تاريخكم
شحادة بشير
وُلِدَ في مرسية بالأندلس سنة 614هـ، واشتُهِر بابن سبعين؛ لأنه كان يطلق على نفسه ابن دارة، والدارة في الحساب = حرف العين = 70.
وفي هذا السياق؛ قال أحمد أمين في “ظهر الإسلام” عن ابن سبعين: “نشأ ترِفاً موقَّراً، وقد كان وسيماً جميلاً، ملوكي البزَّة، عزيز النَّفس، قليلُ التَّصَنُّع، آية من الآياتِ في الإيثار والجُودِ بِمَا في يدِهِ”.
وأخذ التصوف عن أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن محمد بن الدهاق.
وحينما نزل سبتة؛ عكَف على التصوُّف، ودرَسها ودرَّسها، ووجد قبولاً لدى العامة التي تدفقت إلى مجلسه، وفي المدينة ذاتها؛ تزوَّج من امرأة غنية أُعجِبَت به وشيَّدت له بيتاً أقام فيه وأنشأ زاوية للعبادة، ورُزِقَ بابنه محمد والذي حمل لقبيّ شهاب الدين أو نور الدين.
وما ظهر في بلاد المغرب -هكذا يتابع تلميذه الدفاع- رجل أظهر منه، فهو المشار إليه بالحديث، ثم إن أهل المغرب أهل الحق، وأحق الناس بالحق، وأحق المغرب بالحق علماؤه، لكونهم القائمين بالقسط، وأحق علمائه بالحق محققهم وقطبهم، الذي يدور الكل عليه، ويعول في مسائلهم ونوازلهم، السهلة والعريضة، عليه. فهو أي ابن سبعين حق المغرب، والمغرب حق الله تعالى” انتهى.
له شعر؛ منه:
ويظهر أن شهرة ابن سبعين بالحقائق الإلهية والعلوم العقلية قد استطارت في الآفاق، بدليل ما ورد في مستهل كتاب: “المسائل الصقلية”، وهي المسائل التي كان الإمبراطور فردريك الثاني ملك النورمانديين في صقلية قد واجهها إلى علماء المسلمين، تبكيتاً لعم فيها ذكر المقري، أو الاستفادة وحب الاستطلاع لما كانت عليه شهرة المسلمين حينئذٍ بالفلسفة والعلم كما نرى.
وهذه الأسئلة الفلسفية وجه فردريك الثاني نسخاً منها إلى المشرق ومصر والشام والعراق والدروب واليمن، لكن رجعت أجوبة حكماء المسلمين بما لم يرضه فريدريك الثاني، فسأل عن أفريقية “تونس” ومن بها، فقيل له: إنها عرية من هذا الشأن، أي من الفلسفة، وسأل عن المغرب والأندلس، فقيل له: إن بها رجلاً يعرف بابن سبعين.
فكتب فردريك للخليفة الرشيد من أولاد عبد المؤمن في أمرها.
فكتب أمير المؤمنين لعامله بسبتة، وهو: ابن خلاص، أن ينظر في الرجل المذكور أن يرد الجواب على الأسئلة.
وكان مالك الروم يعني فردريك قد وجه مع رسوله جملة مال، فاستدعى ابن خلاص الإمام قطب الدين، وأوقفه على الأسئلة بأمر الخليفة، فضحك ابن سبعين وألزم نفسه الجواب.
فدفع له ابن خلاص المال الذي جاء به رسول ملك الروم، فرده ولم يقبله، وقال: إنما أجيب عنها احتساباً لله، وانتصاراً للملة الإسلامية، ثم قرأ قوله تعالى: “قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى” (الأنعام: 90) وجاوبه.
فلما بلغ الجواب للملك فردريك أرضاه ووجه بصلة عظيمة فردت عليه كالأولى”.
والمسألة الثانية: عن العلم الإلهي: ما هو المقصود منه، وما مقدماته الضرورية إن كانت له مقدمات؟
والمسألة الثالثة: عن المقولات أي شيء هي؟ وكيف يتصرف بها في أجناس العلوم حتى يتم عددها، وعددها عشر، فهل يمكن أن تكون أقل؟ وهل يمكن أن تكون أكثر؟ وما البرهان على ذلك؟ والمسألة الرابعة عن النفس: ما الدليل على بقائها وما طبيعتها؟
ويتفرع عن هذه المسألة الأخيرة سؤال عن اين خالف الإسكندر الإفروديسي أرسطوطاليس.
