مسارات ابتكارية لأنظمة دفاعية متطورة

إنضم
6 فبراير 2022
المشاركات
8,754
التفاعل
8,857 47 1
الدولة
Saudi Arabia
  • مسارات ابتكارية لأنظمة دفاعية متطورة
Author

مسارات ابتكارية لأنظمة دفاعية متطورة​

أ.د. محمد العسيري
| الاثنين 4 أبريل 2022
*أستاذ وباحث في الهندسة الإلكترونية والأنظمة الدفاعية


تحدثت في مقالات سابقة عن أنواع الابتكارات النوعية المختلفة ودورها الملموس في التأثير في المجتمعات، وتنافس الدول في هذا المجال على جميع المستويات الاقتصادية والدفاعية وسعيها الجاد في الاستثمار وامتلاك هذه الابتكارات النوعية، وأن مكمن القوة في هذا الجانب هو في القدرة على الاستمرار في تطوير وتصنيع هذه الابتكارات وجعلها منظومة متكاملة يسهل إدارتها والتوسع فيها، وكيف أن القيادة السعودية لهذا البلد المعطاء رسمت خريطة الطريق للمشاركة في هذا التنافس وذلك من خلال الخطط الاستراتيجية لتوطين الصناعات الدفاعية وجعلت ذلك جزءا من منظومة الخطة الوطنية للتحول الاقتصادي ورؤية المملكة 2030،
وأسست لذلك الهيئات مثل الهيئة العامة للصناعات الدفاعية، والهيئة العامة للتطوير الدفاعي، وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، والشركة السعودية للصناعات العسكرية، وعديدا من مراكز الأبحاث الوطنية، وغيرها الكثير، وأشرت إلى أن عمل هذه الهيئات والمراكز البحثية والشركات بشكل متكامل وبرؤية استراتيجية واضحة ومترابطة سيقودنا إلى تحقيق الأهداف التي نأمل تحقيقها في المستقبل القريب ولعل من أهمها رفع نسبة التصنيع المحلي إلى 50 في المائة، ولذا كان من المهم أن نسلط الضوء على كيفية تحقيق ذلك من خلال سرد بعض الأمثلة لبعض الدول المتقدمة في هذا المجال والاستفادة من تجاربها في وضع الآليات والمسارات الاستراتيجية لهذه الابتكارات والتقنيات النوعية وكيف كان لها الأثر الواضح في تقدمها وريادتها في التطوير الاستثماري في المجال الدفاعي، وهذا هو محور مقال هذا اليوم.

حاليا تعد الابتكارات النوعية في عصر التقدم التكنولوجي السريع هذا، أهم عوامل التمكين للازدهار والأمن والدفاع والقوة معا، ولذا يتم دعمها من خلال ضخ الاستثمارات الكبيرة في هذا المجال ووضع المسارات الاستراتيجية التي من خلالها تتم دراسة الفجوات في القدرات الدفاعية وحلها حسب الأولوية والأهمية وتقديم الدعم والتطوير، ومن هذه الدول على سبيل المثال، أستراليا، التي وضعت خطتها تحت مسمى استراتيجية العلوم والتكنولوجيا الخاصة بالدفاعStrategy Defence Science and Technology، التي تهدف إلى توفير التقنيات والابتكارات والتكنولوجيا النوعية الدفاعية لضمان الاستحواذ والاستدامة والدعم، وتتكامل وتتشارك مع القطاعات والمؤسسات الأخرى وهنا أقصد المراكز البحثية مثل مركز علوم وتكنولوجيا الأمن القوميNational Security Science and Technology Centre، ومؤسسة العلوم والتكنولوجيا الوطنيةThe National Science and Technology Enterprise، للاستفادة من القدرات والإمكانات الموجودة في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة.
وتم العمل في هذه الاستراتيجية على عدة مسارات ابتكارية بمسمىScience Technology and Research: STaR، وتشمل مسارات عامة خاصة منها، أنظمة الاستشعار ودمج ونشر المعلومات والذكاء الاصطناعي وحرب المعلومات، والأسلحة البيولوجية، والمراقبة عن بعد تحت سطح البحر، وكل ذلك بما يتوافق مع الاحتياجات الفعلية الدفاعية لديهم، وكما أنشأت مركز الابتكارات الدفاعية Defence Innovation Hub، الذي أشرت إليه في مقال سابق بعنوان "تعزيز القدرة الدفاعية من خلال الابتكار النوعي والصناعة"، وصندوق تقنيات الجيل التاليNext Generation Technologies Fund: NGTF، كمبادرات مهمة لتحقيق التطوير في الابتكارات التكنولوجية النوعية وأهدافها الاستثمارية.
ومن الأمثلة الأخرى، ما قامت به الحكومة الأمريكية بعد نتائج الدراسات التي تم التوصل إليها من أن هناك فجوة بين الشركات الاستثمارية الدفاعية الداعمة لوزارة الدفاع والقطاع الخاص خاصة في مجال البحث والتطوير الابتكاري النوعي، ولذا أنشأت ما يسمى وحدة البحث والابتكار Defense Innovation Unit: DIU، ومجلس ابتكار الدفاعDefense Innovation Board، ووكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة Defense Advanced Research Projects Agency: DARPA، التي تشارك في وضع الخطط الاستراتيجية والمسارات الخاصة بالابتكارات النوعية، ومن خلال مشاركة المعلومات بين جميع هذه القطاعات المشتركة في هذا الجانب، مثل الشركات والمراكز البحثية في الجامعات ووضعت لذلك منصات Platforms خاصة بهذا الموضوع.

