تدرجات العملية الخاصة الروسية في الحرب الأوكرانية وفق منظور المخابرات الأمريكية

إنضم
9 يوليو 2010
المشاركات
3,017
التفاعل
4,080 19 0
تدرجات العملية الخاصة الروسية في الحرب الأوكرانية وفق منظور المخابرات الأمريكية

تطرقنا في مقالات عدة تحليلية حول مراحل العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا وبفضل الله وتوفيقه وافقت هذه التحليلات واقع الحدث بنسبة 90% والجديد اليوم أننا سوف نحاول صياغة الأحداث وفق منظور أجهزة المخابرات الأنجلو أمريكية، بناءاً على مقال موسع نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

فقد استطاع أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية بطرق تحليلية لمجريات الحدث وأخرى تجسسيه من معرفة تفاصيل مهمة عن العملية العسكرية الخاصة الروسية قبل حدوثها وزودت بها القيادات الأوكرانية، ومنها أن الروس سوف يهجموا على المدن الكبرى الأوكرانية بطريقة خاطفة وفق مبدأ "الصدمة والترهيب" من خلال خلق جبهات متعددة قوية.

منها تدفق قوات كتائب تكتيكية مدرعة وميكانيكية نحو كييف، من عدة محاور وهي المحور الشرقي والجنوبي والشمالي ضمن عملية سميت بالعلم المزيف، لأنها سوف تكون بهيئة وأعلام أوكرانية، إضافة لعملية اقتحام جوي لمطار قريب من كييف بحوامات النقل القتالي تحت حماية وتمهيد من الحوامات الهجومية، تكون نواة لتدفق قوات المشاة الروسية بطرق الابرارات الجوية.

وأخبرت المخابرات الأمريكية القيادة الأوكرانية عن تسلل مجموعات اغتيال خاصة روسية تابعة للمخابرات الروسية الفيدرالية إلى كييف، مهمتها قتل أو خطف الرئيس الأوكراني.

فماذا حدث وماذا كانت الإجراءات الوقائية الأمنية والعسكرية التي كانت تحت قيادة وإشراف المخابرات الأنجلو أمريكية؟

الحقيقة صحيفة "واشنطن بوست" لم تنقل تفاصيل إجراءات أجهزة المخابرات الوقائية بطريقة تفصيلية، ولكن ركزت على أن بوتين عندما أخبرته الأقنية الدبلوماسية الأمريكية عن معرفتها بالنوايا الروسية لم يحرك ذلك بالرئيس الروسي ساكن، وذلك لـتأكد هذا الأخير من نجاح عمليته الخاصة العسكرية.

والحقيقة كان لأجهزة المخابرات الغربية إجرائيين أساسين أحدهم عسكري والثاني أمني، فقد كان جوهر العملية الخاصة الروسية توثيق وتثبت عمليات داخلية أوكرانية انقلابية في كييف العاصمة، تشمل مراكز القوى العسكرية والأمينة والسياسية، والاطاحة بحكومة زيلينسكي وتدعيم ذلك بأول عملية تدخل روسي خارجية من خلال تنفيذ عملية إنزال تسللية ليلية بالمظلات الشراعية مع بدء العملية الروسية بوحدة خاصة من الكوماندوس التابع للمخابرات الفيدرالية الروسية مكان نزولها هو المجمع الرأسي حيث يوجد زيلينسكي وعائلته، والوحدة المتسللة الاستباقية التي أشارت إليها المخابرات الأمريكية، كانت مهمتها إتمام وتمكين العملية الاختطاف والاغتيال بمساعدة قوة عمالة داخلية، إلا أن وحدة خاصة شبه عسكرية تعرف بفرقة النشاطات الخاصة تابعة للمخابرات المركزية الأمريكية، تمكنت من الوصول إلى الرئيس الأوكراني وأركان حكومته وقياداته وأخرجتهم من كييف بطريقة سرية إلى أماكن سرية في الأراضي البولندية، ريثما تتمكن القوى الأمريكية القيادية الأمنية والعسكرية، من إفشال العملية الانقلابية المخطط لها من قبل المخابرات الروسية، والمرتبطة بالعملية الخارجية الروسية.

