كانت الحرب الصينية اليابانية الثانية (1937-1945) محنة مدمرة للصين، لكنها كانت أيضا للمفارقة طوق النجاة للحزب الشيوعي الصيني. عشية حادثة جسر ماركو بولو في يوليو/تموز عام 1937، كان وجود الحزب الشيوعي الصيني المستنزف بشدة مقتصرا على جيب ريفي في شمال غرب الصين، وكان بقاء الحزب بحد ذاته موضع شك. وسأستعرض فيما يلي كيف أن توليفة جمعت بين ضربات الحظ وحسابات في غاية الدهاء قد مهدت الطريق لعودة الحزب بطريقة مذهلة.
وفي نهاية المطاف انضم جيش جيانغشي مع قوة أخرى تحت قيادة تشانغ غوتاو كانت قد طردت من قاعدتها في شمال سيتشوان. ولكن قيادة الحزب كانت منقسمة حول الوجهة النهائية للمسيرة. أصر تشانغ على المضي قدما تجاه الجنوب، على الرغم من اعتراضات ماو تسي تونغ، وواجه الحزب خطر الانقسام إلى فريقين بسبب هذا التمرد. ولكن في نهاية المطاف، قاد ماو وتشو إنلاي الجزء الأكبر من الجيش شمالا عبر جبال داكسو إلى شنشي. انتهت الرحلة الطويلة أخيرا في أواخر عام 1935، عندما انضموا إلى القوات المحلية في مقاطعة شنشي شمالي الصين.
بدأ الحزب الشيوعي الصيني نفسه كفرع محلي تابع للأممية الشيوعية ’’كومنترن‘‘. وخلال العقد الأول بعد تأسيس الحزب، كانت الكومنترن تمول المنظمة بشكل أساسي عن طريق دفع رواتب شهرية. بعد ذلك تحولت إلى عمليات ضخ الأموال حسب الحاجة، وإن ظلت هذه المساعدة كبيرة. ولكن الحزب الشيوعي الصيني فقد اتصاله اللاسلكي مع الكومنترن بعد تخليه عن منطقة قاعدته المركزية في جيانغشي. وفي يونيو/حزيران عام 1936 تمكن أخيرا من استعادة الارتباط اللاسلكي من قاعدته الجديدة في يانان. مكنت المساعدات البالغة مليوني دولار والتي تلقاها الحزب الشيوعي الصيني لاحقا من الكومنترن الحزب من إطعام قواته وتجنب الكارثة.
أما شريان الحياة الآخر فقد تجلى في تعاون الرجل القوي تشانغ تشويليانغ الذي تعهد بالولاء للحكومة القومية بعد وفاة والده أحد أمراء الحرب المنشوريين في عام 1928. عندما غزا اليابانيون منشوريا في عام 1931 بعد مواجهة مقاومة صغيرة من قوات القوميين كان تشانغ تشويليانغ قد سقط كقائد للجيش الشمالي الشرقي. عاد تشانغ إلى الصين بعد فترة قصيرة في المنفى قضاها في أوروبا، واستأنف خدمة شيانغ كاي شيك الذي أمره بقيادة جيشه ضد القوات الشيوعية في الشمال الغربي. وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 1935 وضع تشانغ جيشه في شيان جنوب يانان بناء على أوامر من شيانغ.
لكن نفد صبر تشانغ بسرعة من سياسة شيانغ المتمثلة في ’’إحلال السلام في الداخل قبل مقاومة الخارج‘‘ والتي كانت تستهدف الشيوعيين بينما تتساهل مع اليابانيين، حتى مع تزايد خطورة الوضع في شمال الصين أكثر من أي وقت مضى. وبعد خسارة ثلاثة فرق تحارب الشيوعيين، أرسل تشانغ من يقوم بجس النبض على أمل عقد حوار مع الحزب الشيوعي الصيني. لم يكن الهدف وقف الحرب الأهلية فحسب، بل كان أيضا -وربما الأهم- تأمين دعم الاتحاد السوفيتي في الحرب ضد اليابان.
من جانبه كان الحزب الشيوعي الصيني يتعرض لضغوط من الكومنترن لتشكيل جبهة وطنية أوسع مناهضة لليابان. وبعد تبني قرار بهذا الصدد في أواخر عام 1935، بدأت قيادة الحزب جهودا حثيثة لاستكشاف سبل التعاون مع تشانغ تشويليانغ.
