مثل أمريكا المعاصرة ، حققت روما القديمة مكانة مهيمنة في نظامها العالمي hegemonic status خلال بضعة أجيال فقط. اثنان من رجال الدولة الرومان المهمين ، شيشرون Marcus Tullius Cicero ( من خلال خطاباته ؛ لصالح قانون مانيليان lex Manilia الصادر عام 66 قبل الميلاد والتي عرفت بال De Imperio Cn. Pompei او Pro Lege Manilia ) وتاسيتوس Publius Cornelius Tacitus ( من خلال كتابه ، في حيات Agricola ، او De vita et moribus Iulii Agricolae ) ، انعكست كتاباتهم وافكارهم على بلورة عقيدة الإمبراطورية واثرت تدعياتهم على حكومتهم والأشخاص الذين سيطروا عليها. فماذا يجب أن تقوله انعكاساتهم للمعاصرين الأمريكين؟
عانت روما من نسختها الخاصة من احداث 11 سبتمبر , عام 88 قبل الميلاد ، عندما قام ميثريداتس السادس Mithradates VI Eupator ملك بونتوس شمال الاناضول على البحر الأسود ، باشعال طوفان ثورة كبرى ضد الوجود الروماني وحلفائهم في آسيا الصغرى عرف بالحروب الميثرادتية bellum Mithridaticum وقتل 80000 من رجال الأعمال والتجار الرومان والإيطاليون وعائلاتهم عام 88 ق م , وسقطت ممالك بيثينيا وكبادوكيا الحليفة لروما ومقاطعة اسيا الرومانية و مدن طيبة واثينا وشبه جزيرة Peloponnese اليونانية . ارسلت روما القنصل سوللا Lucius Cornelius Sulla لإخضاع ميثريدات في الحرب الميثرادتية الاولى ؛ سرعان ما قام سوللا بسحق ميثرادتس في معركتي Chaeronea و Orchomenus , انتهت الحرب الاولى بتوقيع معاهدة Dardanos التي اجبرت ميثرادتس على دفع غرامات مالية والتنازل واعادة كل الاراضي والجزر التي ضمها الى روما وحلفائها حيث عادت بلاد اليونان الى الحكم الروماني وفرضت غرامات مالية باهضة على المدن اليونانية التى انظمت الى ملك البونتس , في حين تما اعادة الاوضاع السياسية في اسيا الصغرى الى وضعية ماقبل الحرب status quo ante bellum .
بشكل عام لم تلعب جهود الحرب دورًا في تحقيق السلام بين روما وبونتوس لأن كل شيء ظل على حاله قبل الحرب. "معاهدة داردانوس التي ابرمت بتسرع عام 85 قبل الميلاد بسبب رغبة سوللا للعودة لروما لمواجهة اعدائه السياسين , بُنيت حول العودة إلى الوضع الراهن status quo ante bellum، كما كان موجودًا قبل الحرب. وهذا يعني أن اليونان تنتمي إلى روما وأن المدن المتمردة مثل أثينا اضطرت إلى دفع تعويضات ضخمة ، مصحوبة بذلك. بخسارة أي حريات متبقية كانت لديهم من قبل , في حين سمحت معاهدة السلام لميثرادتس بالبقاء مسيطراً على مملكته بونتوس .
في ختام الحرب الأولى بقي Mithridates بشكل عام ، بطل قوميا في الشرق الأدنى.وسرعان ما تجددت الحرب واتسعت اكثر مما كانت عليه ,خلال الحرب الثانية 83-81 ق م هزم ميثرادتس Lucius Licinius Murena احد قادة سوللا ، في حين ادى فشل Lucius Licinius Lucullus في حسم الحرب الثالثة 73-63 ق م , الى السياق الذي قدم من خلاله ال tribunus plebis تربيون الشعب جايوس مانيليوس Gaius Manilius مشروع قانونه المعروف بقانون مانيليا lex Manilia إلى الجمعية المئوية comitia centuriata والمتعلق بمسالة نقل أمر الحرب ضد Mithridates إلى بومبي ، و الذي كان قد طهر للتو البحر الأبيض المتوسط من خطر قراصنة ، الذي استفحل منذ أن دمرت روما قوة رودس البحرية قبل قرن من الزمان.
