الأعداد الأولية تنطق بالوحدانية
إعداد: الدكتور أحمد مُحمَّد زين المنّاوي
القسم الأول
إعداد: الدكتور أحمد مُحمَّد زين المنّاوي
القسم الأول
إذا تأمّلت في جميع ما جاء به الأنبياء -عليهم السلام- من مُعجزات تثبت صدق نبوتهم، فلن ترى أعظم ولا أجلّ من المُعجزة الخالدة التي جاء بها خاتم النبيين مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-، وهي القرآن الذي يبهر كل من يتأمّل فيه من العلماء على اختلاف تخصّصاتهم، لأنه كلام ربّ العالمين الذي خلق كل شيء فقدَّره تقديرًا.
إنّ النسيج الرقمي القرآني قائم على الأعداد الأوّليّة الصماء التي ظلّت سرًّا ولغزًا يحيِّر العقل البشري، ويتحدَّى علماء الرياضيات منذ آلاف السنين. والأعداد الأوّليّة هي أعداد صحيحة أكبر من واحد، ولكنها لا تقبل القسمة إلا على نفسها، وعلى الرقم 1 فقط، وفيما عدا ذلك فإن جميع الأعداد الصحيحة الأخرى تسمى أعدادًا مركَّبة. وقد ظلت الأعداد الأوّليّة عبر القرون حتى يومنا هذا لغزًا يحيِّر العالم، وبرغم ملايين المحاولات المضنية التي قام بها علماء الرياضيات عبر القرون، فلم يتوصّل العالم إلى أي نتائج ملموسة لفهم سلوك الأعداد الأوّليّة أو ترويضها.
ولا تزال الأعداد الأوّليّة تخفي خلفها سرًّا عظيمًا، ولغزًا يحيِّر العقل البشري ويتحدَّاه، وبرغم ذلك فهم يستخدمونها في العديد من المجالات. والقرآن العظيم كذلك يستخدم خصائص هذه الأعداد ومراتبها في تعزيز المعنى المراد، بل الأعجب من ذلك فإن النسيج الرقميّ القرآني كلّه يقوم على الأعداد الأوّليّة، ولا يمكن لنا أن نفهم علاقات المنظومة القرآنية بشكل صحيح، إلا بعد فهمنا لسلوك هذه الأعداد!
ولا يزال العلماء في حيرة من أمرهم بشأن توزيع الأعداد الأوّليّة، على عكس الأعداد الصحيحة المركَّبة فردية كانت أم زوجية. ولم يعرف العالم أي نتائج ملموسة لمحاولات علماء الرياضيات المضنية لابتكار طريقة أو دالّة يستطيعون من خلالها معرفة توزيع الأعداد الأوّليّة، سوى ما قدّمه عالم الرياضيات الألماني برنارد ريمان قبل أكثر من 150 عامًا من فرضية ليس عليها برهان حتى الآن، وتقوم باختبار طبيعة الأعداد، من خلال دالّة أطلق عليها اسم "زيتا" تكون نتيجتها صفرًا إذا كان العدد قيد الاختبار أوّليًّا، ولكن لم يتمكّن أحد حتى الآن من إثبات أن هذه الدالة ستعمل لكل الأعداد الأوّليّة، فضلًا عن أن إثباتها لن يقدِّم حلًا للُغز الأعداد الأوّليّة.
ولنا من خلال هذه المشاهد وقفة مهمة مع طبيعة هذه الأعداد، وكيف يعالجها القرآن العظيم ضمن نسيجه الرقميّ المعجز، ففيها الدليل الحاسم والبرهان القاطع على أن البشرية وبكل ما أوتيت من ملكات الذكاء الفطري، وأدوات الذكاء الصناعي تعجز عن أن تأتي بمثل جانب يسيرٍ جدًا من مثل النسيج الرقمي القرآني، بل إنها تعجز عن الإحاطة به وفهمه، فهو كالجب الذي لا قاع له، فكلما تعمَّقت فيه تبين لك أنك ما ازددت إلا جهلًا به.