والفعل تمكنت أجهزة المخابرات الأنجلو أمريكية من احتواء وإفشال العملية الانقلابية في كييف، لمعرفتها التامة بأركان القوى الأساسية فيها، وخضعت أكثر قياداتها لعمليات تصفية واغتيالات فورية، فحولت نجاح عملية قطع الرأس الروسية للقيادات الأوكرانية لعملية فشل عكسية.

وقد ضللت أمريكا روسيا بإيهامها أن معرفتها المخابراتية محصورة بالعملية العسكرية الروسية الخارجية فقط، وروسيا كانت تعول بنجاحها الخارجي على نجاح عمليتها الداخلية الانقلابية.

وقد تبع فشل العملية الانقلابية الرئيسية فشل عملية "الراية المزيفة" حيث كان مقرر وصول إلى شرق وجنوب كييف 60 كتيبة تكتيكية مدرعة وميكانيكية من ثلاثة محاور لدعم وتثبيت كما أسلفنا للعملية الانقلابية.

إلا أن ما وصل هو 17 كتيبة تكتيكية تدفقت من شرق أوكرانيا كانت مقنعة بالقوى الانفصالية، نتيجة تعرضها لكمائن نوعية أثناء اندفاعها نفذتها قوى خاصة من التشكيلات القومية وقوى النخبة الأوكرانية المجوقلة والميكانيكية، وهو ما شتت جهودها وأخر وصولها بطريقة نسبية وحيد منها ما يعادل ثلاثة كتائب تكتيكية وكان من الممكن أن تكون خسائرها أكبر لولا تدخل الحوامات الهجومية الروسية.

أما المحور الجنوبي فقد صد تقدمه نحو كييف مقاومة شديد نفذتها وحدات حيوية دفاعية من القوميين وقوات النخبة الأوكرانية والتي كانت مسلحة بأسلحة نوعية فردية غربية عالية الدقة وشديدة الفتك.

أما المحور الشمالي فقد عطله واستقطبه المقاومة الأسطورية في خاركييف، لمجموعات منتخبة وقومية أوكرانية.

أما عملية الاقتحام الجوي للقوات المجوقلة الروسية في مطار هوستوميل شمال غرب كييف فقد نجح كعملية أساسية لكنه جوبه بمقاومة شديدة أيضاً من قوى النخبة الأوكرانية، جمدت أهداف عملية الاقتحام وحصرتها في المطار.

وبهذا الشكل أفشلت وشتت المخابرات الغربية جهود العملية الخاطفة الروسية وبددت الصدمة العسكرية، وكشفت جميع أركانها.

وهذا التسلسل بالحدث كان غاية بالمنطقية بتبديد وإفشال مخطط دولة قوية واستخباراتية مثل روسيا الاتحادية، فالناتو بقيادة أمريكا التي رتبت الخطة الدفاعية المضادة العكسية، ودربت وسلحت أركانها النخبوية الأوكرانية، ووزعتها على الجبهات الحيوية لجر الروس إلى معارك حضرية داخل المدن استنزافية، بل وتابعت ضد الخطط الروسية البديلة الاحتياطية.

فالروس سعوا لحشد قوى إضافية من الكتائب التكتيكية شمال شرق كييف من أجل السيطرة على مناطق شمال كييف لخلق منطقة آمنة للهجوم الأساسي من الشمال بعد أن علمت بعودة زيلينسكي وحكومته إلى كييف وذلك من أجل اعتقاله أو جره لطاولة المفاوضات لتنفيذ أهداف روسيا الأساسية.