وفي أبريل/نيسان عام 1936 التقى تشو إنلاي وتشانغ تشويليانغ في يانان واتفقا على عدم الاعتداء المتبادل بهدف تشكيل جبهة موحدة ضد اليابانيين، بينما حصل تشانغ على وعد بالدعم من الكومنترن. أقام الحزب الشيوعي الصيني تحالفا مشابها مع يانغ هوشنغ وجيشه الشمالي الغربي، ما أدى إلى تحسن كبير في البيئة الأمنية للقاعدة الجديدة للحزب.
لكن بالعودة إلى نانجينغ، ظل شيانغ كاي شيك عازما على القضاء على الشيوعيين في معقلهم المتبقي. وسافر إلى شيان في ديسمبر/كانون الأول عام 1936 -وكله إحباط من عدم إحراز تقدم على تلك الجبهة- للإشراف على الحملة العسكرية بنفسه. وهذا ما مهد الطريق لحادثة شيان الشهيرة.
ولو كان شيانغ قد رفض التفاوض لكان الجيش القومي بلا شك قد تحرك بسرعة لتطويق كل من الحزب الشيوعي الصيني والجيش الشمالي الشرقي. ولكن في نهاية المطاف تفاوض شيانغ بالفعل، وقام الطرفان بتسوية المواجهة عن طريق اتفاق شفهي بموجبه: سيوقف حزب الكومينتانغ حملته العسكرية ضد الشيوعيين بشرط أن يضع الحزب الشيوعي الصيني قواته تحت قيادة الحكومة القومية. تم إطلاق سراح شيانغ في 25 ديسمبر/كانون الأول وعاد إلى نانجينغ.
لم يكن ذلك اتفاقا رسميا مكتوبا وشروطه لا تناسب أيّا من الجانبين. لم تقدم الحكومة القومية أبدا مستوى الدعم المالي الذي وعدت به الشيوعيين، ولم يفكر الشيوعيون مطلقا في تسليم قيادة جيشهم إلى حزب الكومينتانغ. وإلى ما قبيل اندلاع الحرب الشاملة مع اليابان، كان مستقبل الجبهة الموحدة والحزب الشيوعي الصيني موضع شك كبير.
ولكن الأمر الذي غير هذه الديناميكية واستعاد قوة الحزب الشيوعي الصيني في نهاية المطاف هو اندلاع حرب واسعة النطاق عجلت بحادثة جسر ماركو بولو في 7 يوليو/تموز عام 1937. وجهت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في برقية مؤرخة بتاريخ 8 يوليو/تموز (على الرغم من إرسالها بالفعل بعد يومين) دعوة للوحدة الوطنية ضد اليابانيين وحثت على التعاون بين حزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني. وفي 15 يوليو/تموز صاغت بيانا لإنشاء جبهة موحدة بين القوميين والشيوعيين وحل جمهورية الصين السوفيتية وإعادة تنظيم القوات الشيوعية إلى فرق تخضع (اسميا) لقيادة الجيش الثوري القومي.
رفض شيانغ كاي شيك في البداية خطورة حادثة جسر ماركو بولو ولم يكن مستعدا للسماح للقوات الشيوعية بالعمل تحت قيادة مستقلة. ولكن في نهاية يوليو/تموز ومع تفاقم الوضع، استسلم ووافق على إعادة التنظيم المقترحة للقوات الشيوعية (كجيش شرعي) تحت قيادة مستقلة مقابل انتشارها السريع ضد القوات اليابانية في الشمال.
وفي سبتمبر/أيلول ذهب شيانغ أبعد من ذلك ووافق على الإعلان عن تشكيل جبهة موحدة في بيان يتبع صياغة الحزب الشيوعي الصيني نفسه معترفا فعليا بشرعية الحزب الشيوعي وحكومته وسيطرته الشرعية على مناطق معينة، وذلك في محاولة لتسريع نشر القوات الشيوعية ضد اليابانيين. وقد سهل هذا الأمر إلى حد كبير التوسع اللاحق للحزب الشيوعي الصيني.
تُركت الأسئلة الحاسمة المتعلقة بالمناطق التي ستكون تحت السيطرة الشيوعية ونوع الدعم الذي ستقدمه الحكومة المركزية دون حل، على أساس أنه سيتم تسويتها من قبل لجنة مشتركة من الحزبين في نهاية العام. ولكن عندما أصبح جليا أن عدم وجود أي درجة من التسوية مع الحزب الشيوعي الصيني كان من المحتمل أن يجر الاتحاد السوفيتي إلى الصراع ضد اليابان، تبنى حزب الكومينتانغ تكتيكات المماطلة. وهكذا اضطر الشيوعيون إلى الدفاع عن أنفسهم وعادوا مرة أخرى إلى الكومنترن للحصول على الدعم المالي.