موعدنا الآن مع لون جديد من فنون القرآن في توظيف خصائص الأعداد الأوّليّة لتعزيز المعنى، وسوف تبهرك هذه المشاهد أيما إبهار! ولنتأمّل هذه الفنون عبر المشاهد الآتية:
المشهد الأول:
إن الغيب لا يعلمه إلا اللَّه وحده سبحانه وتعالى، ومن ادّعى علم الغيب فقد كذَّب القرآن. ولقد طوى الله علم الغيب عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، فضلًا عن غيرهم من العالمين، وأما ما أخبر الله به الأنبياء عن أمور الغيب مما سيكون في الآخرة ونحو ذلك، فهو بإخبار اللَّه لهم، وليس من عند أنفسهم، فالرسل لا يعلمون الغيب، إلا إذا أطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك.
ولو كان أحد من البشر يعلم الغيب لكان سيد المرسلين مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-.
ولكن تأمّل ماذا يقول له ربه سبحانه وتعالى في ذلك:
{ قُلْ لَا أَقُوْلُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ ولَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ولَا أَقُوْلُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِيْ الأَعْمَى وَالْبَصِيْرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُوْنَ (50)} [الأنعام]
وهكذا فإنه لا أحد من البشر يعلم الغيب مهما بلغت منزلته. وهذا الاعتقاد يجعل المسلم واثقًا بربه، معتمدًا عليه في كل أموره، ومكذبًا بمن يدّعي الغيب من الكهنة والعرّافين وغيرهم.
إن موضوع الغيب في القرآن يأتي في إطار نظم محكم من الأعداد الأوّليّة! فكما أن الغيب لا يعلمه إلا اللَّه وحده فإن فهم سلوك هذه الأعداد لا يزال حتى الآن في رحم الغيب!
نتأمّل معًا الآية الأخيرة من سورة لقمان، وهي الآية التي جمعت مفاتح الغيب الخمسة:
{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوْتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ (34)}
وكما ترى، فإن الآية تتحدث عن مفاتح الغيب الخمسة التي لا يعلمها أحد إلا اللَّه عزّ وجلّ، ولذلك فهي ترتبط بالأعداد الأوّليّة. تأمّل كيف جاءت مفاتح الغيب الخمسة!
تأمّل مواقعها جيّدًا في الآية!
قد يبدو مفاجئًا بالنسبة إليك أن تعلم أن مفاتح الغيب الخمسة في الآية انتهت بخمس كلمات ترتيب كل منها ضمن الآية عدد أوّليّ! وحتى تكون الصورة واضحة أمامك دعني أضع أرقامًا توضّح لك ترتيب الكلمة الأخيرة في مفاتح الغيب الخمسة، فتأمّل:
{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ 5 وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ 7 وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ 11 وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا 17 وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوْتُ 23 إِنَّ اللَّهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ (34)}
مفاتح الغيب عددها 5، وهذا العدد في ذاته أوّليّ!
ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 3، وهذا العدد أوّليّ!
وترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 2، وهذا هو أصغر عدد أوّليّ!
مفتاح الغيب الأوّل انتهى بكلمة { السَّاعَةِ }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 5، وهذا العدد أوّليّ.
مفتاح الغيب الثاني انتهى بكلمة { الْغَيْب }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 7، وهذا العدد أوّليّ.
مفتاح الغيب الثالث انتهى بكلمة { الْأَرْحَامِ }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 11، وهذا العدد أوّليّ.
مفتاح الغيب الرابع انتهى بكلمة { غَدًا }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 17، وهذا العدد أوّليّ.
مفتاح الغيب الخامس انتهى بكلمة { تَمُوتُ }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 23، وهذا العدد أوّليّ.
تأمّل يا رعاك اللَّه هذه العجائب المدهشة:
آخر كلمة في أوّل مفاتح الغيب الخمسة { السَّاعَةِ }، ترتيبها رقم 5 من بداية الآية، ورقم 23 من نهايتها!
