نبي مثلك
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
القسم الأول
إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي
القسم الأول
رسل الله.. يحملون رسالة واحدة.. من إله واحد..
لا إله إلا الله..يدينون جميعًا بدين واحد.. الإسلام..
لذا لا غرو أن يبشّروا بخاتمهم.. متمّم رسالتهم..
بشّر عيسى بمُحمَّد.. فهل بشّر موسى بمُحمَّد؟..
بحسب ما جاء في سفر تثنية الاشتراع، وهو الكتاب الخامس من الكتاب المقدّس لليهود والنصارى، خاطب الله عزّ وجلّ موسى –عليه السلام- قائلًا: "أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به (سفر التثنية 18: 18).
إذا كان المخاطب بهذه النبوءة هو موسى -عليه السلام- فلمن إذًا هذه النبوءة؟
يجيبك النصارى من دون أدنى تفكير أنها (للمسيح)!
ولكن المسيح –عليه السلام- لم يرد ذكره في هذه النبوءة!
يقولون لك إن كلمات هذه النبوءة تصف المسيح وأهم كلماتها (مثلك)، أي المسيح مثل موسى!
يقولون إن المسيح مثل موسى وهو ما أخبر الله به موسى في هذه النبوءة (مثلك)!
يقولون إن المسيح كان يهوديًّا وموسى كذلك كان يهوديًّا..
ولكن هذه المعايير العامة يمكن أن تنطبق على أي من الشخصيات المذكورة في الكتاب المقدّس: سليمان، وأشيعا، وحزقيال، ودانيال، وهوسيا، وجويل، وملاخي، ويوحنا المعمدان، إلخ.. لأنهم كلهم يهود بالإضافة إلى أنهم أنبياء أيضًا، بحسب الكتاب المقدّس، فلماذا لا تنطبق هذه النبوءة على أي واحد من هؤلاء الأنبياء، ولماذا المسيح فقط؟
إذا تفكّر النصارى وتجرّدوا من العصبية سوف يكتشفون أن المسيح لا يشبه موسى في أغلب الصفات، فهناك اختلافات جوهرية بينهما: إن مكانة المسيح مختلفة عن مكانة موسى، لأنه وفقًا لاعتقاد النصارى فإن "المسيح إله"، لكن موسى ليس كذلك؛ ووفقًا لاعتقاد النصارى فإن المسيح مات على الصليب مفتديًا خطايا العالم، لكن موسى لم يمت مفتديًا خطايا العالم؛ ووفقًا لاعتقاد النصارى فإن المسيح مكث في النار ثلاثة أيام، لكن موسى لم يفعل ذلك! وبذلك فإن المسيح لا يشبه موسى بأي حال، ونبوءة موسى (أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك) لا تنطبق على المسيح!
ولكن هذه الاختلافات الجوهرية بين موسى والمسيح –عليهما السلام- ليست حقائق مسلّمًا بها، وإنما هي مجرّد مسائل اعتقادية خطأ عند النصارى، فالمسيح –عليه السلام- ليس إلهًا، ولم يُصلب ولم يمت أصلًا ناهيك عن أنه مات مفتديًا خطايا العالم، كما أنه لم يمكث ثلاثة أيام في النار.
والآن اسمحوا لي أن أقدّم لكم هذه المقارنة بأسلوب واضح ومبسّط..
النبوءة التي يؤمن بها اليهود والنصارى على حدّ سواء تقول لموسى:
"أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به".
كل من موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- جاء إلى الوجود بطريقة طبيعية كسائر البشر، ولديه أب وأم، أما المسيح –عليه السلام- فقد جاء إلى الوجود من خلال معجزة وبطريقة تختلف عن بقيّة البشر، وليس له أب، ومن هذه الناحية فإن موسى –عليه السلام- يماثل مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- ولا يماثل المسيح –عليه السلام-.