ويظهر أن المكانة التي نالها ابن سبعين بهذا الجواب قد أوغرت صدور الفقهاء عليه، فراحوا يتهمونه بالكفر، مما اضطر حاكم سبتة، ابن الخلاص، إلى طرده منها فسكن في بجاية مدة، فلم يطب له المقام نظراً لإغراء الفقهاء به، وتحريضهم عليه، وحسدهم له من كثرة اتباعه ومريديه، فضلاً عما بدا في كتاباته وأقواله من كلمات غريبة تشم منها رائحة الكفر.
ولا نعرف أنه ألف شيئاً بعد رحلته عن المغرب فيما عدا الرسالة التي بعث بها أهل مكة يبايعون فيها السلطان المستنصر بالله تعالى أبا عبد الله محمد بن سلطان زكريا عبد الواحد بن أبي حفص، ملك إفريقية وما إليها، تولى الملك في تونس سنة 657 هـ حتى سنة 674 هـ، وعلى رأسهم شريف مكة أبو نمي محمد الأول الذي كان شريفاً على مكة من شوال سنة 652هـ إلى صفر سنة 701 هـ، فهذه الرسالة بالبيعة كانت من إنشاء ابن سبعين، وقد سردها ابن خلدون بجملتها في مقدمته.
هذا المنطق -الذي أسماه ابن سبعين “المحقق”- وهو منطق ليس من جنس ما يكتب بالنَّظَر العقلي، إنمَّا من قبيل النفحات الإلهية التي يبصر بها الإنسان ما لم يبصر ويعلم ما لم يعلم، فهو بمثابة منطق ذوقي إو إشراقي لا يرتكز على التجربة والاستقراء، وإنمَّا يقوم على أساس الفطرة والمشاهدة.
هذا ويخصص ابن سبعين لهذا الغرض قسماً طويلاً من كتابه “بد العارف” على شاكلة ما قام السهروردي في “حكمة الإشراق”، حيث يتضح جلياً تأثر الأول بمنهج الثاني.
ومباحث هذا المنطق الجديد -بحسب ما وصفه ابن سبعين-،” لا تصورها بالمرشد ولا تنالها النُّفوس بالجهد ولا بالتجلُّد، بل بالنَّفحات الإلهية، حتى يبصر (الإنسان) ما لم يبصر، ويعلم ما لا يعلم، وتظهر أشياء لا من جنس ما يكتسب”.
هذا الطَّرح يوازيه لدى السهروردي قوله:” إنه لم يحصل لي أولا بالفكر بل كان حصوله بأمرٍ آخر، ثم طلبتُ الحُجَّة عليه حتى لو قطعت النَّظَر عن الحجَّة ما كان يُشككني فيه مشكك”.
وعلى الرغم من اعتداد ابن سبعين بنفسه وتأكيده على عدم تأثره بأيٍ من سابقيه؛ بيد أن الدارسين والمختصين يرون ثمَّة تأثر واضح في منهجه بما قدَّمه السهروردي، خصوصاً في مسألة محاولتهما التملُّص من المنطق الأرسطي، وبناء أسس منطقية جديدة قائمة على الذَّوق والمشاهدة، إلى جانب بحثهما في الخُلْد قبل التصور والتصديق لا بعدهما، فمن المعلوم بأن السهروردي كان أول من حاول التحرر من قبضة منطق أرسطو، وقيامه بوضع منطق جديد قائم على أساس علمي منظَّم.
وكذلك يتسم كلامه بكثرة ما يرد فيه من ألغاز وإشارات حروف أبجد، وله تسميات مخصوصة في كتبه هي نوع من الرموز كما قال صحاب “عنوان الدراية”.
قال زين الدين عبد الرؤوف المُناوي (توفي 1621 م): “إنَّ ابن سبعين كانَ لهُ سلوكٌ عجيبٌ على طريق أهل الوِحْدَة، ولهُ في عِلْمِ الحُروفِ والأسماءِ اليد الطولى”.
مات ابن سبعين في مكة سنة ( 669هـ-1272م) على الراجح من أقوال أصحاب التراجم، وقد قيل : إنه مات مسموماً رحمه الله بفعل خصومه الذين حنقوا عليه وتميزوا منه غيظاً، لما كان يتمتع به من حظوة عند أمير مكة ويد طولى في توجيه دفة الحكم، فأوغروا الصدر عليه، وتم قتله بأمر من “الملك المظفر” صاحب اليمن، وبتحريض “وزيره الحشوي” الذي كان يكره ابن سبعين.
