان! أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس". (إنجيل متّى 16: 21- 23).
الآن وبموجب هذا النص تحوّل سمعان بطرس إلى شيطان ملعون؟
فإذا كان بطرس شيطانًا فلماذا لم يعلم يسوع ذلك إن كان هو إله كما يزعم النصارى؟!
وبدلًا من أن يتهمه بأنه شيطان فلماذا لا يطرد عنه هذا الشيطان؟
وما هو مصير (مفاتيح ملكوت السماوات) التي أعطاها الرّب لهذا الشيطان في الفقرة الأولى؟!
الآن مفاتيح ملكوت السماوات في كفّ شيطان!
أين هو وحي الروح القدس من هذا كلّه؟
والروح القدس أحد الأقانيم الثلاثة التي يتألّف منها إله النصارى!
هذه التناقضات من إنجيل متّى على سبيل المثال لا الحصر، ننتقل بعدها إلى إنجيل مرقس لنرى لونًا آخر من هذه التناقضات العجيبة، حيث نقرأ في الإصحاح الخامس هذا النص: "وبينما هو يتكلم جاءوا من دار رئيس المجمع قائلين: ابنتك ماتت. لماذا تتعب المعلم بعد؟ فسمع يسوع لوقته الكلمة التي قيلت، فقال لرئيس المجمع: لا تخف! آمن فقط. ولم يدع أحدًا يتبعه إلا بطرس ويعقوب، ويوحنا أخا يعقوب. فجاء إلى بيت رئيس المجمع ورأى ضجيجًا. يبكون ويولولون كثيرًا. فدخل وقال لهم: لماذا تضجون وتبكون؟ لم تمت الصبية لكنها نائمة. فضحكوا عليه. أما هو فأخرج الجميع، وأخذ أبا الصبية وأمها والذين معه ودخل حيث كانت الصبية مضطجعة، وأمسك بيد الصبية وقال لها: طليثا، قومي!. الذي تفسيره: يا صبية، لك أقول: قومي! وللوقت قامت الصبية ومشت، لأنها كانت ابنة اثنتي عشرة سنة. فبهتوا بهتًا عظيمًا. فأوصاهم كثيرًا أن لا يعلم أحد بذلك". (إنجيل مرقس 5: 35- 43).
نسب مرقس للمسيح –عليه السلام- في هذا النص قوله (لم تمت الصبية لكنها نائمة) مع أن الجميع كانوا متأكدين أنها ماتت، بدليل أنهم سخروا من قوله! إن كانت الصبية لم تمت فما فائدة هذا السرد المطوّل؟ وما هو وجه الإعجاز في هذه القصة؟ وإن لم تكن الصبية نائمة بل كانت ميتة فلمَ الكذب إذًا؟ ولماذا أوصاهم كثيرًا بالتستر على هذه المعجزة وألا يخبروا أحدًا بها؟ والغرض من المعجزة أن تنتشر بين الناس لأنها دليل على صدقه! وهذا يناقض تمامًا ما جاء في قصة الرجل الذي شفاه المسيح –عليه السلام- من الأرواح النجسة وأمره أن يذهب ويعلن ما حصل معه: "فلم يدعه يسوع، بل قال له: اذهب إلى بيتك وإلى أهلك، وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك". (إنجيل مرقس 5: 19).
نكتفي بهذا المثال من إنجيل مرقس، وننتقل إلى إنجيل لوقا لنرى وجهًا مختلفًا لهشاشة هذا الإنجيل وأخطائه الفادحة، حيث نقرأ في الإصحاح الأوّل منه هذا النص: "وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيمًا، وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية". (إنجيل لوقا 1: 31- 33).
