أسباب التحولات الميدانية الروسية للدفاع والأوكرانية للهجمات التكتيكية
مقدمة مهمة خارج الموضوع:
بداية الأمر لو دققنا في الاستراتيجية العامة الروسية في أوكرانيا، لوجدنا أن روسيا لم تدخل حيز الجدية في هذه المعركة، لا بحجم القوات العدائية الغازية، ولا حتى بأنواع الأسلحة الهجومية، فروسيا بهذه الحرب تجرب أسلحتها الروسية الجديدة بدارات تحكم إلكترونية غربية! مع إخفاء وإقصاء داراتها الأصلية، وتستهلك أسلحتها السوفيتية القديمة التي كانت ستتلفها لولا الحرب الأوكرانية، باستثناء المنصات القتالية الجوية والبرية، التي تخضعها اليوم لتحديثات وتعديلات تدريجية معاصرة وفق تجاربها العملياتية الميدانية، وشمل ذلك المسيرات الضاربة الإيرانية التي من خلال التجربة الميدانية لها وجد بها بعض العيوب التقنية وخاصة في مجال مقاومة الإجراءات الالكترونية المضادة، وبدأت تخضعها لإجراءات تطويرية وقائية مقاومة لإجراءات الحرب الإلكترونية، وهذا يجعلنا نستنبط أن روسيا لم تشتري هذه المسيرات من إيران، ولكن استعارتها مع القمر الصناعي المتحكم بها مقابل هذه التعديلات الجوهرية، ريثما يتم الانتهاء من بناء أسطولها الضارب من المسيرات القتالية، التي كما برز دورها الهام في هذه المرحلة الشبه دفاعية، سيبرز دورها الأهم في المرحلة الهجومية.
ومن ناحية أخرى فلأن روسيا متوقفة عن إنتاج الذخائر السوفيتية المتقادمة مع بقاء استخدام وسائط إطلاقها في الجبهة الأوكرانية، ولأنا تركز على انتاج ذخائر الحقبة الروسية الجديدة، وخاصة ذخائر المدفعية الميدانية والهاون والمدفعية الصاروخية، وربما نتيجة ذلك ونتيجة الاستهلاك المرعب لها الذي وصل إلى نحو 50 ألف قذيفة بشكل يومي أكثرها سوفيتية؛ إضافة إلى أن روسيا كانت في بداية الحرب تفضل الاستيلاء على المخازن ومستودعات الذخائر الأوكرانية التي عادتاً ما تكون سوفيتية من نفس فئات الذخائر التي لدى الروس، إلا أنهم مع تباطؤ التقدم أصبحوا يفضلوا تدمير هذه المخازن والمستودع في حال كشفها لأنها كانت بالعادة مليئة بالذخائر الغربية، ولو أخذنا بفرضية تمكن قذائف راجمات هيمارس من تدمير أكثر من مئة مستودع ومخزن روسي للذخائر فكل هذا مجتمع سوف يقلل كمية الذخائر السوفيتية لدى الروس ويجعلها بحاجة لتوفير ذخائر جديدة سوفيتية، لاستمرار استهلاكها الضخم منها التي تعتمد على التأثير المساحي لأنها قليلة الدقة، ولما لهذا التكتيك من تأثيرات نفسية على الأوكران.
لذا إن صح هذا الخبر الاستخباراتي الأمريكي الذي لم تؤكده الإدارة السياسية الأمريكية، نجد روسيا قد لجأت إلى كوريا الشمالية التي لا زالت تتعامل بشكل أساسي وكبير على تلك الذخائر وبكميات إنتاجية كبيرة جداً تحسباً للحرب مع جارتها الجنوبية.
ونعود الآن بعد هذه المقدمة إلى صلب الموضوع، ونبين الأسباب الاستراتيجية الروسية التي جعلت روسيا تتحول إلى الوضع القتالي الدفاعي في كافة الجبهات الأوكرانية.
