{ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ }
إعداد: الدكتور أحمد مُحمَّد زين المنّاوي
القسم الأول
إعداد: الدكتور أحمد مُحمَّد زين المنّاوي
القسم الأول
الرسل.. حازوا الشرف.. كل الشرف..
إخوة يجمعهم أشرف الأنساب.. حملوا أشرف الرسالات..
تعاقبوا خلف بعضهم ليواصلوا الرسالة.. رسالة واحدة.. لا إله إلا الله..
بين كل رسولين فترة من الزمان.. يستمر فيها المؤمنون برسالتهم من بعدهم..
حتى إذا ضلوا هداهم الله برسالة جديدة على يد رسول جديد..
النسيج الرقمي القرآني ينطق بالفترة بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلم-..
إن القول الراجح في تقدير المؤرّخين الدينيين لميلاد المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- أنه متقدّم على السنة الأولى ببضع سنوات، وأنه على أصح التقديرات لم يولد في السنة الأولى للميلاد. ففي إنجيل متى أنه -عليه السلام- قد ولد قبل موت هيرود الكبير، وقد مات هيرود قبل السنة الأولى للميلاد بأربع سنوات! ويقول الدكتور "بيك" في مناقشة "جون ستيوارت" لمدوّنة "من معبد انجورا": وعبارة وردت في مصنف صيني قديم، يتحدث عن رواية وصول الإنجيل للصين سنة 25 – 28 ميلادية، حيث حدد ميلاد المسيح في عام 8 قبل الميلاد، في شهر سبتمبر أو أكتوبر، وحدّد وقت (الصلب) في يوم الأربعاء عام 24 ميلادية".
والقول الراجح في شأن المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- إنه أوحي إليه وكُلّف التبليغ في عمر 30 عامًا، واستمرت دعوته 3 أعوام ورُفع بعدها إلى السماء وعمره 33 عامًا، وسوف ينزل في آخر الزمان ليحكم بشريعة الإسلام 7 أعوام، ويموت بعدها الموتة التي كتبها اللَّه على كل بني البشر. ويهمّنا من هذا السرد أن عيسى -عليه السلام- رُفع إلى السماء في سن 33 عامًا، وأن ذلك يصادف سنة 24 ميلادية.
وقد وُلد نبينا مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- في عام الفيل، الموافق سنة 571 ميلادية، وقد أوحي إليه في عمر 40 عامًا، وبذلك يوافق أوّل نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلّم- سنة 611 ميلادية. والآن تأمّل هذه الآية من سورة المائدة:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}
الفترة في هذه الآية بمعنى الفتور وانقطاع الوحي والرسل.
والفَتْرَةُ في المعاجم اللُّغوية هي المدة الزمنية بين كل نَبِيَّيْنِ.
وفي الصحاح: ما بين كل رسولين من رسل اللَّه عزّ وجلّ، من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة.
تهيأ واستعد!
فأنت على وشك أن ترى مشاهد تاريخية في غاية الأهميّة!
رفع اللَّه عيسى إلى السماء في عام 24 ميلادية، وبذلك انقطع الوحي عن الأرض، وبعد مئات السنين عاود الوحي مرّة أخرى ونزل على النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- في غار حراء، وكان ذلك في عام 611 ميلادية. ومن خلال حسبة بسيطة يمكنك أن تتحقَّق بنفسك من أن فترة انقطاع الوحي وفتوره بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- هي (611 – 24) أي إنها 587 سنة. احتفظ بهذا العدد وتذكّره جيّدًا!!
احسب وتعجَّب! إليك الآية مرّة أخرى..
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}
ترتيب كلمة { فَتْرَة } من بداية سورة المائدة هي الكلمة رقم 587 على وجه الدقة لا تتقدّم ولا تتأخر كلمة واحدة!
فترة انقطاع الوحي بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- هي 587 سنة.
والعجيب أن كلمة { فَتْرَة } لم ترد في القرآن كلّه، من أوله إلى آخره، إلا مرّة واحدة فقط وتحديدًا في هذه الآية!