انتبه إلى أن هذا النص يقول إن الرّب سوف يعطي يسوع عرش أبيه داوود ولن يكون لملكه نهاية! هذا النص خطأ بأكثر من وجه، إذ إن يسوع وبحسب إنجيل متّى ليس من سلالة داوود، بل من سلالة يهوياقيم أو يوياقيم، وأن عرش داوود محرّم على هذه السلالة بحسب الإصحاح السادس والثلاثين من سفر إرميا: "لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا: لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهارًا، وللبرد ليلًا. وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم، وأجلب عليهم وعلى سكان أورشليم وعلى رجال يهوذا كل الشر الذي كلمتهم عنه ولم يسمعوا". (سفر إرميا 36: 30، 31).
وأهم من ذلك أن يسوع لم يملك على بيت يعقوب، ولم يجلس على كرسي داوود ساعة واحدة، بل أسوأ من ذلك فإن النصارى يزعمون أن يسوع أحضروه أمام كرسي بيلاطس وحاكموه وضربوه وأهانوه وصلبوه! أما إنجيل يوحنا فيزيد الطين بلّة ويؤكد أن يسوع كان هاربًا من تنصيبه ملكًا: "وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا، انصرف أيضًا إلى الجبل وحده". (إنجيل يوحنا 6: 15).
فكيف يُتَصور أن يهرب يسوع من تنصيبه ملكًا وهو أمر بعثه الله لأجله وبشّر جبريل أمه به قبل ولادته، كما جاء معنا قبل قليل في إنجيل لوقا! أرأيتم كيف تضطرب الأناجيل ويتصادم بعضها ببعض! إن اعتقاد النصارى وزعمهم أن كتابة الأناجيل تمت بوحي من الروح القدس يحتاج إلى إعادة نظر، نظرًا إلى ما هو واضح من هذه النصوص الركيكة المتناقضة والمتصادم بعضها مع بعض.
وفي هذا المثال من إنجيل يوحنا الكفاية لمن يعي ويفهم، ونكمل مع الإنجيل الرابع وهو إنجيل يوحنا لنجد في انتظارنا هذا النص من الإصحاح الرابع عشر منه: "الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها، لأني ماضٍ إلى أبي". (إنجيل يوحنا 14: 12).
كل من يقرأ هذا النص الصريح يفهم منه أن كل الأعمال والمعجزات التي جاء بها المسيح -عليه السلام- ليست خاصة به وحده، وإنما كل نصراني يؤمن به في استطاعته أن يصنع أعظم منها من دون التقيد بمكان أو زمان! ولكن لا يوجد لدى النصارى أي دليل على أن واحدًا من تلاميذ المسيح –عليه السلام- أو غيره من المؤمنين به، صنع لهم معجزة أعظم من معجزات المسيح؟!
لا شكّ في أن النص الذي جاء به يوحنا يناقض الواقع، لأن المعجزات خاصة بالرسل وحدهم، يؤيدهم الله بها حتى تكون دليلًا على صدقهم، فالمعجزة أمر خارق لنواميس الطبيعة ومصدرها الوحيد هو الله سبحانه وتعالى، وبالتالي لا يمكن للمسيح ولا لغيره من الرسل –عليهم السلام- أن يمنحوا أحدًا القدرة على صنع المعجزات!
وفي هذا الصدد، يروي رحمة الله الهندي في كتابه "إظهار الحق" قصة عجيبة لأحد كبار فرقة البروتستانت ويدعى كالوين أنه أعطى رشوة لشخص اسمه ببروميس على أن يستلقي هذا الأخير وكأنه ميت، بينما طلب من زوجته أن تبكي وتصرخ حتى يجتمع عندها النساء الباكيات، وإذا حضر كالوين وقال له: "يا ببروميس الميت قم واحيا" قام وتحرّك وكأنه كان ميِّتًا، وعلى هذا النحو تمّ حبك مشاهد هذه المسرحية المهزلة. وبالفعل استلقى ببروميس على أنه ميت، واجتمعت النساء الباكيات، وعندها جاء كالوين وقال لهن لا تبكين أنا أحييه، فقرأ الأدعية، ثم أخذ يد ببروميس ونادى باسم ربنا أن قم، ولكن لا فائدة لأن أجل الله كان أقرب وقد مات ببروميس حقيقة، وفضحهم الله وانتقم منهم، ولما رأت زوجته ذلك الحال بكت بكاءً شديدًا وصرخت بأن زوجها كان حيًّا وقت العهد والميثاق! فانظروا إلى معجزات كبار القوم فكيف يكون حال أتباعهم!
