كان هواري بومدين، الموجود على رأس السلطة في الجزائر منذ الانقلاب على الرئيس السابق أحمد بن بلة في 19 يونيو 1965، يأمل في أن يمهد لتوليه منصب رئيس الجمهورية عوض رئيس مجلس الثورة في 1976، بانتصار ميداني على جاره المغرب يُنسي الجزائريين صرخة سلفه "حكرونا" بعد الهزيمة الساحقة التي مني به جنوده في حرب الرمال سنة 1963، لذلك حرك جيشه نحو الحدود المغربية يوم 27 فبراير قبل 45 عاما من اليوم، محاولا دخول الصحراء من 3 مواقع.
وكان بومدين، الذي يرى في الملك الحسن الثاني عدوا أزليا، يعتقد أن الأمر سينتهي بمباغتة القوات المغاربة عاجلا عبر 3 ألوية وأكثر من 2000 جندي وترسانة من الأسلحة السوفياتية إلى جانب مسلحي جبهة "البوليساريو"، لذلك لم يستمع لتحذيرات المقربين منه ومن بينهم الشاذلي بن جديد عضو مجلس الثورة، وقام بتحريك قواته إلى منطقة "أمغالا" غير بعيد عن مواقت تمركز الجيش المغربي في السمارة، وهناك سينتهي الأمر بهزيمة قاسية جديدة.
تحذيرات سابقة
لم يكن "حلم" بومدين بالانتصار على المغرب عسكريا خافيا على أحد، الأمر الذي يفصح عنه أقرب المقربين منه وفي مقدمتهم الشاذلي بن جديد الذي سيصبح رئيسا للجمهورية ووزيرا للدفاع بعد ذلك، والذي نصحه سنة 1975 بعدم الإقدام على مغامرة الحرب ضد الجيش المغربي بجيش جزائري يفتقر للإمكانيات والتنظيم، وفق ما جاء في مذكراته، لكن بومدين الذي خاطبه حينها قائلا "ما عنديش الرجال"، عقد العزم على الحرب في العام الموالي وأعد العدة لمواجهة اعتقد أنها في المتناول، خاصة وأنه يحمل صفة وزير الدفاع كذلك.
ويوم 27 يناير 1976 جهز بومدين الكتيبة رقم 97 والفرقة 112 للقوات الخاصة وفرقة القبعات السوداء، وكلها تابعة للجيش الوطني الشعبي تحت قيادة مباشرة من النقيب لونيس عريب، وانضاف لها مسلحو جبهة "البوليساريو"، من أجل دخول الصحراء عبر 3 مواقع وهي "المحبس" القريبة من تيندوف، و"تفاريتي" على الحدود الشمالية لموريتانيا ثم "أمغالا" على بعد 260 كيلومترا من الحدود الجزائرية، وهناك ستجد في انتظارها القوات المسلحة الملكية التي كان على رأسها قائد المنطقة الجنوبية الكولونيل أحمد الدليمي، لترسم للصراع مسارا مغايرا لما كان يأمله الرئيس الجزائري.
نهاية سريعة ومأساوية
وربما يكون الشيء الوحيد الذي نجح بومدين في توقعه هو الحسم السريع للمعركة، فالأمر لم يستمر عمليا لأكثر من 36 ساعة، لكن النتيجة كانت مختلفة جذريا عن توقعاته، حيث تعرضت القوات الجزائرية لهجمات عنيفة أدت إلى مقتل 200 جندي من صفوفها، وعجل سوء قراءتها للطبيعة الجغرافية للمكان وعدم درايتها بأماكن تموقع القوات المغربية، بالإضافة إلى فشلها في تقدير القوة الميدانية لخصمها، بإعلان انسحابها من أرض المعركة بشكل نهائي في 29 يناير 1976.
ولم تقوَ صواريخ سام 7 السوفياتية ومدافع A120 بالإضافة إلى الدبابات وقاذفات الصواريخ الجزائرية على الصمود في ظل ضعف القيادة العسكرية ميدانيا، وهو ما تكشف عنه بشكل واضح مذكرات الجنرال الجزائري السابق خالد نزار، الرجل الأقوى خلال فترة "العشرية السوداء"، والذي أكد أن رئيس أركان الجيش السابق، الجنرال أحمد قايد صالح، كان قد انسحب من أرض المعركة حينها تاركا خلفه قوات المشاة دون دعم، ما عرضه للتوبيخ من طرف الجنرال محمد صالح اليحياوي.
رسالة الحسن الثاني
وشكلت الهزيمة في "أمغالا 1" كما باتت تعرف، حرجا شديدا لبومدين، الذي لم يجد من القول إن الأمر كان يتعلق بـ"كمين" نصبته القوات المغربية لجنود جزائريين كانوا ينقلون الطعام والأدوية للمقاتلين الصحراويين المحاصرين من طرف الجيش المغربي، وهو الأمر الذي رد عليه الملك الحسن الثاني باستدعاء وسائل الإعلام إلى المنطقة قصد معاينة الحصيلة الميدانية للمعارك، وهناك أطلعهم على الأسلحة السوفياتية التي تحمل شعار الجيش الجزائري، بالإضافة إلى الأزياء العسكرية التي خلفها جنود بومدين خلفهم.
مشاهدة المرفق 102062
لكن الملك الراحل لم يقف عند هذا الحد، فقد قرر تسليم 106 من الجنود الجزائريين الذين جرى أسرهم خلال المواجهات من إجمالي حوالي 500 أسير يشملون أيضا مقاتلي البوليساريو، إلى جارته الشرقية، لكنه قبل ذلك وجه رسالة لبومدين جاء فيها "لقد حدث ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب، ذلك أن القوات المسلحة الملكية يا سيادة الرئيس، وجدت نفسها يوم 27 يناير 1976 في مواجهة الجيش الوطني الشعبي في أمغالا التي هي جزء لا يتجزأ من الصحراء المغربية".
جنود وضباط جزائريين أسرى لدى الجيش الملكي المغربي