تقنية الرادارات ومسارها الدفاعي والاستثماري

إنضم
6 فبراير 2022
المشاركات
8,754
التفاعل
8,857 47 1
الدولة
Saudi Arabia
  • تقنية الرادارات ومسارها الدفاعي والاستثماري
Author

تقنية الرادارات ومسارها الدفاعي والاستثماري​

أ.د. محمد العسيري
| الاثنين 18 أبريل 2022
*أستاذ وباحث في الهندسة الإلكترونية والأنظمة الدفاعية


تحدثنا في مقال سابق عن الرادارات الإلكترونية وأهميتها التي تكمن في تعدد أنواعها واستخداماتها وتطبيقاتها غير المحدودة سواء كانت مدنية كتلك التي تستخدم في رصد الأحوال الجوية أو الأبحاث والاكتشافات العلمية أو تنظيم الملاحة الجوية للطائرات المدنية أو التي تستخدم في الموانئ والملاحة البحرية وغيرها، أو التي تستخدم في الأغراض الدفاعية بقطاعاتها الأربعة: البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي، أو تلك التي تستخدم في المجالات الأمنية والحد من التهريب والتجاوزات الحدودية، وكل هذه الأنواع تشترك في عملها سواء كان المراقبة والتتبع أو الكشف والتوجيه، وتعد الرادارات من أنواع الابتكارات النوعية ذات الأهمية الكبيرة سواء من ناحية استخداماتها على المستويين الدفاعي أو المدني، أو أهميتها من الناحية الاقتصادية، ويشمل ذلك الاستثمار في إنتاجها وتصنيعها والتدريب عليها وصيانتها، ولذا نجد الدول الكبرى تتنافس في ريادة هذه التقنية من خلال البحث والتطوير والتصنيع، وأصبح هناك رواد رئيسون في صناعة السوق لها، وسأتحدث عن ذلك من خلال استعراض بعض الشركات الرائدة في هذا المجال، وتطورات هذه التقنية التي جعلتها قوة دفاعية واقتصادية واعدة، وكيفية المنافسة في هذا المجال من خلال طرح مسار نوعي يحقق ذلك.
تنقسم سوق تقنيات الرادارات العالمية إلى ثلاثة أقسام رئيسة: الرادارات الأرضية والبحرية والمحمولة جوا، وكما ذكرت سابقا أنها مقسمة إلى تطبيقات دفاعية ومدنية، إلا أن عددا كبيرا من تطبيقاتها المدنية يستخدم للأغراض الدفاعية أيضا، خاصة مثل التي تستخدم للكشف عن الأحوال الجوية - الطقس - ورادارات الملاحة والرادارات المستخدمة لأغراض المراقبة والأمن والسيطرة، وكمثال على ذلك ما قامت به شركة Honeywell الأمريكية من تطوير لنظام رادار الطقس من نوع IntuVue RDR-7000، ليتم أيضا استخدامه في التطبيقات الدفاعية والأمنية. وتشير الدراسات إلى أن هذه السوق في تزايد مستمر في ظل التطور التقني والرقمي وتنافس الدول الكبرى من خلال مراكز أبحاثها وجامعاتها وشركاتها ومصانعها ولكل منهم بصمته في هذا المجال، وتعد من أبرز الشركات المصنعة لهذا النوع من الابتكارات - على سبيل المثال - شركة ريثيون Raytheon Technologies الأمريكية، وتعد من الشركات الرائدة في هذا المجال، وأخيرا طورت أول هوائي رادار بمجال 360 درجة للكشف والتتبع، خاص بالطائرات منخفضة المستوى ولأنظمة توجيه الصواريخ، وشركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin Corporation الأمريكية التي قدمت نظاما راداريا بعيد المدى لاستخدامات متعددة يغطي مدى 740 كم، وشركة Furuno اليابانية المعروفة في عالم الرادارات الخاصة بعمليات المراقبة والتحليل ثلاثي الأبعاد، كمثال لتطبيقات الرادارات المدنية، وشركة سيلكس Selex ES البريطانية التي طورت رادار المصفوفة الأوروبية متعدد الوظائف The European Multifunction Phased Array