الحرب ما هي إلا إمتداد للسياسة بطريقة أخرى. وفي حالة أكتوبر فقد كان اليأس المصري من استجابة إسرائيل لمبادرة روجرز هو ما دفع السادات جدياً للتفكير في حرب "تحريك" وليس "تحرير" لتيقن القيادة المصرية في ذلك الوقت من صعوبة استعادة كامل الأرض بالقدرات المصرية المتوفرة وقتها، لذا كانت فكرة السادات هي معركة قصيرة لتحرير من 12-15 كيلو بعمق سيناء وتحريك المياه الراكدة والتفاوض من منطلق قوة. ومن هنا بدأ التفكير في كيفية التغلب على الصعوبات العديدة اللي تعوق قيام القوات المصرية بشن هجوم صاعق على القوات الاسرائيلية المتواجدة في سيناء ومنها على سبيل المثال:-
1-لم تكن هناك خطة هجومية، فقط خطة دفاعية تسمى الخطة 200 وكانت هناك أيضاً خطة تعرضية تشمل القيام ببعض الغارات على مواقع العدو في سيناء ولكنها لم تكن في المستوى الذي يسمح لنا أن نطلق عليها خطة هجومية وكانت تسمى "جرانيت". ثم أتى الفريق سعد الدين الشاذلي وطور خطة بأسم "المآذن العالية" وهدفها هو عبور القناة وتحطيم خط بارليف وإنشاء منطقة رؤوس كباري على عمق 12 كيلو شرق القناة.
2-تعنت الجانب السوفيتي في إمداد مصر بالأسلحة المطلوبة للقيام بعملية هجومية واسعة تشمل ٌإقامة رؤوس كباري ومواصلة التقدم السريع لوحدات المدرعات والمشاة الميكانيكية للوصول إلى منطقة المضايق الحاكمة مما أدى بالقيادة لقصر العملية الهجومية في إقامة رؤوس الكباري وإقامة خط دفاعي بعمق 12-15 كيلو فقط.
مزايا خطة المآذن العالية:-
1-كانت الخطة تفرض على إسرائيل أن تخوض حرباً بأسلوب ليس من اختيارها بل من اختيارنا فأذا قام العدو بشن هجمات مضادة على مواقعنا شرق القناة يتم التصدي له برياً وجوياً عن طريق غابة من الصواريخ المضادة للمدرعات والطائرات.
2-بقاء قوات بذلك الحجم سيشكل مصدر قلق وتوتر دائم للعدو لإن العدو كان معتاداً على الهجوم الخاطف blitz krieg التي تعتمد على سرعة المناورة بالدبابات والطائرات.
3-إطالة مدة التعبئة هو سم ينخر في الجسد الاسرائيلي، لإن الجندي الاسرائيلي هو العامل والمدرس والطالب والاستاذ وبالتالي خسائر اقتصادية ضخمة.
4-كانت مصر شعباً وجيشاً وقيادةً في حاجة إلى نصر يرفع معنوياتها ويثبت للأعداء والأصدقاء قدرتنا على الأداء فيخشانا الأعداء ويثق بنا الأصدقاء. وليس سراً إن العديد كثيراً من الزعماء العرب كانوا غير واثقين من رغبتنا في القتال وكذلك الاتحاد السوفيتي.
بعد تعيين المشير أحمد إسماعيل وزيراً للحربية في أكتوبر 1972، عرض عليه الفريق الشاذلي خطة المآذن العالية التي وافق عليها المشير في البداية ثم طلب تعديلها كي تصل قواتنا إلى خط المضايق وسميت الخطة الجديدة "بدر" رغم اعتراضات الشاذلي عليها نظراً لإن أمكانات القوات المسلحة لم تتغير.
في 7 يونيو 1973 أجتمع القادة المصريون والسوريون لتحديد أهداف الخطة على الجانبين، كان الهدف هو وصول القوات السورية إلى خط نهر الأردن - الشاطيء الشرقي لحيرة طبرية ووصول القوات المصرية إلى خط المضايق الاستراتيجية شرق القناة ب خمس فرق مشاة هم الفرقتين 19 و7 التابعتين للجيش الثالث الميداني، والفرق 16 و2 و 18 التابعين للجيش الثاني كنسق أول والفرقتين 4 و21 المدرعتين والألوية المشاة الميكانيكية المعاونة كنسق ثاني.
