عائشة بنت أبي بكر الصديق
المبرأة من فوق سبع سموات
إنها معلمة الرجال، الصديقة بنت الصديق، القرشي التيمية، المكية، أم المؤمنين، زوجة سيد ولد آدم، وأحب نسائه إليه، وابنة أحب الرجال إليه، المبرأة من فوق سبع سماوات.
ثبت في الصحيحين أن عمرو بن العاص- رضي الله عنه-سأل النبي- صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة. قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها .
إن هذه الصحابية الجليلة قد تتلمذت في مدرسة النبوة، مدرسة الإيمان ومدرسة الفرسان، تولاها في طفولتها شيخ المسلمين وأفضلهم، أبوها الصديق، ورعاها في شبابها نبي البشرية ومعلمها، وأكرم البشر وأفضلهم، زوجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، جمعت من العلم والفضل والبيان ما جعلها تخلف في التاريخ دويا تتناقل أصداءه العصور.
وفي البيت المتواضع بدأت عائشة- رضي الله عنها- حياتها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستظل هذه الحياة الطيبة حديث التاريخ.
إن الزواج هو عمل المرأة الأول، وإن من أكبر غايات المرأة في هذه الحياة أن تكون زوجة، وأن تكون أما. لا يغنيها في ذلك شيء ولو حازت مالا يملأ الأرض، ولو نالت مجدا ينطح السحاب، ولو بلغت من العلم والرياسة ما تنقطع دونه الأعناق، ما أغناها ذلك كله عن الزواج، ولا محا عن نفسها الميل إليه، وكيف تسعد من تميل عن فطرتها التي جبلت عليها؟!
وفي بيت الزوجية غدت عائشة- رضي الله عنها- معلما لكل امرأة في العالم على مر العصور، لقد كانت خير زوجة كريمة النفس، كريمة اليد، صبرت مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- على الفقر والجوع حتى كانت تمر عليها الأيام الطويلة وما يوقد في بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نار، إنما كانا يعيشان على التمر والماء.
ولما أقبلت الدنيا على المسلمين أتيت مرة بمائة ألف درهم وكانت صائمة ففرقتها كلها، وليس في بيتها شيء، فلما أمست قالت: يا جارية، هلمي فطري، فجاءتها بخبز وزيت، ثم قالت الجارية: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا لحما بدرهم نفطر عليه. قالت: لا تعنفيني، لو كنت ذكرتني لفعلت.
وعن تميم بن سلمة عن عروة قال: لقد رأيت عائشة- رضي الله عنها- تقسم سبعين ألفا، وإنها لترقع جيب درعها .
لقد كانت عائشة- رضي الله عنها- زوجة اهتمت بالتلقي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبلغت من العلم والبلاغة ما جعلها تكون معلمة الرجال، ومرجعا لهم في الحديث والفقه. قال الإمام الزهري- رحمه الله-: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.
وقال هشام بن عروة عن أبيه قال: لقد صحبت عائشة فما رأيت أحدا قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا، ولا بكذا، ولا بقضاء، ولا طب منها، فقلت لها: يا خالة، الطب من أين علمت؟ فقالت: كنت أمرض فينعت لي الشيء، ويمرض المريض فينعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه . وعن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أنه قيل له: هل كانت عائشة- رضي الله عنها- تحسن الفرائض؟ قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- الأكابر يسألونها عن الفرائض.
ومن أهم المواقف في حياة أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- موقف التهمة الشنيعة التي اتهمت بها (حادثة الإفك)، ذلك لأن نفوس المنافقين الذين رأوا انتصارات المسلمين تتوسع يوما بعد يوم لم تسترح، ووجدوا أن مكانتهم بدأت تنحسر وتتلاشى إلى أن مقتهم مجتمعهم، فأرادوا- بزعمهم- أن يوجهوا ضربة قاصمة إلى النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم-، وأن يحدثوا في الصف المسلم فرقة وشقاقا، فرموا أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق بالبهتان العظيم.
لقد كان عبدالله بن أبي بن سلول قد تولد النفاق والحسد في قلبه من أول يوم سمع فيه بالإسلام، وطفق يكيد للنبي- صلى الله عليه وسلم- وللإسلام المكيدة تلو الأخرى، ولكن حكمة الله - تعالى- كانت له وللمنافقين بالمرصاد، فكانت تلجمهم وتكبتهم.