حيث قامت بذات التوقيت قيادة قوة الشمال الروسية المتمثلة بالجيش 41 السيبيري المعروف بجيش الدببة السيبيرية بالبدء بتأمين مناطق وممرات إمداداتها اللوجستية وتأمين نشر أفواج المدفعية وأفواج الدفاعات الجوية الطبقية ومحطات الاتصال والحماية الالكترونية إلى غير ذلك داخل الشمال الأوكراني من خلال تنفيذ القوات المجوقلة (المحمولة جواً) الروسية عمليات اقتحام جوية بالحوامات إضافة لإنزالات مظلية ولتأمين ممرات آمنة لتدفق ألوية المدرعات وألوية مشاة البنادق والوية المشاة الميكانيكية المنوط لها تنفيذ عميلة "عاصفة الشمال" للسيطرة على كييف.

وبالفعل بدأت كتائب الاقتحام والاستطلاع القتالي التكتيكية باقتحام كييف من الجهة الشمالية الشرقية، وقامت القوات المنتخبة المجوقلة والمليشيات المنتخبة الشيشانية باقتحام كييف من الجهة الشمالية الغربية، ولقيت هذه القوى مجتمعة رغم تقدمها على الجبهتين مقاومة أوكرانية تصاعدية، حتى تجمعت قوة الشمال وبدأت التحرك لتنفيذ العملية الهجومية الرئيسية شمال كييف إلا أن الأوكران بتخطيط أميركي نفذوا تكتيك الإغراق المائي، الذي احتطاط منه الأمريكان في العراق عام 2003 أكبر احتياط وأفشلت المخططات العراقية، وعادت لتنفذه ضد قوات النخبة الهجومية الروسية، حيث حولت مجاري نهر أيركن شمال كييف وفتحت سدوده نحو تشكلات قوى الهجوم السيبيرية لتحول منطقة الهجوم إلى أوحال ومستنقعات مائية أجبرت الدببة السيبيرية على التراجع والالتزام بالطرق الاسفلتية، وهذا يفسر وجود قافلة الهجوم السيبيرية التي بلغ طولها على الطرق الاسفلتية بداية الأمر 17 كم ثم امتدت ليصل طولها حتى 60 كم بعد أن انضم لها وليكون تحت حمايتها القوافل اللوجستية وافواج المدفعية والدفاع الجوي المواكب الذي كان ضعيف الجدوى بسبب أنظمة التشويش الكهرومغناطيسية التي كانت لدى وحدات النخبة الحيوية المتحركة الراجلة الأوكرانية، والتي نفذت أيضاً كمائن الهجوم السريعة ضد الأرتال الروسية وأضاءت الأهداف الحيوية بالليزر لدرونات بيرقدار الضاربة، وقذائف المدفعية الأوكرانية الذكية.

وفي وقت تنفيذ تكتيك الإغراق المائي وإفشال إتمام هجوم الدببة السيبيرية نفذت نخبة المدافعين الأوكران في كييف هجمات مرتدة نشطة ومدرعة بالدبابات ضد هجوم الكتائب المستقلة التكتيكية شمال شرق كييف وقامت قوات الدفاع النشطة الأوكرانية بهجوم مضاد عنيف ضد القوات المجوقلة الروسية وقوات المليشيات المنتخبة الشيشانية، وتمكن الأوكران وبعد خسائر كبيرة من الطرفين وتضحيات كبيرة قدمها المدافعون الأوكران شملت كثير من دباباتها من صد ودحر القوى الروسية المهاجمة وفشلت العملية الهجومية البديلة الروسية، وفشلت الصدمة القتالية.

وهذا المخطط الاستراتيجي المتقن والعالي التنسيق من المحال أن ينجح دون قيادة وتوجيه شبه مباشرة من قيادات الناتو الخبيرة وفي مقدمتها القيادات الأمريكية والبريطانية.