في أول أكتوبر 1973 أرسل الرئيس السادات توجيهاً استراتيجياً إلى الفريق أول أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة ذكر فيه إن الهدف الاستراتيجي هو تحدي نظرية الأمن الاسرائيلية وذلك عن طريق عمل عسكري حسب أمكانات القوات المسلحة يكون هدفه إلحاق أكبر ضرر ممكن للعدو وإقناعه إن مواصلة احتلاله للأراضي المصرية يفرض عليه ثمناً لا يستطيع دفعه.
لقد بنيت الإستراتيجية المصرية لحرب أكتوبر على أساس مصري خالص غير مستورد من الشرق أو من الغرب» وكان الاعتماد في ذلك يقوم على متابعة واستخدام التقدم العلمي والتكنولوجي في المجال العسكري» وعلى الدروس المستفادة والستمدة من التجارب المريرة التي شهدتها القوات المسلحة خلال حربي 1956 و1967 وكانت
الإستراتيجية المصرية ترتكز على الأسس التالية :
أولا تقويض نظرية الأمن الإسرائيلي: لكي تقوم مصر بتحدي نظرية الأمن الإسرائيلية من الناحية الواقعية، من الضروري أن تحصل على ميزة المبادأة التي كانت تعني تحديا عمليا لأسلوب الردع المعنوي؛ كما كان أمرا جوهريا القيام بهجوم شامل على طول مواجهة القناة وليس على مجرد قطاعات معينة منها حتى يمكن تقويض أسلوب الردع المادي. وكان التخطيط لاقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف بحصونه المنيعة يعني فشل الاعتماد على موانع طبيعية.
ثانيا: إرغام الجيش الاسرائيلي على القتال على جبهتين يفصل بينها 500 كيلومتر في وقت واحد لتشتيت جهوده ولمنع اسرائيل من ممارسة خطتها التقليدية بتثبيت إحدى الجبهات وتركيز المجهود الرئيسي على الجبهة الأخرى.
ثالثا: إغلاق مضيق باب المندب وقطع ذلك الشريان الحيوي لإسرائيل وإثبات إن شرم الشيخ ليست مفتاحاً لإيلات فقد نزل المفتاح إلى أقصى الجنوب.
رابعاً: إبطال وتحييد عناصر القوة في الجيش الاسرائيلي ومنهم حرمان العدو من مزايا توجيه الضربة الأولى، شل فاعلية القوات الجوية الاسرائيلية المتفوقة عن طريق شبكة الدفاع الجوي، شل فاعلية القوات المدرعة عن طريق تزويد المشاة بأكبر عدد من الأسلحة والصواريخ المضادة للدبابات، عرقلة وصول القوات الاسرائيلية الاحتياطية من العمق عن طريق أبرار مجموعات من الصاعقة المصرية في عمق سيناء.
كانت التجهيزات الاسرائيلية عالية الكفاءة، فقد قاموا بتعلية الساتر الترابي حتى وصل إلى 25 متراً بزاوية ميل حادة وأنشأوا مصاطب دبابات على أبعاد 100-400 متر فيما بينها، أقاموا 22 نقطة حصينة في باطن الساتر الترابي بإجمالي 35 نقطة دفاعية وتتكون كل نقطة من عدة طوابق وكل طابق يتكون من عدة دشم من الاسمنت المسلح المقوى بقضبان السكك الحديدية وألواح الصلب ويوجد في كل نقطة من 3 إلى 6 ملاجيء حصينة للإفراد ومخازن ذخيرة ووقود ودشم ومرابض هاونات وصورايخ أرض أرض وكل ملجأ له أكثر من مدخل وتتوافر بها كل سبل الراحة وأحيطت كل نقطة حصينة من جميع الجهات بسلكين شائكين بينها حقول ألغام مضادة للدبابات والأفراد. وأنشأت القوات الإسرائيلية بين خط الدفاع الأول (بارليف) وخط المضايق خطين دفاعيين، يبعد الخط التاني 500 متر عن الخط الأول ومجهز لإحتلاله بالعناصر المدرعة المتمركزة بالخلف والخط الثالث على مسافة 5 كيلو من خط بارليف وتم تجهيز عدد من مرابض المدفعية المتوسطة والبعيدة بلغ عددها 240 موقع مجهز.
بداية الشرارة
قبل بداية الحرب ببضع ساعات، قامت عناصر من المجموعة 39 قتال والكوماندوز البحريين بقطع وسد خراطيم النابالم الاسرائيلية التي كانت من المفترض أن تقوم بتحويل مياة القناة إلى شعلة من النار
في الساعة الثانية تماماً، قامت 200 طائرة مصرية من مقاتلات ومقاتلات قاذفة ميج 21، سوخوي 7 وميج 17 بعبور قناة السويس على ارتفاع منخفض انطلاقاً من 20 قاعدة جوية لتنفيذ الضربة المركزة الأولى في عمق سيناء والتي شملت مركز قيادة العدو في أم مرجم، ومركز الاعاقة والشوشرة في أم خشيب ومطاري المليز وبير تمادا ومناطق تمركز احتياطات العدو ومواقع بطاريات هوك المضادة للطائرات ومحطات الرادار ومدفعيات العدو بعيدة المدى 175 مم وبعض مناطق الشئون الادارية وحصن بودابست ونجحت الضربة الجوية نجاحاً باهراً وكانت الخسائر 5 طائرات فقط.
في الساعة الثانية وخمس دقائق بدأت 2000 قطعة مدفعية وهاون التمهيد النيراني الذي يعد واحداً من أكبر عمليات التمهيد النيراني في التاريخ وقام بالتخطيط له اللواء محمد سعيد الماحي قائد المدفعية وتكون من 4 قصفات وشاركت فيه 135 كتيبة مدفعية وعدة مئات من مدفعية الضرب المباشر واستغرق التمهيد النيراني 53 دقيقة صبت فيه المدفعية 3000 طن ذخيرة بمعدل 175 دانة في الثانية.
مع بدء التمهيد النيراني كانت مجموعات اقتناص الدبابات تقوم بالعبور بواسطة قوارب مطاطية لتدمير دبابات العدو ومنعها من اعتراض القوات الرئيسية.
حتى الساعة الرابعة والنصف مساء، تم عبور 8 موجات من المشاة وأصبح لدينا 5 رؤوس كباري قاعدة كل منها 6 كيلومتر وعمق كل منها 2 كيلومتر. وكان حصن "لاهتزانيت" المقام جنوب بورسعيد هو أول حصن يسقط في الثالثة والنصف وتوالى سقوط الحصون بعد ذلك.
بحرياً:
كان الحصار البحري الذي قام به اللواء بحري فؤاد أبو ذكري في مضيق باب المندب أثره الهام في قطع خطوط الإمداد البحرية عن اسرائيل، حيث أشيع إن بعض القطع البحرية المصرية في طريقها إلى باكستان لإجراء عمرة وخرجت القطع في 1 أكتوبر 73 مع صمت لاسلكي كامل حتى أرسال الكلمة الكودية المتفق عليها يوم 6 أكتوبر لتظهر المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ لتباشر حق التفتيش واعتراض السفن التجارية التي ترفع العلم الاسرائيلي وكذا السفن الأخرى من مختلف الجنسيات المتجهة إلى اسرائيل ولم يكن في مقدرة القوات الجوية أو البحرية الاسرائيلية فك هذا الحصار الذي يبعد 2500 كيلومتر. كما قامت القوات البحرية بعملياتها في البحر المتوسط وبثت الألغام البحرية لتقطع 80% من خطوط مواصلات اسرائيل البحرية.
سلاح المهندسين:
كان سلاح المهندسين يحمل مسؤولية ضخمة. فقد كان عليهم إيجاد طريقة لتدمير الساتر الترابي أو فتح الثغرات به، كان لديان تصريح ِشهير إن مصر تحتاج سلاح المهندسين السوفيتي والأمريكي كي تعبر القناة، وقال كبير الخبراء السوفيت قبل رحيلهم عن مصر في 1972 إن مصر تحتاج لقنبلة ذرية! ولكن العقل المصري وما يتميز به من إبداع وابتكار أمكن له القيام بكل التحضيرات والتغلب على جميع المصاعب. حاول المهندسون استخدام شتى الوسائل والأساليب منها النسف المفرقعات، استخدام البلدوزرات، القصف بالطيران، والرمي بالمدفعية والصواريخ. إلا أن كل تلك الوسائل باءت بالفشل حتى اقترح مدير السلاح اللواء باقي زكي يوسف استخدام مضخات المياه لفتح الثغرات فتم شراء 300 مضخة انجليزية عامي 1971 و 1972 و150 مضخمة ألمانية وبتخصيص 3 مضخات انجليزية ومضختين المانيتين لكل ثغرة ثبت إنه من الممكن إزاحة 1500 متر مكعب من الرمال في ساعتين وبقوة 10-15 فرد فقط.