إيصال بدفع 300 ألف دولار من الأممية الشيوعية بتاريخ 28 أبريل/نيسان عام 1938. الوثيقة تحمل توقيع وختم ماو تسي تونغ (أعيد طبعها من فيكتور نيكولايفيتش أوسوف [المخابرات السوفيتية في الصين: الثلاثينيات]. موسكو: توفاريشتشيستفو ناوتشنياخ إيزداني KMK لعام 2007).
أدخل الشيوعيون في المراحل الأولى من الحرب اليابانيين بفعالية في قتال مفتوح كجزء من استراتيجية الحزب لتأمين الوضع القانوني. وجهت هذه العمليات المبكرة ضربة قوية لليابانيين في شانشي وأجزاء أخرى من الشمال. لكن ماو تسي تونغ كان شديد الارتياب من نوايا شيانغ كاي شيك تجاه الحزب الشيوعي الصيني والعكس بالعكس. وبمجرد أن حصل الشيوعيون على التنازلات الرئيسية -بما في ذلك الوعد بالحصول على الشرعية- تحولت الاستراتيجية العسكرية إلى عمليات حرب العصابات في الجبال في محاولة للحفاظ على القوة العسكرية للحزب وتعزيزها في مواجهة حزب الكومينتانغ. وقد اقترنت هذه الاستراتيجية بجهد هائل لتجنيد أعضاء جدد. وتمكن الحزب الشيوعي الصيني نتيجة لذلك من زيادة عضويته من حوالي 30 ألفا في بداية الحرب إلى حوالي 800 ألف بحلول عام 1940، بينما شكل جيشا قوامه حوالي 500 ألف جندي.
بعد ذلك حاصر الشيوعيون عمليات التمشيط اليابانية والحصار الذي فرضه القوميون والذي كان يهدف إلى احتواء مجال نفوذ الحزب. تكبد الجيش الأحمر خسائر مدمرة في حادثة الجيش الرابع الجديد في يناير/كانون الثاني عام 1941 عندما حوصرت القوات الشيوعية في مقاطعة آنهوي الجنوبية في وسط الصين -ثم في عملية الانسحاب شمال نهر اليانغتسي بأوامر من شيانغ- وهوجمت من قبل القوات القومية. في غضون ذلك، فتحت الزيادة السريعة في عدد أعضاء الحزب الباب أمام دخول ’’عناصر غير نقية‘‘ أيديولوجيا. كانت منطقة قاعدة الحزب الشيوعي الصينية تنحدر إلى حالة من الفوضى.
أطلقت قيادة الحزب في محاولة للسيطرة على الوضع بسرعة إصلاحات واسعة النطاق. وبالإضافة إلى حركة تصحيحية تهدف لاستعادة الانضباط الأيديولوجي، تعهد الحزب بزيادة الإنتاجية من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية وزيادة الاعتماد على الميليشيات الريفية. مكنت هذه الإصلاحات الحاسمة الشيوعيين من التغلب على أزمة أوائل الأربعينات.
وفي عام 1942بدأ الجيش الإمبراطوري الياباني -الذي كان خسر وجوده في المحيط الهادئ- في نقل وحدات النخبة التابعة له من الصين إلى ساحات القتال الرئيسية الأخرى. وكان لتقليل حجم القوات اليابانية وضعفها في الصين التأثير الأكبر في المناطق النائية، حيث كان الشيوعيون أقوى. توغلت القوات اليابانية بلا هوادة جنوبا عبر الصين في إطار عملية إيتشيو-غو التي نُفِّذت في عام 1944، محطمة الجيش الثوري القومي لحزب الكومينتانغ أثناء تقدمها وهو ما قاد إلى فراغ عسكري. استفاد الشيوعيون من تلك الثغرات وتحولوا إلى الموقف الهجومي وبسطوا سيطرتهم على طول خطوط السكك الحديدية والمدن الصغيرة. وبحلول الوقت الذي انتهت فيه الحرب، كانت قاعدة الحزب الشيوعي الصيني تضم أكثر من 100 مليون نسمة وكان تعداد جيشها 1.27 مليون جندي.
