مدفع الإفطار / د. عثمان قدري مكانسي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,781
التفاعل
17,898 114 0
مدفع الإفطار

الدكتور عثمان قدري مكانسي



سيذكر التاريخ أن عصابة مؤمنة بربها معتمدة عليه قد شاركت في حرب رمضان عام ثلاثة وتسعين وثلاث مئة وألف للهجرة ، بذلت إمكاناتها في سبيل الله ، وحققت بعض الانتصارات بتأييد منه – سبحانه – ومدد .
وإن أنس لا أنس اليوم الثاني من المعركة ..
قال سامر : شوّقتني يا سعيد لسماع قصة هذا اليوم على الرغم أن أجفاني راحت تثّاقل معلنة إنهاء يوم حافل بالتدريب المستمر ، وبدأت التثاؤبات تتغلب على فمي المرهق ، والفراش يشدني إليه كأن فيه سحراً لا يغالب .
قلت : أتريد بكلامك هذا حثّي على الحديث أو قذفي إلى سريري ؟.. قال : بعد أن غسل وجهه ، واستقام في جلسته أمام باب الخيمة ، ونظر إلى القمر المستدير المتسلق قبة السماء :
هات ما عندك الآن ، فأنا معك إلى أن يبزغ الفجر .
قلت : كنت صائماً يومئذٍ ، والوقت في الأصيل ، والشمس مصفرة .. والأرض والدنيا تميد تحتنا من القذائف التي تحيلها براكين لا تهدأ تصْلي الطرفين ناراً مستعرة ، والدبابات تمخر عباب المعركة ، تريد الوصول سريعاً إلى الشاطئ الآخر ، والمدافع المضادة للطائرات تحمي سماءنا ، وقوافل المؤونة والذخيرة تزحف إلى الأبطال الذين يندفعون إلى ساحات الشرف والكرامة .
كانت مهمتي الدفاع عن " تل الضهور "مركز قيادة الوحدة بأسلحتي المضادة للدرع ، أسكت مصادر النيران الارضية ، وأكيل لها الصاع صاعين .. وكأن العدوّ عرف ذلك فهو في غيظ وألم .
وجبل " الحَرَمون " ذلك الشيخ الوقور الذي يعصب رأسه بغلالة من الثلج حتى في أيام تموز صامد لا يأبه بما في المرصد اليهودي الذي استعاده جنودنا في الساعات الأولى من يوم أمس
نعم .. لقد استشاط العدوّ غضباً إذ خسر المرصد الذي كان عينيه اللتين يرصد بهما تحركاتنا ، فكان يرسل الكتيبة تلو الكتيبة لبسط سيطرته عليه ثانية ، فيبوء بالخزي والعار .
واليوم ... أرسل ستّاً من طائراته " الفانتوم " لقصف بواسلنا في الجبل .... ولهجت الألسنة بالدعاء ، وقلوبنا بالرجاء لإخواننا هناك . لا سيما أخانا أبا خالد " عدنان شيخوني " قائد فصيلة " الكوبرا " في المرصد المحرر نفسه - وهي صواريخ ثقنص الطائرات عن قرب – كان لولب الدفاع عن المرصد جواً .
صاح " عبد الله " عامل اللاسلكي فرحاً : سيدي... انظر باتجاه الشرق .. ونظرت فرأيت حمامتين بيضاوين تتجهان إلى جبل الشيخ من قرية " سعسع " التي تبعد عنه أكثر من خمسة عشر كيلو متراً تطيران جنباً إلى جنب وعلى خطين أبيضين متوازيين ، كأن كل واحدة منهما تحث الأخرى على الصبر والمجاهدة في قطع الفضاء إلى حيث تكشفان الغم عن المجاهدين .... مرت ثوانٍ معدودة ، ودخلت كل واحدة منهما وكرها حيث ضاقا بهما ، فانفجرا وصارا أثراً بعد عين ... " الله أكبر " ..
وصاح " عبد الله " سيدي .. صاروخان آخران نحو طائرتين أخريين ... لقد تمزقتا .. " الله أكبر " .. لم يبق سوى طائرتين .
نعم ياسامر ، لقد بقيت طاترتان ... ولكن صاروخاً صغيراً من يد أبي خالد انطلق بشوق ولهفة ليعانق إحداهما عناق المشوق المستهام .. وهصرها .. فذابت تحت وطأة حرارة اللقاء العنيف .
وبقيت اليتيمة ... وبكت قنابل صبتها بلا وعي .. وارتجف ملاّحاها هلعاً من مصير الأخريات.. وتمايلت الطائرة ، وكأنما عزّ عليها أن تعود وحدها ، فاصطدمت بصخرة ، وألقت بنفسها منتحرة في الوادي السحيق .
ولم يبق على موعد الإفطار سوى ثلث ساعة ...
كان " تل الضهور " الذي أرابض فيه منتهى طريق طويل قادم من الشرق ، يتفرع عنده إلى طريقين : إحداهما تتجه شمالاً إلى قرية " حضر " مركز الجيش المغربي الشقيق ، والأخرى غرباً إلى القنيطرة ، حيث طلائع جيشنا المتقدم .

ولمح طيار إسرائيليّ قافلة كبيرة من السيارات تتجه نحونا ، فعمد إلى ضربها في مفترق الطريقين ... فتصدّت له وسائل الدفاع الجويّ المكوّنة من رشاشات ذات عيار صغير جعلته يهرب مرتين إذ كانت الطلقات الكثيفة تصدر أصواتاً أخافته حين ارتطمت بكثرةٍ وسرعةٍ أسفل طائرته المصفح برقائق الفولاذ القوي دون أن تخترقه .... فحين اطمأنّ إلى أن رصاصات الـ /500 ملم لا تجدي مع طيارته فتيلاً عاد مصمماً أن يقضي على هذا الصيد الثمين ... فلما توقف على رأس المثلث مركزاً على هدفه حدث ما لم يكن بالحسبان ...
سنحت الفرصة لأحد رماة صواريخ " كوبرا " - على التل نفسه - فسدد إليه صاروخه ، ثم أرسله نحوها ، فدوّى انفجار هائل... ل ل ... وفتحتُ المذياع... فسمعت صوت المؤذن يشدو مترنماً بالنداء الخالد : ... " الله أكبر ... الله أكبر ...

 
عودة
أعلى