وبحلول الساعة الثامنة من صباح الأحد 7 أكتوبر، كانت المعابر المختلفة التي أقامها المهندسون العسكريون قد عبر عليها 100 ألف ضابط وجندى، 800 دبابة وما يزيد عن 13 ألف مركبة من مختلف الأنواع خلال 18 ساعة فقط وهو رقم قياسي لم تحققه أي عملية عبور في تاريخ البشرية.
1-لم تكن هناك خطة هجومية، فقط خطة دفاعية تسمى الخطة 200 وكانت هناك أيضاً خطة تعرضية تشمل القيام ببعض الغارات على مواقع العدو في سيناء ولكنها لم تكن في المستوى الذي يسمح لنا أن نطلق عليها خطة هجومية وكانت تسمى "جرانيت". ثم أتى الفريق سعد الدين الشاذلي وطور خطة بأسم "المآذن العالية" وهدفها هو عبور القناة وتحطيم خط بارليف وإنشاء منطقة رؤوس كباري على عمق 12 كيلو شرق القناة.
2-تعنت الجانب السوفيتي في إمداد مصر بالأسلحة المطلوبة للقيام بعملية هجومية واسعة تشمل ٌإقامة رؤوس كباري ومواصلة التقدم السريع لوحدات المدرعات والمشاة الميكانيكية للوصول إلى منطقة المضايق الحاكمة مما أدى بالقيادة لقصر العملية الهجومية في إقامة رؤوس الكباري وإقامة خط دفاعي بعمق 12-15 كيلو فقط.
مزايا خطة المآذن العالية:-
1-كانت الخطة تفرض على إسرائيل أن تخوض حرباً بأسلوب ليس من اختيارها بل من اختيارنا فأذا قام العدو بشن هجمات مضادة على مواقعنا شرق القناة يتم التصدي له برياً وجوياً عن طريق غابة من الصواريخ المضادة للمدرعات والطائرات.
2-بقاء قوات بذلك الحجم سيشكل مصدر قلق وتوتر دائم للعدو لإن العدو كان معتاداً على الهجوم الخاطف blitz krieg التي تعتمد على سرعة المناورة بالدبابات والطائرات.
3-إطالة مدة التعبئة هو سم ينخر في الجسد الاسرائيلي، لإن الجندي الاسرائيلي هو العامل والمدرس والطالب والاستاذ وبالتالي خسائر اقتصادية ضخمة.
4-كانت مصر شعباً وجيشاً وقيادةً في حاجة إلى نصر يرفع معنوياتها ويثبت للأعداء والأصدقاء قدرتنا على الأداء فيخشانا الأعداء ويثق بنا الأصدقاء. وليس سراً إن العديد كثيراً من الزعماء العرب كانوا غير واثقين من رغبتنا في القتال وكذلك الاتحاد السوفيتي.
بعد تعيين المشير أحمد إسماعيل وزيراً للحربية في أكتوبر 1972، عرض عليه الفريق الشاذلي خطة المآذن العالية التي وافق عليها المشير في البداية ثم طلب تعديلها كي تصل قواتنا إلى خط المضايق وسميت الخطة الجديدة "بدر" رغم اعتراضات الشاذلي عليها نظراً لإن أمكانات القوات المسلحة لم تتغير.
في 7 يونيو 1973 أجتمع القادة المصريون والسوريون لتحديد أهداف الخطة على الجانبين، كان الهدف هو وصول القوات السورية إلى خط نهر الأردن - الشاطيء الشرقي لحيرة طبرية ووصول القوات المصرية إلى خط المضايق الاستراتيجية شرق القناة ب خمس فرق مشاة هم الفرقتين 19 و7 التابعتين للجيش الثالث الميداني، والفرق 16 و2 و 18 التابعين للجيش الثاني كنسق أول والفرقتين 4 و21 المدرعتين والألوية المشاة الميكانيكية المعاونة كنسق ثاني.
في أول أكتوبر 1973 أرسل الرئيس السادات توجيهاً استراتيجياً إلى الفريق أول أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة ذكر فيه إن الهدف الاستراتيجي هو تحدي نظرية الأمن الاسرائيلية وذلك عن طريق عمل عسكري حسب أمكانات القوات المسلحة يكون هدفه إلحاق أكبر ضرر ممكن للعدو وإقناعه إن مواصلة احتلاله للأراضي المصرية يفرض عليه ثمناً لا يستطيع دفعه.