Categories: أعلام
Tags: إشبيلية, ابن حبيب, ابن سبعين, الأدب, الإمام الذهبي, البسطامي, التصوف, الحكمة, الدهاق, الذهبي, الزهد, السهروردي, الصوفية, الفلسفة, الفلك, اللغة, اللغة العربية, المغرب, سبتة, مكة
ابن سبعين.. الفيلسوف الزاهد
سنتين ago
اسمه ونشأته:-
هو الإمام شيخ الإسلام القطب الوارث المحمدي : أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح بن سبعين ، الإشبيلي المرسي، الرقوطي الأصل، الصوفي المشهور على قواعد الفلسفة.وُلِدَ في مرسية بالأندلس سنة 614هـ، واشتُهِر بابن سبعين؛ لأنه كان يطلق على نفسه ابن دارة، والدارة في الحساب = حرف العين = 70.
أسرته:-
وهو من أسرة نبيلة وافرة الغنى هي أسرة ابن سبعين التي تذكر بعض المصادر أنها تصعد في نسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقضى مطلع شبابه في الأندلس.وفي هذا السياق؛ قال أحمد أمين في “ظهر الإسلام” عن ابن سبعين: “نشأ ترِفاً موقَّراً، وقد كان وسيماً جميلاً، ملوكي البزَّة، عزيز النَّفس، قليلُ التَّصَنُّع، آية من الآياتِ في الإيثار والجُودِ بِمَا في يدِهِ”.
نشأته وطلبه للعلم:-
درس العربية والأدب بالأندلس، ثم ارتحل إلى سبتة، وانتحل التصوف على قاعدة زهد الحكماء وتصوفهم، وجد واجتهد، وجال في بلاد المغرب، وهو دون العشرين من عمره.وأخذ التصوف عن أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن محمد بن الدهاق.
وحينما نزل سبتة؛ عكَف على التصوُّف، ودرَسها ودرَّسها، ووجد قبولاً لدى العامة التي تدفقت إلى مجلسه، وفي المدينة ذاتها؛ تزوَّج من امرأة غنية أُعجِبَت به وشيَّدت له بيتاً أقام فيه وأنشأ زاوية للعبادة، ورُزِقَ بابنه محمد والذي حمل لقبيّ شهاب الدين أو نور الدين.
الإدريسي يصف مدينة سبتة
لذا، فإنه قضى الفترة الخصبة من حياته الروحية في المغرب، وفيها أيضاً ألف معظم رسائله، وجرت له المناظرات العنيفة مع فقهاء المغرب من أعداء الفلسفة والتصوف، فظهرت عليهم حجته وخصمهم بمتانة استدلاله وسعة اطلاعه حتى إن أحد تلاميذ ابن سبعين، ولعله يحيى بن محمد بن أحمد بن سليمان قال في رسالة دافع فيها عن أستاذه، وسماها: “الوراثة المحمدية والفصول الذاتية”: إن من بين الأدلة على أنه كان لابن سبعين الوراثة المحمدية أن ابن سبعين “كان من بلاد المغرب”، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزال طائفة من أهل المغرب ظاهرين إلى قيام الساعة”.وما ظهر في بلاد المغرب -هكذا يتابع تلميذه الدفاع- رجل أظهر منه، فهو المشار إليه بالحديث، ثم إن أهل المغرب أهل الحق، وأحق الناس بالحق، وأحق المغرب بالحق علماؤه، لكونهم القائمين بالقسط، وأحق علمائه بالحق محققهم وقطبهم، الذي يدور الكل عليه، ويعول في مسائلهم ونوازلهم، السهلة والعريضة، عليه. فهو أي ابن سبعين حق المغرب، والمغرب حق الله تعالى” انتهى.