وللإجابة على ذلك نقول أولاً روسيا هي ملكة الاستراتيجيات الدفاعية فهي أفضل من يمتلك زمام أمور المعارك إذا ما اتخذت أوضاع دفاعية، كما أن الدفاع سكون وكمون وخفاء يفاجئ المهاجم الذي يكون مكشوف للمدافع وليس العكس، وهذا التكتيك يتعب ويضلل وسائل الكشف والمراقبة والتجسس الفضائية الغربية، والجوية وحتى الأرضية، وهو العامل الأكبر الذي دفع الأوكران إلى التحول إلى الهجمات التكتيكية التي تعتمد عملية الاستطلاع بالقوة وتحريك كمون الدفاعات الروسية، لتكشفها وسائل المراقبة والكشف الغربية فتسلط عليها نيران أوكرانية مباعدة مدفعية ميدانية صاروخية وقذائفها الذكية الغربية.
كما أن هذا التكتيك الروسي يذكرني باستراتيجيات الحرس الجمهوري العراقي جنوب العراق وشمال الحدود الكويتية في عاصفة الصحراء أو أم المعارك وفق التسمية العراقية عام 1991 حيث اتخذت هذه القوات المنتخبة المتخصصة بالأعمال الهجومية العالية المناورة والقدرة الحركية أوضاع دفاعية ثابتة، وتبين فيما بعد أن هذه الاستراتيجيات العكسية اتخذها الحرس الجمهوري العراقي لخداع وتضليل الطائرات الضاربة والقاذفة الأمريكية إضافة لوسائل الكشف والمراقبة والتجسس، لأنها نشرت أهداف هيكلية وهمية تضليلية متقنة التصنيع وتمكنت بطريقة سرية صامتة من إعادة الانتشار في مواضع جديدة أعمق وأخفى وأمنع بالأراضي العراقية، بل ومع بدء العملية البرية للحلفاء افرغت الموضع الجديد من أربع فرق من الحرس الجمهوري وهي فرقتين مدرعات هما فرقة المدينة ونبوخذنصر وفرقتين ميكانيكيات وهما فرقة حمورابي وعدنان، وأبقت فرقة توكلنا في ذلك الموضع الثاني وانتقل الباقي إلى موضع جديدة أخفى وامكن حيث نفذت هذه الفرق عميلة كيس الموت التي أنهت الحرب وأوقفت تقدم القوات الأمريكية بعد أن أفقدتها أكثر من خمسمائة آلية قتالية، حيث جرها إلى هذا الكمين فرقة توكلنا العراقية.
ولكن في حقيقة الأمر أن الدافع الأساسي لهذا التموضع الروسي الدفاعي الجديد من ناحية الاستراتيجية هو الثبات بالجبهات في ظل التفوق العددي المتزايد الأوكراني الكبير على القوات الروسية حتى يأتي الشتاء وتتشكل الثلوج وتتحول روسيا للهجوم العام الحاسم، ومن الناحية التكتيكية الاكتفاء بالهجمات التكتيكية الاستطلاعية الاستكشافية لكوامن الدفاعات الأوكرانية لاستهدافها بنيران المدافع ونيران القوى الجوية.
والأهم من كل ما تقدم هو النجاة من كمائن القوى الغربية في هذه الحرب الهجينة فالهجمات الأوكرانية الجديدة على جبهات روسيا الثلاثة هو لإثارة حفيظة الروس وجرها للقيام بهجمات مضادة عكسية كبيرة بمجموعات الكتائب التكتيكية للإلحاق بها خسائر كارثية من خلال قذائف ذكية مباعدة تطلق من مدفعية المارينز الميدانية M777 وراجمات هيمارس وملرس الأمريكية والبريطانية، والخطر كل الخطر كان بقذائف صاروخية جديدة ألمانية والتي منها صواريخ كروز JSF-M التي تطلق من هيمارس أيضاً، تمتاز بأنها تسللية شبحية وتسكعية تمتلك بالمرحلة الأخيرة لقدرة تشويشيه عالية التأثير وقوية، قد تحيد الدفاعات المضادة الروسية القاسية واللينة، وغالباً هذه الصواريخ الألمانية البالستية مارس ون ومارس تو الفوق صوتية والجوالة، هي المفاجئة التي أشار إليها زيلينسكي مع بدء الهجمات الأوكرانية.