محمد بن زايد يفاوض إردوغان من موقع القوة
زيارة ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، محمد بن زايد، الأولى لتركيا منذ عشر سنوات، تكتسب معانٍ إقليمية ودولية من الناحيتين الجيوسياسية والاقتصادية.
الزيارة هي نتاج تقاطع عوامل سياسية واقتصادية وعسكرية دفعت أنقرة وأبوظبي إلى الانتقال من ملعب الخصم إلى محاولة التعاون المشترك.
بالنسبة للإمارات فهي اليوم تفاوض تركيا من موقع القوة. لا بل ما كان يطمح إليه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ويسعى إليه إقليمياً ودولياً في العقدين الأخيرين خسره مقابل نجاح محمد بن زايد في اقتناصه. هنا نتحدث عن:
1- صفقة طائرات الأف-35 التي خسرتها تركيا في ٢.١٩ وأهدرت عقداً لمئة طائرة من واشنطن بعد هرولة إردوغان باتجاه موسكو لشراء منظومة الأس ٤٠٠. أنقرة تقف وحيدة اليوم وسط شكوك حلف الشمال الأطلسي حول شراكتها الدفاعية، وبحوزتها منظومة صاروخية لا توازي قوة الدفاعات الاميركية، وهي غير قادرة أصلاً على تفعيلها بالكامل.
بالمقابل حصدت الإمارات في 2020 وبعد توقيع السلام مع اسرائيل عقد طائرات الأف-35 لتكون أول دولة عربية تمتلك هذه القوة الجوية. الكونغرس فشل في عرقلة الصفقة، وادارة جوزيف بايدن بعد دونالد ترامب أكدت الالتزام بها.
2- القوة الاقتصادية التي كان يريدها إردوغان لتركيا وأهدرها بسبب سياسات طائشة اقتصادياً والاتكاء على حلقة ضيقة من رجال الأعمال من ضمنهم صهره براءت آلبيرق، الذي استقال كوزير للمالية، بعدما دفع العملة التركية لتكون بين أسوأ العملات أداءً في العالم.
إنما المشكلة لم تكن في البيرق بل في أسلوب إردوغان وتمتين قبضته على الاقتصاد، والإصرار على خفض سعر الفائدة بشكل أوصل إلى تضخم هائل اليوم ووضع الليرة التركية في أسوأ درك أمام الدولار.
بالمقابل ينتعش الدرهم الإمارتي (٠.٢٧ أمام الدولار) وتنعطف الإمارات نحو اقتصاد عالمي يجذب مؤتمرات دولية مثل قمة المناخ 2028، وحصد عقد ضخم مع الأردن واسرائيل برعاية أميركية للطاقة الشمسية بينهم.
3- ثالثاً في السياسة الخارجية، انعطفت الإمارات في الأعوام الاخيرة باتجاه سياسة الجسور والصفر مشاكل التي كان يوما يطمح اليها أردوغان وفشل في تحقيقها.
ففيما يفاوض محمد بن زايد حول الطاقة المستقبلية واستضافة مؤتمرات عالمية، يفاوض إردوغان حول مؤتمر لطالبان وغزو الشمال السوري، وهو ما يلخص التناقض الكبير اليوم بين الرجلين.
الإمارات فقط في الشهر الأخير مدت جسوراً مع دمشق، طهران، تل أبيب، نيو دلهي، موسكو، بكين، أنقرة وواشنطن. هذا يستوجب براعة دبلوماسية هائلة في موازنة العلاقة مع كامل هذه العواصم لمبررات مختلفة. وهي حفظت مسافة من حرب اليمن، عدلت موقعها في ليبيا وبنت تحالفات استراتيجية مع مصر والسعودية.
في المقابل، يتخبط إردوغان بين خلافات مع الجوار من السعودية إلى أرمينيا إلى اليونان إلى سوريا ومصر، وهو غير قادر على إصلاح علاقته مع بايدن ولا على تعميقها مع فلاديمير بوتين.
هذه الأسباب تضع الإمارات في موقع القوة في محادثاتها مع تركيا، ومحمد بن زايد في موقع حامل الأوراق الدبلوماسية والاقتصادية والدفاعية في لقائه لإردوغان، إذ يدرك إردوغان أن نجاحه في الانتخابات المقبلة يعتمد على الورقة الاقتصادية وهو مضطر اليوم للتنازل للإمارات التي اتهمها يوماً بوأد انقلاب ضده.
أما الإمارات فتمضي باستراتيجية تكديس وتقوية أوراقها بشكل يجعلها شريك الضرورة لأردوغان من دون أن تعتمد هي عليه. الماضي هو الماضي والمستقبل هو لاستراتيجيات تقوي البنية الداخلية للدول ومد الجسور خارجياً، بدل التهويل والتطبيل على امبراطوريات عفي عنها الزمن ولن تعود.