مكانته العلمية:-
يعتبر من زهَّاد الفلسفة القائلين بوحدة الوجود، له أتباع ومريدون يعرفون بالسبعينية، وقد درس العربية والآداب بالأندلس، ثم انتقل إلى سبتة وانتحل التصوف على قاعدة زهد الفلاسفة وتصرُّفهم، وعكف على مطالعة كتبه، وجدَّ واجتهد، وجال في بلاد المغرب، ثم رحل إلى المشرق، وحجَّ حججاً كثيرة، وشاع ذكره، وعظم صيته، وكثرت أتباعه، على رأي أهل الوحدة المطلقة، وأملى عليهم كلاماً في العرفان على رأي الاتحادية، وصنًّف في ذلك أوضاعا كثيرة، وتلقًّوها عنه وبثُّوها في البلاد شرقاً وغرباً.له شعر؛ منه:
[BGCOLOR=rgba(127, 127, 127, 0.125)]كم ذا تموّه بالشَّعبين والعلم .. والأمرُ أوضحُ مِنْ نارٍ على عَلَمِ
أصبحْتَ تسألُ عن نجدٍ وساكنِها .. وعَنْ تِهامةَ هذا فعلُ متَّهمِ[/BGCOLOR]
شهرة ابن سبعين بالزهد والعلم:-
وشاعت شهرته بالزهد والعلم، فأعجبت به سيدة صالحة ثرية من أهل سبتة، وطلبت منه التزوج منها، فتزوجها. وأقامت له في بيتها زاوية للعبادة.ويظهر أن شهرة ابن سبعين بالحقائق الإلهية والعلوم العقلية قد استطارت في الآفاق، بدليل ما ورد في مستهل كتاب: “المسائل الصقلية”، وهي المسائل التي كان الإمبراطور فردريك الثاني ملك النورمانديين في صقلية قد واجهها إلى علماء المسلمين، تبكيتاً لعم فيها ذكر المقري، أو الاستفادة وحب الاستطلاع لما كانت عليه شهرة المسلمين حينئذٍ بالفلسفة والعلم كما نرى.
وهذه الأسئلة الفلسفية وجه فردريك الثاني نسخاً منها إلى المشرق ومصر والشام والعراق والدروب واليمن، لكن رجعت أجوبة حكماء المسلمين بما لم يرضه فريدريك الثاني، فسأل عن أفريقية “تونس” ومن بها، فقيل له: إنها عرية من هذا الشأن، أي من الفلسفة، وسأل عن المغرب والأندلس، فقيل له: إن بها رجلاً يعرف بابن سبعين.
فكتب فردريك للخليفة الرشيد من أولاد عبد المؤمن في أمرها.
فكتب أمير المؤمنين لعامله بسبتة، وهو: ابن خلاص، أن ينظر في الرجل المذكور أن يرد الجواب على الأسئلة.
وكان مالك الروم يعني فردريك قد وجه مع رسوله جملة مال، فاستدعى ابن خلاص الإمام قطب الدين، وأوقفه على الأسئلة بأمر الخليفة، فضحك ابن سبعين وألزم نفسه الجواب.
فدفع له ابن خلاص المال الذي جاء به رسول ملك الروم، فرده ولم يقبله، وقال: إنما أجيب عنها احتساباً لله، وانتصاراً للملة الإسلامية، ثم قرأ قوله تعالى: “قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى” (الأنعام: 90) وجاوبه.
فلما بلغ الجواب للملك فردريك أرضاه ووجه بصلة عظيمة فردت عليه كالأولى”.
المسائل الصقلية التي سأل عنها فردريك الثاني علماء المسلمين هي:-
المسألة الأولى: عن العالم: هل قديم أو محدث؟والمسألة الثانية: عن العلم الإلهي: ما هو المقصود منه، وما مقدماته الضرورية إن كانت له مقدمات؟
والمسألة الثالثة: عن المقولات أي شيء هي؟ وكيف يتصرف بها في أجناس العلوم حتى يتم عددها، وعددها عشر، فهل يمكن أن تكون أقل؟ وهل يمكن أن تكون أكثر؟ وما البرهان على ذلك؟ والمسألة الرابعة عن النفس: ما الدليل على بقائها وما طبيعتها؟
ويتفرع عن هذه المسألة الأخيرة سؤال عن اين خالف الإسكندر الإفروديسي أرسطوطاليس.
ويظهر أن المكانة التي نالها ابن سبعين بهذا الجواب قد أوغرت صدور الفقهاء عليه، فراحوا يتهمونه بالكفر، مما اضطر حاكم سبتة، ابن الخلاص، إلى طرده منها فسكن في بجاية مدة، فلم يطب له المقام نظراً لإغراء الفقهاء به، وتحريضهم عليه، وحسدهم له من كثرة اتباعه ومريديه، فضلاً عما بدا في كتاباته وأقواله من كلمات غريبة تشم منها رائحة الكفر.