وهنا بدأت روسيا بعد انحسار المياه ولوقف استنزاف قافلتها السيبيرية من هجمات المدفعين الأوكران بنشر قواتها في أدغال وغابات المناطق الشمالية وتنظيم الصفوف ونشر الدفاعات الجوية وتشكيلات المدفعية وإنشاء نقاط لوجستية لبدء هجوم كبير منسق من ثلاثة محاور رئيسية وهم محور الشمال الشرقي بالكتائب المستقلة التكتيكية التي حولت جميعها إلى كتائب مدرعة مستقلة معززة ليصبح قوات الكتيبة الواحد 1000 عنصر بدل 600 للميكانيكية و800 للمدرعة، من خلال زيادة مشاة الحماية ضد الكمائن النشطة الراجلة الحيوية، والمحور الشمالي الغربي بألوية البنادق السيبيرية ووحدات القوات المجوقلة الراجلة الروسية والتي قوبلت منذ البداية بمقاومة معززة قوية أوكرانية عطلت تقدمها، أما محور الهجوم الرئيسي فكان المحور الشمالي متمثل بالقوات المدرعة والمشاة الميكانيكية السيبيرية.

وكان الهجوم منسق جداً وقوي وتحت غطاء جوي نموذجي متقدم وقريب بالنفاثات الفوق والتحت صوتية الضاربة، ومواكب بالحوامات الهجومية وحوامات النقل للدعم بالمشاة والحاملة للمدفعية الميدانية المقطورة ومدافع الهان المتوسطة مع إدارة وتنسيق لنيران المدفعية بقوة الاستطلاع القتالي، وقوى الظل في عمق كييف الاستكشافية الخفية من قوات فاغنر وكوماندوس السبتسناز الروسية، ولكن نقطة ضعف هذا الهجوم أو التكتيك الروسي أنه نفذ داخل بيئة حضرية حرص بها الروس لأسباب سياسية أن لا يحدثوا خسائر كبيرة مدنية، وحرص الأمريكان على تدريب النخبة المدافعة الأوكرانية بأعلى تدريب في هكذا بيئة قتالية، وتسليحها بأفضل تسليح لا يسلح به إلا قوات نخبة النخبة الأمريكية الجوالة والمجوقلة ومشاء البحرية "المارينز"، وحتى لا ترتفع فاتورة الخسائر الأوكرانية من نخبة المدافعين انحسر الدفاع الجدي في منطقة وسط كييف بعيداً أنظار قوات الظل الاستكشافية الخفية الروسية، حيث تمكن الروس من الوصول حتى بعد 15 كم من مركز كييف، لتشتد المقاومة الأوكرانية وتعطل عجلة التقدم الروسية وتنشط الدفاعات المتحركة المنتخبة الأوكرانية مع استخدام كبير لصواريخ ستتنغر الفردي المحمول على الكتف المضاد للجو التي اربكت ثم حيدت الحوامات الروسية الهجومية وكذلك كثرة الاستخدام المفرط لصاروخ جافلين الوثاب الانقضاضي بطريقة اضرب واهرب دون الحرص على المتابعة أو توجيه تسديدي إنما اتباع مبدأ أطلق وانسى وطبق هذا التكتيك بشكل أكبر على صواريخ الانلاو البريطانية التي تستهدف أيضاً الأجزاء العلوية من الدبابات والمدرعات، وتبين حينها لما لقي قوات المحور الشمالي الغربي مقاومة تعطيليه أسطورية، وذلك لأن الأوكران نشروا أكثر مدافعهم الميدانية في الترسانة، لضرب عمق الهجوم الروسي بنيران مسددة وأخرى ذكية، وظهر السلاح الذي أوقف الهجوم بالمعركة وسهل ظهور وعمل أحدث الدبابات الأوكرانية، حيث ظهر سلاح الصدمة البريطاني صاروخ بريمستون الذي بلغ مداه حينئذ حتى 8 كم وبسرعة فوق صوتية برأس ترادفي ثنائي التوجيه وبقدرة انقضاضيه أكثر فاعلية من جافلين وعلى مبدأ أطلق وانسى الأمريكية.

ولم يكن أمام الروس حينها إلا وقف الهجوم ثم الانسحاب بطريقة تكتيكية وإلا سوف تصبح خسائرهم كارثية، وهو ما أدى فيما بعد إلى إلغاء العمليات العسكرية الاختراقية المدرعة الروسية في الأماكن الحضرية وخاصة المدن الكبرى الأوكرانية، وأصبح جلياً للروس حجم تدخل الناتو وعمقه في عمليات الدفاع الأوكرانية.