لقد كان لحادثة الإفك وقع أليم على قلب أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-، ومرت عليها وعلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والبيت البكري الصادق أوقات قاسية حرجة، امتدت إلى شهر من الزمن، حتى نزل القران الكريم بالبراءة للعفيفة الشريفة، وتحمل هذه البراءة شهادة مباركة للصحابي الجليل صفوان بن المعطل الذي رمي بالحديث الآثم، كما وسمت المنافقين بميسم الزور والبهتان الذي يلاحقهم إلى النهاية.
كانت هذه الحادثة في غزوة المريسيع سنة خمس من الهجرة، وعمر عائشة- رضي الله عنها- يومئذ اثنتا عشرة سنة.
وها هي عائشة- رضي الله عنها- تحدثنا عن هذه الحادثة المؤلمة مفصلة فتقول: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعدما نزل الحجاب، وأنا أحمل في هودج، وانزل فيه، فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حينئذ، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت حاجتي أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي
من جزع ظفار قد انقطع، فالتمسته، وحبسني التماسه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن - اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام. فلم يستنكروا خفة المحمل حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، ! فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فأممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني، فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة غلبتني عيني، فنمت.
وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب. فاسترجع، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفت. فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، فأناخ راحلته، فوطىء على يديها فركبتها. فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في، وكان الذي تولى كبر الإفك عبدالله بن أبي بن سلول.
فقدمنا المدينة، فاشتكيت شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، ويريبني في وجهي أني لا أعرف من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل علي، فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف، فذلك الذي يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت. فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا. وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول من التبرز قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب، فأقبلت أنا وهي قبل بيتي، قد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح! فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وما ذاك؟ فأخببرتني الخبر، فازددت مرضا على مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي، ودخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما. فأذن لي. فجئت ، أبوي، فقلت: يا أمتاه، ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا . كثرن عليها. فقلت: سبحان الله! وقد تحدت الناس بهذا ؟!فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حتى استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله، أهلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تصدقك. فدعا بي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بريرة، فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا اغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام على عجين أهلها، فيأتي الداجن، فيأكله.
فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاستعذر من عبدالله بن أبي سلول، فقال وهو على المنبر: "يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي ". فقام سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عم سعد بن معاذ- فقال: كذبت! لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فتشاور الحيان: الأوس والخزج ، حتى سكتوا وسكت.
قالت: فبكيت يومي ذلك وليلتي، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسلم، ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني
شيء. قالت: فتشهد، ثم قال: "أما بعد، يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ". فلما قضى مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقلت وأنا حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة- والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة لتصدقني. والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أ-بي يوسف: ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )) . ثم تحولت، فاضطجعت على فراشي، وأنا أعلم أني بريئة، وأن الله- تعالى- يبرئني ببراءتي، ولكن والله ما ظننت أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في النوم رؤيا يبرئني الله بها.
قالت: فو الله ما قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى نزل عليه الوحي، فأخذه من كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي ينزل عليه، فلما سري وهو يضحك، قال: "يا عائشة، أما والله لقد برأك الله " فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله. وأنزل الله - تعالى-: (( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين. لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون. ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة. لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم. إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم. ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين. ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم. إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلون. ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم )) سورة النور (11-30) .
قالت: فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبوبكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا انفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة. فأنزلت: (( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم )) سورة النور22.
قال: بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
قالت: وكاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسأل زينب بنت جحش عن أمري. فقالت: أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم-، فعصمها الله- تعالى بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك .
وهكذا أكرم الله- تعالى المؤمنين بفضله، ورد كيد المنافقين إلى نحورهم، ورحم الله الشاعر حين قال على لسان عائشة- رضي الله عنها-:
وتكلم الله العظيــم بحجتي وبراءتي في محكم القران
والله في القرآن قد لعن الذي بعد البراءة بالقبيح رماني
والله فضلني وعـظم حرمتي وعلي لسان نبيه بـراني
والله وبخ من أراد تنقـصي إفكا وسبح نفسه في شاني
***********
توفيت عائشة- رضي الله عنها- ليلة الثلاثاء، السابع عشر من رمضان، سنة ثمان وخمسين من الهجرة، وهي ابنة ست وستين سنة، ودفنت بالبقيع من ليلتها بعد صلاة الوتر.
فرضي الله- تعالى- عن الصديقة بنت الصديق، وأكرم في جنات الخلد مثواها، ورزق المسلمات الاقتداء بها، والسير على طريقها.. آمين.