اليهود يؤمنون بأن موسى –عليه السلام- نبي، والمسلمون كذلك يؤمنون بأن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- نبي، ولم يقل أحد من اليهود أو المسلمين إنهما إلهان، أما النصارى فيعتقدون أن المسيح –عليه السلام- إله وليس نبيًّا، فكيف إذًا يكون هذا الإله هو النبي المثيل لموسى –عليه السلام-؟! من هذه الناحية فإن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- هو النبي المثيل لموسى –عليه السلام-!
موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- كلاهما تزوّج وأنجب ذريّة، أما المسيح –عليه السلام- فلم يتزوج وبقي أعزب كل حياته، ومن هذه الناحية فإن موسى لا يشبه المسيح –عليهما السلام- ولكنه يشبه مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-.
موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- تقبلهما معظم الناس خلال حياتهما كأنبياء، أما المسيح –عليه السلام- فقد رفضه اليهود ولم يقبلوه، وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه، وبحسب ما جاء في الكتاب المقدّس: "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله" (يوحنا 1: 11)، ولا يزال اليهود حتى يومنا هذا يرفضون المسيح –عليه السلام- ولا يقبلونه. من هذه الناحية فإن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- هو النبي المثيل لموسى –عليه السلام-!
موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- كلاهما نبي وقائد وحاكم ينفذ أحكامًا وقوانين على شعبه، وقد انتصر كلّ منهما على أعدائه ماديًّا وأخلاقيًّا، أما المسيح –عليه السلام- فلم يكن قائدًا ولا حاكمًا ولم ينتصر على أعدائه، وكانت مهمّته توصيل الرسالة فقط، بل طالب بمملكة روحانية فقط في عالم آخر، حيث تؤكد أناجيل النصارى ذلك: "مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا". (يوحنا 18: 36). ومن هذه الناحية فإن موسى لا يماثل المسيح –عليهما السلام- ولكنه يماثل مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-.
خرج موسى –عليه السلام- وأنصاره بطريقة سريّة من موطنهم للهروب من اضطهاد أعدائهم، وهاجر مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه بطريقة سريّة من موطنهم للهروب من اضطهاد أعدائهم، أمَّا المسيح –عليه السلام- فلم يخرج من موطنه أبدًا. ومن هذه الناحية فإن موسى –عليه السلام- يماثل مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- ولا يماثل المسيح –عليه السلام-.
إسماعيل وإسحاق أخوان وهما ابنا إبراهيم –عليهم السلام- وكذلك فإن أبناء أحدهم يعتبرون إخوة لأبناء الآخر، فأبناء إسحاق هم اليهود، وأبناء إسماعيل هم العرب، وبذلك فهم إخوة، والأناجيل تؤكد ذلك في أكثر من موضع.. وهذا مطابق للنبوءة (من وسط إخوتهم)، وهي النبوءة التي تذكر بوضوح أن هناك نبيًّا قادمًا سيكون مثل موسى –عليه السلام-، ويجب ألا يظهر من أبناء إسحاق، أو من أنفسهم، لكن من بين إخوته، لذلك فإن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- من وسط إخوتهم. أمَّا المسيح –عليه السلام- فنسبه من البشر منقطع لأنه ليس له أب، وبحسب زعم النصارى أنه (ابن الله)! ومن هذه الناحية فإن موسى لا يماثل المسيح –عليهما السلام- ولكنه يماثل مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-.
موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- كلاهما مات موتة طبيعية أخيرة لن يبعث منها إلا يوم القيامة، وجسده مدفون في الأرض، ولم يعد إلى الحياة مرّة أخرى، أمَّا المسيح –عليه السلام- فيعتقد النصارى أنه لم يمت موتة طبيعية بل قُتل وصُلب، ثم عاد إلى الحياة بعد ثلاثة أيام، وجسده غير مدفون في الأرض بل لا يزال حيًّا يجلس عن يمين الله! ولذلك فإن موسى لا يشبه المسيح –عليهما السلام- ولكنه يشبه مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-.
