ألغـــام الجيـــل الأول ونظـــرة تاريخيـــة لحـــرب الألغـــام
أحد أقدم أشكال الألغام البدائية المضادة للعربات التي ذكرت في التاريخ، وصفت من قبل المهندس العسكري اليوناني "فيلو البيزنطي" Philo of Byzantium في تاريخ 120 قبل الميلاد، عندما أوصى بالتالي "أمام الجدران المتقدمة للمدينة، جرار فخارية فارغة earthenware jars يجب أن تدفن تحت الأرض. هذه موضوعة في موقع قائم بأفواهها المصعدة للأعلى، لتسد بعد ذلك بالعشب البحري أو العشب الخالد وتغطى بالرمل. القوات ستمر فوق هذه الجرار دون مشكلة، لكن التجهيزات والأبراج الخشبية timber towers التي تتقدم قوات العدو ستغوص وتخسف بهم". البوادر المرتجلة improvised الأولى للألغام الأرضية استخدمت أيضاً في القرن الخامس عشر في معركة Agincout في بريطانيا. مثال مبكر آخر حدث في القرن التاسع عشر خلال الحرب الأهلية الأمريكية، عندما جنود الجيش الاتحادي طوروا واستخدموا ألغام صمامات الضغط pressure-fuzed تجاه خطوط السكك الحديدية، التي حطمت على الأقل قطارين محملين في ولاية تينيسي. ولمواجهة وتعطيل ألغام السكة الحديد، ارتجل جيش الإتحاد دحروجة إزالة الألغام الأولى clearing roller، والتي كانت عبارة عن عربة عجلات مكشوفة تدفع ببطء أمام القاطرة لتفجير أية ألغام أمامها.
النجاح الحقيق الأول لهذا السلاح سجل خلال الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في منتصفها عام 1916، عندما طور المهندسون الألمان الألغام المحفزة بواسطة الضغط رداً على ابتكار بريطاني آخر أطلق عليه أسم "الدبابة" التي طورت من قبل المقدم E. D. Swinton في سبتمبر من العام 1916. فخلال إحدى مراحل الحرب فوجئت القطعات الألمانية بأجسام فولاذية هائلة الحجم تدب نحوهم ببطء، وتصليهم بنيرانها من فتحات جانبية في هيكلها. وما إن استفاق الألمان من وقعة المفاجأة حتى راحوا يبحثون عن إجراءات مضادة لهذا السلاح الجديد، فلجأوا في أول الأمر إلى الابتكار، ومن مبتكراتهم المؤقتة آنذاك، أنهم طمروا قذائف المدفعية شديدة الانفجار وقذائف الهاون في الأرض، بحيث لا يبرز منها فوق الأرض إلا صماماتها الحساسة sensitive fuze لتنفجر تحت جنازير الدبابات حال مرورها عليها.
في الحقيقة كان الجيش الألماني في مقدمة الجيوش التي طورت واستخدمت الألغام المضادة للدبابات (أستخدمها أولاً في معركة Passchendaele بتاريخ 31 يوليو - 6 نوفمبر العام 1917) وصمم مهندسوه على مدار سنين الحرب عدة أشكال من هذه الألغام، بما في ذلك اللغم Flachmine 17 الذي طور في العام 1916 بعد ظهور الدبابات البريطانية، وكان عبارة عن صندوق خشبي مع أربعة نوابض طرقية للمفجر في الأعلى، والتي سوف تحفز متى ما اعتلاها هدف ثقيل بحجم الدبابة. الصندوق الخشبي مليء بنحو 4 كلغم متفجرات موزعة على 20 كتلة، كل منها يزن 200 غرام (وزن اللغم الإجمالي 4.6 كلغم).
اللغم الذي يدفن على عمق 3 سم تحت الرمال، كان بطول 20 سم وعرض 30 سم وارتفاع 5 سم، وهو مجهز أيضاً بسلك للتفجير اليدوي عن بعد (تحريك وسحب اللغم لبلوغ جنازير الدبابة المتحركة). حرص الألمان على بعثرة هذه الألغام عشوائياً لتعزيز عقبات الأسلاك الشائكة، وحماية خطوط خنادقهم trench lines الأمامية. ومع نهاية الحرب كان نحو 3 ملايين لغم من هذا النوع قد أنتج. بدأ الألمان في صناعة الألغام المضادة للدبابات في العام 1916 وأنتجوا تقريبا ثلاثة ملايين لغم قبل هدنة 1918. ومن المؤسف أن لا معلومات مفصلة عرفت عن خصائص هذه المصانع. الألغام الألمانية فسرت جزء هام من خسائر الدبابة المتحالفة، بما في ذلك نحو 15% من إصابات الدبابة الأمريكية أثناء معارك St Mihiel، Catalet-Bony، وMeuse/Argonne. لقد عانت تصاميم ألغام الجيل الأول من التأثيرات البيئية environmental effects بالإضافة لقابلية كشفهم نتيجة بروزهم أو مظهرهم الجانبي شبه الواضح، ناهيك عن عدم تحصلهم على حماية مناسبة ضد الرطوبة أو الأوساخ.