آخر كلمة في آخر مفاتح الغيب الخمسة { تَمُوتُ }، ترتيبها رقم 5 من نهاية الآية، ورقم 23 من بدايتها!
آخر كلمة في ثالث مفاتح الغيب الخمسة { الْأَرْحَامِ }، ترتيبها رقم 11 من بداية الآية، ورقم 17 من نهايتها!
آخر كلمة في رابع مفاتح الغيب الخمسة { غَدًا } ترتيبها رقم 11 من نهاية الآية ورقم 17 من بدايتها!
وجميع هذه الأعداد 5، 11، 17، 23 أوّليّة صماء لا تقبل القسمة إلا على نفسها أو على الرقم 1!
تأمّل..
آخر مفتاح من مفاتح الغيب الخمسة هو:
{ وَمَا تَدْرِيْ نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوْتُ } انتهى بكلمة { تَمُوتُ }، التي تحمل الترتيب رقم 23 ضمن كلمات الآية.
لاحظ أن العدد 23 يماثل تمامًا عدد أعوام الوحي، وهي الفترة التي قضاها النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- في تلقّي الوحي من ربه وتبليغه للناس (عمر النبوَّة).
ولكن الأعجب من ذلك أنك إذا قمت بجمع هذه الأعداد الأوّليّة الخمسة!
تأمّل: 5 + 7 + 11 + 17 + 23 يساوي 63
وهذا العدد يماثل تمامًا عدد أعوام عمر النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-!
ولا يفوت عليك أن تنتبه إلى أن آخر كلمة في مفاتح الغيب الخمسة هي كلمة { تَمُوتُ }!
سورة لقمان التي وردت فيها هذه الآية ترتيبها رقم 31 في المصحف، وهذا العدد أوّليّ، بل هو يماثل عدد جميع الأعداد الأوّليّة التي استخدمها القرآن في الدلالة على ترتيب السور أو عدد آياتها!
لقد أشرنا إلى أن الآية الأخيرة من سورة لقمان، وهي السورة التي ترتيبها رقم 31 في المصحف، قد تضمنت { مَفَاتِحُ الْغَيْبِ } الخمسة التي لا يعلمها إلا اللَّه عزّ وجلّ وحده، فهل وردت { مَفَاتِحُ الْغَيْبِ } في موضع آخر في القرآن؟ وكم مرّة وردت؟
لقد وردت مرّة واحدة في الآية رقم 59 من سورة الأنعام وهي:
{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِيْنٍ (59)}
عدد كلمات الآية 31 كلمة، وهذا العدد أوّليّ، ولكن الأهم من ذلك أن السورة التي ترتيبها 31 في المصحف، وهي سورة لقمان خُتمت بالآية الوحيدة في القرآن التي تضمَّنت مفاتح الغيب الخمسة! فتأمّل كيف ارتبطت { مَفَاتِحُ الْغَيْبِ } بالعدد 31، وهو عدد أوّليّ يماثل عدد الأعداد الأوّليّة التي استخدمها القرآن في الدلالة على ترتيب سوره أو عدد آياتها!
رقم الآية 59، وهذا العدد أوّليّ وترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 17
والعدد 17 أوّليّ، وترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 7
مجموع الأعداد الأوّليّة الثلاثة 59 + 17 + 7 يساوي 83، وهذا العدد أوّليّ!
إذا أضفت إليه عدد كلمات الآية وهو 31 يكون الناتج 114 وهو عدد سور القرآن!
كلمة الغيب ترتيبها من بداية الآية رقم 3، وهو عدد أوّليّ!
وترتيبها من نهاية الآية رقم 29، وهو عدد أوّليّ أيضًا!
مفاتح الغيب عددها 5، وكلمة الغيب عدد حروفها 5، وهذا العدد في ذاته أوّليّ!
لا يعلم الغيب إلَّا اللَّه.. هكذا تقول الأرقام بوضوح!