وتمضي النبوءة فتقول: (واجعل كلامي في فمه) ومعناها الواضح أن النبي صاحب هذه النبوءة نبي أمي لا يقرأ ولا يكتب.. بالنسبة إلى موسى –عليه السلام- نزلت عليه التوراة مكتوبة في ألواح وهذا لا خلاف حوله.. وبالنسبة إلى المسيح –عليه السلام- فقد كان يقرأ ويكتب بدليل ما جاء في إنجيل يوحنا: "وأما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض". (يوحنا 8: 6)، أما مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- فقد كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب ولذلك وضع الله عزّ وجلّ كلامه وهو القرآن في فمه! فعندما أطلب منك أن تقرأ صفحة من كتاب مثلًا فهذا لا يعني أني وضعت كلماتي في فمك! وبذلك فإن كلمات القرآن هي وحي أوحاه الله تعالى إلى نبيه الأمّي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- وهذا وصف دقيق لما جاء في النبوءة: (واجعل كلامي في فمه).
وفي سفر أشيعا، الإصحاح 29، الفقرة 12، تقرأ: "أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويُقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف الكتابة". وهذه الفقرة تصف بشكل دقيق حال النبي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- عندما نزل عليه القرآن في غار حراء لأوّل مرّة، حيث قال له جبريل –عليه السلام-: { اقْرَأ }، فردّ عليه: ( ما أنا بقارئ )، وكلمة "اقرأ" هي أوّل كلمة نزلت من القرآن.
فالنبي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- أمّي لم يقرأ ولم يكتب لا قبل الوحي ولا بعده، لأنه لو كان يكتب ويقرأ لارتاب الذين في قلوبهم مرض، ولكنه ظل على الفِطْرة التي اختارها الله له، فهو لم يتعلَّم من أحد من البشر ولم يقرأ كتابًا من الكُتب، وكان مُعلِّمه هو الوحي من ربّه عزّ وجلّ، وهذا هو معنى الرسول النبيّ الأميّ. وهنا يجدر بنا أن نتوقّف مع هذا النص من إنجيل لوقا وهو يصف حال المسيح: "وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل، جالسًا في وسط المعلمين، يسمعهم ويسألهم" (لوقا 2: 46). المسيح جالسًا يتعلم بين أيدي المعلمين في الهيكل! يسمعهم ويسألهم! هنا تسقط عنه صفة الألوهية لأنه كان يتعلم من البشر!
وتمضي النبوءة فتذكر: (فيكلمهم بكل ما أوصيه به)..
فبماذا يوصي الله عزّ وجلّ نبيه مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-؟
إنه يوصيه بما أوصى به اليهود والنصارى أن يتقّوا الله..
{ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)} [النساء]
إنه يوصيه باتباع صراط الله المستقيم..
{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام]
الآن تدبّر معنى النبوءة من جديد وبعقلية محايدة: "أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به" (سفر التثنية 18: 18).
كل كلمة من كلمات هذه النبوءة تلائم تمامًا مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- وتنطبق عليه.
فلا داعي لإخراجها عن سياقها لتناسب المسيح –عليه السلام-.
إن القول الراجح في تقدير المؤرّخين الدينيين لميلاد المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- أنه متقدّم على السنة الأولى ببضع سنوات، وأنه على أصح التقديرات لم يولد في السنة الأولى للميلاد. ففي إنجيل متّى أنه -عليه السلام- ولد قبل موت هيرود الكبير، وقد مات هيرود قبل السنة الأولى للميلاد بأربع سنوات! ويقول الدكتور "بيك" في مناقشة "جون ستيوارت" لمدوّنة "من معبد انجورا": وعبارة وردت في مصنف صيني قديم، يتحدث عن رواية وصول الإنجيل للصين سنة 25 – 28 ميلادية، حيث حدد ميلاد المسيح في عام 8 قبل الميلاد، في شهر سبتمبر أو أكتوبر، وحدّد وقت (الصلب) في يوم الأربعاء عام 24 ميلادية.
والقول الراجح في شأن المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- أنه أوحي إليه وكُلّف بالتبليغ في عمر 30 عامًا، واستمرت دعوته 3 أعوام ورُفع بعدها إلى السماء وعمره 33 عامًا، وسوف ينزل في آخر الزمان ليحكم بشريعة الإسلام 7 أعوام، ويموت بعدها الموتة التي كتبها اللَّه على كل بني البشر. ويهمّنا من هذا السرد أن المسيح -عليه السلام- رُفع إلى السماء في سن 33 عامًا، وأن ذلك يصادف سنة 24 ميلادية.