برقية مشفرة معترضة أرسلتها موسكو إلى الحزب الشيوعي الصيني في 10 أغسطس/آب عام 1945 للاستفسار عن الوضع في يانان (HW / 17/42، الأرشيف الوطني البريطاني، كيو، لندن).
أوامر خطية من مقر قيادة الحزب الشيوعي الصيني في يانان بتاريخ 10 أغسطس/آب عام 1945 تحتوي على تعليمات لنزع سلاح القوات اليابانية عند استسلام اليابان (المتحف الوطني الصيني، صورة من الكاتب).
وكما يتبين مما سبق، كان اندلاع الحرب الصينية اليابانية الثانية بمثابة نقطة تحول بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، ما سمح له باستعادة قوته وإحيائها بعد انتكاسات مدمرة في المنطقة الشمالية الغربية النائية تركته يكافح من أجل البقاء. وعلى خلاف حكايات المجد والبطولة التي روجها المؤرخون الرسميون للحزب الشيوعي الصيني، تسلط هذه الرواية الضوء على ضربات الحظ وحوادث التاريخ التي سهلت عودة الحزب. وفي الوقت نفسه، تقر بالقيادة الاستراتيجية التي سمحت للحزب باغتنام تلك الفرص والاستفادة منها. قد تكون روايتي للأحداث أقل بريقا من الروايات الرسمية، إلا أنها مع ذلك قصة صراع كبير تنتهي بنجاح عظيم.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: ماو تسي تونغ وقادة صينيون آخرون بصحبة سفير الولايات المتحدة لدى الصين في أغسطس/آب عام 1945. في المقعد الأمامي من اليسار، قائد الجيش الأحمر تشو دي، والمسؤول الدفاعي في حزب الكومينتانغ تشانغ زيزونغ، والعقيد بالجيش الأمريكي إيفان ييتون، وفي الخلف إلى يسار ماو يجلس السفير باتريك هيرلي الذي حاول دون جدوى المصالحة بين الشيوعيين والقوميين. أوراق إيفان دي ييتون، صندوق 9، معهد هوفر، ستانفورد.)
مسيرة طويلة وشاقة
في النصف الأول من ثلاثينات القرن الماضي، أطلقت الحكومة القومية الصينية في نانجينغ بقيادة شيانغ كاي شيك وحزب الكومينتانغ سلسلة من حملات التطويق استهدفت معاقل الشيوعيين في شتى أرجاء البلاد. وبحلول خريف عام 1934 كان الجيش الثوري القومي لحزب الكومينتانغ يحاصر المنطقة التي توجد فيها القاعدة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في مقاطعة جيانغشي. وفي محاولة يائسة لتجنب تعرضها للإبادة، تسللت قوات الشيوعيين التي كان يبلغ عددها نحو 300 ألف شخص في ذروتها، عبر خطوط العدو وفرت من الحصار. وهكذا بدأت المسيرة الطويلة غير المباشرة التي نقلت الشيوعيين نحو الداخل بشكل غير مسبوق. وبحلول الوقت الذي استولى فيه الجيش الأحمر على زونيي في مقاطعة غويتشو في يناير/كانون الثاني عام 1935، كان عدد القوات قد انخفض إلى حوالي 10 آلاف شخص.وفي نهاية المطاف انضم جيش جيانغشي مع قوة أخرى تحت قيادة تشانغ غوتاو كانت قد طردت من قاعدتها في شمال سيتشوان. ولكن قيادة الحزب كانت منقسمة حول الوجهة النهائية للمسيرة. أصر تشانغ على المضي قدما تجاه الجنوب، على الرغم من اعتراضات ماو تسي تونغ، وواجه الحزب خطر الانقسام إلى فريقين بسبب هذا التمرد. ولكن في نهاية المطاف، قاد ماو وتشو إنلاي الجزء الأكبر من الجيش شمالا عبر جبال داكسو إلى شنشي. انتهت الرحلة الطويلة أخيرا في أواخر عام 1935، عندما انضموا إلى القوات المحلية في مقاطعة شنشي شمالي الصين.