{ قَوْمٌ خَصِمُون }!
الكفر ملَّة واحدة وإن اختلف زمانهم ومكانهم!
فهم في كل زمان وفي كل مكان متشابهون في نهجهم!
كلما عرضت عليهم دليلًا حاسمًا لم يفكروا فيه؛ بل فكروا في كيفية دحضه وتكذيبه!
هم لا يبحثون عن الحق بقدر ما يبحثون عن الحجج الواهية التي يبررون بها باطلهم!
لذلك قال الحق سبحانه وتعالى عنهم في سورة الزخرف: { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }.
نعم.. إنهم قوم خصمون ومبالغون في الخصومة والجدل الباطل!
ولذلك سوف يذهبون إلى سورة المائدة ليتحقَّقوا بأنفسهم!
سوف يجدون أن كلمة { فَتْرَةٍ } ترتيبها بالفعل رقم 587 من بداية السورة!
وسوف يتحقَّقون عن تاريخ مولد عيسى -عليه السلام- ويجدون أن هناك روايات عدّة أصحّها أنه ولد عام 8 قبل الميلاد. وسوف يتحقَّقون عن تاريخ مولد نبينا مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- ويجدون أن هناك ثلاث أو أربع روايات أصحها أنه ولد عام 571 ميلادية. ماذا سيفعلون؟! سوف يحاولون الاحتماء بأضعف الروايات للهروب! ولكن هيهات هيهات! فأيًّا كانت الرواية التي يعتمدونها في مولد عيسى -عليه السلام-، وأيًّا كانت الرواية التي تروق لهم بشأن مولد مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-، وأيًّا كانت المدَّة الزمنية لفتور الوحي وانقطاعه بينهما بحسب رأيهم، وأيًّا كان الرسم الذي يتبنّونه في عدّ الكلمات.. عثماني أو إملائي، فإن فترة انقطاع الوحي بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- لا تقل بأي حال عن 578 سنة ولا تزيد على 595 سنة! وأنَّ أوّل كلمة في الآية رقم 19 من سورة المائدة ترتيبها رقم 578 من بداية السورة وآخر كلمة في الآية ترتيبها رقم 606، وبذلك فإن الآية تحتضن جميع الاحتمالات والروايات الواردة بشأن المدّة الزمنية لفتور الوحي وانقطاعه بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-، فتأمّل:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} [المائدة]
فليختاروا ما شاؤوا وما يروق لهم من روايات..
فإن الحق هو الحق لن يتغيّر.. والقرآن هو القرآن ولن يتبدّل..
مزيد من التأكيد..
تأمّل الآية من جديد..
تأمّل الكلمات الثلاث في الآية { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ }..
هذه الكلمات تتألّف من 11 حرفًا.. وترتيبها على التوالي من بداية الآية رقم 10 ، 11 ، 12
مجموع تراتيب هذه الكلمات الثلاث من بداية الآية = 33
33 هو عمر المسيح -عليه السلام- عندما رفعه الله إليه!
11 هو تكرار لقب { الْمَسِيْح } -عليه السلام- في القرآن الكريم!
هذه الآية جاءت في سورة المائدة السورة رقم 5 في ترتيب المصحف..
الآن تأمّل هذه الآيات الخمس من سورة البقرة..
{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}
{ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}
حروف { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } تكرّرت في كل آية من الآيات الخمس 33 مرّة.
مجموع النقاط على حروف هذه الآيات الخمس 99 نقطة، وهذا العدد = 33 × 3
ولكن كم تتوقّع أن يكون مجموع أرقام هذه الآيات الخمس؟
مجموع أرقام هذه الآيات الخمس = 587
تأكّد من هذه الحقيقة بنفسك الآن!
587 هو فترة انقطاع وفتور الوحي بين عيسى -عليه السلام- ومحمد -صلى الله عليه وسلم-!
ما رأيك في هذه الحقيقة الرقمية الدامغة؟
هل يستطيع أي معاند أو مكابر أن ينكرها وهذه الآيات الخمس أمامنا الآن؟!
مزيد من التأكيد..
انتقل إلى سورة مريم وتأمّل هذه الآيات الثلاث..
{ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)}
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)}
{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)}
حروف { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } تكرّرت في كل آية من الآيات الثلاث 33 مرّة.
العجيب حقًّا أن مجموع كلمات الآيات الثلاث يساوي 33 كلمة.
والأعجب منه أن مجموع حروف هذه الآيات الثلاث نفسها 137 حرفًا..
137 عدد أوّليّ ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 33
وهذه الحقائق الرقمية الدامغة ما رأيك فيها؟
مزيد من التأكيد..
تأمّل آية سورة المائدة من جديد..
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} [المائدة]
تكرّرت حروف { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } في الآية 79 مرّة!
تأمّل هذا العدد جيِّدًا وانتقل إلى الآية رقم 114 من سورة المائدة نفسها..
{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} [المائدة]
تدبّر معنى هذه الآية جيِّدًا وماذا يقول عيسى -عليه السلام- فيها!
الآية رقمها 114 بعدد سور القرآن..
تكرّرت أحرف { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } تكرّرت في الآية 79 مرّة!
79 عدد أوّليّ ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 22
22 هو عدد كلمات هذه الآية نفسها.
أرأيت هذا الإحكام في ترتيب حروف القرآن وكلماته وآياته؟!
تأمّل الكمّ الهائل من المتغيّرات التي يحشدها النسيج الرقمي القرآني للمشهد الواحد!
هل يستطيع ذلك بشر؟!
محظور!
لقد تحدَّدت من بداية سورة المائدة فترة انقطاع الوحي بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-، وقياسًا على ذلك فقد يتوهم بعضهم أنه يمكن من نهاية السورة أن يتحدد عمر أمة الإسلام أو موعد نزول عيسى -عليه السلام-! ولكن الأمور لا تُقاس هكذا وعلى هذا المنوال! إن كل ما تتوقعه من النظام الرقمي القرآني يكون الواقع بخلاف ما توقعت! والأهم من ذلك أن الأمور الغيبية لا يعلمها إلا اللَّه وحده جلّ وعلا، حيث طوى علم الغيب عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، فضلًا عن غيرهم من العالمين. وأما ما أخبر اللَّه به الرسل والأنبياء عن أمور الغيب فهو بإخبار اللَّه لهم، وليس من عند أنفسهم. فالرسل لا يعلمون الغيب، ولا الملائكة المقربون إلا إذا أطلعهم اللَّه تعالى على شيء من ذلك. وكل من ادّعى معرفة الغيب أو استنباط شيء منه من خلال الأرقام أو غيرها فقد كذَّب القرآن العظيم!
فضلًا عن ذلك كلّه، فإن قياس البعد الزمني من كلمة { فَتْرَةٍ } حتى نهاية سورة المائدة ينتج منه عدد أوّليّ! وكما أن الغيب لا يعلمه إلا اللَّه وحده، فإن سر هذه الأعداد الأوّليّة أيضًا لا يعلمه أحد غيره سبحانه وتعالى! وفي ذلك رسالة بليغة إلى كل من يتوهَّم أن بإمكانه استنباط الأمور الغيبية من خلال القرآن العظيم!
تأمّل وتعجَّب!
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} [المائدة]
بعد كلمة { فَتْرَة } حتى نهاية سورة المائدة ورد اسم اللَّه 114 مرّة بعدد سور القرآن!
كلمة { جَاءَنَا } في الآية هي الكلمة رقم 593 من بداية السورة، وهذا العدد = 114 × 5 + 23
114 عدد سور القرآن!
5 عدد أركان الإسلام!
23 عدد أعوام الوحي!