وقد وُلد نبينا مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- في عام الفيل، الموافق سنة 571 ميلادية، وقد أوحي إليه في عمر 40 عامًا، وبذلك يوافق أوّل نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلّم- سنة 611 ميلادية. والآن تأمّل هذه الآية من سورة المائدة:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}
الفترة في هذه الآية بمعنى الفتور وانقطاع الوحي والرسل.
والفَتْرَةُ في المعاجم اللُّغوية هي المدة الزمنية بين كل نَبِيَّيْنِ.
وفي الصحاح: ما بين كل رسولين من رسل اللَّه عزّ وجلّ، من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة.
تهيأ واستعد!
فأنت على وشك أن ترى مشاهد تاريخية في غاية الأهميّة!
رفع اللَّه المسيح إلى السماء في عام 24 ميلادية، وبذلك انقطع الوحي عن الأرض، وبعد مئات السنين عاود الوحي مرّة أخرى ونزل على النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- في غار حراء، وكان ذلك في عام 611 ميلادية. ومن خلال حسبة بسيطة يمكنك أن تتحقَّق بنفسك من أن فترة انقطاع الوحي وفتوره بين المسيح -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- هي (611 – 24) أي إنها 587 سنة. احتفظ بهذا العدد وتذكّره جيّدًا!!
احسب وتعجَّب! إليك آية سورة المائدة مرّة أخرى..
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} [المائدة]
ترتيب كلمة { فَتْرَةٍ } من بداية سورة المائدة هي الكلمة رقم 587 على وجه الدقة لا تتقدّم ولا تتأخر كلمة واحدة!
فترة انقطاع الوحي بين المسيح -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- هي 587 سنة.
والعجيب أن كلمة { فَتْرَةٍ } لم ترد في القرآن كلّه، من أوله إلى آخره، إلا مرّة واحدة فقط وتحديدًا في هذه الآية!
يتبع القسم الثاني
لا إله إلا الله..يدينون جميعًا بدين واحد.. الإسلام..
لذا لا غرو أن يبشّروا بخاتمهم.. متمّم رسالتهم..
بشّر عيسى بمُحمَّد.. فهل بشّر موسى بمُحمَّد؟..
بحسب ما جاء في سفر تثنية الاشتراع، وهو الكتاب الخامس من الكتاب المقدّس لليهود والنصارى، خاطب الله عزّ وجلّ موسى –عليه السلام- قائلًا: "أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به (سفر التثنية 18: 18).
إذا كان المخاطب بهذه النبوءة هو موسى -عليه السلام- فلمن إذًا هذه النبوءة؟
يجيبك النصارى من دون أدنى تفكير أنها (للمسيح)!
ولكن المسيح –عليه السلام- لم يرد ذكره في هذه النبوءة!
يقولون لك إن كلمات هذه النبوءة تصف المسيح وأهم كلماتها (مثلك)، أي المسيح مثل موسى!
يقولون إن المسيح مثل موسى وهو ما أخبر الله به موسى في هذه النبوءة (مثلك)!
يقولون إن المسيح كان يهوديًّا وموسى كذلك كان يهوديًّا..
ولكن هذه المعايير العامة يمكن أن تنطبق على أي من الشخصيات المذكورة في الكتاب المقدّس: سليمان، وأشيعا، وحزقيال، ودانيال، وهوسيا، وجويل، وملاخي، ويوحنا المعمدان، إلخ.. لأنهم كلهم يهود بالإضافة إلى أنهم أنبياء أيضًا، بحسب الكتاب المقدّس، فلماذا لا تنطبق هذه النبوءة على أي واحد من هؤلاء الأنبياء، ولماذا المسيح فقط؟
إذا تفكّر النصارى وتجرّدوا من العصبية سوف يكتشفون أن المسيح لا يشبه موسى في أغلب الصفات، فهناك اختلافات جوهرية بينهما: إن مكانة المسيح مختلفة عن مكانة موسى، لأنه وفقًا لاعتقاد النصارى فإن "المسيح إله"، لكن موسى ليس كذلك؛ ووفقًا لاعتقاد النصارى فإن المسيح مات على الصليب مفتديًا خطايا العالم، لكن موسى لم يمت مفتديًا خطايا العالم؛ ووفقًا لاعتقاد النصارى فإن المسيح مكث في النار ثلاثة أيام، لكن موسى لم يفعل ذلك! وبذلك فإن المسيح لا يشبه موسى بأي حال، ونبوءة موسى (أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك) لا تنطبق على المسيح!
ولكن هذه الاختلافات الجوهرية بين موسى والمسيح –عليهما السلام- ليست حقائق مسلّمًا بها، وإنما هي مجرّد مسائل اعتقادية خطأ عند النصارى، فالمسيح –عليه السلام- ليس إلهًا، ولم يُصلب ولم يمت أصلًا ناهيك عن أنه مات مفتديًا خطايا العالم، كما أنه لم يمكث ثلاثة أيام في النار.
والآن اسمحوا لي أن أقدّم لكم هذه المقارنة بأسلوب واضح ومبسّط..
النبوءة التي يؤمن بها اليهود والنصارى على حدّ سواء تقول لموسى:
"أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به".
كل من موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- جاء إلى الوجود بطريقة طبيعية كسائر البشر، ولديه أب وأم، أما المسيح –عليه السلام- فقد جاء إلى الوجود من خلال معجزة وبطريقة تختلف عن بقيّة البشر، وليس له أب، ومن هذه الناحية فإن موسى –عليه السلام- يماثل مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- ولا يماثل المسيح –عليه السلام-.
اليهود يؤمنون بأن موسى –عليه السلام- نبي، والمسلمون كذلك يؤمنون بأن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- نبي، ولم يقل أحد من اليهود أو المسلمين إنهما إلهان، أما النصارى فيعتقدون أن المسيح –عليه السلام- إله وليس نبيًّا، فكيف إذًا يكون هذا الإله هو النبي المثيل لموسى –عليه السلام-؟! من هذه الناحية فإن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- هو النبي المثيل لموسى –عليه السلام-!
موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- كلاهما تزوّج وأنجب ذريّة، أما المسيح –عليه السلام- فلم يتزوج وبقي أعزب كل حياته، ومن هذه الناحية فإن موسى لا يشبه المسيح –عليهما السلام- ولكنه يشبه مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-.
موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- تقبلهما معظم الناس خلال حياتهما كأنبياء، أما المسيح –عليه السلام- فقد رفضه اليهود ولم يقبلوه، وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه، وبحسب ما جاء في الكتاب المقدّس: "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله" (يوحنا 1: 11)، ولا يزال اليهود حتى يومنا هذا يرفضون المسيح –عليه السلام- ولا يقبلونه. من هذه الناحية فإن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- هو النبي المثيل لموسى –عليه السلام-!
موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- كلاهما نبي وقائد وحاكم ينفذ أحكامًا وقوانين على شعبه، وقد انتصر كلّ منهما على أعدائه ماديًّا وأخلاقيًّا، أما المسيح –عليه السلام- فلم يكن قائدًا ولا حاكمًا ولم ينتصر على أعدائه، وكانت مهمّته توصيل الرسالة فقط، بل طالب بمملكة روحانية فقط في عالم آخر، حيث تؤكد أناجيل النصارى ذلك: "مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا". (يوحنا 18: 36). ومن هذه الناحية فإن موسى لا يماثل المسيح –عليهما السلام- ولكنه يماثل مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-.
خرج موسى –عليه السلام- وأنصاره بطريقة سريّة من موطنهم للهروب من اضطهاد أعدائهم، وهاجر مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه بطريقة سريّة من موطنهم للهروب من اضطهاد أعدائهم، أمَّا المسيح –عليه السلام- فلم يخرج من موطنه أبدًا. ومن هذه الناحية فإن موسى –عليه السلام- يماثل مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- ولا يماثل المسيح –عليه السلام-.
إسماعيل وإسحاق أخوان وهما ابنا إبراهيم –عليهم السلام- وكذلك فإن أبناء أحدهم يعتبرون إخوة لأبناء الآخر، فأبناء إسحاق هم اليهود، وأبناء إسماعيل هم العرب، وبذلك فهم إخوة، والأناجيل تؤكد ذلك في أكثر من موضع.. وهذا مطابق للنبوءة (من وسط إخوتهم)، وهي النبوءة التي تذكر بوضوح أن هناك نبيًّا قادمًا سيكون مثل موسى –عليه السلام-، ويجب ألا يظهر من أبناء إسحاق، أو من أنفسهم، لكن من بين إخوته، لذلك فإن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- من وسط إخوتهم. أمَّا المسيح –عليه السلام- فنسبه من البشر منقطع لأنه ليس له أب، وبحسب زعم النصارى أنه (ابن الله)! ومن هذه الناحية فإن موسى لا يماثل المسيح –عليهما السلام- ولكنه يماثل مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-.
موسى –عليه السلام- ومُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- كلاهما مات موتة طبيعية أخيرة لن يبعث منها إلا يوم القيامة، وجسده مدفون في الأرض، ولم يعد إلى الحياة مرّة أخرى، أمَّا المسيح –عليه السلام- فيعتقد النصارى أنه لم يمت موتة طبيعية بل قُتل وصُلب، ثم عاد إلى الحياة بعد ثلاثة أيام، وجسده غير مدفون في الأرض بل لا يزال حيًّا يجلس عن يمين الله! ولذلك فإن موسى لا يشبه المسيح –عليهما السلام- ولكنه يشبه مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-.
وتمضي النبوءة فتقول: (واجعل كلامي في فمه) ومعناها الواضح أن النبي صاحب هذه النبوءة نبي أمي لا يقرأ ولا يكتب.. بالنسبة إلى موسى –عليه السلام- نزلت عليه التوراة مكتوبة في ألواح وهذا لا خلاف حوله.. وبالنسبة إلى المسيح –عليه السلام- فقد كان يقرأ ويكتب بدليل ما جاء في إنجيل يوحنا: "وأما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض". (يوحنا 8: 6)، أما مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- فقد كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب ولذلك وضع الله عزّ وجلّ كلامه وهو القرآن في فمه! فعندما أطلب منك أن تقرأ صفحة من كتاب مثلًا فهذا لا يعني أني وضعت كلماتي في فمك! وبذلك فإن كلمات القرآن هي وحي أوحاه الله تعالى إلى نبيه الأمّي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- وهذا وصف دقيق لما جاء في النبوءة: (واجعل كلامي في فمه).
وفي سفر أشيعا، الإصحاح 29، الفقرة 12، تقرأ: "أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويُقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف الكتابة". وهذه الفقرة تصف بشكل دقيق حال النبي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- عندما نزل عليه القرآن في غار حراء لأوّل مرّة، حيث قال له جبريل –عليه السلام-: { اقْرَأ }، فردّ عليه: ( ما أنا بقارئ )، وكلمة "اقرأ" هي أوّل كلمة نزلت من القرآن.
فالنبي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- أمّي لم يقرأ ولم يكتب لا قبل الوحي ولا بعده، لأنه لو كان يكتب ويقرأ لارتاب الذين في قلوبهم مرض، ولكنه ظل على الفِطْرة التي اختارها الله له، فهو لم يتعلَّم من أحد من البشر ولم يقرأ كتابًا من الكُتب، وكان مُعلِّمه هو الوحي من ربّه عزّ وجلّ، وهذا هو معنى الرسول النبيّ الأميّ. وهنا يجدر بنا أن نتوقّف مع هذا النص من إنجيل لوقا وهو يصف حال المسيح: "وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل، جالسًا في وسط المعلمين، يسمعهم ويسألهم" (لوقا 2: 46). المسيح جالسًا يتعلم بين أيدي المعلمين في الهيكل! يسمعهم ويسألهم! هنا تسقط عنه صفة الألوهية لأنه كان يتعلم من البشر!