ولكن.. الأعداد الأوّليّة المستخدمة في القرآن لا ترتبط فقط بالغيبيات، وإنما ترتبط بكل المعاني التي تتوافق مع خصائص الأعداد الأوّليّة التي لا يعلم أحد مكنونها، وفي ذلك سوف نسوق مثالًا واحدًا من سورة لقمان نفسها، فنعود بها إلى الساحة مرّة أخرى:
{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي 13 نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي 19 نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ (34)}
لاحظ.. لقد وردت { وَمَا تَدْرِي } مرّتين في الآية.
الأولى انتهت بالكلمة رقم 13، وهذا العدد أوّليّ!
والثانية انتهت بالكلمة رقم 19، وهذا العدد أوّليّ أيضًا!
وكأن الآية تقول:
وكما أنه لا أحد يدري بمفاتح الغيب شيئًا، فإنه لا أحد يدري بسر الأعداد الأوّليّة شيئًا!
ولا أظن أن أحدًا يعتقد أن الذين جمعوا القرآن ورتبوه كانوا على علم بالأعداد الأوّليّة!
بل لم يكن للعرب ولا كان لهم أي مساهمة يمكن أن تساعد على فهم سلوك الأعداد الأوّليّة.
إنَّ القرآن يوظف منظومة الأعداد الأوّليّة بشكل لا يخطر ببال أحد من البشر! وإنَّ منظومة الأعداد الأوّليّة في القرآن، لا ترتبط بترتيب السور أو الآيات وحدها، ولكنها تتعمَّق على مستوى الحرف!
دعني أقدّم لك مثالًا على ذلك ليس على مستوى السور أو الآيات، ولكن على مستوى الحرف، فلنتأمّل معًا هذه المقارنة العجيبة بين مجموع الترتيب الهجائي لأحرف كلمة { الْغَيْب } ومجموع الترتيب الهجائي لأحرف اسم { اللَّه }!
مجموع الترتيبه الهجائي لأحرف كلمة { الْغَيْب } يساوي 73.. احتفظ بهذا العدد!
مجموع الترتيبه الهجائي لأحرف كلمة { اللَّه } يساوي 73 أيضا..
والعدد 73 أوّليّ، لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو على الرقم 1
وهكذا تؤكِّد الأرقام بوضوح..
{ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ... (65)} [النمل]!
يتبع القسم الثاني
إنّ النسيج الرقمي القرآني قائم على الأعداد الأوّليّة الصماء التي ظلّت سرًّا ولغزًا يحيِّر العقل البشري، ويتحدَّى علماء الرياضيات منذ آلاف السنين. والأعداد الأوّليّة هي أعداد صحيحة أكبر من واحد، ولكنها لا تقبل القسمة إلا على نفسها، وعلى الرقم 1 فقط، وفيما عدا ذلك فإن جميع الأعداد الصحيحة الأخرى تسمى أعدادًا مركَّبة. وقد ظلت الأعداد الأوّليّة عبر القرون حتى يومنا هذا لغزًا يحيِّر العالم، وبرغم ملايين المحاولات المضنية التي قام بها علماء الرياضيات عبر القرون، فلم يتوصّل العالم إلى أي نتائج ملموسة لفهم سلوك الأعداد الأوّليّة أو ترويضها.
ولا تزال الأعداد الأوّليّة تخفي خلفها سرًّا عظيمًا، ولغزًا يحيِّر العقل البشري ويتحدَّاه، وبرغم ذلك فهم يستخدمونها في العديد من المجالات. والقرآن العظيم كذلك يستخدم خصائص هذه الأعداد ومراتبها في تعزيز المعنى المراد، بل الأعجب من ذلك فإن النسيج الرقميّ القرآني كلّه يقوم على الأعداد الأوّليّة، ولا يمكن لنا أن نفهم علاقات المنظومة القرآنية بشكل صحيح، إلا بعد فهمنا لسلوك هذه الأعداد!