لقد بنيت الإستراتيجية المصرية لحرب أكتوبر على أساس مصري خالص غير مستورد من الشرق أو من الغرب» وكان الاعتماد في ذلك يقوم على متابعة واستخدام التقدم العلمي والتكنولوجي في المجال العسكري» وعلى الدروس المستفادة والستمدة من التجارب المريرة التي شهدتها القوات المسلحة خلال حربي 1956 و1967 وكانت
الإستراتيجية المصرية ترتكز على الأسس التالية :
أولا تقويض نظرية الأمن الإسرائيلي: لكي تقوم مصر بتحدي نظرية الأمن الإسرائيلية من الناحية الواقعية، من الضروري أن تحصل على ميزة المبادأة التي كانت تعني تحديا عمليا لأسلوب الردع المعنوي؛ كما كان أمرا جوهريا القيام بهجوم شامل على طول مواجهة القناة وليس على مجرد قطاعات معينة منها حتى يمكن تقويض أسلوب الردع المادي. وكان التخطيط لاقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف بحصونه المنيعة يعني فشل الاعتماد على موانع طبيعية.
ثانيا: إرغام الجيش الاسرائيلي على القتال على جبهتين يفصل بينها 500 كيلومتر في وقت واحد لتشتيت جهوده ولمنع اسرائيل من ممارسة خطتها التقليدية بتثبيت إحدى الجبهات وتركيز المجهود الرئيسي على الجبهة الأخرى.
ثالثا: إغلاق مضيق باب المندب وقطع ذلك الشريان الحيوي لإسرائيل وإثبات إن شرم الشيخ ليست مفتاحاً لإيلات فقد نزل المفتاح إلى أقصى الجنوب.
رابعاً: إبطال وتحييد عناصر القوة في الجيش الاسرائيلي ومنهم حرمان العدو من مزايا توجيه الضربة الأولى، شل فاعلية القوات الجوية الاسرائيلية المتفوقة عن طريق شبكة الدفاع الجوي، شل فاعلية القوات المدرعة عن طريق تزويد المشاة بأكبر عدد من الأسلحة والصواريخ المضادة للدبابات، عرقلة وصول القوات الاسرائيلية الاحتياطية من العمق عن طريق أبرار مجموعات من الصاعقة المصرية في عمق سيناء.
كانت التجهيزات الاسرائيلية عالية الكفاءة، فقد قاموا بتعلية الساتر الترابي حتى وصل إلى 25 متراً بزاوية ميل حادة وأنشأوا مصاطب دبابات على أبعاد 100-400 متر فيما بينها، أقاموا 22 نقطة حصينة في باطن الساتر الترابي بإجمالي 35 نقطة دفاعية وتتكون كل نقطة من عدة طوابق وكل طابق يتكون من عدة دشم من الاسمنت المسلح المقوى بقضبان السكك الحديدية وألواح الصلب ويوجد في كل نقطة من 3 إلى 6 ملاجيء حصينة للإفراد ومخازن ذخيرة ووقود ودشم ومرابض هاونات وصورايخ أرض أرض وكل ملجأ له أكثر من مدخل وتتوافر بها كل سبل الراحة وأحيطت كل نقطة حصينة من جميع الجهات بسلكين شائكين بينها حقول ألغام مضادة للدبابات والأفراد. وأنشأت القوات الإسرائيلية بين خط الدفاع الأول (بارليف) وخط المضايق خطين دفاعيين، يبعد الخط التاني 500 متر عن الخط الأول ومجهز لإحتلاله بالعناصر المدرعة المتمركزة بالخلف والخط الثالث على مسافة 5 كيلو من خط بارليف وتم تجهيز عدد من مرابض المدفعية المتوسطة والبعيدة بلغ عددها 240 موقع مجهز.
بداية الشرارة
قبل بداية الحرب ببضع ساعات، قامت عناصر من المجموعة 39 قتال والكوماندوز البحريين بقطع وسد خراطيم النابالم الاسرائيلية التي كانت من المفترض أن تقوم بتحويل مياة القناة إلى شعلة من النار
في الساعة الثانية تماماً، قامت 200 طائرة مصرية من مقاتلات ومقاتلات قاذفة ميج 21، سوخوي 7 وميج 17 بعبور قناة السويس على ارتفاع منخفض انطلاقاً من 20 قاعدة جوية لتنفيذ الضربة المركزة الأولى في عمق سيناء والتي شملت مركز قيادة العدو في أم مرجم، ومركز الاعاقة والشوشرة في أم خشيب ومطاري المليز وبير تمادا ومناطق تمركز احتياطات العدو ومواقع بطاريات هوك المضادة للطائرات ومحطات الرادار ومدفعيات العدو بعيدة المدى 175 مم وبعض مناطق الشئون الادارية وحصن بودابست ونجحت الضربة الجوية نجاحاً باهراً وكانت الخسائر 5 طائرات فقط.