الرحالة شمس الدين المقدسي يصف إقليم المغرب
وقد افتروا عليه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعاً بقوله: “لا نبي بعدي” فيقال: إنه نفي من المغرب بسبب هذه الكلمة، وقد خرج من المغرب سنة 642 من الهجرة وهو حينئذ في الثلاثين من عمره، ومعنى هذا أنه أقام بالمغرب حوالي خمس وعشرين سنة، فيها ألف جل كتبه إن لم يكن كلها باستثناء كتابه العظيم “يد العارف” الذي قيل: إنه ألفه وهو ابن خمس عشرة سنة والله أعلم.ولا نعرف أنه ألف شيئاً بعد رحلته عن المغرب فيما عدا الرسالة التي بعث بها أهل مكة يبايعون فيها السلطان المستنصر بالله تعالى أبا عبد الله محمد بن سلطان زكريا عبد الواحد بن أبي حفص، ملك إفريقية وما إليها، تولى الملك في تونس سنة 657 هـ حتى سنة 674 هـ، وعلى رأسهم شريف مكة أبو نمي محمد الأول الذي كان شريفاً على مكة من شوال سنة 652هـ إلى صفر سنة 701 هـ، فهذه الرسالة بالبيعة كانت من إنشاء ابن سبعين، وقد سردها ابن خلدون بجملتها في مقدمته.
[BGCOLOR=rgba(127, 127, 127, 0.125)]الحقُّ هو صورة كُلِّ شيءٍ موجودٍ وغايتهِ، أعني أنَّهُ لا حقيقة لشيء إلَّا بالحَق ولا وُجُود إلَّا منه، والوجودُ الحَقُّ واحد والعالم وما فيه، أعني الروحاني والجِسْمَاني لا حقيقةَ لهُ إلَّا بما يسري له منه، فالفعلُ في العالم على الإطلاق له، والكُلِّي والجُزْئي لَهُ، والانفعال والهيئات لهُ، وبالجُمْلَة الجواهِر الجِسْمانية والجواهِر الرَّوْحَانيَّة والأعراض الجسمانية، والأعراض الرُّوحانيَّة ملكه وفعله، وهُوَ لكُلِّ موجود صورة مقوَّمَة لهُ، والوُجُود إلى سواه معهُ بمنزلة الكَلامِ من المُتكَلِّم متى قطعهُ انقَطَع ومتى تكلَّمَ به وُجِد.
ابن سبعين.[/BGCOLOR]
أقوال العلماء فيه:-
- قال الذهبي: “كان من زهَّاد الفلاسفة، ومن القائلين بوحدة الوجود”.
- قال ابن حبيب: “صوفي متفلسف متزهِّد متعبِّد متقشِّف، يتكلم على طريق أصحابه، ويدخل البيت لكن من غير أبوابه، شاع أمره، واشتهر ذكره، وله تصانيف، وأتباع، وأقوال، تميل إليها بعض القلوب وينكرها بعض الأسماع”.
- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وهؤلاء المتفلسفة ومتصوفوهم كابن سبعين وأتباعه يجوُّزونَ أن يكونَ الرَّجُل يهودياً أو نصرانياً أو مُشْرِكَاً يعبُدُ الأوثان، فليسَ الإسلامُ عِنْدَهُم واجِباً، ولا التَّهَوُّد والتَّنَصُّر والشِّرْك مُحَرَّماً، لكن قد يُرَجِّحونَ شريعةَ الإسلام على غيرها..”.
- قال تلميذه يحيى بن محمد بن أحمد بن سليمان البلنسي عن طفولة ابن سبعين: “أمضى طفولته وسنيّ مراهقته بعيداً عن اللهو واللعب.. واللذة الطبيعية التي هي في جُملة البشرية، وعَزَفَ عن الرياسة العرضية المعوَّل عليها عند العالم، مع كونها وجدها في آبائه،.. وهي الآن في إخوته، وأنفق صباه وأكثر فتوته طالباً العلم على الأساتذة الأندلسيين، حتى توافر له التكوين اللغوي والديني والفلسفي”.
- وقال شارح رسالة العهد لابن سبعين عنه: وقد اطلع “على القوانين المتقدِّمة كلها الشرعية والفلسفية والأدبية، وحصَرَ الكُتُب المُنزلة فيها وغير المنزلة، من أول مبدأ العالم إلى وقتنا هذا، وعرف مجملها ومفسرها، ومهملها ومخصصها، وفكَّ غوامضها”.