شريانا حياة
تمكن الحزب الشيوعي الصيني أخيرا في يانان بمقاطعة شنشي من إعادة تجميع صفوفه وإنشاء قاعدة دائمة جديدة له. لكنها كانت منطقة غير مضيافة وغير مناسبة لدعم أي جيش. ومع استمرار الوحدات المتناثرة والمبعثرة في شق طريقها شمالا كان الحزب الشيوعي الصيني يواجه تحديا شبه مستحيل لإطعام جيشه والقوات الأخرى القريبة في المنطقة. ولكن الأممية الشيوعية التي كانت تسيطر عليها موسكو، هي من أنقذ الحزب من تلك الأزمة التي كانت تلوح في الأفق.بدأ الحزب الشيوعي الصيني نفسه كفرع محلي تابع للأممية الشيوعية ’’كومنترن‘‘. وخلال العقد الأول بعد تأسيس الحزب، كانت الكومنترن تمول المنظمة بشكل أساسي عن طريق دفع رواتب شهرية. بعد ذلك تحولت إلى عمليات ضخ الأموال حسب الحاجة، وإن ظلت هذه المساعدة كبيرة. ولكن الحزب الشيوعي الصيني فقد اتصاله اللاسلكي مع الكومنترن بعد تخليه عن منطقة قاعدته المركزية في جيانغشي. وفي يونيو/حزيران عام 1936 تمكن أخيرا من استعادة الارتباط اللاسلكي من قاعدته الجديدة في يانان. مكنت المساعدات البالغة مليوني دولار والتي تلقاها الحزب الشيوعي الصيني لاحقا من الكومنترن الحزب من إطعام قواته وتجنب الكارثة.
أما شريان الحياة الآخر فقد تجلى في تعاون الرجل القوي تشانغ تشويليانغ الذي تعهد بالولاء للحكومة القومية بعد وفاة والده أحد أمراء الحرب المنشوريين في عام 1928. عندما غزا اليابانيون منشوريا في عام 1931 بعد مواجهة مقاومة صغيرة من قوات القوميين كان تشانغ تشويليانغ قد سقط كقائد للجيش الشمالي الشرقي. عاد تشانغ إلى الصين بعد فترة قصيرة في المنفى قضاها في أوروبا، واستأنف خدمة شيانغ كاي شيك الذي أمره بقيادة جيشه ضد القوات الشيوعية في الشمال الغربي. وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 1935 وضع تشانغ جيشه في شيان جنوب يانان بناء على أوامر من شيانغ.
لكن نفد صبر تشانغ بسرعة من سياسة شيانغ المتمثلة في ’’إحلال السلام في الداخل قبل مقاومة الخارج‘‘ والتي كانت تستهدف الشيوعيين بينما تتساهل مع اليابانيين، حتى مع تزايد خطورة الوضع في شمال الصين أكثر من أي وقت مضى. وبعد خسارة ثلاثة فرق تحارب الشيوعيين، أرسل تشانغ من يقوم بجس النبض على أمل عقد حوار مع الحزب الشيوعي الصيني. لم يكن الهدف وقف الحرب الأهلية فحسب، بل كان أيضا -وربما الأهم- تأمين دعم الاتحاد السوفيتي في الحرب ضد اليابان.
من جانبه كان الحزب الشيوعي الصيني يتعرض لضغوط من الكومنترن لتشكيل جبهة وطنية أوسع مناهضة لليابان. وبعد تبني قرار بهذا الصدد في أواخر عام 1935، بدأت قيادة الحزب جهودا حثيثة لاستكشاف سبل التعاون مع تشانغ تشويليانغ.
وفي أبريل/نيسان عام 1936 التقى تشو إنلاي وتشانغ تشويليانغ في يانان واتفقا على عدم الاعتداء المتبادل بهدف تشكيل جبهة موحدة ضد اليابانيين، بينما حصل تشانغ على وعد بالدعم من الكومنترن. أقام الحزب الشيوعي الصيني تحالفا مشابها مع يانغ هوشنغ وجيشه الشمالي الغربي، ما أدى إلى تحسن كبير في البيئة الأمنية للقاعدة الجديدة للحزب.
لكن بالعودة إلى نانجينغ، ظل شيانغ كاي شيك عازما على القضاء على الشيوعيين في معقلهم المتبقي. وسافر إلى شيان في ديسمبر/كانون الأول عام 1936 -وكله إحباط من عدم إحراز تقدم على تلك الجبهة- للإشراف على الحملة العسكرية بنفسه. وهذا ما مهد الطريق لحادثة شيان الشهيرة.