في الساعة الثانية وخمس دقائق بدأت 2000 قطعة مدفعية وهاون التمهيد النيراني الذي يعد واحداً من أكبر عمليات التمهيد النيراني في التاريخ وقام بالتخطيط له اللواء محمد سعيد الماحي قائد المدفعية وتكون من 4 قصفات وشاركت فيه 135 كتيبة مدفعية وعدة مئات من مدفعية الضرب المباشر واستغرق التمهيد النيراني 53 دقيقة صبت فيه المدفعية 3000 طن ذخيرة بمعدل 175 دانة في الثانية.
مع بدء التمهيد النيراني كانت مجموعات اقتناص الدبابات تقوم بالعبور بواسطة قوارب مطاطية لتدمير دبابات العدو ومنعها من اعتراض القوات الرئيسية.
حتى الساعة الرابعة والنصف مساء، تم عبور 8 موجات من المشاة وأصبح لدينا 5 رؤوس كباري قاعدة كل منها 6 كيلومتر وعمق كل منها 2 كيلومتر. وكان حصن "لاهتزانيت" المقام جنوب بورسعيد هو أول حصن يسقط في الثالثة والنصف وتوالى سقوط الحصون بعد ذلك.
بحرياً:
كان الحصار البحري الذي قام به اللواء بحري فؤاد أبو ذكري في مضيق باب المندب أثره الهام في قطع خطوط الإمداد البحرية عن اسرائيل، حيث أشيع إن بعض القطع البحرية المصرية في طريقها إلى باكستان لإجراء عمرة وخرجت القطع في 1 أكتوبر 73 مع صمت لاسلكي كامل حتى أرسال الكلمة الكودية المتفق عليها يوم 6 أكتوبر لتظهر المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ لتباشر حق التفتيش واعتراض السفن التجارية التي ترفع العلم الاسرائيلي وكذا السفن الأخرى من مختلف الجنسيات المتجهة إلى اسرائيل ولم يكن في مقدرة القوات الجوية أو البحرية الاسرائيلية فك هذا الحصار الذي يبعد 2500 كيلومتر. كما قامت القوات البحرية بعملياتها في البحر المتوسط وبثت الألغام البحرية لتقطع 80% من خطوط مواصلات اسرائيل البحرية.
سلاح المهندسين:
كان سلاح المهندسين يحمل مسؤولية ضخمة. فقد كان عليهم إيجاد طريقة لتدمير الساتر الترابي أو فتح الثغرات به، كان لديان تصريح ِشهير إن مصر تحتاج سلاح المهندسين السوفيتي والأمريكي كي تعبر القناة، وقال كبير الخبراء السوفيت قبل رحيلهم عن مصر في 1972 إن مصر تحتاج لقنبلة ذرية! ولكن العقل المصري وما يتميز به من إبداع وابتكار أمكن له القيام بكل التحضيرات والتغلب على جميع المصاعب. حاول المهندسون استخدام شتى الوسائل والأساليب منها النسف المفرقعات، استخدام البلدوزرات، القصف بالطيران، والرمي بالمدفعية والصواريخ. إلا أن كل تلك الوسائل باءت بالفشل حتى اقترح مدير السلاح اللواء باقي زكي يوسف استخدام مضخات المياه لفتح الثغرات فتم شراء 300 مضخة انجليزية عامي 1971 و 1972 و150 مضخمة ألمانية وبتخصيص 3 مضخات انجليزية ومضختين المانيتين لكل ثغرة ثبت إنه من الممكن إزاحة 1500 متر مكعب من الرمال في ساعتين وبقوة 10-15 فرد فقط.
وبحلول الساعة الثامنة من صباح الأحد 7 أكتوبر، كانت المعابر المختلفة التي أقامها المهندسون العسكريون قد عبر عليها 100 ألف ضابط وجندى، 800 دبابة وما يزيد عن 13 ألف مركبة من مختلف الأنواع خلال 18 ساعة فقط وهو رقم قياسي لم تحققه أي عملية عبور في تاريخ البشرية.