- وقال ابن كثير في “البداية والنهاية”: ” اشتغل ابن سبعين بعلم الأولائل والفلسفة، فتولَّد له نوع من الألحاد وصنَّف فيه، وكان يعرف السيمياء”.
- أما الغبريني؛ فقال عنه في “عنوان الدراية”: “كان له علم وحكمة ومعرفة ونباهة وبراعة وبلاغة وفصاحة”.
- وقال عنه أحمد أمين في “ظهر الإسلام”: “ويؤدي ما عنده من المعاني أداءً حسناً”.
علم الحروف:-
- قال البِسْطامي: “كان له سلوك عجيب على طريق أهل الوحدة، وله في علم الحروف والأسماء اليد الطُّولى”.
- وقال ابن دقيقِ العيدِ: “جلسْتُ معه من ضحوة إلى قريب الظهر، وهو يسرد كلاماً تعقل مفرداته ولا تفهم مركّباته، والله أعلم بسريرة حاله”.
من وصاياه:-
من وصاياه لتلامذته وأتباعه: “عليكم بالاستقامة على الطريقة، وقدِّموا فرض الشريعة على الحقيقة، ولا تفرِّقوا بينهما؛ فإنَّهما من الأسماء المترادفة، واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا، وقولوا: عليها وعلى أهلها اللعنة”.ابن سبعين والسهروردي والمنهج الإشرافي:-
حاول ابن سبعين وضع منطق إشراقي على شاكلة سابقه يحيى بن حَبَشِ بن أَمِيْرَكَ، أبو الفتوح السُّهْرَوَرْدِيُّ الفيلسوف المقتول ( 587 هـ).هذا المنطق -الذي أسماه ابن سبعين “المحقق”- وهو منطق ليس من جنس ما يكتب بالنَّظَر العقلي، إنمَّا من قبيل النفحات الإلهية التي يبصر بها الإنسان ما لم يبصر ويعلم ما لم يعلم، فهو بمثابة منطق ذوقي إو إشراقي لا يرتكز على التجربة والاستقراء، وإنمَّا يقوم على أساس الفطرة والمشاهدة.
هذا ويخصص ابن سبعين لهذا الغرض قسماً طويلاً من كتابه “بد العارف” على شاكلة ما قام السهروردي في “حكمة الإشراق”، حيث يتضح جلياً تأثر الأول بمنهج الثاني.
ومباحث هذا المنطق الجديد -بحسب ما وصفه ابن سبعين-،” لا تصورها بالمرشد ولا تنالها النُّفوس بالجهد ولا بالتجلُّد، بل بالنَّفحات الإلهية، حتى يبصر (الإنسان) ما لم يبصر، ويعلم ما لا يعلم، وتظهر أشياء لا من جنس ما يكتسب”.
هذا الطَّرح يوازيه لدى السهروردي قوله:” إنه لم يحصل لي أولا بالفكر بل كان حصوله بأمرٍ آخر، ثم طلبتُ الحُجَّة عليه حتى لو قطعت النَّظَر عن الحجَّة ما كان يُشككني فيه مشكك”.
وعلى الرغم من اعتداد ابن سبعين بنفسه وتأكيده على عدم تأثره بأيٍ من سابقيه؛ بيد أن الدارسين والمختصين يرون ثمَّة تأثر واضح في منهجه بما قدَّمه السهروردي، خصوصاً في مسألة محاولتهما التملُّص من المنطق الأرسطي، وبناء أسس منطقية جديدة قائمة على الذَّوق والمشاهدة، إلى جانب بحثهما في الخُلْد قبل التصور والتصديق لا بعدهما، فمن المعلوم بأن السهروردي كان أول من حاول التحرر من قبضة منطق أرسطو، وقيامه بوضع منطق جديد قائم على أساس علمي منظَّم.
أبرز النتائج التي توصَّل لها ابن سبعين في منطقه:-
- حقائق المنطق فطرية في النَّفس الإنسانية.
- الألفاظ المنطقية الستة وهي الجنس والنوع والفصل والخاصة والعَرض والجوهر والشَّخص ونشعر بالكثرة الوجودية، فهي مجرد وهم.