في قسم عن "أمريكا الإمبراطورية" "Imperial America" حول صعود الحضارة الأمريكية" الصادر عام (1927) كتب تشارلز وماري بيرد charles and mary beard أن الأمريكيين قبل الحرب العالمية الأولى لم يكن لديهم نظرية حول مدى ملاءمة الإمبراطورية مع الدستور الامريكي. "لم يكونوا بالطبع غير مدركين للعقيدة القديمة ، لأنهم كانوا بطبع قد سمعوا ودرسوا حول النظريات والممارسات الرومانية القديمة . كانوا في كتبهم المدرسية قد قرأوا حول خطب Pro Lege Manilia التي القاها شيشرون امام الجمعية المئوية الرومانية comitia centuriata التي اثنت ودعمت قانون مانيليا lex Manilia بخصوص نقل قيادة الحرب من لوكولوس الى بومبي والاستمرار في دعم الحرب ضد ميثرادتس ، والتي لخص شيشرون في جملة واحدة من خلالها عقيدة سياسية قديمة : 'لا تتردد للحظة في أن تلاحق بكل طاقاتك حربًا تحافظ بها على مجد الاسم الروماني ، وسلامة حلفائنا ، وإيراداتنا الغنية وثروات مواطنين عاديين لا حصر لهم ,لذلك ضع في اعتبارك ما إذا كان مناسبًا لك ان تتردد في مواصلة دعمك بحماس , لحرب ندافع فيها عن سمعة روما كقوة عظمى ، وسلامة وأمن حلفائنا ، والمصادر الرئيسية لعائداتنا الضريبية ، وثروات عدد كبير جدًا من المواطنين الأفراد - كل الأمور ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمصلحتنا الوطنية. ".
Quare videte num dubitandum vobis sit omni studio ad id bellum incumbere in quo gloria
nominis vestri, salus sociorum, vectigalia maxima, fortunae plurimorum civium coniunctae
cum re publica defendantur.
يتضح جليا من خلال خطابات شيشرون Pro Lege Manilia ، او "لصالح قانون مانيلي" انها شكلت مصدرًا مهمًا للافكار الامبريالية للرومان . شيشرون نفسه ، كان سياسيا ناجحا وطموحا ، ارتقى إلى منصب البريتور - وهو ثاني اعلى منصب في سلك الوضائف الحكومية الرومانية cursus honorum قبل منصب القنصل - كان شيشرون يخاطب اعضاء الجمعية المئوية الرومانية comitia centuriata من منصة Rostra في الفوروم الروماني لأول مرة. الوضوح والبلاغة كانت مطلوب لخطباته ، لكن هذا لم يكن وقت الأصالة. كانت أهداف شيشرون تماما مثل اهداف توماس جيفرسون عند تأليفه خطاب إعلان يوم الاستقلال ,لا تهدف الخطب إلى الأصالة من حيث المبدأ أو العاطفة ، ولم يتم نسخها من أي كتابة معينة وسابقة ، بل كانت تلك الخطب تعبيرا عن العقل الروماني ، حيث كان المقصود من خطاب شيشرون أن يكون تعبيرًا عن العقل الروماني في رؤيته لإمبراطورية روما ، ماذا تعنيه تلك الإمبراطورية لروما ، وماهي التهديدات ونوع القيادة التي تحتاجها تلك الامبراطورية للعيش. هل يجب أن تستمر روما في شن الحرب ضد ميثريداتس بونتوس؟ إذا كان ينبغي ذالك ، فمن يجب أن يقود الجيش الروماني في تلك الحرب؟ ينقسم الجزء الأكبر من خطبة شيشرون إلى ثلاثة أقسام كبيرة: وهي طابع الحرب وأهميتها والقائد الصحيح.