Radar: EMPAR، وهو أحد الأمثلة على الرادارات البحرية، ويستخدم كتطبيق دفاعي على السفن، وشركة ساب Saab AB السويدية التي لديها أنواعها الخاصة بالرادار المحمول ثلاثي الأبعاد للمراقبة الجوية بمميزاته المتعددة، وشركة ليوناردو Leonardo الإيطالية التي تتميز باستخدام تقنية Active Electronically Scanned Array: AESA، وهناك عديد من الشركات الرائدة في هذا المجال ولا يتسع المجال لحصرها إلا أن التطور في هذه التقنية مستمر سواء على مستوى مكوناتها Components، أو نطاق تردداتها Frequency band، أو مدى التغطية والأبعاد Range and Dimension، وأصبحنا نرى التنافس في تطوير هذا الابتكار التصنيعي فأصبحت هناك رادارات متقدمة على رقائق إلكترونية Advanced Radar-on-Chip، ورادارات ذات التصوير رباعي الأبعاد 4D Imaging Radar، ما يشير الى تطور هائل قادم من خلال هذه الابتكارات النوعية، وحسب الدراسات المعلنة قدر حجم هذه السوق بنحو 32.5 مليار دولار عام 2021 ومن المتوقع أن يصل إلى 41.0 مليار دولار بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي يبلغ نحو 5 في المائة.
وكون بناء القدرات التصنيعية الوطنية الدفاعية منها والمدنية يعد مطلبا وهدفا استراتيجيا، فإننا نرى ذلك من خلال رؤية مملكتنا الغالية 2030 التي جعلت القيادة الرشيدة من ضمن أهدافها الاستراتيجية، العمل على توطين مثل هذه الصناعات، حتى نستطيع التنافسية والريادة، وفي هذا السياق نرى كثيرا من مراكز الأبحاث الوطنية منها - على سبيل المثال - المركز الوطني للإلكترونيات والأنظمة الدفاعية في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الذي يعمل على تطوير عدد من المنظومات الرادارية المتقدمة للاستخدامات الدفاعية منها، رادار قياس، لتحديد البصمة الرادارية Radar Cross Section: RCS للأهداف المتحركة، إضافة إلى تصميم رادار تبع، متنقل لكشف الأهداف على بعد 150 كم، ورادار سراب، ثنائي الأبعاد، بتغطية 360 درجة ومدى يصل 80 كم وارتفاع عشرة آلاف قدم، وغيرها، وكذلك مركز التميز الخاص بتقنيات الاستشعار بموجات الميكروويف المشترك بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجامعة ميشيجان في الولايات المتحدة، ويعمل على تصميم وتصنيع رادار بتقنية FMCW على رقائق إلكترونية، إضافة إلى مركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية الذي يعمل على تطوير عدد من الأنظمة وتصنيعها، منها المنظومة الرادارية "صامت" لرصد الأهداف الجوية وغيرها، ولأهمية منظومة الرادارات كأحد مسارات الابتكارات النوعية المتقدمة لأي دولة تنافس عالميا في هذا المجال أقترح أن تكون هذه منظومة أحد المسارات المقترحة لأعمال الهيئة العامة للتطوير الدفاعي التي ستمكنها من العمل كمظلة لجميع مبادرات التصنيع والتطوير، وكذلك الأبحاث في هذا المجال، ما يمكن من متابعة وتحفيز جميع القطاعات لنشر ودراسة مثل هذه الابتكارات ابتداء من مراحل التعليم لإضافتها في المناهج كبداية للتعريف بأهميتها وحث الطلاب على التفكير والإبداع في هذا المسار، وكذلك تركيز جهود الهيئة في التنسيق والمتابعة لجميع الشراكات والتحالفات الدولية والمبادرات الخاصة بالأبحاث والتطوير حتى مراحل التصنيع والإنتاج، ما سيوجد بيئة ابتكارية متميزة للوصول إلى نمو اقتصادي واعد وقوة دفاعية رادعة.
 
عودة
أعلى