هناك آية في سورة المائدة نفسها تشبه إلى حد كبير هذه الآية، فتأمّل:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15)}
هذه الآية ترتيبها من بداية المصحف رقم 684، وهذا العدد = 114 × 6
يتبع القسم الثاني والأخير
إخوة يجمعهم أشرف الأنساب.. حملوا أشرف الرسالات..
تعاقبوا خلف بعضهم ليواصلوا الرسالة.. رسالة واحدة.. لا إله إلا الله..
بين كل رسولين فترة من الزمان.. يستمر فيها المؤمنون برسالتهم من بعدهم..
حتى إذا ضلوا هداهم الله برسالة جديدة على يد رسول جديد..
النسيج الرقمي القرآني ينطق بالفترة بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلم-..
إن القول الراجح في تقدير المؤرّخين الدينيين لميلاد المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- أنه متقدّم على السنة الأولى ببضع سنوات، وأنه على أصح التقديرات لم يولد في السنة الأولى للميلاد. ففي إنجيل متى أنه -عليه السلام- قد ولد قبل موت هيرود الكبير، وقد مات هيرود قبل السنة الأولى للميلاد بأربع سنوات! ويقول الدكتور "بيك" في مناقشة "جون ستيوارت" لمدوّنة "من معبد انجورا": وعبارة وردت في مصنف صيني قديم، يتحدث عن رواية وصول الإنجيل للصين سنة 25 – 28 ميلادية، حيث حدد ميلاد المسيح في عام 8 قبل الميلاد، في شهر سبتمبر أو أكتوبر، وحدّد وقت (الصلب) في يوم الأربعاء عام 24 ميلادية".
والقول الراجح في شأن المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- إنه أوحي إليه وكُلّف التبليغ في عمر 30 عامًا، واستمرت دعوته 3 أعوام ورُفع بعدها إلى السماء وعمره 33 عامًا، وسوف ينزل في آخر الزمان ليحكم بشريعة الإسلام 7 أعوام، ويموت بعدها الموتة التي كتبها اللَّه على كل بني البشر. ويهمّنا من هذا السرد أن عيسى -عليه السلام- رُفع إلى السماء في سن 33 عامًا، وأن ذلك يصادف سنة 24 ميلادية.
وقد وُلد نبينا مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- في عام الفيل، الموافق سنة 571 ميلادية، وقد أوحي إليه في عمر 40 عامًا، وبذلك يوافق أوّل نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلّم- سنة 611 ميلادية. والآن تأمّل هذه الآية من سورة المائدة:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}
الفترة في هذه الآية بمعنى الفتور وانقطاع الوحي والرسل.
والفَتْرَةُ في المعاجم اللُّغوية هي المدة الزمنية بين كل نَبِيَّيْنِ.
وفي الصحاح: ما بين كل رسولين من رسل اللَّه عزّ وجلّ، من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة.
تهيأ واستعد!
فأنت على وشك أن ترى مشاهد تاريخية في غاية الأهميّة!
رفع اللَّه عيسى إلى السماء في عام 24 ميلادية، وبذلك انقطع الوحي عن الأرض، وبعد مئات السنين عاود الوحي مرّة أخرى ونزل على النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- في غار حراء، وكان ذلك في عام 611 ميلادية. ومن خلال حسبة بسيطة يمكنك أن تتحقَّق بنفسك من أن فترة انقطاع الوحي وفتوره بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- هي (611 – 24) أي إنها 587 سنة. احتفظ بهذا العدد وتذكّره جيّدًا!!
احسب وتعجَّب! إليك الآية مرّة أخرى..
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}
ترتيب كلمة { فَتْرَة } من بداية سورة المائدة هي الكلمة رقم 587 على وجه الدقة لا تتقدّم ولا تتأخر كلمة واحدة!
فترة انقطاع الوحي بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- هي 587 سنة.
والعجيب أن كلمة { فَتْرَة } لم ترد في القرآن كلّه، من أوله إلى آخره، إلا مرّة واحدة فقط وتحديدًا في هذه الآية!
{ قَوْمٌ خَصِمُون }!
