هل تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان؟
الإجابة
يجب أن يُعلم كل مسلم أن الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة
غير قابلة للتغيير ، مهما اختلف الزمان ، والمكان
فتحريم الخمر ، والزنا ، والربا ، وعقوق الوالدين ، وما يشبه ذلك من الأحكام
لن يكون حلالاً في زمان ، أو في مكان ؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي ، ولاكتمال التشريع بها .
لكن الأحكام الشرعية المتصلة بمعاملات الناس وعاداتهم وأعرافهم
جاءت لتحقق مصالح معينة، وهذه المصالح تتغير في كثير من الأحيان بسبب تغير الزمان
وحينئذ ينبغي - على رأي اهل العلم أن تتغير تلك الأحكام ما دام قد تغيرت مصالحها
ومن هنا وضعوا تلك المقالة وسمَّوها قاعدة
قاعدة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان
ويقصدون بعض الأحكام المتصلة بالمعاملات دون العبادات
والتغير أوجبه عندهم تغير المصالح والأعراف والعادات
والمقصود «بالتغير» في الحكم الشرعي هو انتقاله من حالة كونه مشروعًا فيصبح ممنوعًا
أو ممنوعًا فيصبح مشروعًا باختلاف درجات المشروعية والمنع
وهذه القاعدة ليست على عمومها وإطلاقها
فالأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام الاجتهادية
التي لا نص فيها
بل دليلها القياس أو المصلحة
أما القواعد الكلية والمبادئ العامة والأحكام الجزئية في المعاملات
التي ورد فيها نص فإنها لا تتغير ولا تتبدل
كوجوب أداء الأمانات إلى أهلها، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب رد المظالم إلى أهلها
وحرمة السرقة والغش والربا، وحرمة بيع المسلم على بيع أخيه
فإن هذا كله لا يدخله التغيير أو التبديل
لكن قد تتغير الوسائل وأساليب التطبيق
حالنا اليوم
اتخذ اليوم وللاسف بعض أهل الأهواء او العصرانيِّين على هذه القاعدة
اومن تلك الجملة مطية لهم
للعبث بالأحكام الشرعية الثابتة بنصوص الوحي المطهَّر
ولتمييع الدين من خلال تطبيقها على أحكام قد أجمع أهل العلم على حكمها منذ الصدر الأول
ولا يسلم لهم الاستدلال بها
فهي لا تخدم أغراضهم
وإنما نص الجملة في
" الفتوى لا في " الأحكام الشرعية
وبينهما فرق كبير
فالأول في مسائل الاجتهاد ، وما كان بحسب الواقع ، فاختلاف الواقع والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها
ضابط فهم هذه العبارة في أمرين :
أ. التغير في الفتوى لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله
ب. التغير سببه اختلاف الزمان ، والمكان ، والعادات ، من بلد لآخر
وقد جمعهما الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله :
فصل ، في تغير الفتوى ، واختلافها ، بحسب تغير الأزمنة ، والأمكنة ، والأحوال ، والنيات ، والعوائد
والعوائد : جمع عادة ، وهو فصل نفيس ، ذكر فيه – رحمه الله
أمثلة كثيرة ، فلتنظر في " إعلام الموقعين " ( 3 / 3 فما بعدها ) .
ونضرب على ذلك أمثلة ، منها :
1. اللُّقَطة ، فإنها تختلف من بلد لآخر ، ومن زمان لآخر ، في تحديد قيمة ما يجوز التقاطه ، وتملكه من غير تعريف
فيختلف الأمر في البلد نفسه ، فالمدينة غير القرية ، ويختلف باختلاف البلدان ، والأزمنة .
2. زكاة الفطر ، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً ، بمقدار صاع ، وقد نص الحديث على " الشعير " ، و " التمر " ، و " الإقط "
وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان ، فالشعير صار طعاماً للبهائم ، والتمر صار من الكماليات ، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل
وعليه : فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم ، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز ، وآخر يفتي بإخراجها ذرة ، وهكذا .
فالحكم الشرعي ثابت ولا شك
وهو وجوب زكاة الفطر ، وثابت من حيث المقدار ، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج .
والأمثلة كثيرة جدّاً ، في الطلاق ، والنكاح ، والأيمان ، وغيرها من أبواب الشرع .
وانظر مثالاً صالحاً لهذا في جوابنا على السؤال رقم ( 125853 ) .
قال القرافي رحمه الله :
فمهما تجدد في العُرف : اعتبره ، ومهما سقط : أسقطه ، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك ، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك : لا تُجْرِه على عرف بلدك ، واسأله عن عرف بلده ، وأَجْرِه عليه ، وأفته به دون عرف بلدك ، ودون المقرر في كتبك ، فهذا هو الحق الواضح .
والجمود على المنقولات أبداً : ضلال في الدِّين ، وجهل بمقاصد علماء المسلمين ، والسلف الماضين ، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق ، والعتاق ، وجميع الصرائح والكنايات ، فقد يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية ، وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية .
" الفروق " ( 1 / 321 ) .
وقد أثنى ابن القيم رحمه الله على هذا الفقه الدقيق فقال – بعد أن نقل ما سبق - :
وهذا محض الفقه ، ومَن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عُرفهم ، وعوائدهم ، وأزمنتهم ، وأحوالهم ، وقرائن أحوالهم : فقد ضلَّ ، وأضل ، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية مَن طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم ، وعوائدهم ، وأزمنتهم ، وطبائعهم ، بما في كتابٍ من كتب الطب على أبدانهم ، بل هذا الطبيب الجاهل ، وهذا المفتي الجاهل : أضر ما يكونان على أديان الناس ، وأبدانهم ، والله المستعان .