استند دور روما الفريد في البحر الأبيض المتوسط إلى عدد من العوامل ، كانت جميعها كذلك مهددة من قبل Mithridates. الأول هو الاحترام الممنوح للاسم الروماني. هذا الاحترام تعرض لضربة رهيبة بمذبحة عام 88 قبل الميلاد. ادى عجز روما عن جعل العقل المدبر وراء تلك الفظائع دفع ثمن افعاله ، في اسمترار تهديد موقف روما في الشرق لمدة إثنان وعشرون عاما , تلك كانت فترة طويلة جدًا للسماح لميثرادتس بالعيش دون ان يتعرض للعقوبة - ذكر شيشرون خلال تلك المدة ولعدة مرات كيف أن روما محت كورنثوس من الارض في 146 ق م لمجرد عدم الاحترام اللفظي لمواطنيها , لاحقا يناقش شيشرون سلامة وأمن حلفاء روما, كانت روما تقليديا تنظر إلى حلفائها على أنهم عملاء clientela ، والراعي الجيد يراقب ويحمي عملائه.
في التشريع كان قانون اللوائح الاثني عشر Lex Duodecim Tabularum ، وهو أقدم قانون روماني (القرن الخامس قبل الميلاد) ، ينص صراحتا على ان الراعي patronus الذي يغش موكله cliens تتم معاقبته بتنفيذ طقوس خاصة ,بل في الواقع ان العديد من الحروب الأكثر خطورة ودموية في تاريخ روما بدأت انطلاقا من الدفاع عن حلفائها ، بما في ذلك الحربان البونيقية الأولى والثانية مع قرطاج والحروب المقدونية مع فيليب الخامس والحرب السورية مع أنطيوخوس الثالث .
بطبع يمكن القول ان الهدف وراء الحروب الرومانية كان التوسع الاقيليمي , لكن ومع ذلك ، وعلى الرغم من أن استنتاجات ان كل من الحروب البونيقية الثلاث كانت مصحوبة بتوسع اقليمي وضم اراضي جديدة ، لكن لا يوجد دليل قاطع على أن الحروب خططت لتنتهي بتلك النتيجة التوسعية مسبقا. حيث انه بعد هزيمة فيليب في الحرب المقدونية الثانية 200-197 ق م ، سحبت روما قواتها من اليونان واعطت الاستقلال لكل الدويلات اليونانية التي كانت تحت النير المقدوني , كما فعلت نفس الشيء عندما سحبت قواتها من آسيا الصغرى بعد هزيمة أنطيوخس الثالث في الحرب السورية - الرومانية 192-188 ق م وانقذت الدويلات اليونانية في اسيا الصغرى من الاطماع السلوقية , هناك دائما بعد أخلاقي للرومان ضمن مفهوم السيادة ، قائم على أساس علاقة الراعي بالعميل patrocinium ، وشيشرون واضح تمامًا حيال ذلك.