لذا تحول الروس حينها إلى القتال في الأماكن المفتوحة الميدانية في إقليم الدونباس وإقليم خاركييف المتاخمة للحدود الروسية.

وهو ما خفف الخسائر الروسية بالبداية بشكل كبير جداً مقارنة مع خسائر المناطق الحضرية، وزيادة اعتماد الروس على المسيرات الاستطلاعية والمتعددة المهام التي تنفذ مهمات ضاربة قتالية، والتي لعبت دور كبير بحماية الكتائب التكتيكية المستقلة من الكمائن النشطة والخفية وكان لها دور مهم في كشف وتحديد المواطن الدفاعية وتعاظم دور سلاح المدفعية الروسية من ناحية زيادة الدقة والقوة التأثيرية.

ولكن الأمريكان وجدوا كفة الروس بدأت ترجح فقاموا بتقوية الأوكران بتعزيز مدفعيتهم بآخر نسخة من مدفعية قوات المارينز المعروفة بام 777 المزودة بنظام ذاتي لإدارة النيران متصل بالأقمار الصناعية يعطي للمدفع حسابات دقيقة تزيد دقة القذائف المدفعية عيار 155 ملم حتى مدى يزيد عن 30 كم بقذائف تقاربية التفجير فرط تأثيريه متعددة الأغراض عالية التفجير لأنها مزودة بخليط متفجر بلاستيكي ومن ثلاثي نيتريت التلوين وبدورة الألمنيوم الرافعة للطاقة التفجيرية، وزودت أمريكا أوكرانيا منها بنحو 200 ألف قذيفة، إضافة لقذائف ذكية بمدى أكثر حتى 40 كم بتوجيه ثنائي بالقصور الذاتي والأقمار الصناعية، زادت فوبيا تدمير الدروع الروسية بالطريقة العلوية، مع صاروخ بريمستون البريطاني المعدل المدى حتى 40 كم أيضاً، حيث زودت أوكرانيا من هذه القذائف الذكية بخمسين ألف قذيفة.

وقد زود الأمريكان الأوكران من مدفع ام 777 بسبعة كتائب مدفعية (126 مدفع) قلبت ميزان المعركة الميدانية بل ومكنت الألوية الميكانيكية والمدرعة الأوكرانية من تنفيذ هجمات مرتدة ضد الجبهة الروسية، خاصة في إقليم خاركييف بعد أن كان نشاطها محصور بالمهام الدفاعية، وجعل الروس لفترة قصيرة يأخذون أوضاع دفاعية، وهو ما مكن الدفاعات الأوكرانية النشطة في إقليم الدونباس.

ومن باب التقليل للتفوق الروسي الساحق بسلاح المدفعية زودت الناتو بتوجيه أمريكي الأوكران بمجموعة كبيرة متنوعة من أنواع المدفعية أكثرها من عيار 155 ملم المقطورة والذاتية الحركة الأمريكية والأوربية ومن الدول التي أسلحتها سوفيتية، بعد النجاح النموذجي لمدفع ام 777 الأمريكي إلا أن الروس بدأوا يقلصون دور هذا المدفع بزيادة الاعتماد والإنتاج لمسيراتهم الهجومية والاستطلاعية التي كانت تدير وتوجه نيران المدفعية الروسية مع زيادة عدد راجمات أروغون عيار 220 ملم ذات الرؤوس الحربية العنقودية وإدخال راجمات تورنادو كيه عيار 122 ملم الدقيقة والمؤثرة مقارنة مع راجمات غراد 122 ملم العبثية.

ورغم تزويد المدافع ام 777 بقذائف دخان تضليل وثابة مزود ببودرة خزفية تشتت الليزر وتحجب الرؤية الكهروبصرية، إلا أن هذا الاجراء زود فرص النجاة ولم يوقف الاستهدافات الروسية لأن فترة النجاة بالشحنات بعد وصل المدافع بها محدودة والأصل عند المارينز في مثل هذه الظروف حملها بحوامات النقل العسكرية أمثال تشينووك وأوسبي.