المبرأة من فوق سبع سموات
إنها معلمة الرجال، الصديقة بنت الصديق، القرشي التيمية، المكية، أم المؤمنين، زوجة سيد ولد آدم، وأحب نسائه إليه، وابنة أحب الرجال إليه، المبرأة من فوق سبع سماوات.
ثبت في الصحيحين أن عمرو بن العاص- رضي الله عنه-سأل النبي- صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة. قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها .
إن هذه الصحابية الجليلة قد تتلمذت في مدرسة النبوة، مدرسة الإيمان ومدرسة الفرسان، تولاها في طفولتها شيخ المسلمين وأفضلهم، أبوها الصديق، ورعاها في شبابها نبي البشرية ومعلمها، وأكرم البشر وأفضلهم، زوجها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، جمعت من العلم والفضل والبيان ما جعلها تخلف في التاريخ دويا تتناقل أصداءه العصور.
وفي البيت المتواضع بدأت عائشة- رضي الله عنها- حياتها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستظل هذه الحياة الطيبة حديث التاريخ.
إن الزواج هو عمل المرأة الأول، وإن من أكبر غايات المرأة في هذه الحياة أن تكون زوجة، وأن تكون أما. لا يغنيها في ذلك شيء ولو حازت مالا يملأ الأرض، ولو نالت مجدا ينطح السحاب، ولو بلغت من العلم والرياسة ما تنقطع دونه الأعناق، ما أغناها ذلك كله عن الزواج، ولا محا عن نفسها الميل إليه، وكيف تسعد من تميل عن فطرتها التي جبلت عليها؟!
وفي بيت الزوجية غدت عائشة- رضي الله عنها- معلما لكل امرأة في العالم على مر العصور، لقد كانت خير زوجة كريمة النفس، كريمة اليد، صبرت مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- على الفقر والجوع حتى كانت تمر عليها الأيام الطويلة وما يوقد في بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نار، إنما كانا يعيشان على التمر والماء.
ولما أقبلت الدنيا على المسلمين أتيت مرة بمائة ألف درهم وكانت صائمة ففرقتها كلها، وليس في بيتها شيء، فلما أمست قالت: يا جارية، هلمي فطري، فجاءتها بخبز وزيت، ثم قالت الجارية: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا لحما بدرهم نفطر عليه. قالت: لا تعنفيني، لو كنت ذكرتني لفعلت.
وعن تميم بن سلمة عن عروة قال: لقد رأيت عائشة- رضي الله عنها- تقسم سبعين ألفا، وإنها لترقع جيب درعها .
لقد كانت عائشة- رضي الله عنها- زوجة اهتمت بالتلقي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبلغت من العلم والبلاغة ما جعلها تكون معلمة الرجال، ومرجعا لهم في الحديث والفقه. قال الإمام الزهري- رحمه الله-: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.
وقال هشام بن عروة عن أبيه قال: لقد صحبت عائشة فما رأيت أحدا قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا، ولا بكذا، ولا بقضاء، ولا طب منها، فقلت لها: يا خالة، الطب من أين علمت؟ فقالت: كنت أمرض فينعت لي الشيء، ويمرض المريض فينعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه . وعن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أنه قيل له: هل كانت عائشة- رضي الله عنها- تحسن الفرائض؟ قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- الأكابر يسألونها عن الفرائض.
ومن أهم المواقف في حياة أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- موقف التهمة الشنيعة التي اتهمت بها (حادثة الإفك)، ذلك لأن نفوس المنافقين الذين رأوا انتصارات المسلمين تتوسع يوما بعد يوم لم تسترح، ووجدوا أن مكانتهم بدأت تنحسر وتتلاشى إلى أن مقتهم مجتمعهم، فأرادوا- بزعمهم- أن يوجهوا ضربة قاصمة إلى النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم-، وأن يحدثوا في الصف المسلم فرقة وشقاقا، فرموا أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق بالبهتان العظيم.
لقد كان عبدالله بن أبي بن سلول قد تولد النفاق والحسد في قلبه من أول يوم سمع فيه بالإسلام، وطفق يكيد للنبي- صلى الله عليه وسلم- وللإسلام المكيدة تلو الأخرى، ولكن حكمة الله - تعالى- كانت له وللمنافقين بالمرصاد، فكانت تلجمهم وتكبتهم.