وفي مقالات سابقة تحدثت عن عدة أنواع من الابتكارات النوعية المختلفة ومنها، تلك التي تستخدم في المجال الدفاعي لأهميتها وبعدها وأثرها الاقتصادي والاجتماعي، التي شملت، الطائرات دون طيار "الدرون"، والحساسات الإلكترونية، والروبوتات، تقنيات الليزر، الأقمار الصناعية، الرادارات، الألغام، والصواريخ، الرقائق الإلكترونية "أشباه الموصلات" وغيرها، وكيف أن الحكومة السعودية تسعى دائما إلى تحقيق الأفضلية والتقدم في جميع المجالات بشكل عام وفي المجال الدفاعي بشكل خاص، ووضعت لذلك أهدافا واضحة يتم تحقيقها من خلال المبادرات التي رصدت لمجال البحث والتطوير والابتكار الدفاعي وجعلت أهم أهدافها الاستراتيجية توطين الصناعات الدفاعية،
ولعل مما يساعد على سرعة تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية تكامل أعمال الهيئة العامة للتطوير الدفاعي، وهي التي تعنى بتحديد أهداف وأنشطة البحث والتطوير والابتكار ذات الصلة بمجالات التقنيات والمنظومات الدفاعية ووضع سياساتها واستراتيجياتها، التي أرى أن تقوم بعمل منصة وطنية لاستقطاب جميع الابتكارات النوعية الدفاعية وتكون متكاملة مع جميع المراكز البحثية الوطنية، التي تتبناها سواء كانت في الجامعات أو القطاعين العام والخاص أو الهيئات البحثية،
لتكون لدينا قاعدة بيانات موحدة لهذه الابتكارات والتقنيات المتطورة، ما يسهل الإشراف والمتابعة، إضافة إلى عقد الشراكات التصنيعية واستقطاب أيضا الشركات المصنعة لهذه الابتكارات النوعية لتحقيق عملية التوطين لها، وقد يكون عمل مسارات بحثية إنتاجية لكل نوع من هذه الابتكارات التي تم ذكرها مسبقا، ويتم تحديثها بشكل مستمر، من خلال الاستفادة من البرامج التي يتم إطلاقها من فترة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال، أطلقت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أخيرا البرنامج السعودي لأشباه الموصلات، وهذا البرنامج يعد من أهم البرامج الداعمة لعملية تصميم وتوطين تقنيات الرقائق الإلكترونية محليا وغير ذلك الكثير، ولعل المقال القادم سيتم التحدث فيه عن كيفية تحويل هذه الأفكار إلى مسارات نوعية من خلال خطوات عملية كل على حدة وبمزيد من التفصيل... يتبع.

 
عودة
أعلى