حادثة شيان وتداعياتها
في 12 ديسمبر/كانون الأول عام 1936 اقتحم الحراس الشخصيون لتشانغ تشويليانغ ويانغ هوشنغ مقر شيانغ كاي شيك واعتقلوا الزعيم القومي. وضع هذا الأمر المشابه للانقلاب الحزب الشيوعي الصيني في موقف حرج. قررت الحكومة السوفيتية بقيادة جوزيف ستالين أن أفضل استراتيجية لمواجهة الفاشية والتوسع الياباني تتمثل في إقامة جبهة موحدة لحزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني بقيادة شيانغ كاي شيك. ووفقا لذلك أصدرت الكومنترن تعليماتها إلى الحزب الشيوعي الصيني للتفاوض من أجل حل سلمي لحادثة شيان.ولو كان شيانغ قد رفض التفاوض لكان الجيش القومي بلا شك قد تحرك بسرعة لتطويق كل من الحزب الشيوعي الصيني والجيش الشمالي الشرقي. ولكن في نهاية المطاف تفاوض شيانغ بالفعل، وقام الطرفان بتسوية المواجهة عن طريق اتفاق شفهي بموجبه: سيوقف حزب الكومينتانغ حملته العسكرية ضد الشيوعيين بشرط أن يضع الحزب الشيوعي الصيني قواته تحت قيادة الحكومة القومية. تم إطلاق سراح شيانغ في 25 ديسمبر/كانون الأول وعاد إلى نانجينغ.
لم يكن ذلك اتفاقا رسميا مكتوبا وشروطه لا تناسب أيّا من الجانبين. لم تقدم الحكومة القومية أبدا مستوى الدعم المالي الذي وعدت به الشيوعيين، ولم يفكر الشيوعيون مطلقا في تسليم قيادة جيشهم إلى حزب الكومينتانغ. وإلى ما قبيل اندلاع الحرب الشاملة مع اليابان، كان مستقبل الجبهة الموحدة والحزب الشيوعي الصيني موضع شك كبير.
ولكن الأمر الذي غير هذه الديناميكية واستعاد قوة الحزب الشيوعي الصيني في نهاية المطاف هو اندلاع حرب واسعة النطاق عجلت بحادثة جسر ماركو بولو في 7 يوليو/تموز عام 1937. وجهت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في برقية مؤرخة بتاريخ 8 يوليو/تموز (على الرغم من إرسالها بالفعل بعد يومين) دعوة للوحدة الوطنية ضد اليابانيين وحثت على التعاون بين حزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني. وفي 15 يوليو/تموز صاغت بيانا لإنشاء جبهة موحدة بين القوميين والشيوعيين وحل جمهورية الصين السوفيتية وإعادة تنظيم القوات الشيوعية إلى فرق تخضع (اسميا) لقيادة الجيش الثوري القومي.
رفض شيانغ كاي شيك في البداية خطورة حادثة جسر ماركو بولو ولم يكن مستعدا للسماح للقوات الشيوعية بالعمل تحت قيادة مستقلة. ولكن في نهاية يوليو/تموز ومع تفاقم الوضع، استسلم ووافق على إعادة التنظيم المقترحة للقوات الشيوعية (كجيش شرعي) تحت قيادة مستقلة مقابل انتشارها السريع ضد القوات اليابانية في الشمال.
وفي سبتمبر/أيلول ذهب شيانغ أبعد من ذلك ووافق على الإعلان عن تشكيل جبهة موحدة في بيان يتبع صياغة الحزب الشيوعي الصيني نفسه معترفا فعليا بشرعية الحزب الشيوعي وحكومته وسيطرته الشرعية على مناطق معينة، وذلك في محاولة لتسريع نشر القوات الشيوعية ضد اليابانيين. وقد سهل هذا الأمر إلى حد كبير التوسع اللاحق للحزب الشيوعي الصيني.
تُركت الأسئلة الحاسمة المتعلقة بالمناطق التي ستكون تحت السيطرة الشيوعية ونوع الدعم الذي ستقدمه الحكومة المركزية دون حل، على أساس أنه سيتم تسويتها من قبل لجنة مشتركة من الحزبين في نهاية العام. ولكن عندما أصبح جليا أن عدم وجود أي درجة من التسوية مع الحزب الشيوعي الصيني كان من المحتمل أن يجر الاتحاد السوفيتي إلى الصراع ضد اليابان، تبنى حزب الكومينتانغ تكتيكات المماطلة. وهكذا اضطر الشيوعيون إلى الدفاع عن أنفسهم وعادوا مرة أخرى إلى الكومنترن للحصول على الدعم المالي.
إيصال بدفع 300 ألف دولار من الأممية الشيوعية بتاريخ 28 أبريل/نيسان عام 1938. الوثيقة تحمل توقيع وختم ماو تسي تونغ (أعيد طبعها من فيكتور نيكولايفيتش أوسوف [المخابرات السوفيتية في الصين: الثلاثينيات]. موسكو: توفاريشتشيستفو ناوتشنياخ إيزداني KMK لعام 2007).