ولا يزال العلماء في حيرة من أمرهم بشأن توزيع الأعداد الأوّليّة، على عكس الأعداد الصحيحة المركَّبة فردية كانت أم زوجية. ولم يعرف العالم أي نتائج ملموسة لمحاولات علماء الرياضيات المضنية لابتكار طريقة أو دالّة يستطيعون من خلالها معرفة توزيع الأعداد الأوّليّة، سوى ما قدّمه عالم الرياضيات الألماني برنارد ريمان قبل أكثر من 150 عامًا من فرضية ليس عليها برهان حتى الآن، وتقوم باختبار طبيعة الأعداد، من خلال دالّة أطلق عليها اسم "زيتا" تكون نتيجتها صفرًا إذا كان العدد قيد الاختبار أوّليًّا، ولكن لم يتمكّن أحد حتى الآن من إثبات أن هذه الدالة ستعمل لكل الأعداد الأوّليّة، فضلًا عن أن إثباتها لن يقدِّم حلًا للُغز الأعداد الأوّليّة.
ولنا من خلال هذه المشاهد وقفة مهمة مع طبيعة هذه الأعداد، وكيف يعالجها القرآن العظيم ضمن نسيجه الرقميّ المعجز، ففيها الدليل الحاسم والبرهان القاطع على أن البشرية وبكل ما أوتيت من ملكات الذكاء الفطري، وأدوات الذكاء الصناعي تعجز عن أن تأتي بمثل جانب يسيرٍ جدًا من مثل النسيج الرقمي القرآني، بل إنها تعجز عن الإحاطة به وفهمه، فهو كالجب الذي لا قاع له، فكلما تعمَّقت فيه تبين لك أنك ما ازددت إلا جهلًا به.
موعدنا الآن مع لون جديد من فنون القرآن في توظيف خصائص الأعداد الأوّليّة لتعزيز المعنى، وسوف تبهرك هذه المشاهد أيما إبهار! ولنتأمّل هذه الفنون عبر المشاهد الآتية:
المشهد الأول:
إن الغيب لا يعلمه إلا اللَّه وحده سبحانه وتعالى، ومن ادّعى علم الغيب فقد كذَّب القرآن. ولقد طوى الله علم الغيب عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، فضلًا عن غيرهم من العالمين، وأما ما أخبر الله به الأنبياء عن أمور الغيب مما سيكون في الآخرة ونحو ذلك، فهو بإخبار اللَّه لهم، وليس من عند أنفسهم، فالرسل لا يعلمون الغيب، إلا إذا أطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك.
ولو كان أحد من البشر يعلم الغيب لكان سيد المرسلين مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-.
ولكن تأمّل ماذا يقول له ربه سبحانه وتعالى في ذلك:
{ قُلْ لَا أَقُوْلُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ ولَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ولَا أَقُوْلُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِيْ الأَعْمَى وَالْبَصِيْرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُوْنَ (50)} [الأنعام]
وهكذا فإنه لا أحد من البشر يعلم الغيب مهما بلغت منزلته. وهذا الاعتقاد يجعل المسلم واثقًا بربه، معتمدًا عليه في كل أموره، ومكذبًا بمن يدّعي الغيب من الكهنة والعرّافين وغيرهم.
إن موضوع الغيب في القرآن يأتي في إطار نظم محكم من الأعداد الأوّليّة! فكما أن الغيب لا يعلمه إلا اللَّه وحده فإن فهم سلوك هذه الأعداد لا يزال حتى الآن في رحم الغيب!
نتأمّل معًا الآية الأخيرة من سورة لقمان، وهي الآية التي جمعت مفاتح الغيب الخمسة:
{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوْتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ (34)}
وكما ترى، فإن الآية تتحدث عن مفاتح الغيب الخمسة التي لا يعلمها أحد إلا اللَّه عزّ وجلّ، ولذلك فهي ترتبط بالأعداد الأوّليّة. تأمّل كيف جاءت مفاتح الغيب الخمسة!
تأمّل مواقعها جيّدًا في الآية!