وكان لهذه المدافع دور هام جداً في تدمير المرابض للمدفعية الروسية مع وجود رادارات الرصد الميداني من نوع فايرفايندر الأمريكية، التي كانت ترصد القذائف الروسية وتحدد سرعتها ومكان سقوطها إضافة إلى تحديد نقاط انطلاقها، فتوجه بناءاً عليه النيران المضادة المدفعية.

لذلك كان الروس بناءاً على ذلك يعتمدون على المدافع الذاتية الحركة ونقل وتحريك المدافع المقطورة خلال فترة قياسية على مبدأ أضرب واهرب وهو ما قلل نشاط المدفعية الروسية بشكل نسبي وزاد الاعتماد على المدفعية الصاروخية.

إلا أن استراتيجيات روسيا برصد مخازن ومستودعات القذائف المدفعية الأوكرانية بمساعدة وسائل الرصد الفضائي والجوي التابع للمخابرات العسكرية الروسية إضافة لزيادة العمالة الداخلية في صفوف الأوكران، وزيادة الاعتماد على الدرونات الاستطلاعية والضاربة والكميكازية واستهداف عدد مؤثر من رادارات الرصد الميدانية؛ أدى لتقليص عمل مدافع ام 777 وللحفاظ على توازن العملية الاستهدافية المدفعية نسبياً، فتم استجلاب كتيبة مدفعية فرنسية متحركة بعجلات مطاطية ذات مناورة عالية ومعدل رماية مضاعف وقذائف ذكية ذات قذائف فائقة الذكاء فرعية لزيادة الدقة والقدرة التأثيرية على سلاح المدرعات وسلاح المدفعية الروسية، وكانت ردة الفعل الروسية كالعادة بزيادة إنتاج واعتماد الدرونات بأنواعها بالطاقة القصوة الإنتاجية.

وشرعت بإنشاء رادار ميداني ضخم لرصد كافة النشاطات الأرضية الحركية والنارية، لأن روسيا لا تمتلك رادار رصد أرضية صغيرة وحيوية حركية متحركة أو مقطورة كالرادارات الأمريكية.

وهو ما قيد بشكل نسبي حركة ونشاط المدافع الفرنسية، فجاءت فكرة المخابرات الأمريكية والبنتاغون بنشر كتيبة راجمات هايمرس مكونة من 18 راجمة بطريقة تدريجية وبتدرب مبسط للأوكران لأنها سوف يتم إدارات نيرانها بواسطة المخابرات الأميركية بتغذية وتوجيه وحماية الأقمار الصناعية، وتصحيح مسارات قذائفها وزيادة دقتها بواسطة وحدات كوماندوس منوعة التشكيل أمريكية استكشافية "باسفايندرز" وقد نجح هذا التكتيك باستهداف أهداف حيوية في الجبهة الروسية، وكان الاجراء الروسي للتعامل مع هذه الراجمات العالية الحركة والمناورة والدقة التصويبية والتأثيرية بإتمام نشر فوج من منظومة تريومف اس 400 وكتيبة من منظومة فايتاز اس 350 وفوج من منظومة بوك ام 3 في الجبهة الروسية الأوكرانية في الدونباس إضافة لبدء استجلاب بشكل متدرج لألف مسيرة هجومية إيرانية لربطها بالقمر الصناعي الإيراني المتطور المتعدد المهام "خيام" المزود بكاميرات مراقبة فضائية فائقة الدقة التصويرية، حيث طلبت روسيا تجربته بالحرب الأوكرانية.

وهو ما جمد زيادة عدد راجمات هايمرس الأمريكية، وجعل البنتاغون والمخابرات الأمريكية تفكر بتزويد الأوكران بصواريخ أطول مدى وأسرع تجعل الراجمات بأمان أكثر وبشكل يؤخر أكثر ردود الفعل الروسية شرط ألا تستخدم خارج الأراضي الأوكرانية وهو أمر سهل التقيد والتنفيذ ما دامت هذه الراجمات تحت تحكم وسيطرة المخابرات الأمريكية.
 
عودة
أعلى