أدخل الشيوعيون في المراحل الأولى من الحرب اليابانيين بفعالية في قتال مفتوح كجزء من استراتيجية الحزب لتأمين الوضع القانوني. وجهت هذه العمليات المبكرة ضربة قوية لليابانيين في شانشي وأجزاء أخرى من الشمال. لكن ماو تسي تونغ كان شديد الارتياب من نوايا شيانغ كاي شيك تجاه الحزب الشيوعي الصيني والعكس بالعكس. وبمجرد أن حصل الشيوعيون على التنازلات الرئيسية -بما في ذلك الوعد بالحصول على الشرعية- تحولت الاستراتيجية العسكرية إلى عمليات حرب العصابات في الجبال في محاولة للحفاظ على القوة العسكرية للحزب وتعزيزها في مواجهة حزب الكومينتانغ. وقد اقترنت هذه الاستراتيجية بجهد هائل لتجنيد أعضاء جدد. وتمكن الحزب الشيوعي الصيني نتيجة لذلك من زيادة عضويته من حوالي 30 ألفا في بداية الحرب إلى حوالي 800 ألف بحلول عام 1940، بينما شكل جيشا قوامه حوالي 500 ألف جندي.
أزمة وإصلاح
بدأ الجيش الياباني في أوائل عام 1940 -بعد أن رأى تضخم صفوف الشيوعيين- في إجراء عمليات تمشيط عسكرية للريف ولا سيما في الشمال، في محاولة لاقتلاع الجيش الأحمر وأنصاره. وردا على ذلك قرر الشيوعيون الذين اكتسبوا قدرا من الثقة بعد ثلاث سنوات من الحرب أن الوقت قد حان للتحول إلى استراتيجية أكثر عدوانية. وهكذا ولد هجوم الأفواج المائة، وهو حملة منسقة واسعة النطاق ضد المدن التي تسيطر عليها اليابان وخطوط السكك الحديدية. بينما نجح الهجوم في إتلاف بعض البنية التحتية والقواعد اليابانية، كان الدمار الذي أحدثه اليابانيون في ردهم الانتقامي أكبر بكثير. علاوة على ذلك، أعطت الحملة الشاملة كلا من اليابان وحزب الكومينتانغ صورة أوضح بكثير عن نقاط قوة وضعف الحزب الشيوعي الصيني.بعد ذلك حاصر الشيوعيون عمليات التمشيط اليابانية والحصار الذي فرضه القوميون والذي كان يهدف إلى احتواء مجال نفوذ الحزب. تكبد الجيش الأحمر خسائر مدمرة في حادثة الجيش الرابع الجديد في يناير/كانون الثاني عام 1941 عندما حوصرت القوات الشيوعية في مقاطعة آنهوي الجنوبية في وسط الصين -ثم في عملية الانسحاب شمال نهر اليانغتسي بأوامر من شيانغ- وهوجمت من قبل القوات القومية. في غضون ذلك، فتحت الزيادة السريعة في عدد أعضاء الحزب الباب أمام دخول ’’عناصر غير نقية‘‘ أيديولوجيا. كانت منطقة قاعدة الحزب الشيوعي الصينية تنحدر إلى حالة من الفوضى.
أطلقت قيادة الحزب في محاولة للسيطرة على الوضع بسرعة إصلاحات واسعة النطاق. وبالإضافة إلى حركة تصحيحية تهدف لاستعادة الانضباط الأيديولوجي، تعهد الحزب بزيادة الإنتاجية من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية وزيادة الاعتماد على الميليشيات الريفية. مكنت هذه الإصلاحات الحاسمة الشيوعيين من التغلب على أزمة أوائل الأربعينات.
وفي عام 1942بدأ الجيش الإمبراطوري الياباني -الذي كان خسر وجوده في المحيط الهادئ- في نقل وحدات النخبة التابعة له من الصين إلى ساحات القتال الرئيسية الأخرى. وكان لتقليل حجم القوات اليابانية وضعفها في الصين التأثير الأكبر في المناطق النائية، حيث كان الشيوعيون أقوى. توغلت القوات اليابانية بلا هوادة جنوبا عبر الصين في إطار عملية إيتشيو-غو التي نُفِّذت في عام 1944، محطمة الجيش الثوري القومي لحزب الكومينتانغ أثناء تقدمها وهو ما قاد إلى فراغ عسكري. استفاد الشيوعيون من تلك الثغرات وتحولوا إلى الموقف الهجومي وبسطوا سيطرتهم على طول خطوط السكك الحديدية والمدن الصغيرة. وبحلول الوقت الذي انتهت فيه الحرب، كانت قاعدة الحزب الشيوعي الصيني تضم أكثر من 100 مليون نسمة وكان تعداد جيشها 1.27 مليون جندي.