- حمْل المقولات على الوجود المطلق، أي أنَّه يحمل المقولات جنساً واحداً أو تحت جنس واحد.
- تطبيق مذهبه في الوحدة في مجال المنطق الأرسطي، ليبرهن على الدَّوام أن كل مباحث هذا المنطق التي تشعر بالكثرة في الوجود؛ وهم على التحقيق.
مؤلفات الشيخ ابن سبعين:-
لابن سبعين طريقة غريبة في الكتابة: فكلامه مفكك، قليل الاتصال، حتى قال قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد: “جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاماً تعقل مفرداته، ولا تعقل مركباته”.وكذلك يتسم كلامه بكثرة ما يرد فيه من ألغاز وإشارات حروف أبجد، وله تسميات مخصوصة في كتبه هي نوع من الرموز كما قال صحاب “عنوان الدراية”.
قال زين الدين عبد الرؤوف المُناوي (توفي 1621 م): “إنَّ ابن سبعين كانَ لهُ سلوكٌ عجيبٌ على طريق أهل الوِحْدَة، ولهُ في عِلْمِ الحُروفِ والأسماءِ اليد الطولى”.
كتب ابن سبعين ورسائله:–
من كتبه ورسائله:–- الكلام على المسألة الصقلية.
- رسالة النصيحة (النورية).
- عهد ابن سبعين.
- الإحاطة.
- بد العارف.
- الرسالة الفقيرية.
- الحكم والمواعظ.
- الرسالة القوسية.
- رسالة في أنوار النبي صلى الله عليه وسلم وأنواعها.
- الألواح المباركة.
- الوصية لتلامذته.
- الرسالة الرضوانية.
- رسالة في عرفة.
- رسالة خطاب الله بلسان نوره.
- نتيجة الحكم.
- الرسالة الإصبعية.
- الكلام على الحكمة.
- حكم القصص.
- رسائل مختلفة.
[BGCOLOR=rgba(127, 127, 127, 0.125)]الإحاطة شبه مغناطيس، والموجودات كالحديد، والنسبة الجامعة بينها هوية الوجُود، والذي فرَّقَ بينهُمَا هو وهْمُ الوُجُود.
ابن سبعين.[/BGCOLOR]
وفاة ابن سبعين:-
ارتحل ابن سبعين عن بلاد المغرب فلجأ إلى المشرق، فمر بمصر، وأقام بها مدة قصيرة، لأن مقصده الأول كان الحج، فقصد مكة المشرفة، وهناك لقي من شريف مكة، أبي نمي محمد بن أبي سعيد الذي أصبح شريفاً على مكة في شوال 652 هـ عطفاً ورعاية، وشاع صيته بين أهل مكة بسبب سخائه، فإن أهل المدينة المقدسة كانوا يقولون عنه: “إنه أنفق فيهم ثمانين ألف دينار”. وبسبب علمه وكثرة أتباعه ظل في مكة معتمراً، ويقوم بالحج في مواقيته.مات ابن سبعين في مكة سنة ( 669هـ-1272م) على الراجح من أقوال أصحاب التراجم، وقد قيل : إنه مات مسموماً رحمه الله بفعل خصومه الذين حنقوا عليه وتميزوا منه غيظاً، لما كان يتمتع به من حظوة عند أمير مكة ويد طولى في توجيه دفة الحكم، فأوغروا الصدر عليه، وتم قتله بأمر من “الملك المظفر” صاحب اليمن، وبتحريض “وزيره الحشوي” الذي كان يكره ابن سبعين.
ابن بطوطة يصف مآثر أهل مكة المكرمة
المصادر:–
- الأعلام (3/280).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب (7/573).
- العبر في تاريخ من غبر (3/320).
- الوِحدة المُطلقة عند ابن سبعين، محمد ياسر شرف.
- فوات الوفيات (2/253).
- وحدة الأديان في عقائد الصوفية – سعيد محمد حسين معلوي.
- المنطق الإشراقي عند شهاب الدين السهروردي، محمود محمد علي.
- ظهر الإسلام، أحمد أمين.
- مكتبة الكونغرس الأمريكية.
Categories: أعلام
Tags: إشبيلية, ابن حبيب, ابن سبعين, الأدب, الإمام الذهبي, البسطامي, التصوف, الحكمة, الدهاق, الذهبي, الزهد, السهروردي, الصوفية, الفلسفة, الفلك, اللغة, اللغة العربية, المغرب, سبتة, مكة