بعد أن رأينا نماذج من تصادم النصوص وتناقضها داخل الإنجيل الواحد، ننتقل الآن لنرى نماذج من تصادم الأناجيل الأربعة مع بعضها بعضًا، في مشهد يشبه إلى حد كبير مسابقة اكتشاف الأخطاء التي يستخدمها بعضهم لاختبار ذكاء الأطفال أو كنوع من التسلية. فتأمّلوا فيما يأتي قصة طرد الشياطين التي يرويها كل من متّى ومرقس..
نبدأ بإنجيل متّى: "ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين، استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جدًّا، حتى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق. وإذا هما قد صرخا قائلين: ما لنا ولك يا يسوع ابن الله؟ أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟ وكان بعيدًا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. فالشياطين طلبوا إليه قائلين: إن كنت تخرجنا، فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير. فقال لهم: امضوا. فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير، وإذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف إلى البحر، ومات في المياه. أما الرعاة فهربوا ومضوا إلى المدينة، وأخبروا عن كل شيء، وعن أمر المجنونين. فإذا كل المدينة قد خرجت لملاقاة يسوع. ولما أبصروه طلبوا أن ينصرف عن تخومهم". (إنجيل متّى 8: 28 – 34).
وهذه هي القصة نفسها يرويها إنجيل مرقس: "وجاءوا إلى عبر البحر إلى كورة الجدريين. ولما خرج من السفينة للوقت استقبله من القبور إنسان به روح نجس، كان مسكنه في القبور، ولم يقدر أحد أن يربطه ولا بسلاسل، لأنه قد ربط كثيرًا بقيود وسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود، فلم يقدر أحد أن يذللـه. وكان دائمًا ليلًا ونهارًا في الجبال وفي القبور، يصيح ويجرح نفسه بالحجارة. فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له، وصرخ بصوت عظيم وقال: ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي؟ أستحلفك بالله أن لا تعذبني! لأنه قال له: اخرج من الإنسان يا أيها الروح النجس. وسأله: ما اسمك؟ فأجاب قائلًا: اسمي لجئون، لأننا كثيرون. وطلب إليه كثيرًا أن لا يرسلهم إلى خارج الكورة. وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى، فطلب إليه كل الشياطين قائلين: أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها. فأذن لهم يسوع للوقت. فخرجت الأرواح النجسة ودخلت في الخنازير، فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحر. وكان نحو ألفين، فاختنق في البحر. وأما رعاة الخنازير فهربوا وأخبروا في المدينة وفي الضياع. فخرجوا ليروا ما جرى. وجاءوا إلى يسوع فنظروا المجنون الذي كان فيه اللجئون جالسا ولابسا وعاقلا، فخافوا. فحدثهم الذين رأوا كيف جرى للمجنون وعن الخنازير. فابتدأوا يطلبون إليه أن يمضي من تخومهم". (إنجيل مرقس 5: 1- 17).