الكفر ملَّة واحدة وإن اختلف زمانهم ومكانهم!
فهم في كل زمان وفي كل مكان متشابهون في نهجهم!
كلما عرضت عليهم دليلًا حاسمًا لم يفكروا فيه؛ بل فكروا في كيفية دحضه وتكذيبه!
هم لا يبحثون عن الحق بقدر ما يبحثون عن الحجج الواهية التي يبررون بها باطلهم!
لذلك قال الحق سبحانه وتعالى عنهم في سورة الزخرف: { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }.
نعم.. إنهم قوم خصمون ومبالغون في الخصومة والجدل الباطل!
ولذلك سوف يذهبون إلى سورة المائدة ليتحقَّقوا بأنفسهم!
سوف يجدون أن كلمة { فَتْرَةٍ } ترتيبها بالفعل رقم 587 من بداية السورة!
وسوف يتحقَّقون عن تاريخ مولد عيسى -عليه السلام- ويجدون أن هناك روايات عدّة أصحّها أنه ولد عام 8 قبل الميلاد. وسوف يتحقَّقون عن تاريخ مولد نبينا مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- ويجدون أن هناك ثلاث أو أربع روايات أصحها أنه ولد عام 571 ميلادية. ماذا سيفعلون؟! سوف يحاولون الاحتماء بأضعف الروايات للهروب! ولكن هيهات هيهات! فأيًّا كانت الرواية التي يعتمدونها في مولد عيسى -عليه السلام-، وأيًّا كانت الرواية التي تروق لهم بشأن مولد مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-، وأيًّا كانت المدَّة الزمنية لفتور الوحي وانقطاعه بينهما بحسب رأيهم، وأيًّا كان الرسم الذي يتبنّونه في عدّ الكلمات.. عثماني أو إملائي، فإن فترة انقطاع الوحي بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- لا تقل بأي حال عن 578 سنة ولا تزيد على 595 سنة! وأنَّ أوّل كلمة في الآية رقم 19 من سورة المائدة ترتيبها رقم 578 من بداية السورة وآخر كلمة في الآية ترتيبها رقم 606، وبذلك فإن الآية تحتضن جميع الاحتمالات والروايات الواردة بشأن المدّة الزمنية لفتور الوحي وانقطاعه بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-، فتأمّل:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} [المائدة]
فليختاروا ما شاؤوا وما يروق لهم من روايات..
فإن الحق هو الحق لن يتغيّر.. والقرآن هو القرآن ولن يتبدّل..
مزيد من التأكيد..
تأمّل الآية من جديد..
تأمّل الكلمات الثلاث في الآية { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ }..
هذه الكلمات تتألّف من 11 حرفًا.. وترتيبها على التوالي من بداية الآية رقم 10 ، 11 ، 12
مجموع تراتيب هذه الكلمات الثلاث من بداية الآية = 33
33 هو عمر المسيح -عليه السلام- عندما رفعه الله إليه!
11 هو تكرار لقب { الْمَسِيْح } -عليه السلام- في القرآن الكريم!
هذه الآية جاءت في سورة المائدة السورة رقم 5 في ترتيب المصحف..
الآن تأمّل هذه الآيات الخمس من سورة البقرة..
{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}
{ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}
حروف { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } تكرّرت في كل آية من الآيات الخمس 33 مرّة.
مجموع النقاط على حروف هذه الآيات الخمس 99 نقطة، وهذا العدد = 33 × 3
ولكن كم تتوقّع أن يكون مجموع أرقام هذه الآيات الخمس؟
مجموع أرقام هذه الآيات الخمس = 587
تأكّد من هذه الحقيقة بنفسك الآن!
587 هو فترة انقطاع وفتور الوحي بين عيسى -عليه السلام- ومحمد -صلى الله عليه وسلم-!
ما رأيك في هذه الحقيقة الرقمية الدامغة؟
هل يستطيع أي معاند أو مكابر أن ينكرها وهذه الآيات الخمس أمامنا الآن؟!