قد يبدو مفاجئًا بالنسبة إليك أن تعلم أن مفاتح الغيب الخمسة في الآية انتهت بخمس كلمات ترتيب كل منها ضمن الآية عدد أوّليّ! وحتى تكون الصورة واضحة أمامك دعني أضع أرقامًا توضّح لك ترتيب الكلمة الأخيرة في مفاتح الغيب الخمسة، فتأمّل:
{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ 5 وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ 7 وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ 11 وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا 17 وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوْتُ 23 إِنَّ اللَّهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ (34)}
مفاتح الغيب عددها 5، وهذا العدد في ذاته أوّليّ!
ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 3، وهذا العدد أوّليّ!
وترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 2، وهذا هو أصغر عدد أوّليّ!
مفتاح الغيب الأوّل انتهى بكلمة { السَّاعَةِ }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 5، وهذا العدد أوّليّ.
مفتاح الغيب الثاني انتهى بكلمة { الْغَيْب }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 7، وهذا العدد أوّليّ.
مفتاح الغيب الثالث انتهى بكلمة { الْأَرْحَامِ }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 11، وهذا العدد أوّليّ.
مفتاح الغيب الرابع انتهى بكلمة { غَدًا }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 17، وهذا العدد أوّليّ.
مفتاح الغيب الخامس انتهى بكلمة { تَمُوتُ }، وهذه الكلمة ترتيبها في الآية رقم 23، وهذا العدد أوّليّ.
تأمّل يا رعاك اللَّه هذه العجائب المدهشة:
آخر كلمة في أوّل مفاتح الغيب الخمسة { السَّاعَةِ }، ترتيبها رقم 5 من بداية الآية، ورقم 23 من نهايتها!
آخر كلمة في آخر مفاتح الغيب الخمسة { تَمُوتُ }، ترتيبها رقم 5 من نهاية الآية، ورقم 23 من بدايتها!
آخر كلمة في ثالث مفاتح الغيب الخمسة { الْأَرْحَامِ }، ترتيبها رقم 11 من بداية الآية، ورقم 17 من نهايتها!
آخر كلمة في رابع مفاتح الغيب الخمسة { غَدًا } ترتيبها رقم 11 من نهاية الآية ورقم 17 من بدايتها!
وجميع هذه الأعداد 5، 11، 17، 23 أوّليّة صماء لا تقبل القسمة إلا على نفسها أو على الرقم 1!
تأمّل..
آخر مفتاح من مفاتح الغيب الخمسة هو:
{ وَمَا تَدْرِيْ نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوْتُ } انتهى بكلمة { تَمُوتُ }، التي تحمل الترتيب رقم 23 ضمن كلمات الآية.
لاحظ أن العدد 23 يماثل تمامًا عدد أعوام الوحي، وهي الفترة التي قضاها النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- في تلقّي الوحي من ربه وتبليغه للناس (عمر النبوَّة).
ولكن الأعجب من ذلك أنك إذا قمت بجمع هذه الأعداد الأوّليّة الخمسة!
تأمّل: 5 + 7 + 11 + 17 + 23 يساوي 63
وهذا العدد يماثل تمامًا عدد أعوام عمر النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-!
ولا يفوت عليك أن تنتبه إلى أن آخر كلمة في مفاتح الغيب الخمسة هي كلمة { تَمُوتُ }!
سورة لقمان التي وردت فيها هذه الآية ترتيبها رقم 31 في المصحف، وهذا العدد أوّليّ، بل هو يماثل عدد جميع الأعداد الأوّليّة التي استخدمها القرآن في الدلالة على ترتيب السور أو عدد آياتها!