الآن دقّقوا وقارنوا واكتشفوا التناقضات بأنفسكم فالقصة هي نفسها في الإنجيلين. لاحظوا أن متّى ذكر أن رجلين كان بهما شياطين، بينما ذكر مرقس أن رجلًا واحدًا فقط كان به روح نجس! بحسب مرقس فإن الشياطين كلها كانت في رجل واحد فقط وعندما خرجت دخلت في نحو ألفين من الخنازير التي اندفعت نحو البحر واختنقت وماتت بسبب هذه الشياطين التي دخلتها! وما دام يسوع يمتلك تلك القدرة على قهر الشياطين وطردها فلماذا خضع لطلبها بأن تدخل في الخنازير التي كانت ترعى؟ كان بإمكان يسوع أن يهلك هذه الشياطين أو يبعثها إلى البحر أو على الأقل يسمح لها بالدخول في خنزير واحد فقط لأنها كانت في رجل واحد فقط! ما هو ذنب أصحاب الخنازير حتى يتلف لهم ألفي رأس دفعة واحدة؟! فمن سيتحمّل هذه الخسائر الفادحة! طرد الشياطين من رجل واحد مقابل إتلاف ألفي رأس من الخنازير! معادلة صعبة!!
تأمّل جانبًا من قصة المرأة التي جاءت تطلب شفاء ابنتها، كما يرويها متّى: "ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء. وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني، يا سيد، يا ابن داود! ابنتي مجنونة جدًّا". (إنجيل متّى 15: 21، 22).
وهذا ما يقوله مرقس عن المرأة ذاتها: "ثم قام من هناك ومضى إلى تخوم صور وصيداء، ودخل بيتًا وهو يريد أن لا يعلم أحد، فلم يقدر أن يختفي، لأن امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به، فأتت وخرت عند قدميه. وكانت الامرأة أممية، وفي جنسها فينيقية سورية. فسألته أن يخرج الشيطان من ابنتها". (إنجيل مرقس 7: 24- 26).
لاحظوا أن الإنجيلين يتحدثان عن المرأة نفسها، فمتّى يقول إنها امرأة كنعانية، ومرقس يقول إنها امرأة يونانية من أصل سوري فينيقي! ومن هنا، فمن حق كل نصراني غيور على دينه وحريص على نفسه ومصيره بعد الموت أن يسأل رجال الكنيسة: أي الروايتين صحيحة ما دامت هذه الأناجيل كُتبت بوحي من الروح القدس؟!
مثال آخر للتصادم بين إنجيلي متّى ومرقس..
فتأمّلوا من خلال هذه المقارنة من يخبر يسوع بطلب أمه وإخوته له..
بحسب إنجيل متّى: "وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجًا طالبين أن يكلموه. فقال له واحد: هوذا أمك وإخوتك واقفون خارجا طالبين أن يكلموك". (إنجيل متّى 12: 46، 47).
بحسب رواية مرقس: "فجاءت حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجًا وأرسلوا إليه يدعونه. وكان الجمع جالسًا حوله، فقالوا له: هوذا أمك وإخوتك خارجًا يطلبونك". (إنجيل مرقس 3: 31، 32).
لاحظوا أن متّى يقول إن الذي أخبر المسيح بوجود أمه وإخوته واحد فقط من الحاضرين، أما مرقس فيقول إن الجميع أخبروه! والسؤال يتكرّر: لماذا هذا الاختلاف إذا كانت هذه النصوص بوحي من الروح القدس؟!
تأمّلوا قصة القبض على يسوع وكيف يرويها متّى ويوحنا..
بالنسبة إلى إنجيل متّى: "وفيما هو يتكلم، إذا يهوذا أحد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب. والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلًا: الذي أقبله هو هو. أمسكوه. فللوقت تقدم إلى يسوع وقال: السلام يا سيدي! وقبله. فقال له يسوع: يا صاحب، لماذا جئت؟ حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه". (إنجيل متّى 26: 47 – 50).
أما يوحنا فله رأي آخر في القصة ذاتها: "وكان يهوذا مسلمه يعرف الموضع، لأن يسوع اجتمع هناك كثيرًا مع تلاميذه. فأخذ يهوذا الجند وخدامًا من عند رؤساء الكهنة والفريسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال لهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري. قال لهم: أنا هو. وكان يهوذا مسلمه أيضًا واقفًا معهم. فلما قال لهم: إني أنا هو، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض. فسألهم أيضًا: من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري. أجاب يسوع: قد قلت لكم: إني أنا هو. فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون. ليتم القول الذي قاله: إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدًا. ثم إن سمعان بطرس كان معه سيف، فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه اليمنى. وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك في الغمد! الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟ ثم إن الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه". (إنجيل يوحنا 18: 2 – 12).