الإجابة
يجب أن يُعلم كل مسلم أن الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة
غير قابلة للتغيير ، مهما اختلف الزمان ، والمكان
فتحريم الخمر ، والزنا ، والربا ، وعقوق الوالدين ، وما يشبه ذلك من الأحكام
لن يكون حلالاً في زمان ، أو في مكان ؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي ، ولاكتمال التشريع بها .
لكن الأحكام الشرعية المتصلة بمعاملات الناس وعاداتهم وأعرافهم
جاءت لتحقق مصالح معينة، وهذه المصالح تتغير في كثير من الأحيان بسبب تغير الزمان
وحينئذ ينبغي - على رأي اهل العلم أن تتغير تلك الأحكام ما دام قد تغيرت مصالحها
ومن هنا وضعوا تلك المقالة وسمَّوها قاعدة
قاعدة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان
ويقصدون بعض الأحكام المتصلة بالمعاملات دون العبادات
والتغير أوجبه عندهم تغير المصالح والأعراف والعادات
والمقصود «بالتغير» في الحكم الشرعي هو انتقاله من حالة كونه مشروعًا فيصبح ممنوعًا
أو ممنوعًا فيصبح مشروعًا باختلاف درجات المشروعية والمنع
وهذه القاعدة ليست على عمومها وإطلاقها
فالأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام الاجتهادية
التي لا نص فيها
بل دليلها القياس أو المصلحة
أما القواعد الكلية والمبادئ العامة والأحكام الجزئية في المعاملات
التي ورد فيها نص فإنها لا تتغير ولا تتبدل
كوجوب أداء الأمانات إلى أهلها، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب رد المظالم إلى أهلها
وحرمة السرقة والغش والربا، وحرمة بيع المسلم على بيع أخيه
فإن هذا كله لا يدخله التغيير أو التبديل
لكن قد تتغير الوسائل وأساليب التطبيق
حالنا اليوم
اتخذ اليوم وللاسف بعض أهل الأهواء او العصرانيِّين على هذه القاعدة
اومن تلك الجملة مطية لهم
للعبث بالأحكام الشرعية الثابتة بنصوص الوحي المطهَّر
ولتمييع الدين من خلال تطبيقها على أحكام قد أجمع أهل العلم على حكمها منذ الصدر الأول
ولا يسلم لهم الاستدلال بها
فهي لا تخدم أغراضهم
وإنما نص الجملة في
" الفتوى لا في " الأحكام الشرعية
وبينهما فرق كبير
فالأول في مسائل الاجتهاد ، وما كان بحسب الواقع ، فاختلاف الواقع والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها
ضابط فهم هذه العبارة في أمرين :
أ. التغير في الفتوى لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله
ب. التغير سببه اختلاف الزمان ، والمكان ، والعادات ، من بلد لآخر
وقد جمعهما الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله :
فصل ، في تغير الفتوى ، واختلافها ، بحسب تغير الأزمنة ، والأمكنة ، والأحوال ، والنيات ، والعوائد
والعوائد : جمع عادة ، وهو فصل نفيس ، ذكر فيه – رحمه الله
أمثلة كثيرة ، فلتنظر في " إعلام الموقعين " ( 3 / 3 فما بعدها ) .
ونضرب على ذلك أمثلة ، منها :
1. اللُّقَطة ، فإنها تختلف من بلد لآخر ، ومن زمان لآخر ، في تحديد قيمة ما يجوز التقاطه ، وتملكه من غير تعريف
فيختلف الأمر في البلد نفسه ، فالمدينة غير القرية ، ويختلف باختلاف البلدان ، والأزمنة .
2. زكاة الفطر ، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً ، بمقدار صاع ، وقد نص الحديث على " الشعير " ، و " التمر " ، و " الإقط "
وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان ، فالشعير صار طعاماً للبهائم ، والتمر صار من الكماليات ، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل
وعليه : فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم ، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز ، وآخر يفتي بإخراجها ذرة ، وهكذا .
فالحكم الشرعي ثابت ولا شك
وهو وجوب زكاة الفطر ، وثابت من حيث المقدار ، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج .
والأمثلة كثيرة جدّاً ، في الطلاق ، والنكاح ، والأيمان ، وغيرها من أبواب الشرع .
وانظر مثالاً صالحاً لهذا في جوابنا على السؤال رقم ( 125853 ) .
قال القرافي رحمه الله :
فمهما تجدد في العُرف : اعتبره ، ومهما سقط : أسقطه ، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك ، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك : لا تُجْرِه على عرف بلدك ، واسأله عن عرف بلده ، وأَجْرِه عليه ، وأفته به دون عرف بلدك ، ودون المقرر في كتبك ، فهذا هو الحق الواضح .
والجمود على المنقولات أبداً : ضلال في الدِّين ، وجهل بمقاصد علماء المسلمين ، والسلف الماضين ، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق ، والعتاق ، وجميع الصرائح والكنايات ، فقد يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية ، وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية .
" الفروق " ( 1 / 321 ) .
وقد أثنى ابن القيم رحمه الله على هذا الفقه الدقيق فقال – بعد أن نقل ما سبق - :
وهذا محض الفقه ، ومَن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عُرفهم ، وعوائدهم ، وأزمنتهم ، وأحوالهم ، وقرائن أحوالهم : فقد ضلَّ ، وأضل ، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية مَن طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم ، وعوائدهم ، وأزمنتهم ، وطبائعهم ، بما في كتابٍ من كتب الطب على أبدانهم ، بل هذا الطبيب الجاهل ، وهذا المفتي الجاهل : أضر ما يكونان على أديان الناس ، وأبدانهم ، والله المستعان .