لقد أشرنا إلى أن الآية الأخيرة من سورة لقمان، وهي السورة التي ترتيبها رقم 31 في المصحف، قد تضمنت { مَفَاتِحُ الْغَيْبِ } الخمسة التي لا يعلمها إلا اللَّه عزّ وجلّ وحده، فهل وردت { مَفَاتِحُ الْغَيْبِ } في موضع آخر في القرآن؟ وكم مرّة وردت؟
لقد وردت مرّة واحدة في الآية رقم 59 من سورة الأنعام وهي:
{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِيْنٍ (59)}
عدد كلمات الآية 31 كلمة، وهذا العدد أوّليّ، ولكن الأهم من ذلك أن السورة التي ترتيبها 31 في المصحف، وهي سورة لقمان خُتمت بالآية الوحيدة في القرآن التي تضمَّنت مفاتح الغيب الخمسة! فتأمّل كيف ارتبطت { مَفَاتِحُ الْغَيْبِ } بالعدد 31، وهو عدد أوّليّ يماثل عدد الأعداد الأوّليّة التي استخدمها القرآن في الدلالة على ترتيب سوره أو عدد آياتها!
رقم الآية 59، وهذا العدد أوّليّ وترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 17
والعدد 17 أوّليّ، وترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 7
مجموع الأعداد الأوّليّة الثلاثة 59 + 17 + 7 يساوي 83، وهذا العدد أوّليّ!
إذا أضفت إليه عدد كلمات الآية وهو 31 يكون الناتج 114 وهو عدد سور القرآن!
كلمة الغيب ترتيبها من بداية الآية رقم 3، وهو عدد أوّليّ!
وترتيبها من نهاية الآية رقم 29، وهو عدد أوّليّ أيضًا!
مفاتح الغيب عددها 5، وكلمة الغيب عدد حروفها 5، وهذا العدد في ذاته أوّليّ!
لا يعلم الغيب إلَّا اللَّه.. هكذا تقول الأرقام بوضوح!
ولكن.. الأعداد الأوّليّة المستخدمة في القرآن لا ترتبط فقط بالغيبيات، وإنما ترتبط بكل المعاني التي تتوافق مع خصائص الأعداد الأوّليّة التي لا يعلم أحد مكنونها، وفي ذلك سوف نسوق مثالًا واحدًا من سورة لقمان نفسها، فنعود بها إلى الساحة مرّة أخرى:
{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي 13 نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي 19 نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ (34)}
لاحظ.. لقد وردت { وَمَا تَدْرِي } مرّتين في الآية.
الأولى انتهت بالكلمة رقم 13، وهذا العدد أوّليّ!
والثانية انتهت بالكلمة رقم 19، وهذا العدد أوّليّ أيضًا!
وكأن الآية تقول:
وكما أنه لا أحد يدري بمفاتح الغيب شيئًا، فإنه لا أحد يدري بسر الأعداد الأوّليّة شيئًا!
ولا أظن أن أحدًا يعتقد أن الذين جمعوا القرآن ورتبوه كانوا على علم بالأعداد الأوّليّة!
بل لم يكن للعرب ولا كان لهم أي مساهمة يمكن أن تساعد على فهم سلوك الأعداد الأوّليّة.
إنَّ القرآن يوظف منظومة الأعداد الأوّليّة بشكل لا يخطر ببال أحد من البشر! وإنَّ منظومة الأعداد الأوّليّة في القرآن، لا ترتبط بترتيب السور أو الآيات وحدها، ولكنها تتعمَّق على مستوى الحرف!
دعني أقدّم لك مثالًا على ذلك ليس على مستوى السور أو الآيات، ولكن على مستوى الحرف، فلنتأمّل معًا هذه المقارنة العجيبة بين مجموع الترتيب الهجائي لأحرف كلمة { الْغَيْب } ومجموع الترتيب الهجائي لأحرف اسم { اللَّه }!
مجموع الترتيبه الهجائي لأحرف كلمة { الْغَيْب } يساوي 73.. احتفظ بهذا العدد!
مجموع الترتيبه الهجائي لأحرف كلمة { اللَّه } يساوي 73 أيضا..
والعدد 73 أوّليّ، لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو على الرقم 1
وهكذا تؤكِّد الأرقام بوضوح..
{ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ... (65)} [النمل]!
يتبع القسم الثاني