لاحظوا الاختلاف الجوهري بين القصتين من لحظة دخول يهوذا مع الجند حتى القبض على يسوع. بالنسبة إلى متّى فإنه لم يستغرق وقتًا طويلًا فبمجرّد تقبيل يهوذا له أمسكوه! أما بحسب يوحنا فلم يكن ليهوذا الخائن دور ولم يقترب من يسوع أو يقبله، بل حدث نوع من الحوار بين الطرفين، وحدثت معجزة أسقطتهم على الأرض وحصل ضرب بالسيف، وبعد ذلك كلّه تم القبض على يسوع! الحدث واحد وهو القبض على يسوع، أما الروايتان فمتناقضتان ولا يمكن التوفيق بينهما بأي حال!
هكذا يتضح لكل ذي عقل وبصيرة أن الأناجيل الأربعة، وهي أصح الكتب وأقدسها عند النصارى، تعجّ بالتناقضات والاختلافات الصريحة الواضحة، التي لا يمكن الجمع بينها، ولا مفرّ من التسليم بكذب بعضهم وتصديق الآخر، أو تكذيبها كلّها، ما يؤكد أن الادعاء بأن هذه الأناجيل كُتبت بإلهام أو وحي من الروح القدس كذبة كبرى الهدف منها تمكين الكنيسة من إحكام قبضتها على عقول البسطاء.
وبذلك فإن العديد من علماء النصارى الذين حرّروا عقولهم وأعتقوا أنفسهم من التعصّب والتقليد الأعمى توصلوا بأنفسهم إلى حقيقة أن الأناجيل التي بين أيديهم اليوم ليست مقدّسة ولا وحيًا ولا كلام الله، وأن القرآن الكريم هو الصورة الوحيدة من كلام الله ربّ العالمين المحفوظ بين أيدي الناس اليوم.
وإذا درست القرآن من أي زاوية، لغوية أو علمية أو تشريعية أو رقمية أو غيرها، فلن تجد فيه أي اختلاف أو تناقض. والقرآن يعلن ذلك صراحة في أكثر من موضع، ومنها هذه الآية..
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء]
ولا يمكن لأي كتاب أن يبقى ثابتًا في تعاليمه ووعظه مدة تزيد على عقدين من الزمان، فما بالك بالقرآن الذي نزل قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنًا ولا يزال ثابتًا على المبدأ نفسه!
يقول عالم الرياضيات الكندي الدكتور جاري ميلر: "كنت من المبشرين للديانة النصرانية، وفي أحد الأيام أردت أن أقرأ القرآن بقصد أن أجد فيه بعض الأخطاء التي تعزز موقفي عند دعوتي للنصرانية، وكنت أتوقَّع أن أجد تمجيّدًا للنبي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- وأهل بيته، ولكنني ذُهلت عندما وجدت أن عيسى -عليه السلام- ذُكر بالاسم 25 مرّة في القرآن، في حين أن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- نفسه الذي نزل عليه القرآن ورد باسمه { مُحمَّد } فيه 4 مرّات فقط، ووجدت أن هناك سورة كاملة في القرآن باسم مريم وفيها تشريف لها لا يوجد مثيل له في كتب النصارى ولا في أناجيلهم، وتكرّر اسمها في القرآن الكريم 34 مرّة، بل إن مريم هي المرأة الوحيدة التي ورد اسمها في القرآن"! وبهذا المنطق البسيط اقتنع هذا الرجل بأن القرآن لا يمكن أن يكون من تأليف مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- بأي حال.
والقرآن يبجّل المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- ويكرّمه رقمًا وحرفًا.. عددًا وكلمة!
يتبع القسم الثاني