مزيد من التأكيد..
انتقل إلى سورة مريم وتأمّل هذه الآيات الثلاث..
{ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)}
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)}
{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)}
حروف { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } تكرّرت في كل آية من الآيات الثلاث 33 مرّة.
العجيب حقًّا أن مجموع كلمات الآيات الثلاث يساوي 33 كلمة.
والأعجب منه أن مجموع حروف هذه الآيات الثلاث نفسها 137 حرفًا..
137 عدد أوّليّ ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 33
وهذه الحقائق الرقمية الدامغة ما رأيك فيها؟
مزيد من التأكيد..
تأمّل آية سورة المائدة من جديد..
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} [المائدة]
تكرّرت حروف { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } في الآية 79 مرّة!
تأمّل هذا العدد جيِّدًا وانتقل إلى الآية رقم 114 من سورة المائدة نفسها..
{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} [المائدة]
تدبّر معنى هذه الآية جيِّدًا وماذا يقول عيسى -عليه السلام- فيها!
الآية رقمها 114 بعدد سور القرآن..
تكرّرت أحرف { فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } تكرّرت في الآية 79 مرّة!
79 عدد أوّليّ ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 22
22 هو عدد كلمات هذه الآية نفسها.
أرأيت هذا الإحكام في ترتيب حروف القرآن وكلماته وآياته؟!
تأمّل الكمّ الهائل من المتغيّرات التي يحشدها النسيج الرقمي القرآني للمشهد الواحد!
هل يستطيع ذلك بشر؟!
محظور!
لقد تحدَّدت من بداية سورة المائدة فترة انقطاع الوحي بين عيسى -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-، وقياسًا على ذلك فقد يتوهم بعضهم أنه يمكن من نهاية السورة أن يتحدد عمر أمة الإسلام أو موعد نزول عيسى -عليه السلام-! ولكن الأمور لا تُقاس هكذا وعلى هذا المنوال! إن كل ما تتوقعه من النظام الرقمي القرآني يكون الواقع بخلاف ما توقعت! والأهم من ذلك أن الأمور الغيبية لا يعلمها إلا اللَّه وحده جلّ وعلا، حيث طوى علم الغيب عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، فضلًا عن غيرهم من العالمين. وأما ما أخبر اللَّه به الرسل والأنبياء عن أمور الغيب فهو بإخبار اللَّه لهم، وليس من عند أنفسهم. فالرسل لا يعلمون الغيب، ولا الملائكة المقربون إلا إذا أطلعهم اللَّه تعالى على شيء من ذلك. وكل من ادّعى معرفة الغيب أو استنباط شيء منه من خلال الأرقام أو غيرها فقد كذَّب القرآن العظيم!
فضلًا عن ذلك كلّه، فإن قياس البعد الزمني من كلمة { فَتْرَةٍ } حتى نهاية سورة المائدة ينتج منه عدد أوّليّ! وكما أن الغيب لا يعلمه إلا اللَّه وحده، فإن سر هذه الأعداد الأوّليّة أيضًا لا يعلمه أحد غيره سبحانه وتعالى! وفي ذلك رسالة بليغة إلى كل من يتوهَّم أن بإمكانه استنباط الأمور الغيبية من خلال القرآن العظيم!
تأمّل وتعجَّب!
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} [المائدة]
بعد كلمة { فَتْرَة } حتى نهاية سورة المائدة ورد اسم اللَّه 114 مرّة بعدد سور القرآن!
كلمة { جَاءَنَا } في الآية هي الكلمة رقم 593 من بداية السورة، وهذا العدد = 114 × 5 + 23
114 عدد سور القرآن!
5 عدد أركان الإسلام!
23 عدد أعوام الوحي!
هناك آية في سورة المائدة نفسها تشبه إلى حد كبير هذه الآية، فتأمّل:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15)}
هذه الآية ترتيبها من بداية المصحف رقم 684، وهذا العدد = 114 × 6
يتبع القسم الثاني والأخير