في القسمان التاليان يوضح شيشرون الاهمية الاقتصادية للإمبريالية الرومانية , " ان الإيرادات الضريبية الهائلة من آسيا ، هي أساس الميزة التي نتمتع بها في الحرب والاحترام الذي توليه لنا في السلام. انها تدعم الامبراطورية ، لأن ضرائب المقاطعات الأخرى غالبا ما تدفع تكلفة حمايتهم. انها ليست فقط قضية حماية هذه المنطقة من الهجوم ، بل ان مجرد التهديد بالهجوم وليس فقط الحرب ، يدفع الناس إلى الصحراء وهجران مناجم الملح والحقول والموانئ. لذا فطالما ميثرايدس لا يزال على قيد الحياة ، فان حتمال حدوث اضطراب اقتصادي يضع إمبراطورية روما بأكملها في خطر يظل قائما"
استهدف شيشرون بالاساس من خلال خطبته الداعمة لقانون مانيليا الطبقة المسؤولة عن عائدات الضرائب والاشغال الكبرى في روما ، وهي طبقة الفرسان الغنية Ordo equester المسؤولة عن جباية الضرائب في الولايات والدول الحليفة من خلال متعاهديها العموميين ال publicani , والتي كانت المسؤولة عن القيام بالاشغال العمومية الكبرى والصناعة في انحاء الامبراطورية من خلال شركاتهم الاحتكارية الخاصة societas publicanorum , إنهم الذين يجمعون الضرائب ويتعهدون بالاعمال المصرفية والتحويلات النقدية و بمشاريع البناء واستغلال المناجم والاشغال العمومية وتوفير السلاح والعتاد في كل ارجاء الامبراطورية و التي تشكل أساس مكانة روما في البحر المتوسط. إذا دمرت اعمالهم ، فستنتشر العواقب على اقتصاد الرومان . شيشرون كان لديه فهم واضح للغاية وليس ساذجًا على الإطلاق لأهمية رجال الأعمال في الازدهار الروماني .
تناولت خطبة شيشرون في قسمها الثالث ، تحليلا لشخصية بومبي و طبيعة الحرب ضد ميثرادتس ، و ينقسم هذا الجزء إلى ثلاث عناوين: وهو معرفة بومبي بالشؤون العسكرية ، صدقه ، ومكانته ,حيث ركز شيشرون في القسمين الثاني والثالث على التاكيد ان النجاح في الحرب مع ميثريدس لن يقتصر على هزيمة الملك الشرقي فحسب ، بل ايضا على استعادة الاستقرار والازدهار. وهذا يتطلب ثقة أهل الشرق في نزاهة وقدرة القائد العام . و في مدحه لبومبي باعتباره القائد المثالي لهذه الحرب دون سواه ، علق شيشرون كتالي "ان الاهم هو نوع القادة الذين نرسلهم إلى المحافظات الأخرى" ، قائلا "حتى لو هم دافعوا عنهم ضد العدو ، فإن دخولهم إلى مدن حلفائنا لن يختلف كثيراً عن العدو الذي يطردونه " في اشارة واضحة الى القسوة التي عامل بها لوكولوس المدن التي انتزعها من ميثرداتس والاختلاف بينه وبين شخصية بومبي البرغماتية .
لم تكن هذه الملاحظات الصريحة مفاجأة للجمهور الروماني يومها, بل شكلت ثاني أعظم انتصار شعبي لشيشرون وربما كانت أحد أسباب حصوله على المركز الأول في نتائج الانتخابات عن منصب البريتور Praetor لتلك السنة 66 ق م , بعد انتصاره السابق في محاكمة حاكم صقلية الفاسد ، جايوس فيريس Gaius Verres ، عام 70 ق م . كان هناك خط من الصراحة وحتى الواقعية الوحشية في تفكير روما والتعامل مع مسؤوليها وقادتها ، فبالنسبة للاتجاه الروماني السائد ، لم يكن العنصر الأخلاقي مفقودًا أبدًا اتجاه الامبراطورية وحلفائها ومقاطعتها . كانت الإمبراطورية علاقة متبادلة ، مثل علاقة الراعي والعميل التي أثرت على المواقف الرومانية تجاه الإمبراطورية.كان المجد العسكري لجنرالات مجلس الشيوخ والأرباح المالية لطبقة الفرسان أساسيين لروما. ومع ذلك ، كانت رعاية وسلامة المقاطعات ، والإشراف على الحلفاء الدوليين وحمايتهم ، جزءًا لا يتجزأ من النظام الإمبراطوري الروماني. كان هذا في الواقع هو السبب في عدم هجر المدن الإيطالية روما عندما هزم حنبعل جيشًا رومانيًا تلو الآخر ، وكان هذا أيضًا سبب في بقاء ذكرى وميراث إمبراطورية روما في ذاكرة النخب السياسية والشعبية الى اليوم .