تأثير الحرب السوفيتية اليابانية
بدأ الشيوعيون في المراحل الأخيرة من الحرب في التحول من استراتيجية حرب العصابات المشتتة إلى استراتيجية قتال مفتوح من قبل قوات كبيرة ومركزة بينما كانوا يستعدون لاستئناف نضالهم ضد حزب الكومينتانغ. وفي أبريل/نيسان عام 1945، وتحسبا لدخول الاتحاد السوفيتي في الحرب ضد اليابان، أصدرت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في يانان تعليمات للتحضير للعمليات السوفيتية ضد اليابان وعودة شمال شرق البلاد (منشوريا) إلى السيطرة الصينية. دعا بيان صدر في 10 أغسطس/آب إلى النزع الفوري لسلاح القوات اليابانية والاستيلاء على المدن ووسائل النقل في حالة استسلام اليابان الذي كان يرجَح حدوثه بشكل متزايد. وفي اليوم التالي أصدر مقر الحزب تعليماته للجيش الأحمر بالتقدم نحو الشمال الشرقي. وخلال هذه الفترة الحاسمة، تمكن الحزب الشيوعي الصيني -بفضل دعم وحماية الاتحاد السوفيتي- من إيجاد موطئ قدم راسخ في الشمال الشرقي. وبعد استئناف الحرب الأهلية، تمكن من التقدم وتوسيع أراضيه من الشمال إلى الجنوب ليبسط سيطرته الكاملة في نهاية المطاف عام 1949.برقية مشفرة معترضة أرسلتها موسكو إلى الحزب الشيوعي الصيني في 10 أغسطس/آب عام 1945 للاستفسار عن الوضع في يانان (HW / 17/42، الأرشيف الوطني البريطاني، كيو، لندن).
أوامر خطية من مقر قيادة الحزب الشيوعي الصيني في يانان بتاريخ 10 أغسطس/آب عام 1945 تحتوي على تعليمات لنزع سلاح القوات اليابانية عند استسلام اليابان (المتحف الوطني الصيني، صورة من الكاتب).
وكما يتبين مما سبق، كان اندلاع الحرب الصينية اليابانية الثانية بمثابة نقطة تحول بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، ما سمح له باستعادة قوته وإحيائها بعد انتكاسات مدمرة في المنطقة الشمالية الغربية النائية تركته يكافح من أجل البقاء. وعلى خلاف حكايات المجد والبطولة التي روجها المؤرخون الرسميون للحزب الشيوعي الصيني، تسلط هذه الرواية الضوء على ضربات الحظ وحوادث التاريخ التي سهلت عودة الحزب. وفي الوقت نفسه، تقر بالقيادة الاستراتيجية التي سمحت للحزب باغتنام تلك الفرص والاستفادة منها. قد تكون روايتي للأحداث أقل بريقا من الروايات الرسمية، إلا أنها مع ذلك قصة صراع كبير تنتهي بنجاح عظيم.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: ماو تسي تونغ وقادة صينيون آخرون بصحبة سفير الولايات المتحدة لدى الصين في أغسطس/آب عام 1945. في المقعد الأمامي من اليسار، قائد الجيش الأحمر تشو دي، والمسؤول الدفاعي في حزب الكومينتانغ تشانغ زيزونغ، والعقيد بالجيش الأمريكي إيفان ييتون، وفي الخلف إلى يسار ماو يجلس السفير باتريك هيرلي الذي حاول دون جدوى المصالحة بين الشيوعيين والقوميين. أوراق إيفان دي ييتون، صندوق 9، معهد هوفر، ستانفورد.)
كيف شكلت الحرب مع اليابان طوق النجاة للحزب الشيوعي الصيني
اعتمد المؤرخ الياباني إيواتاني نوبو على بحوث من الأرشيف لإظهار الدور الذي لعبه اندلاع الحرب الصينية اليابانية الثانية في توسيع سيطرة الحزب الشيوعي الصيني الذي كان يحتضر، ومهد الطريق لانتصاره في نهاية المطاف.
www.nippon.com