وتمضي النبوءة فتذكر: (فيكلمهم بكل ما أوصيه به)..
فبماذا يوصي الله عزّ وجلّ نبيه مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم-؟
إنه يوصيه بما أوصى به اليهود والنصارى أن يتقّوا الله..
{ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)} [النساء]
إنه يوصيه باتباع صراط الله المستقيم..
{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام]
الآن تدبّر معنى النبوءة من جديد وبعقلية محايدة: "أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به" (سفر التثنية 18: 18).
كل كلمة من كلمات هذه النبوءة تلائم تمامًا مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- وتنطبق عليه.
فلا داعي لإخراجها عن سياقها لتناسب المسيح –عليه السلام-.
إن القول الراجح في تقدير المؤرّخين الدينيين لميلاد المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- أنه متقدّم على السنة الأولى ببضع سنوات، وأنه على أصح التقديرات لم يولد في السنة الأولى للميلاد. ففي إنجيل متّى أنه -عليه السلام- ولد قبل موت هيرود الكبير، وقد مات هيرود قبل السنة الأولى للميلاد بأربع سنوات! ويقول الدكتور "بيك" في مناقشة "جون ستيوارت" لمدوّنة "من معبد انجورا": وعبارة وردت في مصنف صيني قديم، يتحدث عن رواية وصول الإنجيل للصين سنة 25 – 28 ميلادية، حيث حدد ميلاد المسيح في عام 8 قبل الميلاد، في شهر سبتمبر أو أكتوبر، وحدّد وقت (الصلب) في يوم الأربعاء عام 24 ميلادية.
والقول الراجح في شأن المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- أنه أوحي إليه وكُلّف بالتبليغ في عمر 30 عامًا، واستمرت دعوته 3 أعوام ورُفع بعدها إلى السماء وعمره 33 عامًا، وسوف ينزل في آخر الزمان ليحكم بشريعة الإسلام 7 أعوام، ويموت بعدها الموتة التي كتبها اللَّه على كل بني البشر. ويهمّنا من هذا السرد أن المسيح -عليه السلام- رُفع إلى السماء في سن 33 عامًا، وأن ذلك يصادف سنة 24 ميلادية.
وقد وُلد نبينا مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- في عام الفيل، الموافق سنة 571 ميلادية، وقد أوحي إليه في عمر 40 عامًا، وبذلك يوافق أوّل نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلّم- سنة 611 ميلادية. والآن تأمّل هذه الآية من سورة المائدة:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}
الفترة في هذه الآية بمعنى الفتور وانقطاع الوحي والرسل.
والفَتْرَةُ في المعاجم اللُّغوية هي المدة الزمنية بين كل نَبِيَّيْنِ.
وفي الصحاح: ما بين كل رسولين من رسل اللَّه عزّ وجلّ، من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة.
تهيأ واستعد!
فأنت على وشك أن ترى مشاهد تاريخية في غاية الأهميّة!
رفع اللَّه المسيح إلى السماء في عام 24 ميلادية، وبذلك انقطع الوحي عن الأرض، وبعد مئات السنين عاود الوحي مرّة أخرى ونزل على النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- في غار حراء، وكان ذلك في عام 611 ميلادية. ومن خلال حسبة بسيطة يمكنك أن تتحقَّق بنفسك من أن فترة انقطاع الوحي وفتوره بين المسيح -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- هي (611 – 24) أي إنها 587 سنة. احتفظ بهذا العدد وتذكّره جيّدًا!!
احسب وتعجَّب! إليك آية سورة المائدة مرّة أخرى..
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} [المائدة]
ترتيب كلمة { فَتْرَةٍ } من بداية سورة المائدة هي الكلمة رقم 587 على وجه الدقة لا تتقدّم ولا تتأخر كلمة واحدة!
فترة انقطاع الوحي بين المسيح -عليه السلام- ومُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- هي 587 سنة.
والعجيب أن كلمة { فَتْرَةٍ } لم ترد في القرآن كلّه، من أوله إلى آخره، إلا مرّة واحدة فقط وتحديدًا في هذه الآية!
يتبع القسم الثاني