لقد كان لحادثة الإفك وقع أليم على قلب أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-، ومرت عليها وعلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والبيت البكري الصادق أوقات قاسية حرجة، امتدت إلى شهر من الزمن، حتى نزل القران الكريم بالبراءة للعفيفة الشريفة، وتحمل هذه البراءة شهادة مباركة للصحابي الجليل صفوان بن المعطل الذي رمي بالحديث الآثم، كما وسمت المنافقين بميسم الزور والبهتان الذي يلاحقهم إلى النهاية.
كانت هذه الحادثة في غزوة المريسيع سنة خمس من الهجرة، وعمر عائشة- رضي الله عنها- يومئذ اثنتا عشرة سنة.
وها هي عائشة- رضي الله عنها- تحدثنا عن هذه الحادثة المؤلمة مفصلة فتقول: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعدما نزل الحجاب، وأنا أحمل في هودج، وانزل فيه، فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حينئذ، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت حاجتي أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي
من جزع ظفار قد انقطع، فالتمسته، وحبسني التماسه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن - اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام. فلم يستنكروا خفة المحمل حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، ! فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فأممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني، فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة غلبتني عيني، فنمت.
وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب. فاسترجع، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفت. فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، فأناخ راحلته، فوطىء على يديها فركبتها. فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في، وكان الذي تولى كبر الإفك عبدالله بن أبي بن سلول.
فقدمنا المدينة، فاشتكيت شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، ويريبني في وجهي أني لا أعرف من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل علي، فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف، فذلك الذي يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت. فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا. وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول من التبرز قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب، فأقبلت أنا وهي قبل بيتي، قد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح! فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وما ذاك؟ فأخببرتني الخبر، فازددت مرضا على مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي، ودخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما. فأذن لي. فجئت ، أبوي، فقلت: يا أمتاه، ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا . كثرن عليها. فقلت: سبحان الله! وقد تحدت الناس بهذا ؟!فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حتى استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله، أهلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تصدقك. فدعا بي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بريرة، فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا اغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام على عجين أهلها، فيأتي الداجن، فيأكله.
فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاستعذر من عبدالله بن أبي سلول، فقال وهو على المنبر: "يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي ". فقام سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عم سعد بن معاذ- فقال: كذبت! لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فتشاور الحيان: الأوس والخزج ، حتى سكتوا وسكت.
قالت: فبكيت يومي ذلك وليلتي، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسلم، ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني
شيء. قالت: فتشهد، ثم قال: "أما بعد، يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ". فلما قضى مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقلت وأنا حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة- والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة لتصدقني. والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أ-بي يوسف: ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )) . ثم تحولت، فاضطجعت على فراشي، وأنا أعلم أني بريئة، وأن الله- تعالى- يبرئني ببراءتي، ولكن والله ما ظننت أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في النوم رؤيا يبرئني الله بها.
قالت: فو الله ما قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى نزل عليه الوحي، فأخذه من كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي ينزل عليه، فلما سري وهو يضحك، قال: "يا عائشة، أما والله لقد برأك الله " فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله. وأنزل الله - تعالى-: (( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين. لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون. ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة. لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم. إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم. ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين. ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم. إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلون. ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم )) سورة النور (11-30) .
قالت: فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبوبكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا انفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة. فأنزلت: (( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم )) سورة النور22.
قال: بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
قالت: وكاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسأل زينب بنت جحش عن أمري. فقالت: أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم-، فعصمها الله- تعالى بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك .
وهكذا أكرم الله- تعالى المؤمنين بفضله، ورد كيد المنافقين إلى نحورهم، ورحم الله الشاعر حين قال على لسان عائشة- رضي الله عنها-:
وتكلم الله العظيــم بحجتي وبراءتي في محكم القران
والله في القرآن قد لعن الذي بعد البراءة بالقبيح رماني
والله فضلني وعـظم حرمتي وعلي لسان نبيه بـراني
والله وبخ من أراد تنقـصي إفكا وسبح نفسه في شاني
***********
توفيت عائشة- رضي الله عنها- ليلة الثلاثاء، السابع عشر من رمضان، سنة ثمان وخمسين من الهجرة، وهي ابنة ست وستين سنة، ودفنت بالبقيع من ليلتها بعد صلاة الوتر.
فرضي الله- تعالى- عن الصديقة بنت الصديق، وأكرم في جنات الخلد مثواها، ورزق المسلمات الاقتداء بها، والسير على طريقها.. آمين.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: