ترشيد استهلاك الطاقة وفعاليته مرتكزات أساسية للاستراتيجية المستقبلية للطاقة في الأردن
يعاني الأردن من افتقاره الثروات الطبيعية خصوصا النفطية مما يضع اقتصاده في مآزق متكررة تتركز حول قيمة فاتورته النفطية وانعكاسها على موازنة الدولة وعجزها.
وخروج الاقتصاد الأردني من عنق الزجاجة يتطلب البحث عن بدائل تجنبه هذه التعقيدات ومن أهم هذه البدائل "الصخر الزيتي الذي يوجد "أردن الذهب الأسود" وهي من والوسائل الواجب على الأردن إتباعها لحماية أمنه الاقتصادي وتامين مصادره من الطاقة.
وضع استراتيجية مستقبلية للطاقة في الأردن يجب ان ترتكز على عنصرين أساسين هما: ترشيد استخدام الطاقة وزيادة فعالية استخدامها، واستغلال موارد الأردن من الصخر الزيتي.
فكرة استخراج النفط من الصخر يعاد تكرار الحديث عنها كلما ازدادت أزمات الخزينة من نفقات إضافية على المشتقات النفطية في ظل الأوضاع الحالية للنفط على المستوى العالمي، وتأثير ارتفاع أسعاره على الاقتصاد الأردني.
إلا أن قرارات جدية لم تأخذ في هذا المجال رغم الدعوات المتكررة لاستغلال الصخر الزيتي والمقرونة بإمكانية تحقيق ذلك على ارض الواقع.
يواجه الأردن اختلالا شديدا في مجال الطاقة مرده فقر في مصادرها واستهلاك متزايد من النفط الخام ومشتقاته مشيرا إلى أن الأردن يعتمد اعتمادا كليا على النفط الخام المستورد لتلبية احتياجاته مما يدعو إلى تخفيض اعتماد الأردن على النفط المستورد كوسيلة بالغة الأهمية من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية.
ويرتفع استهلاك الأردن من النفط الخام ومشتقاته من ستة ملايين وأربعمائة وسبعة عشر ألف طنا (أي ما يساوي 129 ألف برميل في اليوم) في عام 2005 إلى ثمانية ملايين ومائة وسبعين ألف طنا (أي ما يساوي 164 ألف برميل في اليوم) في عام 2010.
ويعني ذلك أن قيمة فاتورة استيراد النفط ومشتقاته سترتفع من 2.35 مليار دولار في عام 2005 إلى 4.19 مليار دولار عام 2010 على أساس أن سعر النفط يصل إلى 70 دولارا للبرميل الواحد.
وتشكل قيمة فاتورة النفط المتوقعة 25 بالمئة من الناتج الإجمالي للأردن في عام 2010 مقارنة مع 20 بالمئة في عام 2005 وستفرض عبئا ثقيلا على موارد الأردن المالية الأمر الذي يجعل مسالة استغلال الصخر الزيتي أمرا بالغ الحيوية للأردن.
لسنوات قليلة خلت، لم يكن استغلال الصخر الزيتي في الأردن على جدول الأعمال لأن جدواه الاقتصادية لم تكن مثبتة نظرا لكلفة استخراجه العالية ولرخص أسعار النفط التقليدي في العالم آنذاك ولعدم توفر تكنولوجيا فعالة ورخيصة خصوصا وان تطور تكنولوجيا استخراج النفط من الصخر الزيتي في الثمانينات خفضت كلفة الاستخراج بشكل كبير بحيث أصبحت إلى حد ما منافسة لكلفة التنقيب عن النفط الخام التقليدي وإنتاجه.
استغلال الصخر الزيتي سيعود على الأردن وميزان مدفوعاته فوائد اقتصادية جمة جديرة بالاهتمام لأنها ستمكنه من الاكتفاء الذاتي في مجال النفط وستوفر على ميزان مدفوعاته ما يقدر بـ 4.19 مليار دولار وهي قيمة فاتورة استيراد النفط المتوقعة في عام 2010، إضافة إلى تمكينه من أن يصبح مصدّرا صغيرا للنفط الخام. كذلك سيتمكن الأردن من استيراد كامل استثماراته في مشروع الصخر الزيتي خلال فترة خمس سنوات.
ومع ارتفاع سعر النفط الخام العالمي إلى ما يزيد على ثلاثة أمثال ما كان عليه في عام 2002، والنضوب المتسارع للمخزون المؤكد للنفط في العالم، ونقص الاكتشافات النفطية الجديدة، يمكننا أن ندرك أهمية استغلال موارد الصخر الزيتي في الأردن بأسرع ما يمكن.
نظرة على اقتصاد الأردن
افترضت ميزانية عام 2005 ان يصل سعر برميل النفط الى 42 دولارا في حين وصل في معدله إلى 55 دولار كذلك افترضت ميزانية عام 2004 سعر 26 دولارا للبرميل في حين بلغ متوسط السعر 40 دولارا. يزيد كل ارتفاع بسعر النفط بقيمة دولار واحد من قيمة فاتورة استيراد النفط بـ 47 مليون دولار في العام هذا يعني ان ارتفاع سعر النفط في عام 2005 من 42 دولار إلى 55 دولارا قد كبد الدولة زيادة في كلفة فاتورة النفط تساوي 612 مليون دولار. إلى هذا المبلغ يجب إضافة 438 مليون دولار وهو قيمة دعم المحروقات في عام 2005.
نما استهلاك الأردن من النفط ومشتقاته بنسبة تزيد عن 24 بالمئة ما بين عامي 2000 و 2005 وذلك من 104 آلاف برميل في اليوم إلى 129 ألف برميل أي بنسبة 4.8 بالمئة في العام, ومن المتوقع ان يزيد استهلاك النفط ومشتقاته من 129.000 برميل في عام 2005 إلى 164.000 برميل في عام 2010.
يجب ان ترتكز أية استراتيجية مستقبلية للطاقة في الأردن على عنصرين أساسين هما: ترشيد استخدام الطاقة وزيادة فعالية استخدامها، واستغلال موارد الأردن من الصخر الزيتي. وتشتمل هذه الاستراتيجية على عناصر حيوية منها:
1. استخدام الغاز الطبيعي في حقل الريشة لتوليد الكهرباء مع زيادة استيراد الغاز الطبيعي من مصر وتدعيم إنتاج الكهرباء مستقبلا من الطاقة الشمسية. ويجب بحث إمكانية الاستفادة من الطاقة الشمسية لتشغيل محطات لتحلية مياه البحر في العقبة لمساعدة الأردن على التغلب على نقص المياه المزمن إضافة الى إنتاج الكهرباء.
2. ترشيد استخدام الطاقة وزيادة فعالية استخدامها أمران أساسيان لاستمرار حيوية الاقتصاد الأردني ومساندته.
3. البدء فورا باستغلال موارد الأردن الضخمة من الصخر الزيتي.
4. سحب الدعم المرتفع للمحروقات تدريجيا بحيث تعكس أسعار المحروقات في الأردن السعر العالمي للنفط إضافة إلى إطلاق حملة توعية في مختلف وسائل الإعلام.
5. الاستمرار في التنقيب عن النفط التقليدي.
لبحث الجدوى الاقتصادية لاستغلال الصخر الزيتي، واحتياط الأردن المؤكد منه، والتكنولوجيا المستمرة لاستغلاله، وانعكاساته على الاقتصاد الأردني، لا بد من التطرق الى الأمور التالية:
- ما هو الصخر الزيتي؟
الصخر الزيتي هو صخر جيري مشبع بمادة هايدروكربونية تسمى (Kerogen). عند تسخين الصخر الزيتي إلى درجة 500 درجة مئوية تتحلل هذه المادة وتطلق بخارا على شكل نفط وغاز طبيعي عند تبريده. لاستخراج النفط من الصخر الزيتي يجري تنجيمه ثم تسخينه للحصول على النفط منه.
2- احتياطي الأردن من الصخر الزيتي
يضم الأردن في أحضانه ما يقدر بأربعين مليار طن من الصخر الزيتي من أصلها 36.7 مليار طن من النوع الجيد الموجود تحت سطح التربة مباشرة والقابل للاستغلال بسهولة. تقدر كمية النفط التي يمكن استخراجها بـــ 3.67 مليار طن أي 10 بالمئة من الكميات المتوفرة (أي ما يساوي 27 مليار برميل من النفط). وهذه الكمية مساوية تقريبا للاحتياطي المؤكد من النفط لدى الولايات المتحدة أو ليبيا. هناك مجموعة من العوامل الأساسية تعطي زخما كبيرا لاستغلال الصخر الزيتي، منها النوعية الجيدة للصخر الزيتي الأردني، والكميات الضخمة المتوفرة منه، إضافة إلى سهولة تنجيمه وتوفر تكنولوجيا فعالة ورخيصة.
3- تكنولوجيا استغلال الصخر الزيتي
هناك نوعان من التكنولوجيا الخاصة باستغلال الصخر الزيتي. الأولى تكنولوجيا كندية والثانية تكنولوجيا متطورة تملكها شركة شل الهولندية (Royal Dutch Shell).
لقد طورت التكنولوجيا الكندية في الأساس لاستخراج النفط من الرمال القطرانية التي تملك كندا منها كميات هائلة تصل إلى 300 مليار برميل من النفط الثقيل الذي تحتويه تلك الرمال القطرانية. تنتج الشركات الكندية حاليا حوالي مليون برميل من النفط المستخرج من الرمال القطرانية. ومن المتوقع ان ترتفع هذه الكمية إلى مليوني برميل في اليوم في عام 2020.
أدى تطور التكنولوجيا الكندية إلى خفض كلفة استخراج النفط الخام من الرمال القطرانية إلى ما يقدر بـ 9-11 دولارا للبرميل الواحد. تعمل هذه الشركات على تنجيم الرمال القطرانية ثم تسخينها لاستخراج النفط منها.
يشار إلى ان هذه التكنولوجيا خضعت للعديد من تعديلات بحيث أصبحت صالحة لاستخراج النفط من الصخر الزيتي وقد استعملت فعلا على أساس تجاري في كندا، والولايات المتحدة، واستراليا، والبرازيل، وروسيا، واستونيا.
تعمل التكنولوجيا الكندية على أساس فرن دوار يتألف من أربعة أوعية تجري فيها عمليات تسخين الصخر الزيتي، وتجفيفه للتخلص من الرطوبة، وحرقه واستخدام الحرارة الناجمة عن الحرق.
تشمل المرحلة الأولى في عملية استخراج النفط من الصخر الزيتي تجفيفه بإدخاله في الوعاء المسخن سلفا في الفرن لإزالة أية رطوبة فيه. ويتم في المرحلة الثانية خلط الصخر الزيتي المسخن من الرماد الساخن الناجم من الحرق لرفع درجة حرارته إلى 500 درجة مئوية مما ينجم عنه انفلات مادة (Kerogen) الموجودة في الصخر وتحولها إلى بخار نفطي وغاز طبيعي وبقايا الكربون. وينقل أنبوب مركزي البخار الساخن والغاز إلى وعاء الاستعادة.
يرسل الصخر الزيتي المستهلك إلى وعاء الاحتراق الذي تبلغ درجة الحرارة فيه 700 درجة مئوية حيث يتم حرق بقايا الكربون المتبقي لتوليد مزيد من الحرارة لحرق كميات جيدة من الصخر الزيتي.
يحول رماد الصخر المحروق إلى فرعين. تجري إعادة استعمال الفرع الأول لتوليد حرارة التفاعل المطلوبة في حين يجري تحويل الفرع الثاني من الرماد إلى منطقة التبريد حيث يضاف إليه الماء لترطيبه مثل التخلص منه.
4- التأثير البيئي
تولد عملية استخراج النفط الخام من الصخر الزيتي غازات كبريتية وفسفورية ضارة. لكن التكنولوجيا الكندية لا تترك آثارا ضارة على البيئة لقدرتها على التخلص من الغازات السامة وتنظيفها بحيث لا ينجم عنها انبعاثات غازية ضارة.
وتستطيع هذه التكنولوجيا استعادة مادة الكبريت بحيث يمكن استعمالها في تصنيع الحامض الكبريتي. فمن المعلوم ان 70-80 بالمئة من إنتاج الكبريت في العالم يُستخدم في إنتاج مادة الحامض الكبريتي الذي يستغل غالبيته في إنتاج الأسمدة الفسفورية. ولأهمية صناعة الأسمدة الفسفورية للأردن، فإن توفير مادة الكبريت من مصادر أردنية يصبح أمرا اقتصاديا هاما علما بأن الصخر الزيتي الأردني يحتوي على نسبة من الكبريت تصل إلى 3.88 بالمئة. فبدلا من هدر هذه المادة، تصبح عنصرا أساسيا في تصنيع الأسمدة الفسفورية في الأردن مما يعود بالنفع الكبير على الاقتصاد الأردني.
5- الحاجة إلى المياه
ستكون هناك حاجة للمياه أثناء استخراج النفط من الصخر الزيتي. ولكن هناك أيضا محاذير للاستهلاك المجحف للمياه خوفا من نضوب المياه الجوفية. لذا يجب تقييم كميات المياه الجوفية بدقة بالغة في منطقة استغلال الصخر الزيتي لتقدير كميات المياه الممكن استخدامها لهذه الغاية.
ويُفضل استخدام المياه العادمة حيثما أمكن، كما يكمن دعم هذه الكميات بمياه تنقل من خليج العقبة.
تعرف مزايا التكنولوجيا التي طورتها شركة شل باسم In-situ-Conversion Process (ICP). وتعتبر شركة Shell رائدة في تكنولوجيا استخراج النفط من الصخر الزيتي وكذلك الرمال القطرانية.
طورت هذه التكنولوجيا خصيصا من أجل استعمالها من إنتاج النفط في الصخر الزيتي في ولاية كولورادو الأمريكية. تعمل هذه التكنولوجيا على مبدأ الحقن الحراري في باطن الأرض لموقع المشروع. وبموجب هذه التكنولوجيا، يجري حفر ثقوب عميقة في الصخر الزيتي وإدخال بخار عالي الحرارة فيها أو قضبان كهربائية ساخنة في تلك الثقوب لتسخين الصخر الزيتي. ومتى وصلت درجة حرارة الصخر الى درجة عالية من السخونة، يحدث عندها تفاعل كيماوي داخل الصخر يؤدي الى تسرب النفط الخفيف إلى بئر قريبة حيث يجري ضخ النفط منه الى خزانات قريبة في حين أن المواد الكربونية الثقيلة تبقى في مكانها داخل الصخر.
مزايا تكنولوجيا شركة شل عديدة منها عدم ترك بقايا يجب تنظيفها، واستخراج مستوى أعلى من النفط، وعدم الحاجة الى استخدام المياه خلال السنوات الخمس الماضية عملت شركة شل على تطوير وتجربة هذه التكنولوجيا في مركز أبحاثها في كولورادو واستطاعت أن تتيح كميات تجارية تجريبية بنجاح .
شركة Shell هي واحدة من اصل ثماني شركات نفط أمريكية قدمت طلبات إلى الحكومة الفدرالية لاستئجار مساحات شاسعة في أراضي وأودية كولورادو لاستخراج النفط من الصخر الزيتي منها. غير أن هذه الشركات تخلت عن برامجها عندما هبطت أسعار النفط إلى مستوى قياسي في منتصف الثمانينات ومطلع التسعينات.
ويحث قانون الطاقة الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي في تموز عام 2005 الحكومة الفيدرالية على البدء في تأجير مساحات شاسعة من الأراضي من أجل البدء على نطاق واسع في استخراج النفط من الصخر الزيتي في شهر آب من عام 2007.
تقدر كلفة بناء مصنع النفط من الصخر الزيتي بطاقة 250 ألف برميل في اليوم على أساس التكنولوجيا الكندية بمبلغ 25ر1 _ 5ر1 مليار دولار ، هذه الكلفة تساوي 46 بالمئة إلى 51 بالمئة من فاتورة استيراد النفط المتوقعة لعام 2006 المقدرة ب 96ر2 مليار دولار.
وتتوفر إمكانية لبناء هذا المصنع على مرحلتين هما:
* المرحلة الأولى: تبدأ بتغطية احتياجات الاردن من النفط ومشتقاته المقدرة بـ 147 ألف برميل في اليوم في عام 2008 بكلفة 400 مليون دولار ، هذا المستوى من الإنتاج يجعل الاردن مكتفيا ذاتيا في مجال استهلاك النفط.
* المرحلة الثانية: يتم إنجازها في عام 2010 بطاقة كاملة تصل الى250 ألف برميل في اليوم بكلفة 800-1000 مليون دولار. عند إنجاز هذه المرحلة يصبح الاردن قادرا على الوفاء بحاجته من النفط في عام 2010 بل وتصدير الفائض البالغ 86 ألف برميل في اليوم بقيمة تصديرية تصل إلى 2ر2 مليار دولار.
هناك إمكانية لتمويل المشروع برمته عن طريق الدخول في اتفاق لاقتسام الإنتاج بين شريك أجنبي والحكومة مقابل أن يقوم الشريك الأجنبي بتقديم كامل الرساميل أو غالبيتها إضافة إلى التكنولوجيا.
يستطيع الاردن إنجاز هذا المشروع بمفرده بتمويل من القطاع الخاص الأردني واخذ قروض من البنك الدولي ومؤسسات مالية دولية. في هذه الحالة يمكن شراء التكنولوجيا الكندية من السوق العالمي وتدريب عدد من المهندسين الأردنيين الأكفاء على استغلالها.
ستعود على الاردن فوائد جمعة من استغلال الصخر الزيتي. سيجعل المشروع الاردن مكتفيا ذاتيا من النفط ومشتقاته ويمكنه في مرحلة لاحقة من تصدير الفائض عن حاجته من النفط. وسيوفر هذا المشروع على ميزان المدفوعات الأردني مبلغ 4ر3 مليار دولار ( أي قيمة فاتورة استيراد النفط لعام 2008 ) على أساس سعر 65 دولار للبرميل، مبلغ 68ر4 مليار دولار في عام 2010 على أساس سعر 70 دولارا للبرميل. وسيكون في مقدور الاردن في عام 2010 أن يجني مبلغ 2ر2 مليار دولار تمثل قيمة تصدير 86 ألف برميل في اليوم وهو الفائض عن حاجته من النفط. كما ان هناك فائدة أخرى تتمثل في إقامة صناعة نفطية مزدهرة إلى الأردن. وهناك فائدة إضافية تتمثل في استغلال الكبريت الناجم عن استخراج النفط من الصخر الزيتي واستعماله لإنتاج حامض الكبريت الذي تحتاجه صناعة الأسمدة الفسفورية في الاردن.
في ما يلي أربع أساسيات تفرض على الاردن المضي قدما في تنفيذ هذا المشروع:
أولا: الجدوى الاقتصادية المؤكدة لمثل هذا المشروع على أساس التكنولوجيا المتوفرة حاليا وانخفاض كلفة الإنتاج والارتفاع الصاعد لأسعار النفط التقليدي في العالم، حيث قد يتعدى سعر برميل النفط 85 دولارا في عام 2010 على أقل تعديل.
ثانيا: التزايد السريع لاستهلاك النفط ومشتقاته في الاردن والارتفاع المتزايد لكلفة فاتورة استيراد النفط التي تفرض عبئا ثقيلا على امكانات الاردن المالية.
ثالثا: أمن الطاقة المتمثل في قدرة الاردن على تامين احتياجاته من مصادره الخاصة دون الاعتماد على جيرانه وعلى منطقة غير مستقرة كمنطقة الشرق الاوسط.
رابعا: قوة الدفع التي ستعطيها صناعة نفطية مزدهرة على أساس الصخر الزيتي للاقتصاد الأردني والفوائد التي ستعود على البلاد من ايجاد فرص عمل جديدة للأردنيين.
جاهد الاردن لأكثر من ستين عاما بموارد طبيعية شحيحة ساعيا لبناء مستوى معيشي لشعبه تحسده عليه دول العام الثالث. ان ايجاد مصدر جديد للدخل سيقوي الاردن، ويرفع مستوى المعيشة، ويوطد أمنه خلال القرن الحادي والعشرين لهذا فمن الضروري الإقدام على هذا المشروع.
ورغم أن سعر النفط وصل إلى 70 دولارا للبرميل الواحد، إلا أن التوقعات تشير إلى ارتفاع متواصل ولن يتوقف عند هذا الحد بل قد يتعداه خلال هذا العام إذا استمر الطلب العالمي على النفط في الارتفاع.
ويعزا ارتفاع سعر النفط بما يزيد على ثلاثة أمثال عما كان عليه في عام 2002، إلى ازدياد استهلاك الصين منه، وقصور طاقة التكرير في العالم، و الأعاصير وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط .
يمكن النظر إلى قلق العالم من ارتفاع سعر النفط من نواح ثلاث وهي الطلب العالمي، والكميات المتوفرة للسوق العالمي، وتأثيرات ذلك على الاقتصاد العالمي. وللظروف التي وصل فيها سعر النفط إلى 70 دولارا للبرميل الواحد انعكاسات هامة على الوضع الاستراتيجي الدولي وقضايا تغير الظروف المناخية.
إلا أن القضية الاقتصادية التي تواجهنا الآن هي الطلب العالمي على النفط. ففي التسعينات كان الطلب العالمي يرتفع بمعدل 1.4 مليون برميل في اليوم في العام. إلا أنه ما بين عامي 2002 و 2005 ازداد الطلب العالمي بمقدار سبعة ملايين برميل في اليوم خلال ثلاث سنوات بسبب ارتفاع الطلب من الهند والصين ودول حوض المحيط الباسفيكي. تعدى هذا الازدياد المتسارع حدود الطاقة الإنتاجية في العالم مما نجم عنه ارتفاع سريع في الأسعار من 20 دولارا للبرميل في عام 2002 إلى 40 دولارا في عام 2004 و70 دولارا في عام 2005. وإذا ما استمر الطلب العالمي في الارتفاع عن مستواه الحالي، فسيرتفع استهلاك النفط من 84.5 مليون برميل في اليوم في عام 2005 إلى 127 مليون برميل في اليوم في عام 2030، أي بزيادة 50 بالمئة عن مستواه الحالي.
تنتج الدول المنتجة للنفط الأعضاء في منظمة اوبيك والدول المنتجة الأخرى من خارج اوبيك حاليا بكامل طاقتها لذا ليس بوسعها حاليا زيادة الإنتاج لكبح جماح سعر النفط. لهذا يتوقع أن يستمر الطلب العالمي وسعر النفط في الارتفاع دون توقف على المدى المتوسط على أقل تعديل.
وهناك قلق متزايد إزاء كميات النفط الخام التي يمكن توفيرها في السوق العالمي مرده قرب وصول الإنتاج العالمي إلى ذروة الإنتاج والنضوب التدريجي لمخزون النفط المؤكد في العالم.
يعتقد العديد من خبراء النفط أن الوصول إلى ذروة الإنتاج ستحقق قبل عام 2010، ما بين عامي 2005 و 2010. غير أن الوضع الحالي يشير إلى أن ذروة الإنتاج قد تم الوصول إليها في عام 2004 إذا ما أدخلنا في حسابنا أن الاحتياط النفطي المؤكد لدى دول الاوبيك الذي يقدر بــ 300 مليار برميل مبالغ به. تدعي دول الاوبيك ان لديها مخزونا مؤكدا يصل إلى 819 مليار برميل في حين هناك أدلة ان مخزونها النفطي لا يزيد عن 519 مليار برميل إن لم يكن أقل.
هناك أيضا تساؤلات كبيرة في العالم حول حجم الاحتياطي المؤكد للملكة العربية السعودية وما يقال عن نضوب أكبر حقولها وفي طليعتها حقل غوار العملاق.
بدأ القلق المتزايد بشأن بدء نضوب الاحتياطي النفطي المؤكد في العالم يأخذ أبعادا خطيرة في الآونة الأخيرة لأسباب عديدة منها التطور التكنولوجي الذي يمكننا من معرفة الكميات المتبقية من النفط غير المكتشف بدقة بالغة، وقلة الاكتشافات النفطية الجديدة والتساؤلات عن الكميات الحقيقية لمخزون النفط المؤكد في العالم، وحقيقة ان الجزء الأعظم من إنتاج النفط التقليدي في العالم يأتي من آبار عملاقة قديمة اكتشفت في منطقة الشرق الأوسط في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وأصبحت على وشك النضوب.
رغم ذلك سيبقى النفط التقليدي متوفرا طوال القرن الحادي والعشرين ولكن بأسعار عالية جدا غير ان تلك الأسعار العالية لن تساعد على زيادة الإنتاج العالمي من النفط لأن الجزء الأعظم منه قد تم فعلا اكتشافه.
لم تترك أسعار النفط العالية لحد الآن آثارا سيئة على الاقتصاد العالمي. ويعود ذلك إلى ان ارتفاع الأسعار يعكس نمو الاقتصاد العالمي، خصوصا اقتصاد الصين والهند ودول حوض المحيط الباسفيكي، كما ان الدول الصناعية المتقدمة تستخدم حاليا نصف الكمية من النفط التي كانت تستخدمها في السبعينات لإنتاج دولار واحد من الناتج الإجمالي لاقتصادياتها.
يضاف إلى النمو السريع لدخل الدول المنتجة للنفط في السنوات الثلاث الماضية يستخدم الآن في زيادة وارداتها من الدول المستهلكة للنفط حيث ارتفعت واردات هذه الدول بنسبة 32 بالمئة في عام 2004 و22 بالمئة في النصف الأول من عام 2005.
تستثمر هذه الدول جزءا من دخلها من النفط في الدول المستهلكة مثل الولايات المتحدة وأوروبا والصين مما يوفر رساميل تساعد على إبقاء الفوائد المصرفية منخفضة في الدول الصناعية وتنشط بالتالي اقتصادياتها.
لكن استمرار سعر النفط على مستوى 60-70 دولارا أو أكثر للبرميل الواحد لفترة طويلة، فسيؤدي ذلك إلى خفض النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 2-3 بالمئة. ومن المتوقع ان تصل التحويلات المالية من الدول المستهلكة للنفط إلى الدول المنتجة إلى 1.500 مليار دولار في عام 2007 أي ما يساوي 3.5 بالمئة من حجم الناتج الإجمالي للعالم. قد تؤدي تحويلات ضخمة بمثل هذا الحجم إلى مشاكل معقدة لاستيعابها من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
لهذه الأسباب يصبح اقتراب العالم من ذروة الإنتاج وبدء نضوب المخزون العالمي المؤكد للنفط ذي أهمية بالغة وباعثة على القلق لأنهما يعكسان وجود خلل كبير بين العرض والطلب. في مثل هذا الوضع لا يمكننا ان نستبعد حدوث نقص كبير في كميات النفط المتوفرة في السوق العالمي مما يشكل وضعا أخطر بكثير من أزمتي النفط في عامي 1973 و1979. سيترك هذا النقص المتوقع بصماته الخطيرة على اقتصاد العالم ومستوى معيشتنا.
يعاني الأردن من افتقاره الثروات الطبيعية خصوصا النفطية مما يضع اقتصاده في مآزق متكررة تتركز حول قيمة فاتورته النفطية وانعكاسها على موازنة الدولة وعجزها.
وخروج الاقتصاد الأردني من عنق الزجاجة يتطلب البحث عن بدائل تجنبه هذه التعقيدات ومن أهم هذه البدائل "الصخر الزيتي الذي يوجد "أردن الذهب الأسود" وهي من والوسائل الواجب على الأردن إتباعها لحماية أمنه الاقتصادي وتامين مصادره من الطاقة.
وضع استراتيجية مستقبلية للطاقة في الأردن يجب ان ترتكز على عنصرين أساسين هما: ترشيد استخدام الطاقة وزيادة فعالية استخدامها، واستغلال موارد الأردن من الصخر الزيتي.
فكرة استخراج النفط من الصخر يعاد تكرار الحديث عنها كلما ازدادت أزمات الخزينة من نفقات إضافية على المشتقات النفطية في ظل الأوضاع الحالية للنفط على المستوى العالمي، وتأثير ارتفاع أسعاره على الاقتصاد الأردني.
إلا أن قرارات جدية لم تأخذ في هذا المجال رغم الدعوات المتكررة لاستغلال الصخر الزيتي والمقرونة بإمكانية تحقيق ذلك على ارض الواقع.
الصخر الزيتي: ثروة الأردن النفطية
يواجه الأردن اختلالا شديدا في مجال الطاقة مرده فقر في مصادرها واستهلاك متزايد من النفط الخام ومشتقاته مشيرا إلى أن الأردن يعتمد اعتمادا كليا على النفط الخام المستورد لتلبية احتياجاته مما يدعو إلى تخفيض اعتماد الأردن على النفط المستورد كوسيلة بالغة الأهمية من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية.
ويرتفع استهلاك الأردن من النفط الخام ومشتقاته من ستة ملايين وأربعمائة وسبعة عشر ألف طنا (أي ما يساوي 129 ألف برميل في اليوم) في عام 2005 إلى ثمانية ملايين ومائة وسبعين ألف طنا (أي ما يساوي 164 ألف برميل في اليوم) في عام 2010.
ويعني ذلك أن قيمة فاتورة استيراد النفط ومشتقاته سترتفع من 2.35 مليار دولار في عام 2005 إلى 4.19 مليار دولار عام 2010 على أساس أن سعر النفط يصل إلى 70 دولارا للبرميل الواحد.
وتشكل قيمة فاتورة النفط المتوقعة 25 بالمئة من الناتج الإجمالي للأردن في عام 2010 مقارنة مع 20 بالمئة في عام 2005 وستفرض عبئا ثقيلا على موارد الأردن المالية الأمر الذي يجعل مسالة استغلال الصخر الزيتي أمرا بالغ الحيوية للأردن.
لسنوات قليلة خلت، لم يكن استغلال الصخر الزيتي في الأردن على جدول الأعمال لأن جدواه الاقتصادية لم تكن مثبتة نظرا لكلفة استخراجه العالية ولرخص أسعار النفط التقليدي في العالم آنذاك ولعدم توفر تكنولوجيا فعالة ورخيصة خصوصا وان تطور تكنولوجيا استخراج النفط من الصخر الزيتي في الثمانينات خفضت كلفة الاستخراج بشكل كبير بحيث أصبحت إلى حد ما منافسة لكلفة التنقيب عن النفط الخام التقليدي وإنتاجه.
استغلال الصخر الزيتي سيعود على الأردن وميزان مدفوعاته فوائد اقتصادية جمة جديرة بالاهتمام لأنها ستمكنه من الاكتفاء الذاتي في مجال النفط وستوفر على ميزان مدفوعاته ما يقدر بـ 4.19 مليار دولار وهي قيمة فاتورة استيراد النفط المتوقعة في عام 2010، إضافة إلى تمكينه من أن يصبح مصدّرا صغيرا للنفط الخام. كذلك سيتمكن الأردن من استيراد كامل استثماراته في مشروع الصخر الزيتي خلال فترة خمس سنوات.
ومع ارتفاع سعر النفط الخام العالمي إلى ما يزيد على ثلاثة أمثال ما كان عليه في عام 2002، والنضوب المتسارع للمخزون المؤكد للنفط في العالم، ونقص الاكتشافات النفطية الجديدة، يمكننا أن ندرك أهمية استغلال موارد الصخر الزيتي في الأردن بأسرع ما يمكن.
نظرة على اقتصاد الأردن
افترضت ميزانية عام 2005 ان يصل سعر برميل النفط الى 42 دولارا في حين وصل في معدله إلى 55 دولار كذلك افترضت ميزانية عام 2004 سعر 26 دولارا للبرميل في حين بلغ متوسط السعر 40 دولارا. يزيد كل ارتفاع بسعر النفط بقيمة دولار واحد من قيمة فاتورة استيراد النفط بـ 47 مليون دولار في العام هذا يعني ان ارتفاع سعر النفط في عام 2005 من 42 دولار إلى 55 دولارا قد كبد الدولة زيادة في كلفة فاتورة النفط تساوي 612 مليون دولار. إلى هذا المبلغ يجب إضافة 438 مليون دولار وهو قيمة دعم المحروقات في عام 2005.
استهلاك النفط في الأردن
نما استهلاك الأردن من النفط ومشتقاته بنسبة تزيد عن 24 بالمئة ما بين عامي 2000 و 2005 وذلك من 104 آلاف برميل في اليوم إلى 129 ألف برميل أي بنسبة 4.8 بالمئة في العام, ومن المتوقع ان يزيد استهلاك النفط ومشتقاته من 129.000 برميل في عام 2005 إلى 164.000 برميل في عام 2010.
استراتيجية مستقبلية للطاقة في الأردن
يجب ان ترتكز أية استراتيجية مستقبلية للطاقة في الأردن على عنصرين أساسين هما: ترشيد استخدام الطاقة وزيادة فعالية استخدامها، واستغلال موارد الأردن من الصخر الزيتي. وتشتمل هذه الاستراتيجية على عناصر حيوية منها:
1. استخدام الغاز الطبيعي في حقل الريشة لتوليد الكهرباء مع زيادة استيراد الغاز الطبيعي من مصر وتدعيم إنتاج الكهرباء مستقبلا من الطاقة الشمسية. ويجب بحث إمكانية الاستفادة من الطاقة الشمسية لتشغيل محطات لتحلية مياه البحر في العقبة لمساعدة الأردن على التغلب على نقص المياه المزمن إضافة الى إنتاج الكهرباء.
2. ترشيد استخدام الطاقة وزيادة فعالية استخدامها أمران أساسيان لاستمرار حيوية الاقتصاد الأردني ومساندته.
3. البدء فورا باستغلال موارد الأردن الضخمة من الصخر الزيتي.
4. سحب الدعم المرتفع للمحروقات تدريجيا بحيث تعكس أسعار المحروقات في الأردن السعر العالمي للنفط إضافة إلى إطلاق حملة توعية في مختلف وسائل الإعلام.
5. الاستمرار في التنقيب عن النفط التقليدي.
استغلال الزيت الصخري
لبحث الجدوى الاقتصادية لاستغلال الصخر الزيتي، واحتياط الأردن المؤكد منه، والتكنولوجيا المستمرة لاستغلاله، وانعكاساته على الاقتصاد الأردني، لا بد من التطرق الى الأمور التالية:
- ما هو الصخر الزيتي؟
الصخر الزيتي هو صخر جيري مشبع بمادة هايدروكربونية تسمى (Kerogen). عند تسخين الصخر الزيتي إلى درجة 500 درجة مئوية تتحلل هذه المادة وتطلق بخارا على شكل نفط وغاز طبيعي عند تبريده. لاستخراج النفط من الصخر الزيتي يجري تنجيمه ثم تسخينه للحصول على النفط منه.
2- احتياطي الأردن من الصخر الزيتي
يضم الأردن في أحضانه ما يقدر بأربعين مليار طن من الصخر الزيتي من أصلها 36.7 مليار طن من النوع الجيد الموجود تحت سطح التربة مباشرة والقابل للاستغلال بسهولة. تقدر كمية النفط التي يمكن استخراجها بـــ 3.67 مليار طن أي 10 بالمئة من الكميات المتوفرة (أي ما يساوي 27 مليار برميل من النفط). وهذه الكمية مساوية تقريبا للاحتياطي المؤكد من النفط لدى الولايات المتحدة أو ليبيا. هناك مجموعة من العوامل الأساسية تعطي زخما كبيرا لاستغلال الصخر الزيتي، منها النوعية الجيدة للصخر الزيتي الأردني، والكميات الضخمة المتوفرة منه، إضافة إلى سهولة تنجيمه وتوفر تكنولوجيا فعالة ورخيصة.
3- تكنولوجيا استغلال الصخر الزيتي
هناك نوعان من التكنولوجيا الخاصة باستغلال الصخر الزيتي. الأولى تكنولوجيا كندية والثانية تكنولوجيا متطورة تملكها شركة شل الهولندية (Royal Dutch Shell).
لقد طورت التكنولوجيا الكندية في الأساس لاستخراج النفط من الرمال القطرانية التي تملك كندا منها كميات هائلة تصل إلى 300 مليار برميل من النفط الثقيل الذي تحتويه تلك الرمال القطرانية. تنتج الشركات الكندية حاليا حوالي مليون برميل من النفط المستخرج من الرمال القطرانية. ومن المتوقع ان ترتفع هذه الكمية إلى مليوني برميل في اليوم في عام 2020.
أدى تطور التكنولوجيا الكندية إلى خفض كلفة استخراج النفط الخام من الرمال القطرانية إلى ما يقدر بـ 9-11 دولارا للبرميل الواحد. تعمل هذه الشركات على تنجيم الرمال القطرانية ثم تسخينها لاستخراج النفط منها.
يشار إلى ان هذه التكنولوجيا خضعت للعديد من تعديلات بحيث أصبحت صالحة لاستخراج النفط من الصخر الزيتي وقد استعملت فعلا على أساس تجاري في كندا، والولايات المتحدة، واستراليا، والبرازيل، وروسيا، واستونيا.
تعمل التكنولوجيا الكندية على أساس فرن دوار يتألف من أربعة أوعية تجري فيها عمليات تسخين الصخر الزيتي، وتجفيفه للتخلص من الرطوبة، وحرقه واستخدام الحرارة الناجمة عن الحرق.
تشمل المرحلة الأولى في عملية استخراج النفط من الصخر الزيتي تجفيفه بإدخاله في الوعاء المسخن سلفا في الفرن لإزالة أية رطوبة فيه. ويتم في المرحلة الثانية خلط الصخر الزيتي المسخن من الرماد الساخن الناجم من الحرق لرفع درجة حرارته إلى 500 درجة مئوية مما ينجم عنه انفلات مادة (Kerogen) الموجودة في الصخر وتحولها إلى بخار نفطي وغاز طبيعي وبقايا الكربون. وينقل أنبوب مركزي البخار الساخن والغاز إلى وعاء الاستعادة.
يرسل الصخر الزيتي المستهلك إلى وعاء الاحتراق الذي تبلغ درجة الحرارة فيه 700 درجة مئوية حيث يتم حرق بقايا الكربون المتبقي لتوليد مزيد من الحرارة لحرق كميات جيدة من الصخر الزيتي.
يحول رماد الصخر المحروق إلى فرعين. تجري إعادة استعمال الفرع الأول لتوليد حرارة التفاعل المطلوبة في حين يجري تحويل الفرع الثاني من الرماد إلى منطقة التبريد حيث يضاف إليه الماء لترطيبه مثل التخلص منه.
4- التأثير البيئي
تولد عملية استخراج النفط الخام من الصخر الزيتي غازات كبريتية وفسفورية ضارة. لكن التكنولوجيا الكندية لا تترك آثارا ضارة على البيئة لقدرتها على التخلص من الغازات السامة وتنظيفها بحيث لا ينجم عنها انبعاثات غازية ضارة.
وتستطيع هذه التكنولوجيا استعادة مادة الكبريت بحيث يمكن استعمالها في تصنيع الحامض الكبريتي. فمن المعلوم ان 70-80 بالمئة من إنتاج الكبريت في العالم يُستخدم في إنتاج مادة الحامض الكبريتي الذي يستغل غالبيته في إنتاج الأسمدة الفسفورية. ولأهمية صناعة الأسمدة الفسفورية للأردن، فإن توفير مادة الكبريت من مصادر أردنية يصبح أمرا اقتصاديا هاما علما بأن الصخر الزيتي الأردني يحتوي على نسبة من الكبريت تصل إلى 3.88 بالمئة. فبدلا من هدر هذه المادة، تصبح عنصرا أساسيا في تصنيع الأسمدة الفسفورية في الأردن مما يعود بالنفع الكبير على الاقتصاد الأردني.
5- الحاجة إلى المياه
ستكون هناك حاجة للمياه أثناء استخراج النفط من الصخر الزيتي. ولكن هناك أيضا محاذير للاستهلاك المجحف للمياه خوفا من نضوب المياه الجوفية. لذا يجب تقييم كميات المياه الجوفية بدقة بالغة في منطقة استغلال الصخر الزيتي لتقدير كميات المياه الممكن استخدامها لهذه الغاية.
ويُفضل استخدام المياه العادمة حيثما أمكن، كما يكمن دعم هذه الكميات بمياه تنقل من خليج العقبة.
تكنولوجيا شركة شل (Shell)
تعرف مزايا التكنولوجيا التي طورتها شركة شل باسم In-situ-Conversion Process (ICP). وتعتبر شركة Shell رائدة في تكنولوجيا استخراج النفط من الصخر الزيتي وكذلك الرمال القطرانية.
طورت هذه التكنولوجيا خصيصا من أجل استعمالها من إنتاج النفط في الصخر الزيتي في ولاية كولورادو الأمريكية. تعمل هذه التكنولوجيا على مبدأ الحقن الحراري في باطن الأرض لموقع المشروع. وبموجب هذه التكنولوجيا، يجري حفر ثقوب عميقة في الصخر الزيتي وإدخال بخار عالي الحرارة فيها أو قضبان كهربائية ساخنة في تلك الثقوب لتسخين الصخر الزيتي. ومتى وصلت درجة حرارة الصخر الى درجة عالية من السخونة، يحدث عندها تفاعل كيماوي داخل الصخر يؤدي الى تسرب النفط الخفيف إلى بئر قريبة حيث يجري ضخ النفط منه الى خزانات قريبة في حين أن المواد الكربونية الثقيلة تبقى في مكانها داخل الصخر.
مزايا تكنولوجيا شركة شل عديدة منها عدم ترك بقايا يجب تنظيفها، واستخراج مستوى أعلى من النفط، وعدم الحاجة الى استخدام المياه خلال السنوات الخمس الماضية عملت شركة شل على تطوير وتجربة هذه التكنولوجيا في مركز أبحاثها في كولورادو واستطاعت أن تتيح كميات تجارية تجريبية بنجاح .
شركة Shell هي واحدة من اصل ثماني شركات نفط أمريكية قدمت طلبات إلى الحكومة الفدرالية لاستئجار مساحات شاسعة في أراضي وأودية كولورادو لاستخراج النفط من الصخر الزيتي منها. غير أن هذه الشركات تخلت عن برامجها عندما هبطت أسعار النفط إلى مستوى قياسي في منتصف الثمانينات ومطلع التسعينات.
ويحث قانون الطاقة الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي في تموز عام 2005 الحكومة الفيدرالية على البدء في تأجير مساحات شاسعة من الأراضي من أجل البدء على نطاق واسع في استخراج النفط من الصخر الزيتي في شهر آب من عام 2007.
الاستثمار
تقدر كلفة بناء مصنع النفط من الصخر الزيتي بطاقة 250 ألف برميل في اليوم على أساس التكنولوجيا الكندية بمبلغ 25ر1 _ 5ر1 مليار دولار ، هذه الكلفة تساوي 46 بالمئة إلى 51 بالمئة من فاتورة استيراد النفط المتوقعة لعام 2006 المقدرة ب 96ر2 مليار دولار.
وتتوفر إمكانية لبناء هذا المصنع على مرحلتين هما:
* المرحلة الأولى: تبدأ بتغطية احتياجات الاردن من النفط ومشتقاته المقدرة بـ 147 ألف برميل في اليوم في عام 2008 بكلفة 400 مليون دولار ، هذا المستوى من الإنتاج يجعل الاردن مكتفيا ذاتيا في مجال استهلاك النفط.
* المرحلة الثانية: يتم إنجازها في عام 2010 بطاقة كاملة تصل الى250 ألف برميل في اليوم بكلفة 800-1000 مليون دولار. عند إنجاز هذه المرحلة يصبح الاردن قادرا على الوفاء بحاجته من النفط في عام 2010 بل وتصدير الفائض البالغ 86 ألف برميل في اليوم بقيمة تصديرية تصل إلى 2ر2 مليار دولار.
هناك إمكانية لتمويل المشروع برمته عن طريق الدخول في اتفاق لاقتسام الإنتاج بين شريك أجنبي والحكومة مقابل أن يقوم الشريك الأجنبي بتقديم كامل الرساميل أو غالبيتها إضافة إلى التكنولوجيا.
يستطيع الاردن إنجاز هذا المشروع بمفرده بتمويل من القطاع الخاص الأردني واخذ قروض من البنك الدولي ومؤسسات مالية دولية. في هذه الحالة يمكن شراء التكنولوجيا الكندية من السوق العالمي وتدريب عدد من المهندسين الأردنيين الأكفاء على استغلالها.
الجدوى الاقتصادية
ستعود على الاردن فوائد جمعة من استغلال الصخر الزيتي. سيجعل المشروع الاردن مكتفيا ذاتيا من النفط ومشتقاته ويمكنه في مرحلة لاحقة من تصدير الفائض عن حاجته من النفط. وسيوفر هذا المشروع على ميزان المدفوعات الأردني مبلغ 4ر3 مليار دولار ( أي قيمة فاتورة استيراد النفط لعام 2008 ) على أساس سعر 65 دولار للبرميل، مبلغ 68ر4 مليار دولار في عام 2010 على أساس سعر 70 دولارا للبرميل. وسيكون في مقدور الاردن في عام 2010 أن يجني مبلغ 2ر2 مليار دولار تمثل قيمة تصدير 86 ألف برميل في اليوم وهو الفائض عن حاجته من النفط. كما ان هناك فائدة أخرى تتمثل في إقامة صناعة نفطية مزدهرة إلى الأردن. وهناك فائدة إضافية تتمثل في استغلال الكبريت الناجم عن استخراج النفط من الصخر الزيتي واستعماله لإنتاج حامض الكبريت الذي تحتاجه صناعة الأسمدة الفسفورية في الاردن.
الخلاصة
في ما يلي أربع أساسيات تفرض على الاردن المضي قدما في تنفيذ هذا المشروع:
أولا: الجدوى الاقتصادية المؤكدة لمثل هذا المشروع على أساس التكنولوجيا المتوفرة حاليا وانخفاض كلفة الإنتاج والارتفاع الصاعد لأسعار النفط التقليدي في العالم، حيث قد يتعدى سعر برميل النفط 85 دولارا في عام 2010 على أقل تعديل.
ثانيا: التزايد السريع لاستهلاك النفط ومشتقاته في الاردن والارتفاع المتزايد لكلفة فاتورة استيراد النفط التي تفرض عبئا ثقيلا على امكانات الاردن المالية.
ثالثا: أمن الطاقة المتمثل في قدرة الاردن على تامين احتياجاته من مصادره الخاصة دون الاعتماد على جيرانه وعلى منطقة غير مستقرة كمنطقة الشرق الاوسط.
رابعا: قوة الدفع التي ستعطيها صناعة نفطية مزدهرة على أساس الصخر الزيتي للاقتصاد الأردني والفوائد التي ستعود على البلاد من ايجاد فرص عمل جديدة للأردنيين.
جاهد الاردن لأكثر من ستين عاما بموارد طبيعية شحيحة ساعيا لبناء مستوى معيشي لشعبه تحسده عليه دول العام الثالث. ان ايجاد مصدر جديد للدخل سيقوي الاردن، ويرفع مستوى المعيشة، ويوطد أمنه خلال القرن الحادي والعشرين لهذا فمن الضروري الإقدام على هذا المشروع.
نظرة على وضع النفط العالمي
ورغم أن سعر النفط وصل إلى 70 دولارا للبرميل الواحد، إلا أن التوقعات تشير إلى ارتفاع متواصل ولن يتوقف عند هذا الحد بل قد يتعداه خلال هذا العام إذا استمر الطلب العالمي على النفط في الارتفاع.
ويعزا ارتفاع سعر النفط بما يزيد على ثلاثة أمثال عما كان عليه في عام 2002، إلى ازدياد استهلاك الصين منه، وقصور طاقة التكرير في العالم، و الأعاصير وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط .
يمكن النظر إلى قلق العالم من ارتفاع سعر النفط من نواح ثلاث وهي الطلب العالمي، والكميات المتوفرة للسوق العالمي، وتأثيرات ذلك على الاقتصاد العالمي. وللظروف التي وصل فيها سعر النفط إلى 70 دولارا للبرميل الواحد انعكاسات هامة على الوضع الاستراتيجي الدولي وقضايا تغير الظروف المناخية.
إلا أن القضية الاقتصادية التي تواجهنا الآن هي الطلب العالمي على النفط. ففي التسعينات كان الطلب العالمي يرتفع بمعدل 1.4 مليون برميل في اليوم في العام. إلا أنه ما بين عامي 2002 و 2005 ازداد الطلب العالمي بمقدار سبعة ملايين برميل في اليوم خلال ثلاث سنوات بسبب ارتفاع الطلب من الهند والصين ودول حوض المحيط الباسفيكي. تعدى هذا الازدياد المتسارع حدود الطاقة الإنتاجية في العالم مما نجم عنه ارتفاع سريع في الأسعار من 20 دولارا للبرميل في عام 2002 إلى 40 دولارا في عام 2004 و70 دولارا في عام 2005. وإذا ما استمر الطلب العالمي في الارتفاع عن مستواه الحالي، فسيرتفع استهلاك النفط من 84.5 مليون برميل في اليوم في عام 2005 إلى 127 مليون برميل في اليوم في عام 2030، أي بزيادة 50 بالمئة عن مستواه الحالي.
كيف سيتمكن العالم من تلبية طلب كبير كهذا؟
تنتج الدول المنتجة للنفط الأعضاء في منظمة اوبيك والدول المنتجة الأخرى من خارج اوبيك حاليا بكامل طاقتها لذا ليس بوسعها حاليا زيادة الإنتاج لكبح جماح سعر النفط. لهذا يتوقع أن يستمر الطلب العالمي وسعر النفط في الارتفاع دون توقف على المدى المتوسط على أقل تعديل.
وهناك قلق متزايد إزاء كميات النفط الخام التي يمكن توفيرها في السوق العالمي مرده قرب وصول الإنتاج العالمي إلى ذروة الإنتاج والنضوب التدريجي لمخزون النفط المؤكد في العالم.
يعتقد العديد من خبراء النفط أن الوصول إلى ذروة الإنتاج ستحقق قبل عام 2010، ما بين عامي 2005 و 2010. غير أن الوضع الحالي يشير إلى أن ذروة الإنتاج قد تم الوصول إليها في عام 2004 إذا ما أدخلنا في حسابنا أن الاحتياط النفطي المؤكد لدى دول الاوبيك الذي يقدر بــ 300 مليار برميل مبالغ به. تدعي دول الاوبيك ان لديها مخزونا مؤكدا يصل إلى 819 مليار برميل في حين هناك أدلة ان مخزونها النفطي لا يزيد عن 519 مليار برميل إن لم يكن أقل.
هناك أيضا تساؤلات كبيرة في العالم حول حجم الاحتياطي المؤكد للملكة العربية السعودية وما يقال عن نضوب أكبر حقولها وفي طليعتها حقل غوار العملاق.
بدأ القلق المتزايد بشأن بدء نضوب الاحتياطي النفطي المؤكد في العالم يأخذ أبعادا خطيرة في الآونة الأخيرة لأسباب عديدة منها التطور التكنولوجي الذي يمكننا من معرفة الكميات المتبقية من النفط غير المكتشف بدقة بالغة، وقلة الاكتشافات النفطية الجديدة والتساؤلات عن الكميات الحقيقية لمخزون النفط المؤكد في العالم، وحقيقة ان الجزء الأعظم من إنتاج النفط التقليدي في العالم يأتي من آبار عملاقة قديمة اكتشفت في منطقة الشرق الأوسط في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وأصبحت على وشك النضوب.
رغم ذلك سيبقى النفط التقليدي متوفرا طوال القرن الحادي والعشرين ولكن بأسعار عالية جدا غير ان تلك الأسعار العالية لن تساعد على زيادة الإنتاج العالمي من النفط لأن الجزء الأعظم منه قد تم فعلا اكتشافه.
لم تترك أسعار النفط العالية لحد الآن آثارا سيئة على الاقتصاد العالمي. ويعود ذلك إلى ان ارتفاع الأسعار يعكس نمو الاقتصاد العالمي، خصوصا اقتصاد الصين والهند ودول حوض المحيط الباسفيكي، كما ان الدول الصناعية المتقدمة تستخدم حاليا نصف الكمية من النفط التي كانت تستخدمها في السبعينات لإنتاج دولار واحد من الناتج الإجمالي لاقتصادياتها.
يضاف إلى النمو السريع لدخل الدول المنتجة للنفط في السنوات الثلاث الماضية يستخدم الآن في زيادة وارداتها من الدول المستهلكة للنفط حيث ارتفعت واردات هذه الدول بنسبة 32 بالمئة في عام 2004 و22 بالمئة في النصف الأول من عام 2005.
تستثمر هذه الدول جزءا من دخلها من النفط في الدول المستهلكة مثل الولايات المتحدة وأوروبا والصين مما يوفر رساميل تساعد على إبقاء الفوائد المصرفية منخفضة في الدول الصناعية وتنشط بالتالي اقتصادياتها.
لكن استمرار سعر النفط على مستوى 60-70 دولارا أو أكثر للبرميل الواحد لفترة طويلة، فسيؤدي ذلك إلى خفض النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 2-3 بالمئة. ومن المتوقع ان تصل التحويلات المالية من الدول المستهلكة للنفط إلى الدول المنتجة إلى 1.500 مليار دولار في عام 2007 أي ما يساوي 3.5 بالمئة من حجم الناتج الإجمالي للعالم. قد تؤدي تحويلات ضخمة بمثل هذا الحجم إلى مشاكل معقدة لاستيعابها من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
لهذه الأسباب يصبح اقتراب العالم من ذروة الإنتاج وبدء نضوب المخزون العالمي المؤكد للنفط ذي أهمية بالغة وباعثة على القلق لأنهما يعكسان وجود خلل كبير بين العرض والطلب. في مثل هذا الوضع لا يمكننا ان نستبعد حدوث نقص كبير في كميات النفط المتوفرة في السوق العالمي مما يشكل وضعا أخطر بكثير من أزمتي النفط في عامي 1973 و1979. سيترك هذا النقص المتوقع بصماته الخطيرة على اقتصاد العالم ومستوى معيشتنا.